المختصر في سقوط وسقوط القومية العربية

14.6.08 |


بقلم إيجي أناتوميست

سقطت القومية العربية أول مرة عام 67.. اكتشف دعاتها أنها هشة واقعيا.. أن قوتها النظرية والفكرية والخطابية لا تعادل حقيقتها على الأرض.. أن كل ما أنتجته من أغاني وأبيات شعر وتصريحات عاطفية مشتعلة لم تقدر أن توحد موارد ملايين ممن يقولون أنهم عربا ليستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم ضد ما أسموه "الكيان الصهيوني" الصغير المحكوم عليه بالزوال..

سقطت للمرة الأولى يوم اكتشف الملايين أن الأب القوي الواثق من نفسه ليس على ما أوحاه لهم من قوة وبأس.. يوم رأوا دمعة وصفوها بالإباء والشمم تترقرق بين عينيه النافذتين اللامعتين.. سقطت يوم خرج ملايين العرب يصرخون يطالبون أسدهم الجريح بالبقاء.. اكتشفوا يومها أنهم عاجزين سليبين الحيلة معتمدين عليه وعلى أبوته ولا يقوون على مواجهة الحياة بأنفسهم.. شعروا أنهم ناقصون ولا يكتملون إلا به وبعينيه.. سقطت يوم انهارت أمام أعينهم أحلام التقدم والتحديث والتصنيع والاستقلال والوحدة والكرامة والعلم.. مات العقل وانتحر المنطق

كان يمكن عام 67 أن نتحدث عن "عرب" و "شعب عربي".. لم يكن صوت عبد الناصر وحده هو ما يجمع هؤلاء.. لا.. ولا تنهيدات أم كلثوم وعبد الحليم فقط.. كان هناك حلم حقيقي جمع ملايين البشر قاطني المنطقة التي تتحدث العربية.. حلم بما افتقدوه طوال قرون الخضوع والاحتلال والسيطرة العثمانية البغيضة.. حلم يعوضهم أهوال ما فُعِلَ بهم من القوى الاستعمارية بعد حرب العالم الأولى ثم الثانية.. أولى قسمتهم ومزقتهم وعاملتهم كبشر افتراضيين لا يوجدون إلا فوق الخرائط يتقاذفها دبلوماسيو أوروبا، ثم حرب ثانية خلقت بينهم كيانا غريبا عنهم غاصبا لأرضهم

العروبة .. أو "الأمريكية" (نسبة لأمريكا اللاتينية وليس الولايات المتحدة).. أو أي قومية في الدنيا وعبر التاريخ.. هي ليست بالضرورة رابطة دم وجينات.. هي رابطة حلم ومكونات ثقافة قبل أي شئ.. وهي بدون تعبير سياسي واقعي عنها لا تساوي شيئا.. العروبة خلقت في الشام كرد فعل على التتريك الذي أعقب قيام تركيا الحديثة بعد الحرب الأولى.. ثم تلقفها جمال عبد الناصر وآمن بها مثلما آمن في نفسه.. لتلهم الملايين وتكتب فصول عقود عديدة من تاريخ القرن العشرين وتاريخ المنطقة

في 67.. سقطت على الأرض القومية العربية أو فكرة العروبة.. ودفع الشعور بالنقص والذل العرب لأن يبحث كل في طريقه عن ما يعوضه ويخفف عنه آلام الفطام.. الفطام من الأوهام التي بنيت بالألفاظ والبلاغات وافتقدت لأدنى مقومات الحياة


ترسخ سقوط القومية العربية عام 77

عشر سنوات مضت بعد 67.. كانت كافية لتراجع مصر نفسها.. وبقوة رد الفعل.. وتحت تأثير الهزيمة وخيبة الأمل.. وجد العرب رئيس مصر يزور ذلك الكيان الذين استمروا ينادونه بالكيان الصهيوني.. وكأن تزييف الواقع يغيره فعلا.. كأن تجاهل حقيقة أن هناك فعلا دولة تنال اعتراف معظم العالم اسمها إسرائيل سيجعل هذه الإسرائيل فعلا غير موجودة وبلا قيمة.. يوم زار السادات القدس تلقت القومية العربية التي كانت طريحة الأرض طعنة نجلاء في القلب.. زادت الدماء واشتد النزيف

ماتت القومية العربية يوم 2 أغسطس 1990.. حتى أعتى القوميين الذين ظلوا على دينهم أعلنوا تلك الوفاة في ذاك اليوم.. يوم شاهدوا بلد عربي يحتل بلد عربي آخر.. يوم شاهدوا دبابات العرب تسحق العرب.. يوم عرفوا أنه لن تكون هناك حرب أبدا مع إسرائيل.. فالعرب سيحاربون بعضهم وسيمزقون بعضهم وسيأكلون لحم بعضهم ميتا.. وإسرائيل ستكون أكثر أمانا مع هكذا عرب.. ماتت العروبة وأعلن هذا الموت بقدوم جيوش الدنيا من جديد لمنطقتنا

ومن تاريخه وساعته ولا يوجد نظام عربي.. يوجد فراغ رهيب في تلك المنطقة ينادي كل القوى الجائعة استراتيجيا واقتصاديا.. أيضا توجد قوى ثلاثة – غير عربية – على الحدود الخارجية للعالم العربي الحزين تتربص وتتحين الفرص للانقضاض النهائي.. إيران من الشرق وتركيا في الشمال وإسرائيل في القلب

هرب العرب وأنظمتهم للبديل الموضوعي للمشروع القومي.. المشروع الخرافي الآخر.. فالعرب باتوا يعشقون كل المشروعات القومية الخرافية.. المهم في المشروع ألا تكون له صلة بالواقع.. ألا يكون ثقيل الظل مثيرا للآلام.. أن يكون مخدرا لذيذا مساعدا على النوم والنسيان.. أن يكون مليئا بالأساطير والأحلام والأوهام.. أن يكون فيه عبد الناصر فإن تعذر فصدام حسين فإن لم يمكن فيمكن الاكتفاء بحسن نصر الله أو حتى اسماعيل هنية.. أن يكون معاديا لأي عمل جدي حقيقي وأي رؤية واضحة.. أن يكون مخاصما للكلمات القبيحة مثل العلم والعمل والتقدم والحرية والديمقراطية والنور والأنوار والتنوير.. النون والراء يذكران العرب بالنار وبئس المصير

ازدهر المشروع الخرافي المسمى كذبا بالإسلامي أو الديني.. ازدهر وملأ دنيا العرب وشغلهم ودروشهم ومشيخهم ووهبنهم ووعممهم وحجبهم ونقبهم

ولازلنا نتفرج على فصول مسرحية العرب




النص الكامل للمقال

انتحار شعب

10.6.08 |


بقلم نسرين بسيوني

من فتره طويله قرأت قصه القس المزعوم "جيم جونز" وعملية الانتحار الجماعي اللي كان هو قائدها المغوار.. جيم كان قس مهووس بالجنس والمخدرات, أقنع جماعته ومن اتبعوه بالانتقال للعيش فى مكان منعزل تماما عن البشر وأباح لهم ممارسة الجنس وتعاطي المخدرات, ولفترة طويلة ظنوا أنهم حصلوا على جنة الله على الأرض والسعادة الابدية..

ولكن مع مرور الوقت ساد الملل والاحباط بين كل أفراد الجماعة, وبالفعل استطاع جيم بتأثيره السحري عليهم بجانب حالة الاحباط أن يقنعهم بتنفيذ الانتحار الجماعي في عام 1978 م. انتحر بالفعل 918شخص كان من بينهم اطفال ونساء وشيوخ اقدموا جميعا على تناول السيانيد السام, ومن امتنع او جبن مات رميا بالرصاص..
الملاحظ ان اغلب اعضاء الجماعة كانوا من الزنوج اللي كانوا في الوقت ده واقعين تحت أشد درجات العنصرية والظلم والفقر في الولايات المتحدة!!!

تعتبر جماعة جيم جونز من أشهر حالات الانتحار الجماعي ويليها شهرة جماعة الوصايا الاثني عشر اللي كانو طائفة من كاثوليك أوغاندا المسيحيين أقنعهم الراهب "جوزيف كيبوياتيرا" بأن القيامة ستكون ليلة 31ديسمبر1999م, واقنعهم ايضا ببيع كل ممتلكاتهم والتبرع بها والاستعداد لدخول الجنة, ولكن-للاسف- لم تقم القيامة واصاب أتباع القس المفلسين إحباط ويأس شديدين وبدأوا موجة من الانتحار الجماعي بدأت فى مارس 2000 بانتحار 530 مسيحي كاثوليكي في أحد الكنائس الكاثوليكيه فى مدينه "كانوجو" الأوغندية.


وبالبحث في حالات الانتحار الجماعي لاحظت إن دايما بيكون وراها يأس واحباط أو هوس ديني متطرف
والحالتين موجودين في مصر دلوقتي..
حالة يأس وفقر وإحباط مسيطرة على اغلبية المصريين00وهوس ديني وهوس بما وراء الطبيعة والعوالم السفلية و الجن والميتافيزيقيا عامة.

أعتقد إن كل شاب أو بنت أو سيدة أو رجل في مصر هو حالة جاهزة ومهيئة جدا للانتحار, لا ينتظروا سوى شخص ك"جيم جونز" له نفس سحره وتأثيره ويا سلام لو قس او شيخ بعمامة حيهرولوا وراه من غير تفكير!! أعتقد إن عمرو خالد لو فكر فعلا انه يشجع تابعيه على الانتحار فحيقدر يحقق رقم قياسي يغلب بيه "جونز" و"جوزيف" ويحتل المرتبة الأولى بجدارة ويحفر إسمه في التاريخ..


البداية كانت قريب لما انتحر أب وأبنتيه الجامعيتين بسبب حالة الفقر الشديد اللي اجبرتهم على بيع أثاث المنزل والنوم على الارض بعد ان تخلى عن مساعدتهم الأقارب والجيران, قرروا إنهاء حياتهم بتناول عقار ال"لانجوسين" المخصص لمرضى القلب ليتخلصوا من عذاب الفقر والحاجة. ونشرت الحادثة على أنها "حالة انتحار جماعي لأسرة في مصر الجديدة"

وبما اننا شعب قرر عدم الثورة والخنوع والخضوع وإعتاد عليهما, فلن أتعجب أن يكون الانتحار الجماعي هو الكلمة السحرية والحل القادم اللي سيبتكره الشعب المصري للتخلص من يأسه بعد فشل الإضرابات والاعتراضات والانتخابات والعلاوات والحركات الفيسبوكية والصراخ البلوجري والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية وجهود المنظمات الحقوقية, فنسمع في الجزيرة غدا خبر حدوث عملية انتحار جماعي لبعض أقباط مصر في أحد الكنائس التاريخية, وإن المنتحرين قرروا الانتحار تحت ضغط الاضطهاد اللى بيشعروا بيه في وطنهم

وربما تتجمع مجموعة من فتيات مصر داخل حرم جامعي ويهددوا بالانتحار لتخليص نفسهم من ألم ومهانة التحرش الجنسي اللي أصبح وجبة يومية يتبرع بها الشباب المصري كل يوم للفتيات

وبالتأكيد ستصل الأمور ببعض المعتقلين والأسرى فى السجون المصرية إلى الانتحار, ومن الجائز ان تقرر المطلقات والآنسات اللي تعدوا سن الخامسة والعشرون دون زواج ان ينتحروا انتحار جماعي بسبب عدم تقبل المجتمع المصري "المحافظ أوي" لهم !!

الشعب اللى يتسحر ويتأثر ب"عمرو باشا خالد" ويفديه بالروح بالدم ويهدر دماء عصام الحضري هو شعب في أتم الاستعداد لتجربة الانتحار الجماعي .. كل حي, راقي كان او شعبي, لا يخلو من دجال او قارئة فنجان. وكل بيت لا يخلو من أزمه حقيقية, بداية من ازمات المعيشة والمرتبات والمصروف والأكل والشرب ومصاريف المدارس انتهاءا بمشاكل غرف النوم من ضعف جنسي عند الرجال هو نتيجه طبيعية للمشاكل السالف ذكرها أو حاله جواز عرفي أو هتك عرض..

