الكذب في سبيل الله

6.6.08 |


بقلم سيد القمني
مقال غير حصري

هل يجوز للدولة الإسلامية المعاصرة.. أن تفرض «الجزية» علي أهل الذمة برضائهم؟! لون من الكذب لا يلجأ لتلبيس المفاهيم إنما هو يكذب بشكل «قارح» علي نفسه وعلي تراثه وعلي المسلمين الدكتور «فيصل مولوي» مشغول مثل كل زملائه بإقامة دولة إسلامية معاصرة لكنه يريد أسباب القوة المعاصرة من تراثنا الذي مضي عليه 14 قرنا .

«مولوي» يري أنه علي غير المسلمين قبول تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم في بلاد المسلمين كما يخضع المسلم للقوانين العامة في بلاد الغرب نشرنا بالعدد الماضي عن تحريض عدد من مشايخ المسلمين علي الجهاد ومحاربة غير المسلمين، ذلك الجهاد الذي يأبي المشايخ أن يقوموا به بأنفسهم أو حث أبنائهم عليه.

وكتبنا أيضا عن جهاد من نوع آخر الذي هو في سبيل الدنيا واستعرضنا أراء العلماء المعاصرين ومنهم الدكتور «أحمد الريسوني» الخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يري أننا لسنا في حاجة للديمقراطية كما تعرفها الدنيا لأننا لدينا الشوري التي هي عنده أهم وأعم من الديمقراطية.لم يعرف العرب في جزيرتهم، قبل الإسلام، أو بعده، شيئاً اسمه انتخابات، فالدكتور يشرح لنا الفرق العظيم بين ديمقراطية الغرب وشوري الإسلام كما يفهمها بقوله: الشوري حسب أحد الفقهاء المالكية هي: علي الأمير أوالسلطان أن يستشير قادة الجند فيما يخص الحرب والقتال والسلم، وما إلي ذلك، وأن يستشير وجوه الناس في مصالح الناس، وأن يستشير الكتاب في مسائل الإدارة.. إلخ الحلقة نفسها .

وهكذا نجد الأمير أوالسلطان قد تسلطن أصلاً دون أي دور لهذا الشيء المسمي شوري في سلطنته، ومعلوم أن البيعة شقيقة الشوري في النظام السياسي الإسلامي كما يدعو إليه هو وأمثاله، هي عقد إذعان وإعلان ولاء للنظام،الذي تسلطن مسبقاً وجلس يطلب من المسلمين الاعتراف بسلطانه، كذلك كانت معظم الولايات في تاريخنا تقع تحت بند خلافة المتغلب، أي الذي غلب الناس بسيفه وعسكره وشوكته. وهكذا تصبح البيعة والشوري عملية إكساب شرعية لنظام غير شرعي وليست العكس، ولا علاقة لها برأي أغلبية ولا أقلية، ولا تعرف شيئاً اسمه الترشيح أو المنافسة أو الانتخاب أو حتي الاختراع العروبي الثوري المسمي استفتاء.

وبعد أن يتسلطن المتغلب ويأخذ الشرعية يسوق الناس لبيعته بالزواجير وهو ما حدث في أخذ بيعة «الإمام علي» والهاشميين «لأبي بكر» قهرا،.... من قهر الناس بجنده وتغلب عليهم بشوكته، لا يبيت المسلم مسلماً وهولا يراه أميراً له ، هذا حديث آخر منسوب للنبي «صلي الله عليه وسلم» ما أنزل الله به من سلطان لشرعنة اللاشرعية، فقط بحجة وأد الفتنة. وبعدما يتسلطن المتغلب ويحشر الناس لبيعته، ويأخذ الشرعية بالرضي الكهنوتي، قد يستشير أهل العلم في الدين، وقادة الجند في القتال، وقد يستشير الكتاب في الإدارة.

