يونيو 1967

2.6.08 |


بقلم أبو فارس

بالرغم من الارتجال والتخبط.. وتغيير الخطة من هجوم لدفاع.. وكثافة تحرك الوحدات.. وتوهان بعضها في الصحراء
عشية ٥ يونيه ١٩٦٧ كانت القوات المصرية في سيناء تتكون من خمس فرق مشاه ..الفرقة السابعة مشاه مدعومة بالمدرعات والمدافع تتمركز في المنطقة بين رفح والعريش..الفرقة التامنة مشاه مركزها أبوعجيلة والقسيمه..خلفهما وفي نسق دفاعي ثان تنتشر الفرقة التانية مشاه مابين جبل لنبي وبير حسنة.. وفي الجنوب عند طريق الحجاج انتشرت الفرقة السادسة مشاه ومركزها الكونتيلا ونخل.. الفرقة العشرون مكونة من جنود فلسطينين وضباط مصريون تتركز في قطاع غزة ابتداء من شمال
خان يونس...


الفرقه المدرعة الرابعة -درة الجيش المصري- كانت وراء المواقع المتقدمة لفرق المشاه, تنتشر بين بير جفجافة وبير ثمادة للتعامل مع أي قوات معادية تخترق الخطين الأول والثاني من خطوط الدفاع..
فيما بين الطريق الجنوبي وطريق الحجاج..كانت تنتشر قوة مدرعة من مائتي دبابة -أقل من فرقة- وتسمى على اسم قائدها "قوة الشاذلي".. أما الفرقة الثالثة المدرعة -تحت الإنشاء- فبقيت غرب القناة..
إجمالي حوالي مائة ألف جندي..

٥يونيو ٩,٣٠صباحا

اﻷوامر للجنرال "صدقي الغول" قائد الفرقة الرابعة المدرعة بالتحرك للدفاع عن القطاع الجنوبي من الجبهة
اللواء التاني المدرع بقيادة الجنرال"كمال حسن علي" يتحرك للشرق ويحتل المواقع من الكونتيلا إلى المظلات..

٥ يونيو بعد الظهر

الهجوم الإسرائيلي جاء من الشمال وليس بالمواجهة كما كان متوقعا
اﻷوامر تصدر للجنرال"علي" بسحب اللواء الثاني من الفرقة الرابعة المدرعة من مواقعه في الكونتيلا..اللواء يقضي باقى النهار ومعظم الليل في انسحاب منظم ويفقد ثلاث دبابات فقط

٦يونيو صباحا

الجنرال "الغول" يتسلم امرا بالانسحاب بفرقته الرابعة المدرعة إلى الخط الثاني والتشبث بالممرات.

فجر ٧يونيو

اﻷوامر تصل الجنرال "الغول" تليفونيا من الجنرال" صالح محسن" قائد الجيش ..
-"الفرقة الرابعة تنسحب لغرب القناة.. على أن يبدأ الانسحاب في الضهر "
-"يافندم الفرقة عمليا سليمة..أنسحب ليه..؟؟ وأنسحب الضهر في عين الشمس؟..طب ازاي..؟؟ كأنى بأقول للأسرائيلين ’خلصوا عليا’..حيصطادوا الدبابات"
-"دي أوامر سيادة المشير..يمكن محضرلك غطاء جوى.."
-"يافندم ..أرجوك..راجع حضرتك سيادة المشير..العدو عنده سيطرة جويه كاملة..لو لابد ننسحب خليها بعد آخر ضوء"
-"نفذ اﻷوامر ياحضرة اللواء"

٧يونيو..عند الغروب

نقطه العبور جنوب البحيرات المرة..الفرقة الرابعة أتمت أنسحابها من الممرات وتعبر القناة.. تم توزيع وحدات الفرقة بواسطة ضباط الاتصال عند العبور..بعض الوحدات تم إرسالها إلى الاسماعيلية والبعض للقاهرة..اللواء التانى أرسل ليعسكر في حدائق قصر الطاهرة بالقبة..
الجنرال "الغول" توجه للتمام في القيادة بالاسماعيلية..حيث وجد الجنرال "صالح محسن علي" التليفون.
-"لا..لأ..يا فندم، الفرقه الرابعة مانسحبتش.. دى مجرد وحدات خفيفه اللي وصلت..لا يا فندم الفرقة لسه ف الممرات..تمام يا فندم..الفرقة لسه محتلة الممرات"
الجنرال "محسن" يضع السماعه ويلتفت للجنرال"الغول"ويبادره
-"أنت إيه اللى جابك هنا؟؟"
-"حضرتك يا فندم..حضرتك استدعتني.. حضرتك قلت لي أنسحب.. وإن دي أوامر سيادة المشير.."
-"اﻷوامر أتغيرت.."
-"أتغيرت..؟؟ أتغيرت أمتى..؟؟ وإزاي ماحدش يقوللي..؟؟"
-"اسمع ياسيادة اللواء..ارجع..ارجع حالاااا"
-"أرجع..؟؟ أرجع فين..؟؟"
-"ارجع الممرات.."
فقد الجنرال "الغول" أعصابه وصاح مشوحا بيديه..
-"الممرات..؟؟ أرجع الممرات..؟؟ أنت فاكرني راكب بسكلتة ألف وأدور بيها..؟؟ دي فرقة مدرعة يا فندم.. ظباطك بعزقوها إشي على الاسماعيلية وإشي ع الطاهرة..أنت فاكر نقدر نتدور ونرجع؟..احنا ع الجنزير بقالنا تلات أيام.. فين التموين والوقود واﻷهم فين الغطا الجوي؟..احنا ماعندناش وقود"
-"ياسيادة اللواء هي دي اﻷوامر..نفذ..!! أنا بأقولك ارجع الممرات..روح نفذ اﻷمر.."

