الديموقراطية المظلومة

13.10.08 |

بقلم حنان الشريف


الديموقراطية .. تلك الكلمة التى يتشدق بها كل مسئول ... سواء مسئول ذو منصب كبير او صغير او حزب سياسى او دينى، فعند اتخاذ اى قرار تسمع دائما "انا راجل ديموقراطى"، وعند اول اجتماع لاتخاذ ذلك القرار وبعد مطالعة رأى الاغلبية، اذا لم يرق لهوى ذلك الرجل الديموقراطى فيكون الحل الفورى هو الفيتو للقضاء على ذلك القرار

فالمعروف لدى الجميع أن لفظة "ديموقراطية" هى حكم الشعب للشعب ... ولكن المُتَبَع والقانون المعمول به بعد التلفظ مباشرة بتلك الكلمة هو رأى المدير او المسئول ومن بعده الفيتو! ... لا مجال هنا للدهشة من تلك السطور ... فهذا الامر مستشرى منذ قديم الزمان. ففى القبيلة تجد اصحاب الكلمة والرأى والمشورة كبائر القبيلة وعلى الجميع السمع والطاعة ... كذلك الحال فى الجماعات الاسلامية .. فدائما ما يتشدقون بـ " وأمرهم شورى بينهم " ولكن من خلال متابعتك لمجريات الامور تجدها كلمة للإستهلاك المحلى، فالأمر بينهم فرض عين واستخدامهم لهذه الجملة للاثئناس ... فمن مذابح حرس الثورة الاسلامية .. إلى مذابح طالبان .. الى عمليات الميلشيات الارهابية ... الى قتل ابرياء برج التجارة العالمى يتضح فعلا حقيقة الأمر والشورى ... فالقوى التى تدعى انها معارضة تماما على طول الخط، من الملاحظ فى جميع المعاملات أن تجدها لا شعوريا تتبع اسلوب من ليس معى فهو ضدى! ... ويتناسوا تماما مفهوم الديموقراطية وكيفية التعامل مع الآخر وإحترام رأيه ومحاورته بأسلوب إنسانى راق ومهذب، حتى يسود التغييب لنشر الخطاب السياسى الدينى المشتمل على التخويف والارهاب الفكرى وعدم المجادلة فى أى أمر لانه باسم الدين، ولا جدال فى الدين، والهدف الأول هنا لعدم اعمال العقل وتعطيله هو التمكن من نشر سمومهم بكل سهولة ويسر، ولنقض الشورى بينهم

ولا ادرى ما علاقة ادخال الدين فى اى خطاب سياسى! فالدين علاقة روحية بين الإنسان وربه، والسياسة للسياسيين فلا يوجد فى الكتاب المُنّزل من عند الله ما يسمى ب"الدين السياسى" ... فالنصوص الدينية ثابتة لا تتغير، إنما السياسة لها قوانين تتغير وتختلف باختلاف ظروف المجتمع

إذن الديانات السماوية لا تنتمى إلى أى أحزاب سياسية، فلابد من فصل الدين عن السياسة حتى تتحقق الديموقراطية المظلومة بيننا حتى يومنا هذا. فما زالت تستخدم كلمة "ديموقراطية" دون العمل بها، فهى بعيده كل البعد عن الدين وعن السياسة ومبادئ التكفير والارهاب الفكرى

فلا ديمقراطية صحيحة إلا بإطلاق الحريات و إقامة دولة مدنية صحيحة، يكون المواطنين فيها سواء أمام القانون ولهم جميع الحقوق لان هذا هو ما يجب أن يكون، لا أن يظل الموضوع صراعات بين أشخاص يسعون إلى كسب زعامات واللهاث باقصى سرعة خلف مصالح دنيوية بحجج دينية توافق الهوى، ولا ارهاب وتخويف دينى لا علاقه له بما يدعون، ولكن فقط لكسب نقاط و استعراض للقوة الشخصية وحضور الحجة، ثم يسلمون نزاعاتهم إلى أجيال وراء أجيال لتثبت وتعلن باعلى صوت فشلها ديموقراطيا