الدكتور «الريسوني» لكثرة ما طال به العهد وسط كتب التراث تحول هونفسه إلي تراث مُعلب، لازال أسلوب الحكم عنده هو سلطة واحدة وخليفة واحد يدير كل شئون الإمبراطورية، لكنه خليفة ديمقراطي يشاور وجهاء سلطنته في كل شأن. ويبقي السؤال يحيرنا حول معني لقب دكتور ولقب مستشار ولقب فقيه وكلها صفات السيد «الريسوني». ووجه الحيرة قوله مع كل هذه الألقاب السنية أن الأخذ برأي الأغلبية مسألة فطرية وأن الإسلام مع هذا المبدأ لأنه دين الفطرة.

بينما ما حدث في تاريخنا هو أن المستبد الحاكم ممثل الأغلبية بحكم شرعيته الدينية، ما كان يسمح أصلاً بظهور أقلية أومعارضة، وحتي عندما كانت تثبت تلك المعارضة وجودها، فذلك لأنها صارت في موطنها أكثرية كالمذهب الشيعي في إيران والعراق مثلاً. أو ليشير لنا الدكتور في تاريخنا عن هذه المعاني، فقط هويعتمد الشوري، وهوشأن يعني طلب النصيحة ولا علاقة له بالديمقراطية كمنظومة سياسية حقوقية، هوشيء أقرب إلي المهلبية منه إلي الديمقراطية.

ولا يجد الفقيه «الريسوني» حرجاً عندما يأخذ برأي الأغلبية ليؤسس عليها شرعيته؟! أي حديث هذا؟ وأي عبث ذاك؟ إذا كان القانون الذي سيحكمنا هوالشريعة كما يفهم هو وأمثاله، والشريعة التي هي من عند الله، ولم يستشرنا ربنا جل جلاله عندما وضعها لنا ولا أخذ رأي أحد فيها ولا حتي أنبيائة، فما المعول علي الأغلبية هنا؟ ماذا سيكون دورها ؟ وكيف سيكون هذا الدور مع شريعة هي أوامر ونواه لا مجال فيها لرأي ولا استفتاء ولا أقلية ولا أكثرية، فلا اجتهاد مع نص ولا إنكار لمعلوم من الدين بالضرورة كما يحددها السلطان وفقهاؤه ومن ثم لن يبقي من الديمقراطية شئ، إنما تبقي الشوري التي تلائم ظروفنا وديننا، سيستشيرونا إن شاء الله في الشئون التي تخرج عن دائرة الدين.

فإذا كانوا قبل أن يحكموا جعلوا كل شيء داخل دائرة الدين، فما هو شأنهم يوم يركبون الكراسي الكبيرة ؟والمعلوم أن الإسلام قد بدأ مع مسلمين أقلية فانحاز للأقلية مبكراً، ودعمها وخصها بالخير وذم الأكثرية ودمغها بالشر، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك ، ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولوكثرت... 19 الأنفال، قل لا يستوي الخبيث والطيب ولوأعجبك كثرة الخبيث 100 المائدة، ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا 5 التوبة، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون 66 المائدة، وفضلناهم علي كثير مما خلقنا تفضيلا 70 الإسراء، وقالا الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده المؤمنين 15 النمل، فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون 6 الحديد.

ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون 3 المائدة، وتري كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان 6 المائدة، وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم 119 الأنعام، ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس 179 الأعراف، إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل 34 التوبة، وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون 9 يونس، وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون 8 الروم، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله 49 البقرة، إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 43 البقرة، ولكن أكثرالناس لا يؤمنون 1 الرعد، فأبي أكثر الناس إلا كفورا 89 الاسراء، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30 الروم، وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون 59 المائدة، نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون 100 البقرة، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون.. 110 آل عمران.

خير الأمم


ورغم تحول المسلمين إلي أكثرية فيما بعد، فإنها لازالت تقوم بدور الأقلية المطهرة كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وهي التي اختارها الله خير الأمم، ومهمتهم تحويل هذه الكثرة المخالفة إلي الإسلام، فالأقلية هي الطيبة المتسامحة التي يقع عليها الاضطهاد وعبء الدعوة والجهاد لأنها الصواب المسلم.