الساعة ٢ صباح الخميس ٨ يونيو ١٩٦٧
البحيرات المرة

عربات الوقود وصلت..أعاد الجنود تموين دبابات الفرقة الرابعة المدرعة المتجمعة جنوب البحيرات المرة..

الساعة ٤ صباحا

الفرقه تعبر عائدة للممرات.. وتقابل فى طريق عودتها أعداد هائلة من الجنود يجرون أنفسهم فى إعياء..في الاتجاه المعاكس..غربا في اتجاه القناة.. يعانون من العطش والجروح والحروق والارهاق..

الساعة السابعة صباحا

الفرقة تدخل المعركة محاولة الوصول للممرات..بدون غطاء جوي..تم تدمير كل دبابات الفرقة.. كان طياري العدو يطيرون على ارتفاع شديد الانخفاض، حتى أن بعض الجنود أقسموا أنهم شاهدوهم يضحكون.

القتل.. كان يتم بصاروخ لكل دبابة تتبعه دفعة نابلم للقضاء على الطاقم..الاتصال مستحيل مع القيادة فى الاسماعيلية أو السويس..ومركز القيادة الرئيسي في القاهرة يبدو وكأنه أغلق أبوابه..

تم محو الفرقة الرابعة المدرعة..

*************************************

صباح الاثنين ٥ يونيو ١٩٦٧ وقفت على سطح عمارتنا "الشاهقة"في مصر الجديدة ..
صبي صغير أمسك فى يد أمي.. أشاهد أعمدة الدخان تتصاعد من قاعدة ألماظه الجوية ومطار القاهرة الدولي..
أوحت خيالات الصبا لي أني شاهدت طائرات العدو وهى تقصف المطار، بل أقسمت ﻷبى حين عاد من العمل يومها أني شاهدت طائرة أو أكثر تسقط

بعدها بأيام سمعت أمي تبكي ورأيت أبي حزين وهم يستمعوا للأخبار..قواتنا فى خط الدفاع التانى
أطل "عبد الناصر" يعلن تنحيه..صرخت أمي وهرع أبي خارج المنزل وبكيت مع أختى الصغيرة.. شئ بشع حدث ولا أفهمه..
امتلئ شارعنا الهادي بعدة دبابات وحاملاتها وجنود في ملابس الميدان.. تكفلت نساء الشارع بإطعامهم
كانت أمي تطبخ لهم وهي تبكي.. وأنزل أحمل لهم الطعام فيأخذوه ويشكرونا.. أبى كان ينزل لهم بعلبة سجائره البلمونت وبراد شاي أسود تقيل وعدة أكواب عند الغروب وانضم له جيراننا..اﻷستاذ أبو النجا وعم لويس والحاج عبد العال صاحب العمارة.. المشهد كله كان صامت لا كلام ولا ضحك.. حتى أبي صاحب الضحكة المجلجلة كان صامتا

خالتى اتصلت بأمي لتخبرها أن أخاهم اﻷصغر لم يعد للبيت منذ ٩يونيو
بعدها بأيام جاء لمنزلنا..فهمت أنه كان يدور فى شوارع ومقاهي القاهرة.. لايستطيع النوم ولا العودة لمنزل أخته حيث يقيم
"حاسس إن النار ماسكة ف هدومي"، هكذا وصف حاله..
حكى لي اﻷخوان التوأم جيراننا أن أخاهم اﻷكبر ضابط الدفاع الجوي جاء بعد الهزيمة بأسابيع..هرب من معسكر أسرى الحرب في سيناء ومشى حتى القناة، يدله البدو على الطريق
علمت من أبي أن أحد أبناء عمومتي لم يعد ولم يعد أيضا عدد من شباب قريتنا الصغيرة في الشرقية.. وأنه تم تجنيد ابن عمتي خريج كلية التربية "رأفت