مصر حزينة فعلا, والظروف والاحوال مش مبشره بأي خير. أعتقد ان نبرة التفاؤل عند البعض هي محاولة يائسة منهم للتشبث بأمل مش موجود ابدا على المدى البعيد أو القريب..

امضاء..
مصرية محبطة



النص الكامل للمقال

الأبواب الخلفية

9.6.08 |


بقلم على باب الله

أعدت الدكتورة منى ذو الفقار بحثاً عن التمييز و قدمته للمجلس القومي للمرأة و من بين ما جاء فيه

أن عقوبة الزنى تختلف في حالة الرجل عنها في حالة المرأة .. ففي حين تعاقب المادة ( 274 ) من قانون العقوبات الزانية بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين , تعاقب المادة ( 277 ) الزاني بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر !!

كما تختلف أركان الجريمة أيضاً , ففي حين لا يشترط لنسبة جريمة الزنى إلي المرأة سوي إتيان الجريمة نفسها فقط بغض النظر عن مكان وقوعها , فإن القانون يقصر شروط نسبتها إلي الرجل علي وقوع جريمة الزنى في منزل الزوجية
بالإضافة إلي ذلك , تنص المادة ( 237 ) علي إنه إذا فاجأ الرجل زوجته في حالة زنى و قتلها في الحال تعتبر هذه جُنحة و تعاقب بالحبس فقط , أي لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات .. و ذلك تعاطفاً مع مصابه و صدمته و مراعاة لشعوره .. و هذا إستثناء للمادة ( 234 ) أما إذا فعلت الزوجة نفس الشيء فضبطت زوجها متلبساً بخيانتها و قتلته , فتعتبر جناية عقوبتها إما السجن المؤبد أو المشدد أي السجن لمدة لا تتجاوز 15 عاماً .. وفقاً لأحكام المادة ( 234 ) .. دون إستثناءات هذه المرة .
لقد أجازت المادة ( 274) للزوج وقف تنفيذ الحكم النهائي الصادر بإدانة زوجته الزانية , بينما لم يسمح القانون للزوجة بهذا الحق , في حالة إدانة زوجها بجريمة الزنى بموجب حكم نهائي .
و أخيراً فإن شهادة المرأة أمام القضاء تعادل فقط نصف شهادة الرجل و هذا شيء غير مقبول و غير واقعي و لا يتماشي مع ما تطلقة الحكومة من وعود و خطط و مشاريع تهدف بها لتمكين المرأة و مساواتها مع الرجل في جميع الحقوق و الواجبات .
__________________________________

حرية العقيدة مكفولة للجميع , عبارة تلوكها الألسن في مناسبات عديدة و في الحقيقة فإن الدستور المصري نفسه يقر حرية العقيدة و أحكام المحكمة الدستورية العليا كلها تصب في هذا الإتجاه , و لكن الشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون .. فمثلاً إشهار الإسلام هو الإجراء الوحيد المسموح به من قبل مختلف مكاتب الشهر العقاري , و لا تُقبل الحالات العكسية مطلقاً .

فبعد التعديل الأول للدستور في عصر الرئيس أنور السادات عام 1971 و إضافة المادة الثانية و إعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع أصدرت مصلحة الشهر العقاري المنشور رقم 5 لسنة 1971 مبينة إنه حيث أن الردة عن الإسلام هي إجراء لا تقره الشريعة الإسلامية , فلا يجوز إذاً لمكاتب الشهر العقاري أن تصدر هذه الشهادات , بإعتبار أن الشريعة الإسلامية هي القانون العام في مسائل الأحوال الشخصية . و من ثم لا يجوز إصدار شهادات غير جائزة شرعاً , و هكذا ألغت قرارات الشهر العقاري ما قد سبق و أقره الدستور , و علي المتضرر أن يبل الدستور و يشرب ميته .

هذا المنشور و معه الأحكام القضائية المعوقة للحريات الدينية في مصر هو الذي يقف ضد حرية العقيدة و ضد المادة 46 من الدستور و ضد تفسير المحكمة الدستورية العليا لحرية العقيدة , فإن حرية الإنسان في أختيار عقيدته التي يؤمن بها .. بدون تهديد أو إجبار من أي نوع هو حق أصيل للإنسان أعترفت به جميع العهود و المواثيق الدولية و هو ركيزة أساسية من ركائز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
------

إن كنا ننادي بتمكين المرأة المصرية و منحها دوراً أكثر فاعلية في المجتمع المصري لأنها ظلت لسنين طويلة طاقة كامنة لا تجد من يستغلها بالشكل الأمثل إلا في حدود ضيقة و وفق معايير مقننة محدودة
إن كنا ننادي بالمساواة الحقيقية بين الرجل و المرأة .. و التطبيق العملي و الحقيقي لمبدأ المواطنة حيث تتاح للجميع فرص متساوية للنجاح و التقدم تكفلها لهم الدولة و القانون بنصوص واضحة صريحة ليس لها أبواب خلفية للهرب
إن كنا ننادي بتفعيل مبدأ المواطنة حيث يكون جميع المصريين سواء أمام القانون بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الديانة أو العرق, لهم جميعاً نفس القدر من الحقوق و عليهم القدر ذاته من الواجبات
إن نادينا بهذا دون أن نلتفت لإصلاح القانون نفسه و تنقيته من الأبواب الخلفية التي تعود بنا مرة أخري إلي المربع رقم صفر و من شوائب القوانين التي تقف عائقاُ بيننا و بين مهمة الإصلاح التي لطالما حلمنا بها للنهوض بمصر , تصبح جهودنا و كلماتنا تلك مجرد طق حنك و جعجعة فارغة لا أكثر

-----



النص الكامل للمقال

مصر بخير

8.6.08 |

بقلم رولا خرسا


اسم"مصر" فى اللغة العربية واللغات السامية الاخرى مشتق من جذر سامى قديم يقال انه يعنى "البلد" أو "الأرض الممتدة " ويقال ايضا ان معناها "الأرض المحصنة", ويبدو ان هذا الكلام فيه قدر كبير من الصحة ... فعلى الرغم من المشاكل الكثيرة التى يعانى منها المصريون الا ان بلادنا مستورة

واقولها حين اقرأ الاحصائيات الصادرة عن البنك الدولى وتقارير التنمية البشرية التى تضع مصر فى المرتبة 120 من بين 177 دولة, تسبقها اسرائيل فى المرتبة 22 والبحرين فى المرتبة الاربعين وكوبا المحاصرة اقتصاديا منذ الستينات فى المرتبة 52 .... وتقول التقارير ان 14 مليون مصرى يقل دخلهم عن دولار واحد يوميا منهم 6 ملايين مواطن فى الصعيد والنسبة الاكبر منهم من الامين .... ونسبة كبيرة منهم لا تعمل .... وفى تقرير صادر عن معهد التخطيط القومى يقول ان 16.7 من السكان يعيشون تحت خط الفقر .... اى حوالى 11 مليون نسمة تقريبا, وان 6 مليون مواطن لا تصلهم مياه مأمونة ، يعنى عرضة لانواع مختلفة من الامراض ... و 4.4 مليون شخص يعيشون دون صرف صحى

من ناحية ثانية, وفى دراسة حديثة لمراكز بحثية تابعة لاكاديمية البحث العلمى ومجموعة من الجامعات اكتشف ان هناك اكثر من 20 مليون شخص فى مصر مصاب بمرض الالتهاب الكبدى الوبائى " سى" و59% من المصريين مصابين بالبلهاريسيا و12 مليون مريض بالسكر و5 ملايين بالفشل الكلوى ...وفى تقرير للامم المتحدة بعد مسح اجروه لاطفال الشوارع فى القاهرة والاسكندرية ان حوالى 66 % من اطفال الاستطلاع يتناولون بانتظام عقاقير خطرة و70 % تسربوا من التعليم و30 % لم يلتحقوا اصلا بالتعليم. هؤلاء هم شباب المستقبل. اما الكبار فوفقا للبيانات فأن30% من الشعب المصرى مصاب بامراض نفسية, منهم 3.5 مليون شخص مصاب بالاكتئاب .... وفى ظل ارتفاع الاسعار مؤخرا بشكل كبير من المتوقع زيادة عدد المصابين بالاكتئاب وعدد المنتحرين.... وعلى الرغم من هذا فمصر بخير .... فالانفاق السنوى على الموبايلات من رنات ومسيجات تصل حسب دراسة للمركز القومى للاتصالات الى 186 مليون جنيه ، اما ماينفق على السهرات والحفلات حسب دراسة اجرتها اكاديمية السادات منذ عامين حوالى 5 مليار جنيه ونصف المليار, وينفق المصريون على السجائر والتدخين 4 مليار جنيه سنويا, اضف اليها مبلغ 2.6 مليار تنفق للجلوس على المقاهى وفى الفنادق بسبب البطالة.

والله مصر بخير .... فبعد الارقام التى ذكرتها واثقلت بها عليكم لانستطيع ان نقول الا ان الله وحده هو حامى هذا البلد وان الستر من عنده ... واكبر دليل على ما اقول ان المصرى حين يعجز عن ايجاد قوت يومه يقول : عشانا عليك يارب ... وانا اقول الستر من عندك يارب



النص الكامل للمقال

رفقاً بالرجال

7.6.08 |


بقلم سوسن

عندما يبلل ابني نفسه و أجري لتغيير حفاظته، دائماٌ ما تساعدني أمي مشكورة بمداعبته حتى يتوقف عن البكاء. تبدأ المداعبة –البائسة- بالسيناريو المعهود: "بس بس، في راجل يعيط كده؟" ثم تبدأ التعليقات السخيفة عن "الزقزوقة" و التي أنأى عن ذكرها حفظاً لذوق القارئ الكريم

أكتم غيظي و أشكرها و أستر "زقزوقته" ثم يستكمل هو اللعب بالكرة أو مص إصبعه بينما أنا أغرق في أفكاري الثورية و الشطحات الوجودية الجهنمية.

هذه المرة غرقت في قراءة كتاب عن انطباعات مجموعة من النساء عن مدن متعددة خلال زيارتهن لها. كان حظ مصر منها في مدينة الأسكندرية. الكاتبات ذكرن أنهن التزمن بنصيحة ارتداء عباءات فضفاضة لتجنب استفزاز ذكور المدينة العروس. بالرغم من ذلك، أكدت الكاتبات أنه لم يتردد السواد الأعظم من الشباب اليافع في التبرع بالتعليق... أي تعليق، مجاملة حسنة أو بذيئة كانت.
قرأت ذلك و سرحت في تجربتي أنا الشخصية.

هل لاحظتم مثلي أن كثير من الرجال في الشارع المصري –خاصة رجال الطبقة الكادحة- لا يتورعون في قطع طريق أي أنثى شاء لها القدر أن تشاركهم نفس الشارع الضيق عادة. و عليه، فيجب على كل "مزة" مارة بالطريق أن تنزاح جانباً لثوان –تطول أحياناً- حتى ينعم بالشارع الفحول الأشاوس. كل مرة يطيح بي رجلاً إلى جانب الطريق أنظر في عينيه فأجد نظرة انتصار مُرة.

على بساطته و تفاهته –إن شئت، فإني دائماً أتوقف أمام هذا السلوك و أبدأ في فك شفراته. فهناك عداء سلبي متوطن في الأبناء الذكور لهذا الوطن تتجسد أمامي في "زقزوقة" ابني كريم (سوف نتحدث عن العداء السلبي الأنثوي في خواطر لاحقة).

تبدأ التمثيلية المهينة التي تسعى –باطلاً- لبناء هوية ابني الانسانية بتنبيهه لأهمية أعضاءه التناسلية في اثبات وجوده، و تستمر في تعليمه أن كل النشاطات التي ينوي القيام بها و الحقوق و الواجبات المترتبة عليها سوف تتشكل حتماً في ضوء ذلك الوجود النوعي.