والحقيقة أنها ليست أكثرية ولا أقلية بما نفهمه منها الآن، ولا علاقة لها بمعني الأقلية والأكثرية السياسية، هي شأن ديني طائفي خالص، وعندما كان الشأن واضحاً كشأن سياسي تماماً زمن الرعيل الأول، لم يحدث أن تم تفعيل مبدأ الأكثرية، فقد اختار أ«بوبكر» الحرب علي أهل الردة رغم معارضة أكثرية الصحابة وعلي رأسهم «عمر»، واختار «عمر» عدم الخروج علي رأس الجيوش وأناب عنه قواد الفتوح، رغم استشارته لعشرة من الصحابة فقال تسعة منهم بوجوب خروجه علي رأس جيوش المسلمين، وواحد فقط عبد الرحمن بن عوف قال ببقائه في المدينة، فأخذ برأي الواحد.

والأمثلة أكثر من الحصر.دولة إسلامية معاصرةهناك لون آخر من الكذب لا يلجأ لتلبيس المفاهيم، إنما هو يكذب بشكل قارح علي نفسه وعلي تراثه وعلي المسلمين المفترض أنهم يأمنونه علي دينهم وأخلاقهم.

الدكتور «فيصل مولوي» الأمين العام للجماعة الإسلامية الدولية، مشغول مثل كل زملائه فقهاء أو دعاه أوجماعات بإقامة دولة إسلامية معاصرة، فهو يؤمن بالمعاصرة كحل لتخلفنا وضعفنا، لكنه لا يريد أسباب القوة المعاصرة، من عصرنا، يريدها من تراثنا، من عصر مضي عليه أكثر من أربعة عشر قرناً، لذلك يفرض علي هذا التراث مفاهيم لم يعرفها العالم إلا قبل قرنين أوثلاثة من الزمان، لا لشيء، إلا لحشر الإسلام في كل شيء.

يواجه «مولوي» هنا معضلة وجود مواطنين غير مسلمين في الدول المسماة إسلامية، وأن الإسلام يفرض عليهم الجزية، وأن الجزية انتقاص من المواطنة، فالمواطن يدفع ضريبة الجزية بسبب اختياره ديناً غير ما ارتضته الدولة لنفسها. وبسبيل إثبات حداثة الفكر الإسلامي السياسي، يتنكر «مولوي» عن قصد لمعلوم من الدين بالضرورة فيقول: ليس هناك مبرر لأن تفرض الجزية علي هؤلاء، لأن الجزية تفرض بعد حرب ولا تفرض بعد اتفاق.

ومع ذلك حتي بعد الحرب، ربما يحصل صلح بين المسلمين وغير المسلمين ولا تكون فيه جزية، وقد حصل هذا أيام «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه عندما أراد المسلمون أن يفتحوا بلاد النوبة ولم ينجحوا فيها، فصالحوا أهلها بغير جزية المواطنة في الفقه السياسي الإسلامي الشريعة والحياة الجزيرة الدكتور «مولوي» يقوم بدور المحلل بين المطلقين ثلاثاً في بينونة كبري، فينكر المعلوم طوال تاريخ الإمبراطورية الإسلامية والمعلوم من الشرع والدين بالضرورة، لأن الجزية مقصود منها الإذلال والصغار وهم صاغرون.

وهي بمفاهيم اليوم الحقوقية تعد انتقاصاً من حقوق المواطنة بسبب دين دون دين.لو مد «مولوي» الحبل علي استقامته وأنكر واستنكر الجزية التاريخية والشرعية، بحسبانها ما كانت تليق حتي بزمانها حتي نقبلها في زماننا، حسب المقاييس الأخلاقية، بل تتناقض مع القيم الدينية الدعوية، فإذا كان المقصود من الجهاد والفتوحات نشر الإسلام، فلماذا قبل المسلمون بأخذ الجزية بغض النظر عن دين دافعها، بغض النظر عن دينه حتي لو عبد بقرة، فهل خرج هؤلاء للدعوة في سبيل الله أم في سبيل جمع الأموال ؟ وقد أرسل النبي «صلي الله عليه وسلم» فيما نؤمن داعياً لا جابي.