النص الكامل للمقال

يوسف شاهين و الشخصية المصرية

12.10.08 |


بقلم عم مينا

حزنت لوفاة يوسف شاهين، فكنت من أشد المعجبين به و بأفلامه. في الحقيقة كنت من المتعصبين له.. لدرجة اني كنت أستفز جداً من أي شخص يقول "مين يوسف شاهين؟ هو حد بيفهم أفلامه؟".. كان هذا الموضوع يستفزني بقوةً لأنه كان يثبت لي اننا أصبحنا نعيشً فترة صعبة في تاريخ هذا الوطن.. فترة أصبح لا مكان فيها للمبدعين و المثقفين، مرحلة أصبح الشعب فيها كسول كما وصفه شاهين عندما قال "في كل أفلامي لغز غامض لا يقوى علي فهمه الكسالى الذين يريدون - بحكم التعود - فهم الأشياء مسبقًا قبل التفاعل معها


سبب حبي ليوسف شاهين لم يكن فقط لعبقريته كمخرج و أعماله الخالدة من أول فيلم "بابا أمين" سنة ١٩٥٠ حتي "هي فوضي" في ٢٠٠٧. و لكن سبب اعجابي به يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك، يمتد إلي يوسف شاهين الرمز.

عندما أتحدث عن الرمز، لا أعني فقط هذه الحالة السينمائية المتفردة التي استطاع شاهين أن يخلقها حتي أصبحت له مدرسة سينمائية خاصة به و مشروع فني و فكري واضح المعالم.

عندما أتحدث عن الرمز، لا أعني فقط ما يمثله يوسف شاهين من قصة نجاح لفنان مصري استطاع أن يصل إلى العالمية من خلال ابداعاته المحلية و بدون أن يضطر إلي أن يذهب للغرب أو يقلدهم مثلما حاول أن يفعل الكثيرون.

عندما أتحدث عن الرمز، لا أعني فقط ما كان يمثل شاهين من شخصية جدلية تعودت علي الإصتدام بالموروث و معارضة النطام وعشق للحرية حتي أصبح شاهين أحد رموز حرية التعبير في الوطن العربي بأكمله.

أنا لا أتحدث عن هذا الرمز، أتحدث عن رمز آخر خلق في ذهني من وحي قصة حياة يوسف شاهين و أفكاره.
يوسف شاهين يحمل من الأفكار و القيم ما يكوِّن الشخصية المصرية الحقيقية قبل تحولها و افسادها في الفترة الماضية.

ففي السنوات الأخيرة انقسم المصريون و أصبح من ليس معنا فهو علينا. و قد أدى هذا الإنقسام إلى تعميم بعض الأشياء، فأصبح مثلاً هناك اتجاه عند الناس إلى التعامل مع أي مسيحي علي انه كاره للإسلام و المسلمين و تاريخهم و إنه يعتبر أن دخول المسلمين مصر هو أسود يوم في تاريخ البشرية، و لكن يأتي يوسف شاهين و يثبت أن هذا التعميم خاطيء تماماً، فشاهين كان مسيحي الديانة ولكنه كان عاشق للتاريخ الإسلامي فهو من أخرج فيلم "الناصر صلاح الدين" لإظهار بطولات هذا القائد العظيم، ثم أظهر للعالم الدور العلمي و الثقافي الذي قام به المفكر المسلم ابن الرشد في فيلم "المصير".