قتل العلم و الفن و المنطق بحثاً النتائج السلبية المترتبة على تصنيف ألعاب و أهازيج الأطفال حسب جنسهم. فالقطار و أدوات الحرب و بدلة الضابط للولد، أما باربي و مطبخها و فستان زفافها فللبنت. و ما أن تترسخ هذه "التوجهات" في عقل كل طفل جديد، نكون قد أرتكبنا ذنباً جديداً يضاف لصحيفة العنف ضد الانسانية... و عقبال عندكوا يا حبايب!

لكن كيف يتم ذلك؟ أحياناً أشعر أنك تشعر، قارئي الفاضل، أني مزوداها شوية. لذا، وجب التوضيح...ـ
طالما أن بدلة الضابط و الكرة الشراب يتم تمويلهم من قبل الوالد(ة) الكريمـ(ة) فلا شر في ذلك. تبدأ المأساة عندما يكون الوقت قد أزف و وجب (اضطراراً) أن يعتمد الشاب من دول على نفسه و ربما رغبته في شراء عروس المستقبل. يكتشف هذا الشاب الآمر الناهي في حضن والدته (و لا يفوتنا... شكرها... على كونه كذلك) أنه ليس لديه المصادر المالية لتأمين وضعه هو شخصياً، فضلاً عن البحث عن صفقة، أقصد زوجة، يؤمن معاشها و يمارس سلطاته المعنونة مسبقاً.

المهم... بدلاً من أن يكتشف ضعف موقفه (الذي يتفاقم إذا كان من طبقة غير يسيرة مادياً) و يبدأ في تعديل قيمه تبعاً لمعلوماته الجديدة عن عدم صلاحيته لدور الإله فإنه يحاول أن يتمسك به بكل قوة و يتشبث بأهدابه حتى قطرة آخر جندي مصري. و هذا ما نراه من معاكسات في الشارع، و كبت للزوجات الصغيرات داخل المنزل، و قطع لطريق المزز في الطريق: و نتأكد منه بنظرة الانتصار التي تملأ أعينهم، مصاحبة للمرارة التي تغمرها، لأن هؤلاء الرجال المعتدين في النهاية بشر و لديهم ضمير يلومهم لممارسة الظلم أو الاعتداء على الآخرين.
هذه للأسف هي طريقة الشباب اليافع في اثبات رجولتهم: اضطهاد الآخر (و اللهم اجعله خير، الآخر ده طلع "المرأة"). لماذا؟ لأنه هو مضطهد! مضطهد لأن الواجبات المطلوبة منه ليست قائمة على كفاءاته الشخصية أو تفضيله هو لها، و لكن على قالب اجتماعي متخلف فشل في استخراج طاقاته الكامنة و ابداعاته و أصر على تثبيته في قالب ظالم له، و لمن حوله.

سيدي الرجل، حان الوقت بالاعتراف بعدم قدرتك على كفاية ذويك مالياً، و ربما عدم رغبتك في ذلك. امتلاكك لـ "زقزوقة" مثل ابني ليس أبداً معناها أنك القائد و الضابط الرابط. إذا كانت هذه رغبتك و قدرتك أنت فربنا يوفقك... لكن تقديري أنك، عذراً، هتلبس في أتخن حيط! و آه، كمان، لا تشتري خطيبتك بالشبكة!ـ



النص الكامل للمقال

الكذب في سبيل الله

6.6.08 |


بقلم سيد القمني
مقال غير حصري

هل يجوز للدولة الإسلامية المعاصرة.. أن تفرض «الجزية» علي أهل الذمة برضائهم؟! لون من الكذب لا يلجأ لتلبيس المفاهيم إنما هو يكذب بشكل «قارح» علي نفسه وعلي تراثه وعلي المسلمين الدكتور «فيصل مولوي» مشغول مثل كل زملائه بإقامة دولة إسلامية معاصرة لكنه يريد أسباب القوة المعاصرة من تراثنا الذي مضي عليه 14 قرنا .

«مولوي» يري أنه علي غير المسلمين قبول تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم في بلاد المسلمين كما يخضع المسلم للقوانين العامة في بلاد الغرب نشرنا بالعدد الماضي عن تحريض عدد من مشايخ المسلمين علي الجهاد ومحاربة غير المسلمين، ذلك الجهاد الذي يأبي المشايخ أن يقوموا به بأنفسهم أو حث أبنائهم عليه.

وكتبنا أيضا عن جهاد من نوع آخر الذي هو في سبيل الدنيا واستعرضنا أراء العلماء المعاصرين ومنهم الدكتور «أحمد الريسوني» الخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يري أننا لسنا في حاجة للديمقراطية كما تعرفها الدنيا لأننا لدينا الشوري التي هي عنده أهم وأعم من الديمقراطية.لم يعرف العرب في جزيرتهم، قبل الإسلام، أو بعده، شيئاً اسمه انتخابات، فالدكتور يشرح لنا الفرق العظيم بين ديمقراطية الغرب وشوري الإسلام كما يفهمها بقوله: الشوري حسب أحد الفقهاء المالكية هي: علي الأمير أوالسلطان أن يستشير قادة الجند فيما يخص الحرب والقتال والسلم، وما إلي ذلك، وأن يستشير وجوه الناس في مصالح الناس، وأن يستشير الكتاب في مسائل الإدارة.. إلخ الحلقة نفسها .

وهكذا نجد الأمير أوالسلطان قد تسلطن أصلاً دون أي دور لهذا الشيء المسمي شوري في سلطنته، ومعلوم أن البيعة شقيقة الشوري في النظام السياسي الإسلامي كما يدعو إليه هو وأمثاله، هي عقد إذعان وإعلان ولاء للنظام،الذي تسلطن مسبقاً وجلس يطلب من المسلمين الاعتراف بسلطانه، كذلك كانت معظم الولايات في تاريخنا تقع تحت بند خلافة المتغلب، أي الذي غلب الناس بسيفه وعسكره وشوكته. وهكذا تصبح البيعة والشوري عملية إكساب شرعية لنظام غير شرعي وليست العكس، ولا علاقة لها برأي أغلبية ولا أقلية، ولا تعرف شيئاً اسمه الترشيح أو المنافسة أو الانتخاب أو حتي الاختراع العروبي الثوري المسمي استفتاء.

وبعد أن يتسلطن المتغلب ويأخذ الشرعية يسوق الناس لبيعته بالزواجير وهو ما حدث في أخذ بيعة «الإمام علي» والهاشميين «لأبي بكر» قهرا،.... من قهر الناس بجنده وتغلب عليهم بشوكته، لا يبيت المسلم مسلماً وهولا يراه أميراً له ، هذا حديث آخر منسوب للنبي «صلي الله عليه وسلم» ما أنزل الله به من سلطان لشرعنة اللاشرعية، فقط بحجة وأد الفتنة. وبعدما يتسلطن المتغلب ويحشر الناس لبيعته، ويأخذ الشرعية بالرضي الكهنوتي، قد يستشير أهل العلم في الدين، وقادة الجند في القتال، وقد يستشير الكتاب في الإدارة.

الدكتور «الريسوني» لكثرة ما طال به العهد وسط كتب التراث تحول هونفسه إلي تراث مُعلب، لازال أسلوب الحكم عنده هو سلطة واحدة وخليفة واحد يدير كل شئون الإمبراطورية، لكنه خليفة ديمقراطي يشاور وجهاء سلطنته في كل شأن. ويبقي السؤال يحيرنا حول معني لقب دكتور ولقب مستشار ولقب فقيه وكلها صفات السيد «الريسوني». ووجه الحيرة قوله مع كل هذه الألقاب السنية أن الأخذ برأي الأغلبية مسألة فطرية وأن الإسلام مع هذا المبدأ لأنه دين الفطرة.

بينما ما حدث في تاريخنا هو أن المستبد الحاكم ممثل الأغلبية بحكم شرعيته الدينية، ما كان يسمح أصلاً بظهور أقلية أومعارضة، وحتي عندما كانت تثبت تلك المعارضة وجودها، فذلك لأنها صارت في موطنها أكثرية كالمذهب الشيعي في إيران والعراق مثلاً. أو ليشير لنا الدكتور في تاريخنا عن هذه المعاني، فقط هويعتمد الشوري، وهوشأن يعني طلب النصيحة ولا علاقة له بالديمقراطية كمنظومة سياسية حقوقية، هوشيء أقرب إلي المهلبية منه إلي الديمقراطية.

ولا يجد الفقيه «الريسوني» حرجاً عندما يأخذ برأي الأغلبية ليؤسس عليها شرعيته؟! أي حديث هذا؟ وأي عبث ذاك؟ إذا كان القانون الذي سيحكمنا هوالشريعة كما يفهم هو وأمثاله، والشريعة التي هي من عند الله، ولم يستشرنا ربنا جل جلاله عندما وضعها لنا ولا أخذ رأي أحد فيها ولا حتي أنبيائة، فما المعول علي الأغلبية هنا؟ ماذا سيكون دورها ؟ وكيف سيكون هذا الدور مع شريعة هي أوامر ونواه لا مجال فيها لرأي ولا استفتاء ولا أقلية ولا أكثرية، فلا اجتهاد مع نص ولا إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة كما يحددها السلطان وفقهاؤه ومن ثم لن يبقي من الديمقراطية شئ، إنما تبقي الشوري التي تلائم ظروفنا وديننا، سيستشيرونا إن شاء الله في الشئون التي تخرج عن دائرة الدين.

فإذا كانوا قبل أن يحكموا جعلوا كل شيء داخل دائرة الدين، فما هو شأنهم يوم يركبون الكراسي الكبيرة ؟والمعلوم أن الإسلام قد بدأ مع مسلمين أقلية فانحاز للأقلية مبكراً، ودعمها وخصها بالخير وذم الأكثرية ودمغها بالشر، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك ، ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولوكثرت... 19 الأنفال، قل لا يستوي الخبيث والطيب ولوأعجبك كثرة الخبيث 100 المائدة، ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا 5 التوبة، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون 66 المائدة، وفضلناهم علي كثير مما خلقنا تفضيلا 70 الإسراء، وقالا الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده المؤمنين 15 النمل، فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون 6 الحديد.

ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون 3 المائدة، وتري كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان 6 المائدة، وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم 119 الأنعام، ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس 179 الأعراف، إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل 34 التوبة، وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون 9 يونس، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون 8 الروم، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله 49 البقرة، إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 43 البقرة، ولكن أكثرالناس لا يؤمنون 1 الرعد، فأبي أكثر الناس إلا كفورا 89 الاسراء، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30 الروم، وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون 59 المائدة، نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون 100 البقرة، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.. 110 آل عمران.

خير الأمم


ورغم تحول المسلمين إلي أكثرية فيما بعد، فإنها لازالت تقوم بدور الأقلية المطهرة كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وهي التي اختارها الله خير الأمم، ومهمتهم تحويل هذه الكثرة المخالفة إلي الإسلام، فالأقلية هي الطيبة المتسامحة التي يقع عليها الاضطهاد وعبء الدعوة والجهاد لأنها الصواب المسلم.

والحقيقة أنها ليست أكثرية ولا أقلية بما نفهمه منها الآن، ولا علاقة لها بمعني الأقلية والأكثرية السياسية، هي شأن ديني طائفي خالص، وعندما كان الشأن واضحاً كشأن سياسي تماماً زمن الرعيل الأول، لم يحدث أن تم تفعيل مبدأ الأكثرية، فقد اختار أ«بوبكر» الحرب علي أهل الردة رغم معارضة أكثرية الصحابة وعلي رأسهم «عمر»، واختار «عمر» عدم الخروج علي رأس الجيوش وأناب عنه قواد الفتوح، رغم استشارته لعشرة من الصحابة فقال تسعة منهم بوجوب خروجه علي رأس جيوش المسلمين، وواحد فقط عبد الرحمن بن عوف قال ببقائه في المدينة، فأخذ برأي الواحد.