وكان بإمكان «الريسوني» وضع الحدث في زمنه وتاريخه للخروج بأسبابه الموضوعية، والاعتراف المتواضع أنها كانت أسباباً محلية لا علاقة لها بظرفنا اليوم.لوفعل ذلك لقدرنا وفهمنا وبصمنا بالعشرة، لكنها المنطقة الملغومة التي لا يريدون لا الخوض فيها، ولا ترك غيرهم يفكك ألغامها، ويسمحون لأنفسهم بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، ويرمون من يخاطرون بتفكيك تلك الألغام بالضلال والزندقة والكفران. لذلك يلجأون للمداورة والتضليل والتجميل في كذب مفضوح لا يليق بالدعاة الكبار.مستنقع الكذب «مولوي» ينكر المعلوم بالضرورة ليس بسند من حديث ولا لآيات ولا فقه ولا لحالة متكررة في التاريخ.

إنما يذهب يبحث وينقب في تاريخ الغزو العربي لدول الحضارات التي شاء حظها العاثر أن تجاور جزيرة العرب، فلا يجد سوي حالة يتيمة لم يتمكن فيها العرب الغزاة من احتلال النوبة المصرية، وأصاب الإجهاد الشديد الطرفين، وسجل النوبيون بذلك بطولة غير مسبوقة لأنهم كانوا يحسنون الرمي الدقيق بما يصيب مباشرة عيون الأعداء، لذلك سماهم العرب رُماة الحدق. وانتهي الموقف بشبه انتصار للعرب فرضوا بموجبه علي أهل النوبة أن يرسلوا للعرب عدداً منهم سنوياً، ليستعبدوا العرب بعد أن كانوا أحراراً في بلادهم.

هذه هي الحكاية، ويعلمها «مولوي» جيداً وإلا ما رصدها وسط تاريخنا الهائل كماً وكيفاً ليجعل منها تكئة لتبرير محاولته كمحلل للطلاق البائن بالجزية بين المسلمين وغير المسلمين، وهي لاشك محاولة مشكورة، لكنها تلفيقية لا تحسم الأمر بقدر ما تتحايل عليه. إضافة إلي اعتمادها الكذب، فما أحوجنا لفضيلة الصدق إذن !! وهو إذ ينكر ضرورة الجزية القرآنية لم يتمكن من اقتحام العقبة الكؤد العمرية عهد الذمة - أوعهد الذلة، فإذ به يقول: المشكلة في مصطلح أهل الذمة عند كثير من الناس، هي مشكلة الجزية، وليست مشكلة أهل الذمة، لأن الذمة هي عقد، والعقد يتم بالتراضي بين المسلمين وبين انسان غير مسلم يريد أن يعيش معهم، أو هو أصلا يعيش معهم، هم أسلموا وهوبقي علي دينه، وحصل أن من أسلموا صاروا أكثرية، وأرادوا أن يحتكموا إلي شريعة الله.

فهذا عقد الذمة يتم بالتراضي علي كل بنوده، لكن ما حصل أن عقد الذمة عندنا يكون بعد حرب، والحرب عادة يبدأها غير المسلمين، والمسلمون فيها مدافعون عندما خاضوا هذه الحروب، وانتصروا وقضوا علي هؤلاء بدفع الجزية علامة خضوعهم لهذا المجتمع الجديد ليس أكثر.. لذلك فالأهم في عهد الذمة هوخضوع هذا المواطن للأحكام التشريعية الدنيوية العامة للدولة، فإذا أخذت هذه الأحكام من الشريعة الإسلامية أوغيرها، فعليه أن يخضع لها، لأن هذا هو معني المواطنة. المسلم الآن في أوروبا يخضع للقوانين العامة، كذلك علي المسيحي في بلاد المسلمين أن يخضع للقوانين العامة .