أيضاً أصبح هناك في الآونة الأخيرة نوع من التخوين لكل من هاجر من مصر. فقد أصبح هذا المهاجر في نظر الكثير من المصريين شخص عميل، ترك بلده ليرتمي في أحضان الغرب. فأي شخص يتحدث عن انبهاره بالحرية و الديمقراطية التي يتمتع بها الأمريكان و الأوروبيين يتم تخوينه و اتهامه بأنه يتمنى أن يأتي الأمريكان ليحتلونا الخ الخ. مرة آخري أثبت يوسف شاهين عدم صحة هذا الإعتقاد. فشاهين كان مولع بالقيم الأمريكية و كان هذا ظاهر في أول أفلام سيرته الذاتية "اسكندرية ليه" و سافر فعلاً إلى كاليفورنيا و درس هناك، و لكنك اذا شاهدت فيلم "الأرض" أو فيلم "العصفور" فإنك ستتأكد انه مصري حتي النخاع.

أيضاً، مؤخرا، أصبح هناك تكفيراً لكل من يصرح بأنه علماني، فأصبحت العلمانية شبهة، يتحول بها الشخص إلى منتمي إلى الغرب الكافر و مساند للمشروع الصهيوني في المنطقة. مرة أخرى يأتي شاهين و يثبت عدم صحة هذا الإتهام، لقد كان المخرج الكبير علماني الفكر و لكنه كان يحترم جميع الأديان و من المدافعين دائماً عن القضية الفلسطينية و هو ما أظهره في رابع أفلام سيرته الذاتية "اسكندرية-نيويورك" عندما تحدث عن غضبه من أمريكا بسبب تحيزها الدائم لإسرائيل.

باختصار، كان يوسف شاهين شخصا علمانيا متسامحا، يحترم كل الديانات و المعتقدات، منفتحا على العالم الخارجي، معتزا بمصريته و مساندا لقضايا وطنه و منطقته.

يوسف شاهين حالة خاصة سنفتقدها كثيراً، حالة تشخص مصر كما يتمناها الكثير منا


النص الكامل للمقال

كيفانش تاتليتوغ

11.10.08 |


بقلم نسرين بسيوني

اخترق" كيفانش تاتليتوغ" الشاب العشريني الوسيم الطويل الاشقر قلوب العربيات واحلامهم بشكل يفوق الاعجاب الطبيعي فتحول بين ليلة وضُحاها الى معبود النساء العربيات لتتسمر اكثر من 4 ملايين سعوديه يومياً امام شاشتها الصغيرة تتابع تفاصيل حياة مهند و نور وتلتفت بعدها لتنقلب على زوجها وبيتها وتطلب الطلاق –كما ادعت بعض الصحف ووسائل الاعلام السعوديه- الرجل\الظاهره ليس به ما يفوق براد بيت او مايكل دوجلاس او ويل سميث، بل كممثل يكاد يتلاشي بجانبهم. كما ان المسلسل لم يعرض اى مشاهد جنسية او عارية له، ولم نرى نور –زوجته بالمسلسل- تتغني بقدراته الجنسية لكي نقول ان النساء العربيات يتحسرون على خيبة رجالهم فى الفراش مقارنة بفحولة مهند بك الخطير

لم يلتفت احد الى ان السر فى اعجاب النساء بمهند هو بكل بساطه "نور"، الزوجة

فليس من المنطقي او المعقول ان يزرع مجرد رجل جميل الفتنة بين آلاف الازواج بهذه الطريقة، والا لما بقي اى زوجين على قيد الارتباط، ولانفصلت كل زوجة عن زوجها بنضارته قعر الكباية وكرشه المترهل بعد مشاهدتها لعمر الشريف فى "فى بيتنا رجل" او محمود ياسين فى "الخيط الرفيع" ولما زادت الكثافة السكانية فى مصر الى هذا الحد


سر الخلطه او سر انبهار بنات ونساء العرب بالمسلسل-الفاشل فنياً- هو "نور" وحياة نور، السيدة النظيفة الجميلة المثقفة بشخصيتها القوية وطموحها واستقلالها المادي، بملابسها الراقية وتنوراتها المقتبسة من افلام سعاد حسني وعدم سيطرة زوجها عليها، بل فى كثير من الاحيان تكون هى المسيطرة.