والأمثلة أكثر من الحصر.دولة إسلامية معاصرةهناك لون آخر من الكذب لا يلجأ لتلبيس المفاهيم، إنما هو يكذب بشكل قارح علي نفسه وعلي تراثه وعلي المسلمين المفترض أنهم يأمنونه علي دينهم وأخلاقهم.

الدكتور «فيصل مولوي» الأمين العام للجماعة الإسلامية الدولية، مشغول مثل كل زملائه فقهاء أو دعاه أوجماعات بإقامة دولة إسلامية معاصرة، فهو يؤمن بالمعاصرة كحل لتخلفنا وضعفنا، لكنه لا يريد أسباب القوة المعاصرة، من عصرنا، يريدها من تراثنا، من عصر مضي عليه أكثر من أربعة عشر قرناً، لذلك يفرض علي هذا التراث مفاهيم لم يعرفها العالم إلا قبل قرنين أوثلاثة من الزمان، لا لشيء، إلا لحشر الإسلام في كل شيء.

يواجه «مولوي» هنا معضلة وجود مواطنين غير مسلمين في الدول المسماة إسلامية، وأن الإسلام يفرض عليهم الجزية، وأن الجزية انتقاص من المواطنة، فالمواطن يدفع ضريبة الجزية بسبب اختياره ديناً غير ما ارتضته الدولة لنفسها. وبسبيل إثبات حداثة الفكر الإسلامي السياسي، يتنكر «مولوي» عن قصد لمعلوم من الدين بالضرورة فيقول: ليس هناك مبرر لأن تفرض الجزية علي هؤلاء، لأن الجزية تفرض بعد حرب ولا تفرض بعد اتفاق.

ومع ذلك حتي بعد الحرب، ربما يحصل صلح بين المسلمين وغير المسلمين ولا تكون فيه جزية، وقد حصل هذا أيام «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه عندما أراد المسلمون أن يفتحوا بلاد النوبة ولم ينجحوا فيها، فصالحوا أهلها بغير جزية المواطنة في الفقه السياسي الإسلامي الشريعة والحياة الجزيرة الدكتور «مولوي» يقوم بدور المحلل بين المطلقين ثلاثاً في بينونة كبري، فينكر المعلوم طوال تاريخ الإمبراطورية الإسلامية والمعلوم من الشرع والدين بالضرورة، لأن الجزية مقصود منها الإذلال والصغار وهم صاغرون.

وهي بمفاهيم اليوم الحقوقية تعد انتقاصاً من حقوق المواطنة بسبب دين دون دين.لو مد «مولوي» الحبل علي استقامته وأنكر واستنكر الجزية التاريخية والشرعية، بحسبانها ما كانت تليق حتي بزمانها حتي نقبلها في زماننا، حسب المقاييس الأخلاقية، بل تتناقض مع القيم الدينية الدعوية، فإذا كان المقصود من الجهاد والفتوحات نشر الإسلام، فلماذا قبل المسلمون بأخذ الجزية بغض النظر عن دين دافعها، بغض النظر عن دينه حتي لو عبد بقرة، فهل خرج هؤلاء للدعوة في سبيل الله أم في سبيل جمع الأموال ؟ وقد أرسل النبي «صلي الله عليه وسلم» فيما نؤمن داعياً لا جابي.

وكان بإمكان «الريسوني» وضع الحدث في زمنه وتاريخه للخروج بأسبابه الموضوعية، والاعتراف المتواضع أنها كانت أسباباً محلية لا علاقة لها بظرفنا اليوم.لوفعل ذلك لقدرنا وفهمنا وبصمنا بالعشرة، لكنها المنطقة الملغومة التي لا يريدون لا الخوض فيها، ولا ترك غيرهم يفكك ألغامها، ويسمحون لأنفسهم بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، ويرمون من يخاطرون بتفكيك تلك الألغام بالضلال والزندقة والكفران. لذلك يلجأون للمداورة والتضليل والتجميل في كذب مفضوح لا يليق بالدعاة الكبار.مستنقع الكذب «مولوي» ينكر المعلوم بالضرورة ليس بسند من حديث ولا لآيات ولا فقه ولا لحالة متكررة في التاريخ.

إنما يذهب يبحث وينقب في تاريخ الغزو العربي لدول الحضارات التي شاء حظها العاثر أن تجاور جزيرة العرب، فلا يجد سوي حالة يتيمة لم يتمكن فيها العرب الغزاة من احتلال النوبة المصرية، وأصاب الإجهاد الشديد الطرفين، وسجل النوبيون بذلك بطولة غير مسبوقة لأنهم كانوا يحسنون الرمي الدقيق بما يصيب مباشرة عيون الأعداء، لذلك سماهم العرب رُماة الحدق. وانتهي الموقف بشبه انتصار للعرب فرضوا بموجبه علي أهل النوبة أن يرسلوا للعرب عدداً منهم سنوياً، ليستعبدوا العرب بعد أن كانوا أحراراً في بلادهم.

هذه هي الحكاية، ويعلمها «مولوي» جيداً وإلا ما رصدها وسط تاريخنا الهائل كماً وكيفاً ليجعل منها تكئة لتبرير محاولته كمحلل للطلاق البائن بالجزية بين المسلمين وغير المسلمين، وهي لاشك محاولة مشكورة، لكنها تلفيقية لا تحسم الأمر بقدر ما تتحايل عليه. إضافة إلي اعتمادها الكذب، فما أحوجنا لفضيلة الصدق إذن !! وهو إذ ينكر ضرورة الجزية القرآنية لم يتمكن من اقتحام العقبة الكؤد العمرية عهد الذمة - أوعهد الذلة، فإذ به يقول: المشكلة في مصطلح أهل الذمة عند كثير من الناس، هي مشكلة الجزية، وليست مشكلة أهل الذمة، لأن الذمة هي عقد، والعقد يتم بالتراضي بين المسلمين وبين انسان غير مسلم يريد أن يعيش معهم، أو هو أصلا يعيش معهم، هم أسلموا وهوبقي علي دينه، وحصل أن من أسلموا صاروا أكثرية، وأرادوا أن يحتكموا إلي شريعة الله.

فهذا عقد الذمة يتم بالتراضي علي كل بنوده، لكن ما حصل أن عقد الذمة عندنا يكون بعد حرب، والحرب عادة يبدأها غير المسلمين، والمسلمون فيها مدافعون عندما خاضوا هذه الحروب، وانتصروا وقضوا علي هؤلاء بدفع الجزية علامة خضوعهم لهذا المجتمع الجديد ليس أكثر.. لذلك فالأهم في عهد الذمة هوخضوع هذا المواطن للأحكام التشريعية الدنيوية العامة للدولة، فإذا أخذت هذه الأحكام من الشريعة الإسلامية أوغيرها، فعليه أن يخضع لها، لأن هذا هو معني المواطنة. المسلم الآن في أوروبا يخضع للقوانين العامة، كذلك علي المسيحي في بلاد المسلمين أن يخضع للقوانين العامة .

وهكذا غرق الرجل في مستنقع الكذب بكله وكليله حتي أنفة، وهو عالم بما يفعل، فأي جلل أصابنا في مشايخنا وقاماتنا الطوال ؟ !عهود المنتصرين «مولوي» الأمين العام لمسلمي المشرقين ومسلمي المغربين، يري أن غير المسلمين في الدولة الإسلامية المرتقبة لن يدفعوا الجزية، في مجاملة وتنازل لطيف لا يملكه لأنه منكر لمعلوم ضروري من الإسلام، لن يقره زملاؤه عليه عندما يجد الجد وينتفي الهزل، وفي مقابل هذا التنازل الباهت غير صادق النوايا، علي غير المسلمين أن يقبلوا بعهد الذمة، ويعرفه بأنه عقد يتم بالتراضي بين المسلمين وغير المسلمين في بلد واحد. ليس هذا فقط، بل عليهم قبول تطبيق الشريعة الإسلامية وخضوعهم لها لأن الشريعة في الدولة المرتقبة ستكون قوانين عامة للدولة، وأنه كما يخضع المسلم القاطن ببلاد الغرب لقوانينهم العامة، كذلك علي المسيحي في بلادنا أن يخضع لقوانينا العامة كما لوكان هؤلاء مغتربين عندنا كما أن بعضنا مغترب في بلاد الغرب.

وبعد أن يخدعنا بكذبة أن عقد الذمة يتم بالتراضي، يعود ليعترف أن التاريخ الإسلامي كله لم يعرف أي عهود للذمة كتبت سلماً إنما كانت دوماً إثر حروب ضروس، وبالطبع وفق شروط المنتصر، وذلك المنتصر كان الفاتح الإسلامي، وتلك الشروط مجرد تكرارها هنا مخزي ومحزن ومخجل، أمثلة سريعة لبعض بنود عقد الذمة العمري مع مسيحيي فلسطين: أن يكون لهم زياً خاصا ً حتي لا يتشبهوا بالمسلمين وحتي يعرفهم المسلمون من زيهم، مع شد زنار علي أوساطهم، وألا يعلوا ببنيانهم أعلي من المسلمين، ولا يسمعونا صوت نواقيسهم، ولا تلاوة كتبهم ولا قولهم في المسيح، ولا يجاهرون بالخمر والصلبان والخنازير، وأن يدفنوا موتاهم بعيداً عن مقابر المسلمين ولا يرفعوا أصواتهم علي موتاهم، ويمنعوا من ركوب الخيل لأنه مركب كريم شريف، ويسمح لهم بركوب الحمير دون بردعة إنما علي الأكف الليف الخشن ويكون الركوب من جانب واحد، فإن صادف مسلماً ماشياً عليه النزول عن حماره واللجوء إلي أضيق الطريق ليفسحه للمسلم..... إلخ.... ألخ .

ومع التعامي التام والتغافل المقصود عن تلك البنود يستمر «مولوي» يقول: إنه من أجل المحافظة علي كرامة هؤلاء سموا أهل ذمة، كلمة ذمة ليست كلمة تعني شيئاً من الإذلال، أوتعني شيئاً من تجاوز الحقوق، بالعكس، تعني أن هذا الإنسان في ذمتي، يعني أنا مسؤول أمام الله أن أحافظ عليه وعلي حقوقه وعلي كرامته وعلي المساواة بينه وبين جميع الناس.. ولدينا الحادثة المشهورة عن الغلام القبطي الذي ضربه ابن «عمرو بن العاص».. عاد وهو يشعر بالمساواة ولم يدخل في دين الله، لأن الإسلام تقوم شريعته أساساً علي المساواة في المواطنة .

كان علي السيد الدكتور أن يقول أن لديه عهداً جديداً للذمة، لأن ما يقول لا علاقة له بالمرة بعهد الذمة العمري المشهور، ولا بفقه الأموال والحسبة الذي يدرسه أبناؤنا في أزهرنا الميمون، كان عليه أن يقول: هذا عهد ذمة جديد نتعهد به لغير المسلمين في دولتنا الإسلامية المرتقبة، وحتي لا ينصرف الذهن لأي خديعة متربصة بنا، عليه أيضاً أن يعلن إدانته لعهد الذمة العمري وكل العهود الشبيهة به في تاريخنا الإسلامي. الأشد سوءاً ونكاية في كل القيم، أن يكذب المحترم بفداحة ويردد كذبة تاريخية قد آن أوان مراجعتها والاعتذار التاريخي العلني الدولي عنها وإدانتها. وتوقيع عقوبة علي من يقول بها، بالضبط كما فعلت دول أوروبا بعقوبة منكر الهولوكست.

كذبة يرددها المشايخ جميعاً بلا استثناء، تدين المشيخة والدين وهيبة رجل الدين.حرب أم تراض؟ألا ترون الرجل الصادق المؤمن يقول: عقد الذمة عندنا يكون بعد حرب ، وقال قبلها إنه يتم بالتراضي والقبول السلمي بين الطرفين، لكنه يعلم أن المسلمين لم يفعلوا ذلك في معظم تاريخهم فيبرر عقد الذمة القهري الذي تم إثر شن الحروب علي البلاد المحيطة بالجزيرة، باستطراده المفزع الصادم، والحرب عادة كان يبدؤها غير المسلمين، والمسلمون كانوا فيها مدافعين عندما خاضوا هذه الحروب ، ولما انتصروا فرضوا الجزية علي المهزومين علامة الخضوع، وفي رأيه يمكن استبدال هذه العلامة الجزية للخضوع بعلامة حداثية متحضرة، هي الخضوع للقوانين العامة للدولة، التي هي عنده الشريعة الإسلامية كما يفهمنا هو، فيكونوا قد استجاروا من الرمضاء بجهنم.