وهكذا غرق الرجل في مستنقع الكذب بكله وكليله حتي أنفة، وهو عالم بما يفعل، فأي جلل أصابنا في مشايخنا وقاماتنا الطوال ؟ !عهود المنتصرين «مولوي» الأمين العام لمسلمي المشرقين ومسلمي المغربين، يري أن غير المسلمين في الدولة الإسلامية المرتقبة لن يدفعوا الجزية، في مجاملة وتنازل لطيف لا يملكه لأنه منكر لمعلوم ضروري من الإسلام، لن يقره زملاؤه عليه عندما يجد الجد وينتفي الهزل، وفي مقابل هذا التنازل الباهت غير صادق النوايا، علي غير المسلمين أن يقبلوا بعهد الذمة، ويعرفه بأنه عقد يتم بالتراضي بين المسلمين وغير المسلمين في بلد واحد. ليس هذا فقط، بل عليهم قبول تطبيق الشريعة الإسلامية وخضوعهم لها لأن الشريعة في الدولة المرتقبة ستكون قوانين عامة للدولة، وأنه كما يخضع المسلم القاطن ببلاد الغرب لقوانينهم العامة، كذلك علي المسيحي في بلادنا أن يخضع لقوانينا العامة كما لوكان هؤلاء مغتربين عندنا كما أن بعضنا مغترب في بلاد الغرب.

وبعد أن يخدعنا بكذبة أن عقد الذمة يتم بالتراضي، يعود ليعترف أن التاريخ الإسلامي كله لم يعرف أي عهود للذمة كتبت سلماً إنما كانت دوماً إثر حروب ضروس، وبالطبع وفق شروط المنتصر، وذلك المنتصر كان الفاتح الإسلامي، وتلك الشروط مجرد تكرارها هنا مخزي ومحزن ومخجل، أمثلة سريعة لبعض بنود عقد الذمة العمري مع مسيحيي فلسطين: أن يكون لهم زياً خاصا ً حتي لا يتشبهوا بالمسلمين وحتي يعرفهم المسلمون من زيهم، مع شد زنار علي أوساطهم، وألا يعلوا ببنيانهم أعلي من المسلمين، ولا يسمعونا صوت نواقيسهم، ولا تلاوة كتبهم ولا قولهم في المسيح، ولا يجاهرون بالخمر والصلبان والخنازير، وأن يدفنوا موتاهم بعيداً عن مقابر المسلمين ولا يرفعوا أصواتهم علي موتاهم، ويمنعوا من ركوب الخيل لأنه مركب كريم شريف، ويسمح لهم بركوب الحمير دون بردعة إنما علي الأكف الليف الخشن ويكون الركوب من جانب واحد، فإن صادف مسلماً ماشياً عليه النزول عن حماره واللجوء إلي أضيق الطريق ليفسحه للمسلم..... إلخ.... ألخ .

ومع التعامي التام والتغافل المقصود عن تلك البنود يستمر «مولوي» يقول: إنه من أجل المحافظة علي كرامة هؤلاء سموا أهل ذمة، كلمة ذمة ليست كلمة تعني شيئاً من الإذلال، أوتعني شيئاً من تجاوز الحقوق، بالعكس، تعني أن هذا الإنسان في ذمتي، يعني أنا مسؤول أمام الله أن أحافظ عليه وعلي حقوقه وعلي كرامته وعلي المساواة بينه وبين جميع الناس.. ولدينا الحادثة المشهورة عن الغلام القبطي الذي ضربه ابن «عمرو بن العاص».. عاد وهو يشعر بالمساواة ولم يدخل في دين الله، لأن الإسلام تقوم شريعته أساساً علي المساواة في المواطنة .

كان علي السيد الدكتور أن يقول أن لديه عهداً جديداً للذمة، لأن ما يقول لا علاقة له بالمرة بعهد الذمة العمري المشهور، ولا بفقه الأموال والحسبة الذي يدرسه أبناؤنا في أزهرنا الميمون، كان عليه أن يقول: هذا عهد ذمة جديد نتعهد به لغير المسلمين في دولتنا الإسلامية المرتقبة، وحتي لا ينصرف الذهن لأي خديعة متربصة بنا، عليه أيضاً أن يعلن إدانته لعهد الذمة العمري وكل العهود الشبيهة به في تاريخنا الإسلامي. الأشد سوءاً ونكاية في كل القيم، أن يكذب المحترم بفداحة ويردد كذبة تاريخية قد آن أوان مراجعتها والاعتذار التاريخي العلني الدولي عنها وإدانتها. وتوقيع عقوبة علي من يقول بها، بالضبط كما فعلت دول أوروبا بعقوبة منكر الهولوكست.