لم نر نور فى اى مشهد من المسلسل تطبخ او تنظف، او يصرخ بها زوجها ويضربها، او تهينها حماتها.

لم نر نور تشتري الخبز من طابور العيش او تحشر جسدها الرقيق بين رجلين كريهي الرائحة فى اوتوبيس نقل عام.

لم نر نور تستجدي زوجها ليزيد المصروف عشرون جنيهاً او تركع كي تضع قدمه القذره فى اناء ماء ساخن.

لم نر نور زوجة ثانية او ثالثة لرجل خليجي ظن ان النساء متاع يشترى بالمال فأخد يشتريهن بالجملة اربعة فى اربعة.

لم نر نور جاهلة مغيبة عن العالم من حولها لا تفقه من الدنيا سوى فن الطبخ وانجاب الاولاد.


غبي من ظن ان الضجه المصاحبة للمسلسل ونسب المشاهدة العالية جاءت كسبب "لعين الستات الزايغة اللى ما صدقت شافت راجل حليوه". المرأة العربية سواءا كانت تنعم فى اموال البترول او تشقى فى طوابير العيش البلدي لا ترغب سوى فى حياة نظيفة كريمة ورجل يحترمها ويحترم نفسه، وياليت من ارهقوا أنفسهم وبحثو ليلا نهارا فى المعجم عن الفاظ تندد وتشجب وتلعن المسلسل المنافي لتقاليدنا وعاداتنا وقيمنا العريقة -"هأو أو أو"- ياليتهم التفتوا لحال المرأة المسكينة التى لم تجد متنفس لها سوى ان تحلم بانها نور، تعيش مثلها وترتدي مثلها وتمتلك نفس ما تمتلكه: زوج حنون وعمل محترم وحرية وحياة نظيفة تعامل فيها على انها انسان، كائن آدمي، وليس مخلوقا دون المستوى.

مثير للسخريه ايضاً الرعب الذي انتاب السلطات الدينية من نجاح المسلسل. فكون تركيا دولة اسلامية جعل المرأة المسلمة العربية تلحظ ان هناك مسلمات يعيشون بشكل مختلف، يقودن سياراتهن الخاصة ويتركن شعرهن للهواء الطلق يداعبه ويعشقن ويتزوجن بارادتهن الخالصة دون تدخل من اي سلطة ذكورية عليا


النص الكامل للمقال

Post-Realism: What does it Mean?

10.10.08 |

By Wael Nawara

In simple and short words, Post-Realism refers to a new "realization", that force and military might alone have not managed to provide security for the "strong".

Political Romanticism
In the fifties and sixties, many politicians, specially in the "Third World Countries", relied on rhetoric using terms such as "Justice", "Equality", "International Law", etc., to demand what they believed to be their nations' rightful dues. After a long era of colonialism, Third World Countries were demanding self-determination and natural justice.

The Heroes of this period of "Political Romanticism", were leaders like Nasser and Nehru. Their argument amounted to the proposition that "stronger" and "richer" states should adhere to such concepts on moral grounds. Third World countries, suddenly made a majority in the U.N. General Assembly! All kinds of UN resolutions sponsored by "Third World Countries" and "Non-Aligned Movement" were passed in the UN General Assembly. UN General Assembly had no "Veto Powers" for any member state, big or small and its resolutions of course were non-binding!

Nasser was promoting the end of colonialism and imperialism and insisting that "Peace" can only be built on "Justice". He even sought to promote what he thought as "social justice" at home, through successive waves of land re-distribution, nationalization, fixing of the prices of food, basic commodities, and housing rents, expanding government employment to accommodate every graduate of a free education system, and a package of socialist laws and measures which practically ruined and crippled the Egyptian Economy for decades to come. But these populist measures and the sort of romantic rhetoric which characterized that period, fueled the passions of hundreds of millions of dreamers around the world.

So, in summary, during the era or age of Political Romanticism, politicians just referred to terms and concepts like Justice, Equality and Peace, as principles all states should adhere to, on moral grounds!