هل يشير لنا الدكتور وكل الدكاترة والدعاة ذوي الوجاهة والمناصب علماء الأمة، إلي الحادثة التي أعتدت فيها مصر علي الجزيرة، أوالعدوان الذي ارتكبة أهل العراق أو فلسطين أو الشام أو افريقيا حتي الأطلنطي، أوكل بلاد ستان حتي الصين وكيف كانت حملاتهم العسكرية علي نجود الحجاز الفاضلة ومدنه المقدسة، ومتي حدث هذا؟ أم ان حرب الفتوح والغزو كانت حرباً استباقية قام بها العرب، لا تقوم علي حشد المعلومات عن العدو، إنما تقوم علي قراءة نياته العدوانية ؟ ولماذا كانت نيات كل تلك البلاد المفتوحة قريبة وبعيدة هي مهاجمة المسلمين بالحجاز، وهو ما لم يحدث ولا مرة واحدة ؟ فجاء العربي واحتل البلاد وأسر العباد واستعبد الأطفال ونهب الحلال ونكح النساء، كرد فعل علي قراءة النوايا بهجوم مفترض كانوا سيقومون به علي المسلمين ؟

إن هذه الرؤوس والهامات لا حل لها، ولا حل لديها، ولوكان لديهم حلول لحلوا من زمان، ألف واربعمائة سنة يدعون أنهم يحمون الدين ويجلسون علي أكتافنا يبررون كل المظالم ولم يقدموا يوماً حلاً، حتي بات العالم كله يطالبنا بالإصلاح، فهل تراهم وحالهم هذا بقادرين علي إصلاح أي شيء؟ الرجل يطلب من غير المسلمين في بلادنا الخضوع للشريعة كما يخضع المسلم المهاجر في الغرب للقوانين العامة هناك، لأن قانوننا العام هو الشريعة ؟

أترون دكتوراً يعرف بسائط المنهج العلمي يقول كلاماً مثل هذا ؟ إن الدكتور يعرف يقيناً معني القانون العام، فهو الذي ترتضيه كل أطياف وملل وألوان ونحل المجتمع في عقد اجتماعي سلمي، لذلك يعبر عن المصالح المشتركة لجميع المواطنين علي ألوانهم دون أي طائفة أودين لأنهم هم واضعوه وليس مقررا سماويا لدين بعينه، بينما «مولوي» يضع الشريعة الإسلامية قانوناً عاماً من عندياته باحتسابه ذلك مسلمة بدهية، ودون اختيارها من كل أطياف المجتمع، ودون أن تعبر عن الصالح الاجتماعي العام بقدر ما تعبر عن رؤية ومصالح طائفية دينية بحتة.

أترون حجم العيب وما يستشعره الدكتور من عار فيخفي السوءات بأوهام تشف ولا تستر. ولا ينسي مولوي في ملحمة الكذب أن يضيف القصة المشهورة عن المصري ويسمية القبطي الذي سبق بن عمرو بن العاص فضربه، فشكي للخليفة عمر «رضي الله عنه» فأمر أن يقوم ابن الأذلين بضرب ابن الأكرمين قائلاً قولته المشهورة: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، لأن ذلك الزمن كان زمن عبودية، ولا يضرب إلا الحيوان والعبد، فلما ضرب بن عمرو المصري الذي سبقه، استفزت الخليفة العادل عمر، لكن ليس لأن المظلوم قبطي، لأنه ـ طبقا لبعض الروايات ـ كان عربياً يمنياً، مصرياً، أي حراً من عرب مصر، ولأنه لا يجوز أصلاً السباق بين عربي مسلم وقبطي لفداحة المسافة بينهما، لأن القبطي في الشرع الإسلامي أدني درجة في الحقوق من العبد المسلم، وغير مسموح له بركوب الخيل أصلا. أما المساواة في المواطنة فقد قلنا وعدنا بشأنها وزدنا، فليرجع من أراد المزيد لأعمالنا المنشورة، كما فهم لا يعرفون شيئاً اسمه المساواة، بل يقسمون الناس منازل وانساباً ورتباً تختلف حقوقاً وواجبات، وأهم علومهم علم الأنساب الذي هوعلم عدم المساواة، الذي يكاد يكون العلم الوحيد عند العرب. فإذا كانت هذه أخلاق الصدق لدي الرواد المشايخ الدكاترة العلماء الهامات الطوال، فهل ما نراه من تردي فضيلة الصدق في شارعنا الإسلامي، هوترديد الصدي لإسلام بعض مشايخ الإسلام السياسي الذين استباحوا كل الفضائل في سبيل الغرض السياسي، فكانوا المثل المعلم لشعوبهم في انعدام الأخلاق والقيم ؟.فالمسلمون العرب يبدو أننا بحاجة ماسة إلي الصدق مع أنفسنا ومع تاريخنا دون شعور بدونية ولا خجل، لأنه لا يصح قياس زمن الدعوة علي زماننا، فهو ظلم لزمانهم في الفهم والفكر، حتي لا نضطر طوال الوقت إلي الكذب والتضليل، فنعتاد الكذب حتي يصبح هو حقيقتنا بينما يعلم العالم كله ويري سوءاتنا، فالكذب لا يستر والوهم لا يصلح ما لا يصلح لزماننا.

وجه المصيبة هنا توافق مشايخنا علي الكذب، ويبدو لنا بحكم أنهم علماء دين، أنهم علي علم تام بتفاصيل ما يكذبون بشأنه علي المسلمين، الذين ليس في طاقتهم تحصيل المعارف الدينية التي حصلها المشايخ. إن هذا التواطؤ علي الكذب يشير إلي شرعة عربية إسلامية، فالكذب في سبيل الله مطلوب، وفي الحديث كذب إبراهيم النبي ثلاث كذبات كلها في الله: عندما قال إني سقيم، وعندما قال فعلها كبيرهم هذا، وعندما قال لفرعون عن زوجته سارة إنها أخته. الكذب مطلوب تقية ومداراة إذا كان الصدق سيضر بالمسلم أو بدينه، علماء الحديث حبذوا أحاديث يعلمون أنها مختلقة مكذوبة، لأنها تؤدي إلي مصلحة أو تحث علي فضيلة. فانظر يا مؤمن ولا تعجب من الوسيلة لبلوغ الفضيلة ؟ !!!ومازال لنا مع الفقهاء التقاة الصادقين حوار.. وحديث قد يطول.




النص الكامل للمقال

خمسة زراعة

5.6.08 |


بقلم ولاء عبد المنعم سالم


الليلة افتكرت جملة كده ظريفة في محاضرة في الأمراض النفسية
الجينات تتحكم في نوع النبتة أما عدد الأفرع فتعتمد على البيئة"
و بصراحة بدأت أطبق المقولة دي علينا احنا

أصل أنا مش بأهوى قعدة الأمهات, كل واحدة ما تصدق تبدأ بالشكوى..في وسط الشكوى والتحسر
فيه جملة بتستفزني و بسببها أقمت المقارنة وكتبت اللي كتبته

كام مرة سمعت أم ولا أب يقول بكل حزن...
"ما أعرفش الولد ولا البنت طلعت لمين ، ماحدش عندنا كده "
الأهل دول بيتكلموا ازاي؟ هما كانوا مخلفين شيطان في لفة؟.
اللي عايزة أقوله إن المقولة دي مش مظبوطة
الطفل ده بالظبط ذي الزرعة...بذرة زواج فلان و فلانة و جابوا البيبي
نوع البيبي ده كله شغل جينات...بنت ولا ولد, شكله إيه, و حاجات تانية كتير ...بس نسينا حاجة ما بين الجينات والبيئة ...البيت!
بننسى إن الطفل ده هو الاسفنجة اللي أستاذ فلان و مدام فلانة خلفوها
الولد ولا البنت بيشربوا تلقائياً كل حاجة حولهم و أما يكبروا بيتفاعلوا
حسب إللي إمتصوه طول العمر...ما حدش يقول البيئة بتكتر بعدين بس أنا برده باقول البيت ..البيت الصح المفروض يعمل لولاده ذي الفلتر, إيه صح و إيه غلط, بالكلام و التوجيه والإرشاد ...بس دلوقتي الحجة سهلة.. يا مش فاضي يا الحجة الجديدة": الجيل ده ما بيسمعش الكلام"

ماهو طبعاً يسمع ليه؟ ...ما أنت عملت فيه كده
متستناش انك بتنتقد فيه طول النهار و اللوم مالي كلامك و هو يسمع. لو قاعد
جنب البطيخ و مستني تقلها إنتي لازم تبقي مشمش فده جنان ..الولد مش بيحكي لحضرتك، وحضرتك مش بتسمع. الشاب ابنك مش بيحترم البنات ..لو كان شاف ده في البيت كان عمله في الشارع و الشغل .البنت بتدور على أي علاقة و السلام, لو حست بالحنان في البيت هتدور ليه بره؟.. المتمرد مش مقبول منك يا أستاذ فلان و مدام فلان...و لو ابنك خام مشاكله هتكون كتير. انتو
عملتوا زرعة في بيت بلاستيك ،في مناخ مختلف و قافلين عليه من أقل نسمة
بيطلع زرع صحيح بس من غير طعم ولا ريحة ... ثمرة كبيرة ع الفاضي...
واللي ابنه إنحرف ولا اتشرد ده زرع زرعة و رماها, ما فيش مصير ليه غير
الضياع
ياأستاذ و يا مدام, حتى قانون الفيزياء نفع هنا
لكل فعل ردة فعل مساوية في القوة ومعاكسة في الإتجاه

ياريت كل أب و كل أم يعرفوا انها مش خلفة و السلام ولا العيال كلها بتتربى وتكبر. التربية مش "بس يا واد و بس يا بت" ولا ضرب على الفاضية و المليان ..افتكروا إن البيبي اللي بين ايديكم ذي قطعة الصلصال الطرية
فبل ما تنشف و يفوت الأوان في ايدك تعملها تمثال تحفة و ممكن برضه تحولها لمسخة
ملهاش أي مكان ...

و ياريت قبل أما أي حد يلوم و يتذمر يفتكر

من جد وجد ومن زرع حصد






النص الكامل للمقال

أحزان أمير المؤمنين- الفصل الثاني

4.6.08 |


بقلم د. إياد حرفوش

"مـــــــــــاري"

(1)

مسجد الرسول (ص) ، بالمدينة المنورة، أعمدته من جذوع النخل، و حوائطه من اللبن عدا أساسها من الحجر، ما زال على صورته التي نحسب أن الرسول قد تركه عليها بعد توسعته لأول مرة عشية خيبر، يرى المار من أمام بابه المنبر النبوي الشريف، مقام من الخشب لوقوف النبي ، بغير نقوش و لا عقود، بسيط كبساطة الإسلام و نقائه على عهد الرسول، و يرى الناظر على الناحية المقابلة منه، شمالي المسجد، عريشة من جريد النخل ، تفصلها أستار عن جدار المسجد

كان رسول الله قد أمر بإنشائها كمأوى لفقراء المدينة من أصحابه ، و سميت بالصِفَّة، فكان لأهلها الذين عرفوا في التراث الإسلامي بـ "أهل الصفة" ذكرا كثيرا و أموراً جلالاً، و نرى المدينة نائمة في هذا النزع الأخير من الليل، عدا بيت واحد ، مازال نور خافت ينبعث من كوة في طرف جداره، بيت بسيط من اللبن، يبعد عن المسجد قرابة المائة مترا، و ترى من خلفه صحراء "البقيع" التي ضمت شهداء المسلمين الأوائل جميعهم، بيت ما بين المسجد و البقيع... آه ... بالطبع ، هو بيت "علي" و "الزهراء" كما نعرف من وصف "يثرب" بهذه الحقبة الزمنية، و من كوة الجدار، ترى ظهر صهر الرسول و ابن عمه، قد احتمى من برد الليل ، متكئا على ركبته التي وسدها قرطاساً من جلد ثور، و بيده قلم من البوص يخط به في القرطاس، و بين الفينة و الفينة يغمس طرفه في إناء به مداد أسود ... الله أكبر الله أكبر ... الله أكبر الله أكبر ... أشهد ألا إله إلا الله... إنه أذان الفجر ... و ترى "علياً" يضع القرطاس و القلم جانباً، و يهم قائماً للخروج لصلاة الفجر.

