رفقاً بالرجال

7.6.08 |


بقلم سوسن

عندما يبلل ابني نفسه و أجري لتغيير حفاظته، دائماٌ ما تساعدني أمي مشكورة بمداعبته حتى يتوقف عن البكاء. تبدأ المداعبة –البائسة- بالسيناريو المعهود: "بس بس، في راجل يعيط كده؟" ثم تبدأ التعليقات السخيفة عن "الزقزوقة" و التي أنأى عن ذكرها حفظاً لذوق القارئ الكريم

أكتم غيظي و أشكرها و أستر "زقزوقته" ثم يستكمل هو اللعب بالكرة أو مص إصبعه بينما أنا أغرق في أفكاري الثورية و الشطحات الوجودية الجهنمية.

هذه المرة غرقت في قراءة كتاب عن انطباعات مجموعة من النساء عن مدن متعددة خلال زيارتهن لها. كان حظ مصر منها في مدينة الأسكندرية. الكاتبات ذكرن أنهن التزمن بنصيحة ارتداء عباءات فضفاضة لتجنب استفزاز ذكور المدينة العروس. بالرغم من ذلك، أكدت الكاتبات أنه لم يتردد السواد الأعظم من الشباب اليافع في التبرع بالتعليق... أي تعليق، مجاملة حسنة أو بذيئة كانت.
قرأت ذلك و سرحت في تجربتي أنا الشخصية.

هل لاحظتم مثلي أن كثير من الرجال في الشارع المصري –خاصة رجال الطبقة الكادحة- لا يتورعون في قطع طريق أي أنثى شاء لها القدر أن تشاركهم نفس الشارع الضيق عادة. و عليه، فيجب على كل "مزة" مارة بالطريق أن تنزاح جانباً لثوان –تطول أحياناً- حتى ينعم بالشارع الفحول الأشاوس. كل مرة يطيح بي رجلاً إلى جانب الطريق أنظر في عينيه فأجد نظرة انتصار مُرة.

على بساطته و تفاهته –إن شئت، فإني دائماً أتوقف أمام هذا السلوك و أبدأ في فك شفراته. فهناك عداء سلبي متوطن في الأبناء الذكور لهذا الوطن تتجسد أمامي في "زقزوقة" ابني كريم (سوف نتحدث عن العداء السلبي الأنثوي في خواطر لاحقة).

تبدأ التمثيلية المهينة التي تسعى –باطلاً- لبناء هوية ابني الانسانية بتنبيهه لأهمية أعضاءه التناسلية في اثبات وجوده، و تستمر في تعليمه أن كل النشاطات التي ينوي القيام بها و الحقوق و الواجبات المترتبة عليها سوف تتشكل حتماً في ضوء ذلك الوجود النوعي.

قتل العلم و الفن و المنطق بحثاً النتائج السلبية المترتبة على تصنيف ألعاب و أهازيج الأطفال حسب جنسهم. فالقطار و أدوات الحرب و بدلة الضابط للولد، أما باربي و مطبخها و فستان زفافها فللبنت. و ما أن تترسخ هذه "التوجهات" في عقل كل طفل جديد، نكون قد أرتكبنا ذنباً جديداً يضاف لصحيفة العنف ضد الانسانية... و عقبال عندكوا يا حبايب!

لكن كيف يتم ذلك؟ أحياناً أشعر أنك تشعر، قارئي الفاضل، أني مزوداها شوية. لذا، وجب التوضيح...ـ
طالما أن بدلة الضابط و الكرة الشراب يتم تمويلهم من قبل الوالد(ة) الكريمـ(ة) فلا شر في ذلك. تبدأ المأساة عندما يكون الوقت قد أزف و وجب (اضطراراً) أن يعتمد الشاب من دول على نفسه و ربما رغبته في شراء عروس المستقبل. يكتشف هذا الشاب الآمر الناهي في حضن والدته (و لا يفوتنا... شكرها... على كونه كذلك) أنه ليس لديه المصادر المالية لتأمين وضعه هو شخصياً، فضلاً عن البحث عن صفقة، أقصد زوجة، يؤمن معاشها و يمارس سلطاته المعنونة مسبقاً.

المهم... بدلاً من أن يكتشف ضعف موقفه (الذي يتفاقم إذا كان من طبقة غير يسيرة مادياً) و يبدأ في تعديل قيمه تبعاً لمعلوماته الجديدة عن عدم صلاحيته لدور الإله فإنه يحاول أن يتمسك به بكل قوة و يتشبث بأهدابه حتى قطرة آخر جندي مصري. و هذا ما نراه من معاكسات في الشارع، و كبت للزوجات الصغيرات داخل المنزل، و قطع لطريق المزز في الطريق: و نتأكد منه بنظرة الانتصار التي تملأ أعينهم، مصاحبة للمرارة التي تغمرها، لأن هؤلاء الرجال المعتدين في النهاية بشر و لديهم ضمير يلومهم لممارسة الظلم أو الاعتداء على الآخرين.
هذه للأسف هي طريقة الشباب اليافع في اثبات رجولتهم: اضطهاد الآخر (و اللهم اجعله خير، الآخر ده طلع "المرأة"). لماذا؟ لأنه هو مضطهد! مضطهد لأن الواجبات المطلوبة منه ليست قائمة على كفاءاته الشخصية أو تفضيله هو لها، و لكن على قالب اجتماعي متخلف فشل في استخراج طاقاته الكامنة و ابداعاته و أصر على تثبيته في قالب ظالم له، و لمن حوله.

سيدي الرجل، حان الوقت بالاعتراف بعدم قدرتك على كفاية ذويك مالياً، و ربما عدم رغبتك في ذلك. امتلاكك لـ "زقزوقة" مثل ابني ليس أبداً معناها أنك القائد و الضابط الرابط. إذا كانت هذه رغبتك و قدرتك أنت فربنا يوفقك... لكن تقديري أنك، عذراً، هتلبس في أتخن حيط! و آه، كمان، لا تشتري خطيبتك بالشبكة!ـ