يعني إيه نكسة؟

1.6.08 |

بقلم فانتازيا

مش عارفة.. ولكني أزعم أن جيل النكسة ليس هو الجيل الذي عاصر أحداث هزيمة يونيو 1967، ولكن جيلنا نحن.. الجيل الذي يعيش تبعات النكسة.. أو دعوني أقول الجيل الذي يعيش النكسة الفعلية

Flashback
يوم مقتل السادات.. حادث المنصة.. 6 أكتوبر 1981
كنت ألعب في صالة بيتنا القديم، سعيدة أن والدي يقضي النهار معي. بجوارنا التليفزيون القديم يذيع أغاني النصر وتهاني للشعب المصري بذكرى حرب أكتوبر المجيدة.

فجأة.. دربكة.. وجه أبي يتبدل.. ذهول.. صدمة..
معقولة؟ الريس مات؟ اتقتل؟ إزاي؟ في المنصة؟ واحد من الجيش في العرض؟
لم أفهم ما حدث. كل ما عرفته لاحقا هو أن هذا الوجه والصوت المألوف للرجل الأسمر ذو الزبيبة على جبهته لن يظهر مجددا.. وسألت السؤال البديهي، "هما قتلوه ليه؟"

السنين تمر، ذكرى النصر تمتزج بذكرى حادث الاغتيال.. أعيد السؤال كل عام.. نفس السؤال.. "هما قتلوه ليه؟".. وبالرغم من أن السؤال لا يتغير، جائت الإجابات مختلفة.. يبدو أن هناك العديد من الأسباب، ويبدو أنها تتكشف للكبار كل عام كما كانت تتكشف لي

ما عرفته عن السادات من التليفزيون والجرائد والمجلات يختلف عما عرفته من خلال دردشة الأهل والأصدقاء والجيران.. بطل الحرب والسلام مات مقتولا من أحد الجنود في جيشه.. بطل الحرب والسلام لم يكن محبوبا.. لم يحزن الشعب على موته رغم الطريقة الدرامية التي أنهت حياته.. بطل الحرب والسلام كان ديكتاتورا، زج بالآلاف في السجون لمجرد اختلافهم معه في الرأي.. اعتقل المفكرون والنشطاء من كل التيارات حتى لا تزعجه أصواتهم المعارضة.. بطل الحرب والسلام أطلق الجماعات المتأسلمة لتعيث في مصر فسادا وارهابا، كان برجماتيا لأبعد الحدود، قصير النظر والرؤية، دهائه الذي اشتهر به لا يتخطى دهاء فلاح قراري لكنه أبدا لا يصلح لقيادة دولة أو العبور بها من الهزيمة إلى النصر.. بطل الحرب والسلام كان لسانه زالف، نرجسي، يعاني من مشاكل نفسية جلية لا تخفى على من يقرأ سيرته الذاتية والتي سماها إسما على مسمى "البحث عن الذات".. فقد كان تائها بالفعل، وكان في قرارة نفسه لا يصدق أنه الرجل الأول في مصر وأنه يجالس ملوك ورؤساء العالم، رغم غروره المصطنع وعجرفته الزائدة

بطل الحرب والسلام قام بتعديلات هي الأسوأ في تاريخ الدستور المصري ليجعل منه دستورا مشوها، أشبه بالمسخ، عديم الشخصية والاتجاه.. فهو دستور تائه لدولة تائهة زعيمها تائه.. دستور اشتراكي في دولة تتجه للانفتاح الاقتصادي.. دستور ديكتاتوري لدولة تزعم الديمقراطية والتعددية الحزبية.. دستور ديني لدولة مدنية.. دستور عنصري يتشدق بارساء قيم العدالة والمساواة.. دستور يلصق الحاكم في مقعده إلى أبد الآبدين ويدعي السعي نحو التقدم.. دستور كسيح لدولة تتغنى بالنصر والريادة

Fast Forward
الألفية التالتة.. الاستقرار من أجل الازدهار.. استكمال مسيرة الإصلاح.. فكر جديد.. مصر بتتقدم بينا.. الاسلام هو الحل

وعود الرخاء يتتكرر صداها.. الرخاء المستحيل.. الرخاء الذي لا يأتي أبدا.. الرخاء الشبيه ب"جودو" في مسرحية صمويل بيكيت العبثية الشهيرة

النكسة هي ما نعيشه الآن.. هي تكريس روح الهزيمة وثقافة الموت والوعود الكاذبة
النكسة هي حال التعليم والبحث العلمي في مصر
النكسة هي كل ما تراه من حولك من تردي للأوضاع في جميع المجالات
النكسة هي ما نقرأه في صفحات الحوادث كل يوم
النكسة هي مجتمع ينظر إلى الخلف ويسير عكس عقارب الساعة
النكسة هي الأمراض المستوطنة في الشخصية المصرية المعاصرة
النكسة هي أجيال تائهة، فاقدة للهوية والبوصلة والهدف
النكسة هي أن تعلم أن غدك أسوأ من ماضيك

النكسة ليست في خسارة قطعة من الأرض
النكسة هي خسارة البشر
النكسة هي تدمير الوطن
النكسة هي أن نفقد مصر على يد المصريين

أعتقد هي دي النكسة