An Era of Realism
Egypt's humiliating defeat in 1967 proved the romantic dreams which Nasser had promoted, in fact ended as dreadful nightmares, at least for Egyptians, Arabs, Syrians, Jordanians, Lebanese and other Arabs. Romanticists were awakened by a sobering reality, that "force", and not "justice", wins land and redraws national borders. Sadat, who became President after Nasser's death in 1970, was the champion of the new period. An age of "Realism" started.

This "Realism" had started to show itself in Egypt's foreign policy as early as November 1967, when Nasser formally accepted UN Security Council resolution. In the summer of 1972, Sadat asked the Soviets to withdraw their troops and military experts from Egypt. The Americans were surprised that he never consulted with them before making such a decision. He never asked for a price or attempted to draft even a memo of understanding with the Americans of the arrangements which would follow such an evacuation. Kicking out the Soviets, I believe, was an early turning point in the cold war. A point which signified perhaps a small victory for the West, but it was a small victory of far-reaching consequences as it started to permanently upset the power balance favoring the United States and the West. That turning point sent the curve of the Cold War on a one-way route which ended some 17 years later when Berlin Wall was demolished by the People of East and West Germany in 1989.

Egypt has seen this before. The British and French Empires signed their own death warrants in Portsaid, Egypt in 1956, when they attacked Egypt, employing Israel as their Bullying Agent, and were forced to withdraw primarily as a result of American pressure but also Soviet displeasure that the weaker allies of the Second World War would double-cross them and continue to act as a Great world powers without consulting the new world powers countries which really decided the fate of World War II, the USA and the USSR.

In November 1973, immediately after the seize fire was affected on the wake of the 1973 October War, Yum Kippur War, Sadat took yet another step into the "Age of Reason", the "Age of Realism", when he consorted with Kissinger in November 1973, and gave him his vision of the peace in the region and of the power shift in the cold-war world. Sadat, acknowledged the Arab defeat and wanted to create peace and prosperity based on new power balance. He realized that Egypt and the Arabs would be unable to defeat Israel either by their own weakness or because the world powers simply would not allow it. So, he became a "Realist".






What is "Realism"?
Realism is that we ask Palestinians to negotiate with Israelis under gun-point and demand that they (the Palestinians) be content with the outcome of such negotiations despite the power parity. Imagine a thug who stops you in the street, points a gun to your head and strips you off your wallet. You go to the police to file a report and the police tells you to go and negotiate with the robber to get back your wallet, some of your money, credit cards and ID cards. "But the robber is armed, officer?"

Realism is that we ask the Tibetans to calm down because China is a Superpower. Realism is that we ask Kuwait to accept the invasion of its strong neighbor, Iraq, gracefully!

In short, politicians of the Age of "Realism" adopted the approach that "force" and immediate "self-interest" alone govern foreign policy and the behavior states towards one another. Realism is the opposite of the rule of law, it is to accept that we shall be ruled by the law of the jungle. Force and might alone can protect you and yours. But even a bully goes to sleep. Even the strongest of us blinks. Even the strongest has weak children?

Post Realism
In 1978, Egypt formally made peace with Israel. But we must ask ourselves today, has this peace paid dividends? The state of War between Egypt and Israel ended. Egypt regained Sinai. But the problem was neither Egypt nor Sinai. The problem was, is, always has been and will remain for many years to come, Palestine.

Hundreds of millions of Palestinians, Arabs, Israelis, Citizens of New York, London, Madrid, & even Visitors of Bali have had to pay for the Palestinian problem until this very day.

We have learned from bitter experience the same lessons which made individuals, our ancestors, devise and submit to local laws thousands of years ago. Osiris, or Aser, it is said, gave Egyptians Laws of Maat and took them out of their savagery. Now, we see that "security" (in relation to, and against, terrorist attacks) has become the highest item on every nation's "interest", specially the "strong" and "rich" who have much more to lose. What sadly happened on the morning of 9/11 and the chain of events which followed, have proved that "the strong" is vulnerable to terrorism and terrorism is fueled by injustice.