كذبة يرددها المشايخ جميعاً بلا استثناء، تدين المشيخة والدين وهيبة رجل الدين.حرب أم تراض؟ألا ترون الرجل الصادق المؤمن يقول: عقد الذمة عندنا يكون بعد حرب ، وقال قبلها إنه يتم بالتراضي والقبول السلمي بين الطرفين، لكنه يعلم أن المسلمين لم يفعلوا ذلك في معظم تاريخهم فيبرر عقد الذمة القهري الذي تم إثر شن الحروب علي البلاد المحيطة بالجزيرة، باستطراده المفزع الصادم، والحرب عادة كان يبدؤها غير المسلمين، والمسلمون كانوا فيها مدافعين عندما خاضوا هذه الحروب ، ولما انتصروا فرضوا الجزية علي المهزومين علامة الخضوع، وفي رأيه يمكن استبدال هذه العلامة الجزية للخضوع بعلامة حداثية متحضرة، هي الخضوع للقوانين العامة للدولة، التي هي عنده الشريعة الإسلامية كما يفهمنا هو، فيكونوا قد استجاروا من الرمضاء بجهنم.

هل يشير لنا الدكتور وكل الدكاترة والدعاة ذوي الوجاهة والمناصب علماء الأمة، إلي الحادثة التي أعتدت فيها مصر علي الجزيرة، أوالعدوان الذي ارتكبة أهل العراق أو فلسطين أو الشام أو افريقيا حتي الأطلنطي، أوكل بلاد ستان حتي الصين وكيف كانت حملاتهم العسكرية علي نجود الحجاز الفاضلة ومدنه المقدسة، ومتي حدث هذا؟ أم ان حرب الفتوح والغزو كانت حرباً استباقية قام بها العرب، لا تقوم علي حشد المعلومات عن العدو، إنما تقوم علي قراءة نياته العدوانية ؟ ولماذا كانت نيات كل تلك البلاد المفتوحة قريبة وبعيدة هي مهاجمة المسلمين بالحجاز، وهو ما لم يحدث ولا مرة واحدة ؟ فجاء العربي واحتل البلاد وأسر العباد واستعبد الأطفال ونهب الحلال ونكح النساء، كرد فعل علي قراءة النوايا بهجوم مفترض كانوا سيقومون به علي المسلمين ؟

إن هذه الرؤوس والهامات لا حل لها، ولا حل لديها، ولوكان لديهم حلول لحلوا من زمان، ألف واربعمائة سنة يدعون أنهم يحمون الدين ويجلسون علي أكتافنا يبررون كل المظالم ولم يقدموا يوماً حلاً، حتي بات العالم كله يطالبنا بالإصلاح، فهل تراهم وحالهم هذا بقادرين علي إصلاح أي شيء؟ الرجل يطلب من غير المسلمين في بلادنا الخضوع للشريعة كما يخضع المسلم المهاجر في الغرب للقوانين العامة هناك، لأن قانوننا العام هو الشريعة ؟

أترون دكتوراً يعرف بسائط المنهج العلمي يقول كلاماً مثل هذا ؟ إن الدكتور يعرف يقيناً معني القانون العام، فهو الذي ترتضيه كل أطياف وملل وألوان ونحل المجتمع في عقد اجتماعي سلمي، لذلك يعبر عن المصالح المشتركة لجميع المواطنين علي ألوانهم دون أي طائفة أودين لأنهم هم واضعوه وليس مقررا سماويا لدين بعينه، بينما «مولوي» يضع الشريعة الإسلامية قانوناً عاماً من عندياته باحتسابه ذلك مسلمة بدهية، ودون اختيارها من كل أطياف المجتمع، ودون أن تعبر عن الصالح الاجتماعي العام بقدر ما تعبر عن رؤية ومصالح طائفية دينية بحتة.