يفتح "علي" عينيه ليجد الفجر يؤذن بالفعل ، يقوم من نومه ثقيل الجفون شارد الذهن، و يفتح باب الغرفة المؤدي للطرقة الطويلة في بيت الأسرة العتيق بالمنيل، يرى نور الحمام مضاءً ، فيفهم أن "عزة" قد سبقته تتوضأ للصلاة، يتجه للمطبخ في نهاية الطرقة ماراً بالحمام فيأتي صوت "عزة" من الداخل قائلة:

- صباح الفل يا دكتور
- صباح النور يا "وزة"

هكذا تعود "علي" أن يدللها كما كان والدهما يفعل، وصل "علي" إلى المطبخ، فتح الثلاجة و تناول منها زجاجة ماء مثلج ، و رفعها إلى فمه، يعب منها الماء عب من أضناه الظمأ ، لقد نضح جسد "علي" كثيرا من العرق في حلمه ذلك المتكرر ، في بعض الليالي كان المشهد يتغير، لكن بأغلب الليالي كانت رؤيته هذه ثابتة، "علي ابن أبي طالب" يخط كتاباً قبيل صلاة الفجر، ثم ينطلق الأذان ، و في كل مرة يفتح عينيه ، ليجد المؤذن يتمم له الأذان الذي كان يسمعه منسابا من مسجد النبي بحلمه.

تدخل "عزة" المطبخ قائلة:
- أعملك شاي معايا يا "علي" و لا هتنام تاني
- لأ، هاصلي و أنام، تسلمي لي يا "عباسة" آل الإمام
- "العباسة" حتة واحدة؟!
- و ليه لأ؟ هاشمية زي "العباسة" بشهادة نقابة أشراف مصر، و أثيرة أبيك رحمه الله ، و أثيرة أخيك ... بشهادتي أنا ، ناقصك إيه يعني علشان تكوني زي "العباسة علية بنت المهدي"؟
- ده على أساس إن جنابك بقى "هارون الرشيد"؟
- يا ريت، على الأقل ماكنتش هاعز رقبة الحمار اللي اتجوزتيه من غير مناسبة ده عن "مسرور"
- افتكرلنا حاجة عدلة ع الصبح يا "علي"
- و لا عدلة و لا معووجة ، أدخل أتوضى و أصلي الفجر قبل ما أنام و أنا واقف

توجه "علي" للحمام و هو يتثاءب، و أمام الحوض مزج الماء ليصبح دافئا و شرع بالوضوء ، وثبت لعقله صورة "خالد" طليق أخته ... أستاذ مساعد أمراض القلب بالقصر العيني، انقلب من مثقف يساري و هو طالب في السبعينات إلى عضو هيئة تدريس محسوب على جماعة الإخوان المسلمين في الثمانينات و التسعينات، متدرجا في مراحل متزايدة مطردة من الإزدواج و الإنتهازية ، حتى أصبح كائنا لا يطاق، طرد "علي" الصورة من ذهنه و هو يتمم وضوءه قبل أن تستفزه الذكريات ، بسبب هذا الرجل الذي كان زوجا لأخته، فأضناها و أطفأ شعلة شبابها، ثم توجه لغرفته، وقع بصره على المحمول فوق "الكومود" ، فالتقطه و فتح قائمة الرسائل ليكتب رسالة، و في خانة الإسم اختار اسمها من قائمة هاتفه، "ماري ماكسيميليان" ثم كتب رسالته "ماري الجميلة أبداً ... اتصلي بي عندما تقرأي هذه الرسالة في أي وقت..لا تنزعجي... فقط أفكر بنهاية أسبوع قصيرة في الإسكندرية و أريد أن أعرف جدولك" ، ثم اتجه علي لصلاته، و صورة الإمام "علي" لا تفارق ذهنه، كبر للصلاة و صلاها مغمضاً عينيه، صلاة الفجر و صلاة العشاء هما أكثر صلواته خشوعاً، تعود أن يغمض عينيه في الصلاة و لم يقتنع أبداً بحديث من نبهوه أكثر من مرة لكراهة إغماض العينين، كان يرد قائلاً:

- لا أستطيع التركيز إلا و أنا مغمض العينين، فكراهة السهو عن الصلاة أكثر من كراهة الجفنين المسدلين ، المضمون أهم من الهيئة في كل حال يا سادة، و لا إيه؟

عندما شرع يقول التشهد، فقال فيه "و على آل سيدنا محمد"، قفزت لذهنه صورة "علي" ثانية، و تداعى لذهنه حديث الرسول حين أحاط "ابن أبي طالب" و الزهراء و "الحسن" و "الحسين" ببردته مشهداً الله أن هؤلاء هم أهل بيته، سلم علي منهياً صلاته ، ثم قام لفراشه فتمدد فوقه بينما ذهنه شارد في حلمه ذاك الغريب، "علي" يكتب قبيل صلاة الفجر؟! فأي شيء تكتب يا أمير المؤمنين؟ أغمض عينيه و ترك كل أوتار جسده ترتخي طلبا للنوم، كانت كلمات تتردد في أذنيه ... الجفر... الجامعة ... المصحف ... ثم أخذه النوم ، أشهى أوقات النوم و أطيبه، نوم ما بعد الفجر و قبيل الشروق

(2)


- آلو ... أيوة يا "عزة" باقولك إيه ... ذاكري رسمة أعصاب "الفووت" كويس، جزء كبير من امتحان الشيت بكرة هاييجي فيها
- و انت عرفت منين يا "خالد"؟
- يا ستي بس ذاكريها و خلاص، إحنا لينا أكل و لا بحلقة؟
- لأ بحلقة يا دكتور، عرفت منين؟
- الدكتور "بكري" أخ فاضل ، الراجل كتر خيره عارف أن خطيبتي في سنة تانية ، قابلني بعد صلاة العشا في مسجد الكلية و قاللي أقولك تركزي على إيه
- يا ما شاء الله!! طالع من المسجد بيسرب الامتحان؟
- يسرب الامتحان ده إيه؟ ما انت عارفة إن الدكتورة "فاتن منير" بتدي امتحانات الشيتات لكل المسيحيين اللي في الدفعة، يعني هم يتفوقوا و يبقوا "ستاف" الجامعة و إحنا نروح في الرجلين؟
- هم؟ هم مين و إحنا مين؟
- يا ستي الراجل كتر خيره بيساعد العناصر الطيبة، علشان الجامعة تقوى بالعناصر الملتزمة
- منطقك ده بدأ يزيد قوي يا "خالد" و بيقلقني، فين أيام قصايد الوحدة و التقدمية و المد الثوري بتاعة "خالد" و هو طالب بكالوريوس و معيد؟ ده اللي سمعته منك و انت معيد هو اللي خلاني حبيتك و ارتبطت بيك
- راحت مع زمانها، و بقى فيه الأحسن منها، المنطق الإلهي، الإسلام يا حفيدة الأشراف
- و المنطق الإلهي في فهمك يا دكتور إننا نعرف الامتحان و نركز عليه؟ أنا داخلة أنام ، و مش هاركز على حاجة غير اللي ذاكرته، تصبح على خير
- خلي بالك هي كده كده اتحسبت علي مجاملة و لازم أردها، فمن فضلك نستفيد بيها، المهم إن نيتنا خير، نيتنا ننفع نفسنا و ننفع الأمة بعلمنا و مواقعنا
- تصبح على خير يا "خالد"

أغلقت "عزة" الخط بعدها، لكنها حين مضت لفراشها، أكل القلق قلبها، تكاد لا تذكر تشريح أعصاب القدم إلا ضباباً، و الشيت عليه عشرين بالمائة من درجات المادة، خمسون درجة بالتمام و الكمال، قامت من فراشها، و راجعت القدم كما أوصاها "خالد" تماما ، كانت هذه القدم بداية طريق من التنازلات، تلك التي لم تتوقف إلا عندما أمسكت بيدها وثيقة طلاقها منه

رشفت "عزة" رشفة من كوب الشاي و هي ترخي جفنيها المثقلين، بينما تنهيدة حارة تخرج من صدرها ، في الثامنة و الثلاثين، معتدلة القوام، شرقية الجمال، شعرها طويل أسود مضموم خلف رأسها في شنيون بسيط، تشعر بهبة من هواء الفجر البارد تأتي من الشرفة المفتوحة، تحب نسيم الصباح، لكن الليلة باردة قليلاً، تضم أعطاف الروب المنزلي البسيط على صدرها، و تزدرد الشاي بصعوبة و هي شاخصة ببصرها في غبش الفجر أمامها ، لو أنها تنبهت وقتها، لو أنها فقط أدركت حقيقته، لما ضاع من العمر ما ضاع، تسع سنين أهدرتها معه، و تسع سنين مضت بعده، و هكذا يضيع العمر من أجل وهم ، محض خيال تصورت ذات مرة أنه رجل، أمن العدل أن يحكم اختيار اللحظة عل أكثر سنوات العمر؟ أمن الحق أن نخسر كل شيء في لعبة واحدة غبية؟ خسرت الأمومة التي حرمها منها عمداً، خسرت مستقبلها كطبيبة الذي حرمتها منه أنانيته المفرطة، و خسرت الكثير من إيمانها ذاته، و لولا هذا البيت العتيد الذي نشأت فيه و شبت به على إيمان أبويها الهادئ الواثق ، بغير تشنج و لا انفعال، لولاه لكفرت بكل شيء على يدي "راسبوتين" هذا الذي كانت زوجته

(3)

و اتذكرتك يا عالية ... و اتذكرت عيونك... يخرب بيت عيونك يا عالية شو حلوين"

يستيقظ الدكتور "علي" على "فيروز" ينبعث صوتها من هاتفه، هذه رنة "ماري" يمد يده مبتسما للكومود و يلتقط المحمول، يحرر طرفه من سلك الشاحن قبل أن يدوس الزر ليرد قائلاً و هو يبتسم:

- What a sweet morning
- صباح الخير يا كسول
- صباح الخير "ماري" ، اتمنيت قبل ما أنام إني أصحى على صوت "فيروز" من رنتك ثم صوتك، كده ضمنت يوم جميل
- اللي بيجنني فيك يا بروفيسور إنك أكاديمي و شاعر في آن واحد، تناقشني و تجادلني بالعقل و المنطق لحد ما تصدع لي راسي و بعدين تعالج الصداع بكلمتين حلوين ، اسمها إيه المغنية اللي قلت لي عليها مرة، اللي كانت بتقول في غنوه لها "ما باخدش منك غير كلام"
- صباح ... كانت جميلة زي صباحك الجميل ده
- أوه ... ده انت النهاردة رايق قوي
- محتاج أتكلم معاكي كتير يا "ماري"
- بحث جديد؟
- لأ
- يبقى الأحلام
- أيوة، تعبت ... يا "ماري"، تعبت و الموضوع بيزيد مش بيقل
- إيه اقتراحاتك؟
- ماعنديش محاضرات يوم الأحد، هاجي إسكندرية النهاردة و أمشي الأحد بالليل، عاوز أشوفك طووووول الوقت


يرسل ضحكة خافتة، تردها "ماري" بمثلها و هي تقول:

- أوكي، ما عدا الأحد الصبح، عندي معادين يخلصوا قبل الغدا
- أوكي
- خلاص، أول ما تدخل إسكندرية كلمني
- أكيد ، يا أجمل مستشرقة في الإسكندرية و شمال الدلتا
- يا بكاش، أساسا مافيش مستشرقات في إسكندرية غيري ، الباقيات كلهم عندك في القاهرة الزحمة بتاعتكم دي
- ماشي يا عزيزتي ، أشوفك خلال 5 ساعات من دلوقت
- أشوفك بخير، سوق على مهلك، باي
- باي


"ماري" بالنسبة له أكثر من صديقة ، هي المرأة الوحيدة التي فكر جديا ذات مرة بالزواج منها ، لكن ، ما كل ما يفكر فيه المرء يستطيعه ، و إلا لتغير وجه التاريخ ذاته، مستشرقة إنجليزية ، تعرف عليها في قسم الدراسات الشرقية في "شيفلد" أثناء بعثة الدكتوراه، كانت وقتها محاضراً للغة العربية في فسم اللغات الشرقية، و لها فضلاً عن هذا دراية واسعة بباقي اللغات السامية ، العبرية و الآرامية، رآها في المكتبة للمرة الأولى، و تكررت جلستهما على مقاعد القراءة متقاربين عن غير عمد ، أرفف المكتبة التي ضمت المراجع العربية و الآرامية متقاربة هي ما قاربت بينهما، ذات مرة كانت قبالته تماماً ، تقدم لمنضدة القراءة و جلس لامحا كتابا مكتوبا بما بدا له أحد اللغات السامية القديمة، ابتسم و هو يحييها تحية الصباح، ثم أشار للكتاب سائلاً:

- أي لغة؟
- الآرامية، لو أن "يسوع" المسيح قد سار على أرض جيروساليم بالفعل في يوم من أيام القرن الأول للميلاد، فقد تكلم هذه اللغة
- مممم ، لو أنه، يبدو أن لديك شكوكاً كثيرة في هذا؟

قالها باسماً ، مما شجعها على المضي في الحديث، فأضافت:

- أنا "لا-أدرية" في الحقيقة ، ما زلت أجد في كل الديانات التي قرأتها أشياء لا أفهمها

اللا-أدرية مذهب ظهر في أوروبا القرن التاسع عشر على يد "توماس هكسلي" ، ثم صدر فكرها المؤسس في كتاب "برتراند راسل" الأشهر "لماذا لا أعتنق المسيحية" ، و دفعها الأساسي أن التأكد من الدفوع الغيبية التي تقدمها الأديان هو هدف يصعب تحقيقه، بالنفي أو الإثبات، هكذا تداعت الأفكار لذهن "علي" و هو يسمع جملة "ماري" و يتهيأ للرد عليها قائلاً:

- لا-أدرية بمعنى أنك لم تتوصلي لإجابة لسة؟ و لا بمعنى انك شايفة الوصول لإجابة مستحيل؟
- أي حقيقة في الوجود من الممكن إثباتها، أما الأساطير فممكن تنفي بعضها و تثبت بعضها، فلو كانت كل التفاصيل الدقيقة للأديان صحيحة، و هذا مستحيل لو أخذنا عنصر الزمن و التفاعل البشري باعتبارنا، فلابد للبشرية أن تثبتها يوما، الحقيقة بطبيعتها تتوق للإثبات، أما لو كانت غير كده ، هاتفضل الأديان بشكل رموز و مشاعر يؤمن بها البعض و يرفضها البعض
- فأنت إذن "لا-أردية" من نوعي المفضل، باحثة عن الحقيقة، و لم تصدري حكما مسبقا باستحالة الوصول للحقيقة، صح؟
- ممكن تقول كده ، لكن يبدو أنك أنت كمان مهتم بالأديان، متخصص و لا هاوي؟
- أوه عفواً لعدم تعريف نفسي، "علي الإمام" طالب دراسات عليا، أعد لرسالة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي في شيفلد

مدت يدها لتحتوي يده الممدودة في مصافحة واثقة ، لطالما أحب "علي" الثقة و الكبرياء في طريقة مصافحة المرأة الأوروبية المعاصرة، في مصر و أغلب البلاد العربية، عدا سوريا و لبنان ربما، تمتد يد المرأة للمصافحة في تردد و خفر اصطناعي كأنها ستمس عقرباً عندما تمس يد الرجل، اتسعت ابتسامتها و هي تقول:

- "ماري ماكسميليان" محاضر اللغة العربية بقسم اللغات الشرقية، و باحثة في اللغات السامية
- لي عظيم الشرف
- الشرف لي، جمعتني الصدفة السعيدة بعالم ، إيه هو موضوع بحثك للدكتوراه؟
- "أثر الحراك الإجتماعي و الإقتصادي في حركة التاريخ الإسلامي ما بين الراشدين و الأمويين مروراً بمرحلة الفتنة الكبرى" موضوع معقد رفض في جامعة القاهرة و قبل هنا في "شيفلد"
- واو ... بالموضوع ده كأنك بتقولي اننا لازم نبقى أصدقاء ، جامعة القاهرة معناها أنك مصري؟
- أيوة
- يبقى ممكن أعزمك على القهوة بما إننا على أرض إنجليزية
- رفض دعوة مثقفة جميلة على القهوة يعتبر دليلا على فساد الذوق
- أوه ... يبدو لي أحيانا ان هناك طفل من كل خمسة في الشرق بيتولد شاعر
- الشعراء لا يولدون، تصنعهم الحوارات العميقة مع الجميلات
- مش هاغلبك في الكلام أكيد

كانت هذه بداية أعظم علاقة صداقة يراودها الحب المستحيل في حياته ، كان الدكتور "علي" أحياناً عندما يسأله أحد المقربين عن "ماري"، يجيب فائلا:

- هناك درجة من صداقة الرجل و المرأة هي في أحد جوانبها حب مستحيل، لأنه حب فهو لا يموت، و لانه مستحيل فهو ينزوي في القلب كالعضو الضامر، متخذا شكل صداقة لا نستطيع أن نعيش بدونها ، هذه هي "ماري ماكسميليان" ، قول الحق الذي فيه يمترون


النص الكامل للمقال

الدين .. المال.. السلطة

3.6.08 |


بقلم حنان الشريف

ثلاث محاور أساسية تسهم بشكل مباشر فى جميع المشكلات فى مصر, أو بالأحرى هى أساس مشكلات مصر, وكل تيار من التيارات الثلاثة يسعى بقوة الى القضاء على التيارين الأخرين وتختلف طرق الصراع بين التيارات الثلاثة مرة بالتحالف او بالتصارع, فنجد ان المال يشتري السلطة للقضاء على التيار المعارض أو يرتدي المال العبائة الدينية للفوز بتأييد الأغلبية الشعببية فيفوز فى معركة السلطة, أو تأتي السلطة بنفوذها وقوتها لترهب كلا من التيارين او تتحالف معه ضد الآخر لكسب موقف ثم سرعان ما تجهز على التحالف بنفس الاسلوب

هى كلها لعبة تحالفات والخاسر الوحيد هنا هو من يصدق كلام أو شعارات هذا اوهذا .....
لان الكل فى النهاية لايسعى إلا لكسب موقف ما لغرض ما ....

لاتوجد فى مصر مشكلات سوى هذه التيارات ..... فالعالم من حولنا أصبح صغيرا جداً و لم تعد العقول المفكرة أسيرة للحدود الجغرافية, بل أصبحت هذه العقول المفكرة حكراً على الدول المتقدمة التي تتبع شتى الأساليب لاستدراجها و الحفاظ عليها , خلافاً عن الدول المتخلفة, فهي غير قادرة على استثمار هذه العقول المستنيرة .. بل وتلفظها خارجها بطريقة أو بأخرى .. بخلاف تدخل بعض من يدعون التدين .... و لولا تدخلهم بالحياة السياسية لما حدثت كل هذه الشروخ في المذهب الواحد ولما انقسم المجتمع إلى متطرفين بين يسار ويمين ....فالبعض اتجه الى نبذ الدين نهائيا والبعض يريد العودة به الى مئات السنين .....عذرا, لم يعد رجال الدين يهتمون بقيم الدين بقدر اهتمامهم بالسلطة والامثلة كثيرة ... .. فبدلا من نشر الوعي نراهم ينحازون الى طرف ضد طرف ويدعمون طرفا ضد طرف وهنا يبدو دعمهم الواضح للصراع السياسي فى الاصل, الديني فى الشكل, للحفاظ على مكانتهم كطبقة مميزة وايضاً لنشر فكر يتبعه من لا يريد ان يكلف نفسه ولو قليل من الوقت للبحث فى الكتاب المنزل من الله سبحانه وتعالى ... فيبدأ فى سجن عقله للسعي خلف من يقدم له الدين جاهزا حتى وإن كان به اخطاء .. فضلا يا من تتبعونهم.. تفكروا قليلا واطلقوا سراح هذا العقل المسجون ودعوه يفكر ويستكشف بنفسه ...فكل صاحب عقل يستطيع أن يميز وأن يفهم أنه ليس كل من يرتدي عبائة الدين يشغله الدين أو الناس, ولكن الهدف الاساسى هو المصلحة الشخصية سواءا السلطة أو المال ..

فمهلاً أعزائى ألقوا نظرة سريعة على مجتمعنا. أين نحن؟ ....نحن نتارجح على حبال من يتمسكون بالسلطة من جهة والدين من جهة اخرى ... فهل آن الاوان ان تتحالف تلك القوى للعمل لمصلحة مصر وليس لمصالح شخصية تهدف او ترمى لأشياء أخرى على الرغم من شعاراتها والتى يتبارى الكل فيهم للاعلان عنها؟


النص الكامل للمقال

يونيو 1967

2.6.08 |


بقلم أبو فارس

بالرغم من الارتجال والتخبط.. وتغيير الخطة من هجوم لدفاع.. وكثافة تحرك الوحدات.. وتوهان بعضها في الصحراء
عشية ٥ يونيه ١٩٦٧ كانت القوات المصرية في سيناء تتكون من خمس فرق مشاه ..الفرقة السابعة مشاه مدعومة بالمدرعات والمدافع تتمركز في المنطقة بين رفح والعريش..الفرقة التامنة مشاه مركزها أبوعجيلة والقسيمه..خلفهما وفي نسق دفاعي ثان تنتشر الفرقة التانية مشاه مابين جبل لنبي وبير حسنة.. وفي الجنوب عند طريق الحجاج انتشرت الفرقة السادسة مشاه ومركزها الكونتيلا ونخل.. الفرقة العشرون مكونة من جنود فلسطينين وضباط مصريون تتركز في قطاع غزة ابتداء من شمال
خان يونس...


الفرقه المدرعة الرابعة -درة الجيش المصري- كانت وراء المواقع المتقدمة لفرق المشاه, تنتشر بين بير جفجافة وبير ثمادة للتعامل مع أي قوات معادية تخترق الخطين الأول والثاني من خطوط الدفاع..
فيما بين الطريق الجنوبي وطريق الحجاج..كانت تنتشر قوة مدرعة من مائتي دبابة -أقل من فرقة- وتسمى على اسم قائدها "قوة الشاذلي".. أما الفرقة الثالثة المدرعة -تحت الإنشاء- فبقيت غرب القناة..
إجمالي حوالي مائة ألف جندي..

٥يونيو ٩,٣٠صباحا

اﻷوامر للجنرال "صدقي الغول" قائد الفرقة الرابعة المدرعة بالتحرك للدفاع عن القطاع الجنوبي من الجبهة
اللواء التاني المدرع بقيادة الجنرال"كمال حسن علي" يتحرك للشرق ويحتل المواقع من الكونتيلا إلى المظلات..

٥ يونيو بعد الظهر

الهجوم الإسرائيلي جاء من الشمال وليس بالمواجهة كما كان متوقعا
اﻷوامر تصدر للجنرال"علي" بسحب اللواء الثاني من الفرقة الرابعة المدرعة من مواقعه في الكونتيلا..اللواء يقضي باقى النهار ومعظم الليل في انسحاب منظم ويفقد ثلاث دبابات فقط

٦يونيو صباحا

الجنرال "الغول" يتسلم امرا بالانسحاب بفرقته الرابعة المدرعة إلى الخط الثاني والتشبث بالممرات.