أترون حجم العيب وما يستشعره الدكتور من عار فيخفي السوءات بأوهام تشف ولا تستر. ولا ينسي مولوي في ملحمة الكذب أن يضيف القصة المشهورة عن المصري ويسمية القبطي الذي سبق بن عمرو بن العاص فضربه، فشكي للخليفة عمر «رضي الله عنه» فأمر أن يقوم ابن الأذلين بضرب ابن الأكرمين قائلاً قولته المشهورة: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، لأن ذلك الزمن كان زمن عبودية، ولا يضرب إلا الحيوان والعبد، فلما ضرب بن عمرو المصري الذي سبقه، استفزت الخليفة العادل عمر، لكن ليس لأن المظلوم قبطي، لأنه ـ طبقا لبعض الروايات ـ كان عربياً يمنياً، مصرياً، أي حراً من عرب مصر، ولأنه لا يجوز أصلاً السباق بين عربي مسلم وقبطي لفداحة المسافة بينهما، لأن القبطي في الشرع الإسلامي أدني درجة في الحقوق من العبد المسلم، وغير مسموح له بركوب الخيل أصلا. أما المساواة في المواطنة فقد قلنا وعدنا بشأنها وزدنا، فليرجع من أراد المزيد لأعمالنا المنشورة، كما فهم لا يعرفون شيئاً اسمه المساواة، بل يقسمون الناس منازل وانساباً ورتباً تختلف حقوقاً وواجبات، وأهم علومهم علم الأنساب الذي هوعلم عدم المساواة، الذي يكاد يكون العلم الوحيد عند العرب. فإذا كانت هذه أخلاق الصدق لدي الرواد المشايخ الدكاترة العلماء الهامات الطوال، فهل ما نراه من تردي فضيلة الصدق في شارعنا الإسلامي، هوترديد الصدي لإسلام بعض مشايخ الإسلام السياسي الذين استباحوا كل الفضائل في سبيل الغرض السياسي، فكانوا المثل المعلم لشعوبهم في انعدام الأخلاق والقيم ؟.فالمسلمون العرب يبدو أننا بحاجة ماسة إلي الصدق مع أنفسنا ومع تاريخنا دون شعور بدونية ولا خجل، لأنه لا يصح قياس زمن الدعوة علي زماننا، فهو ظلم لزمانهم في الفهم والفكر، حتي لا نضطر طوال الوقت إلي الكذب والتضليل، فنعتاد الكذب حتي يصبح هو حقيقتنا بينما يعلم العالم كله ويري سوءاتنا، فالكذب لا يستر والوهم لا يصلح ما لا يصلح لزماننا.

وجه المصيبة هنا توافق مشايخنا علي الكذب، ويبدو لنا بحكم أنهم علماء دين، أنهم علي علم تام بتفاصيل ما يكذبون بشأنه علي المسلمين، الذين ليس في طاقتهم تحصيل المعارف الدينية التي حصلها المشايخ. إن هذا التواطؤ علي الكذب يشير إلي شرعة عربية إسلامية، فالكذب في سبيل الله مطلوب، وفي الحديث كذب إبراهيم النبي ثلاث كذبات كلها في الله: عندما قال إني سقيم، وعندما قال فعلها كبيرهم هذا، وعندما قال لفرعون عن زوجته سارة إنها أخته. الكذب مطلوب تقية ومداراة إذا كان الصدق سيضر بالمسلم أو بدينه، علماء الحديث حبذوا أحاديث يعلمون أنها مختلقة مكذوبة، لأنها تؤدي إلي مصلحة أو تحث علي فضيلة. فانظر يا مؤمن ولا تعجب من الوسيلة لبلوغ الفضيلة ؟ !!!ومازال لنا مع الفقهاء التقاة الصادقين حوار.. وحديث قد يطول.