فجر ٧يونيو

اﻷوامر تصل الجنرال "الغول" تليفونيا من الجنرال" صالح محسن" قائد الجيش ..
-"الفرقة الرابعة تنسحب لغرب القناة.. على أن يبدأ الانسحاب في الضهر "
-"يافندم الفرقة عمليا سليمة..أنسحب ليه..؟؟ وأنسحب الضهر في عين الشمس؟..طب ازاي..؟؟ كأنى بأقول للأسرائيلين ’خلصوا عليا’..حيصطادوا الدبابات"
-"دي أوامر سيادة المشير..يمكن محضرلك غطاء جوى.."
-"يافندم ..أرجوك..راجع حضرتك سيادة المشير..العدو عنده سيطرة جويه كاملة..لو لابد ننسحب خليها بعد آخر ضوء"
-"نفذ اﻷوامر ياحضرة اللواء"

٧يونيو..عند الغروب

نقطه العبور جنوب البحيرات المرة..الفرقة الرابعة أتمت أنسحابها من الممرات وتعبر القناة.. تم توزيع وحدات الفرقة بواسطة ضباط الاتصال عند العبور..بعض الوحدات تم إرسالها إلى الاسماعيلية والبعض للقاهرة..اللواء التانى أرسل ليعسكر في حدائق قصر الطاهرة بالقبة..
الجنرال "الغول" توجه للتمام في القيادة بالاسماعيلية..حيث وجد الجنرال "صالح محسن علي" التليفون.
-"لا..لأ..يا فندم، الفرقه الرابعة مانسحبتش.. دى مجرد وحدات خفيفه اللي وصلت..لا يا فندم الفرقة لسه ف الممرات..تمام يا فندم..الفرقة لسه محتلة الممرات"
الجنرال "محسن" يضع السماعه ويلتفت للجنرال"الغول"ويبادره
-"أنت إيه اللى جابك هنا؟؟"
-"حضرتك يا فندم..حضرتك استدعتني.. حضرتك قلت لي أنسحب.. وإن دي أوامر سيادة المشير.."
-"اﻷوامر أتغيرت.."
-"أتغيرت..؟؟ أتغيرت أمتى..؟؟ وإزاي ماحدش يقوللي..؟؟"
-"اسمع ياسيادة اللواء..ارجع..ارجع حالاااا"
-"أرجع..؟؟ أرجع فين..؟؟"
-"ارجع الممرات.."
فقد الجنرال "الغول" أعصابه وصاح مشوحا بيديه..
-"الممرات..؟؟ أرجع الممرات..؟؟ أنت فاكرني راكب بسكلتة ألف وأدور بيها..؟؟ دي فرقة مدرعة يا فندم.. ظباطك بعزقوها إشي على الاسماعيلية وإشي ع الطاهرة..أنت فاكر نقدر نتدور ونرجع؟..احنا ع الجنزير بقالنا تلات أيام.. فين التموين والوقود واﻷهم فين الغطا الجوي؟..احنا ماعندناش وقود"
-"ياسيادة اللواء هي دي اﻷوامر..نفذ..!! أنا بأقولك ارجع الممرات..روح نفذ اﻷمر.."

الساعة ٢ صباح الخميس ٨ يونيو ١٩٦٧
البحيرات المرة

عربات الوقود وصلت..أعاد الجنود تموين دبابات الفرقة الرابعة المدرعة المتجمعة جنوب البحيرات المرة..

الساعة ٤ صباحا

الفرقه تعبر عائدة للممرات.. وتقابل فى طريق عودتها أعداد هائلة من الجنود يجرون أنفسهم فى إعياء..في الاتجاه المعاكس..غربا في اتجاه القناة.. يعانون من العطش والجروح والحروق والارهاق..

الساعة السابعة صباحا

الفرقة تدخل المعركة محاولة الوصول للممرات..بدون غطاء جوي..تم تدمير كل دبابات الفرقة.. كان طياري العدو يطيرون على ارتفاع شديد الانخفاض، حتى أن بعض الجنود أقسموا أنهم شاهدوهم يضحكون.

القتل.. كان يتم بصاروخ لكل دبابة تتبعه دفعة نابلم للقضاء على الطاقم..الاتصال مستحيل مع القيادة فى الاسماعيلية أو السويس..ومركز القيادة الرئيسي في القاهرة يبدو وكأنه أغلق أبوابه..

تم محو الفرقة الرابعة المدرعة..

*************************************

صباح الاثنين ٥ يونيو ١٩٦٧ وقفت على سطح عمارتنا "الشاهقة"في مصر الجديدة ..
صبي صغير أمسك فى يد أمي.. أشاهد أعمدة الدخان تتصاعد من قاعدة ألماظه الجوية ومطار القاهرة الدولي..
أوحت خيالات الصبا لي أني شاهدت طائرات العدو وهى تقصف المطار، بل أقسمت ﻷبى حين عاد من العمل يومها أني شاهدت طائرة أو أكثر تسقط

بعدها بأيام سمعت أمي تبكي ورأيت أبي حزين وهم يستمعوا للأخبار..قواتنا فى خط الدفاع التانى
أطل "عبد الناصر" يعلن تنحيه..صرخت أمي وهرع أبي خارج المنزل وبكيت مع أختى الصغيرة.. شئ بشع حدث ولا أفهمه..
امتلئ شارعنا الهادي بعدة دبابات وحاملاتها وجنود في ملابس الميدان.. تكفلت نساء الشارع بإطعامهم
كانت أمي تطبخ لهم وهي تبكي.. وأنزل أحمل لهم الطعام فيأخذوه ويشكرونا.. أبى كان ينزل لهم بعلبة سجائره البلمونت وبراد شاي أسود تقيل وعدة أكواب عند الغروب وانضم له جيراننا..اﻷستاذ أبو النجا وعم لويس والحاج عبد العال صاحب العمارة.. المشهد كله كان صامت لا كلام ولا ضحك.. حتى أبي صاحب الضحكة المجلجلة كان صامتا

خالتى اتصلت بأمي لتخبرها أن أخاهم اﻷصغر لم يعد للبيت منذ ٩يونيو
بعدها بأيام جاء لمنزلنا..فهمت أنه كان يدور فى شوارع ومقاهي القاهرة.. لايستطيع النوم ولا العودة لمنزل أخته حيث يقيم
"حاسس إن النار ماسكة ف هدومي"، هكذا وصف حاله..
حكى لي اﻷخوان التوأم جيراننا أن أخاهم اﻷكبر ضابط الدفاع الجوي جاء بعد الهزيمة بأسابيع..هرب من معسكر أسرى الحرب في سيناء ومشى حتى القناة، يدله البدو على الطريق
علمت من أبي أن أحد أبناء عمومتي لم يعد ولم يعد أيضا عدد من شباب قريتنا الصغيرة في الشرقية.. وأنه تم تجنيد ابن عمتي خريج كلية التربية "رأفت


النص الكامل للمقال

يعني إيه نكسة؟

1.6.08 |

بقلم فانتازيا

مش عارفة.. ولكني أزعم أن جيل النكسة ليس هو الجيل الذي عاصر أحداث هزيمة يونيو 1967، ولكن جيلنا نحن.. الجيل الذي يعيش تبعات النكسة.. أو دعوني أقول الجيل الذي يعيش النكسة الفعلية

Flashback
يوم مقتل السادات.. حادث المنصة.. 6 أكتوبر 1981
كنت ألعب في صالة بيتنا القديم، سعيدة أن والدي يقضي النهار معي. بجوارنا التليفزيون القديم يذيع أغاني النصر وتهاني للشعب المصري بذكرى حرب أكتوبر المجيدة.

فجأة.. دربكة.. وجه أبي يتبدل.. ذهول.. صدمة..
معقولة؟ الريس مات؟ اتقتل؟ إزاي؟ في المنصة؟ واحد من الجيش في العرض؟
لم أفهم ما حدث. كل ما عرفته لاحقا هو أن هذا الوجه والصوت المألوف للرجل الأسمر ذو الزبيبة على جبهته لن يظهر مجددا.. وسألت السؤال البديهي، "هما قتلوه ليه؟"

السنين تمر، ذكرى النصر تمتزج بذكرى حادث الاغتيال.. أعيد السؤال كل عام.. نفس السؤال.. "هما قتلوه ليه؟".. وبالرغم من أن السؤال لا يتغير، جائت الإجابات مختلفة.. يبدو أن هناك العديد من الأسباب، ويبدو أنها تتكشف للكبار كل عام كما كانت تتكشف لي

ما عرفته عن السادات من التليفزيون والجرائد والمجلات يختلف عما عرفته من خلال دردشة الأهل والأصدقاء والجيران.. بطل الحرب والسلام مات مقتولا من أحد الجنود في جيشه.. بطل الحرب والسلام لم يكن محبوبا.. لم يحزن الشعب على موته رغم الطريقة الدرامية التي أنهت حياته.. بطل الحرب والسلام كان ديكتاتورا، زج بالآلاف في السجون لمجرد اختلافهم معه في الرأي.. اعتقل المفكرون والنشطاء من كل التيارات حتى لا تزعجه أصواتهم المعارضة.. بطل الحرب والسلام أطلق الجماعات المتأسلمة لتعيث في مصر فسادا وارهابا، كان برجماتيا لأبعد الحدود، قصير النظر والرؤية، دهائه الذي اشتهر به لا يتخطى دهاء فلاح قراري لكنه أبدا لا يصلح لقيادة دولة أو العبور بها من الهزيمة إلى النصر.. بطل الحرب والسلام كان لسانه زالف، نرجسي، يعاني من مشاكل نفسية جلية لا تخفى على من يقرأ سيرته الذاتية والتي سماها إسما على مسمى "البحث عن الذات".. فقد كان تائها بالفعل، وكان في قرارة نفسه لا يصدق أنه الرجل الأول في مصر وأنه يجالس ملوك ورؤساء العالم، رغم غروره المصطنع وعجرفته الزائدة

بطل الحرب والسلام قام بتعديلات هي الأسوأ في تاريخ الدستور المصري ليجعل منه دستورا مشوها، أشبه بالمسخ، عديم الشخصية والاتجاه.. فهو دستور تائه لدولة تائهة زعيمها تائه.. دستور اشتراكي في دولة تتجه للانفتاح الاقتصادي.. دستور ديكتاتوري لدولة تزعم الديمقراطية والتعددية الحزبية.. دستور ديني لدولة مدنية.. دستور عنصري يتشدق بارساء قيم العدالة والمساواة.. دستور يلصق الحاكم في مقعده إلى أبد الآبدين ويدعي السعي نحو التقدم.. دستور كسيح لدولة تتغنى بالنصر والريادة

Fast Forward
الألفية التالتة.. الاستقرار من أجل الازدهار.. استكمال مسيرة الإصلاح.. فكر جديد.. مصر بتتقدم بينا.. الاسلام هو الحل

وعود الرخاء يتتكرر صداها.. الرخاء المستحيل.. الرخاء الذي لا يأتي أبدا.. الرخاء الشبيه ب"جودو" في مسرحية صمويل بيكيت العبثية الشهيرة

النكسة هي ما نعيشه الآن.. هي تكريس روح الهزيمة وثقافة الموت والوعود الكاذبة
النكسة هي حال التعليم والبحث العلمي في مصر
النكسة هي كل ما تراه من حولك من تردي للأوضاع في جميع المجالات
النكسة هي ما نقرأه في صفحات الحوادث كل يوم
النكسة هي مجتمع ينظر إلى الخلف ويسير عكس عقارب الساعة
النكسة هي الأمراض المستوطنة في الشخصية المصرية المعاصرة
النكسة هي أجيال تائهة، فاقدة للهوية والبوصلة والهدف
النكسة هي أن تعلم أن غدك أسوأ من ماضيك

النكسة ليست في خسارة قطعة من الأرض
النكسة هي خسارة البشر
النكسة هي تدمير الوطن
النكسة هي أن نفقد مصر على يد المصريين

أعتقد هي دي النكسة




النص الكامل للمقال