The battle against terrorism, unlike traditional warfare, can not be won through armies or hi-tech weaponry alone. As knowledge of simple yet devastating technologies became available to everyone, it became easy to breach security if one is disgruntled enough to be so determined to trade his or her own life with the lives of "targets", civilians or otherwise, but usually civilians who are most vulnerable at their workplace, during traveling, in the streets, in the tube, in a supermarket or a shopping mall, in a restaurant, in a bus or even sitting at home minding their own business.

This experience suggests that the war against terror can only be won though re-establishing and re-instatement of the principles of justice, this time not as a moral necessity, but as security prerequisite!

Anyone of us can fall a victim to terror. There is no guaranty. No insurance. The only insurance, which does not eliminate, but considerably reduces the risk, is to erect an effective and efficient "International Justice System".

We learned to install "Justice Systems" on local and national levels. This was the basis of civilization. For civilization is built on accumulation. Such accumulation would not have been possible unless stability, security, safety and property are protected. Why would anyone work or build or farm, if he or she knows that their hard-earned fortunes can be taken away by some robber who will go unpunished, with no law, no enforcement to deter the perpetrators? The League of Nations and its upgrade version, The United Nations and its institutions such as The International Court of Justice (ICJ) as well as other Independent International Institutions affiliated with the United Nations, such as International Criminal Court (ICC) were meant to play that role, but unfortunately, as we have pointed out in a previous article, the United States, being the "strong", has consistently worked towards undermining the United Nations and any attempt to install or develop an effective system for International Justice.

Good News?
The good news is, even inside the United States, more and more people are now realizing the necessity of reforming the United Nations. Senator Obama, who is the Democratic Party Nominee in the Presidential Elections due in a few weeks' time, has showed "some" support to the concept of working towards reforming the United Nations.

America cannot meet this century's challenges alone; the world cannot meet them without America.

In addition, we need effective collaboration on pressing global issues among all the major powers -- including such newly emerging ones as Brazil, India, Nigeria, and South Africa. We need to give all of them a stake in upholding the international order. To that end, the United Nations requires far-reaching reform.

In fact, President Bush, in his farewell speech to the United Nations also called on the UN to
،،
open the door to a new age of transparency, accountability, and seriousness of purpose.

But as you may guess, the reform which Bush seeks for the United Nations is slightly a wee bit different from that which is required to truly minimize injustices, conflict and terror.

Conclusion
Post-Realism is a new realization, that the principles of Justice are not just words or moral rhetoric, they represent "behavioral solutions" which the evolution of our civilization and cultures have provided us with for "survival". In business terms, accepting to submit to a "Justice System", local or international, is like an insurance policy which reduces the "risk" of being victimized, both to the strong and the weak alike. Should we decide now to neglect these principles and resort to "might" and "strength" alone, we might just as well stop complaining about terrorism, violence or international conflicts, demand that beauty pageant contestants stop babbling about "world peace" and accept the world as dangerous as it is, can and will become.
،،
Then said Jesus unto him, Put up again thy sword into his place: for all they that take the sword shall perish with the sword.

—Matthew 26:52, King James Version


النص الكامل للمقال

مصر.. الزراعة والفهلوة

9.10.08 |


بقلم إيجي أناتوميست

تحب حضرتك تعرف وجهان مهمان لمشكلات مصر؟

واحد. المجتمع المصري شاب. صغير السن. وهذه ليست دائما ميزة.

نسبة المصريين الذين تقل أعمارهم عن 14 عام هي 30% بحالهم. من كل 100 مصري هناك 30 "طفل" يحتاجون لللإعالة والطبطبة والمناغية والدلع.

نسبة المصريين الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة هي 5%. بما يعني أن من كل 100 مصري هناك 5 فقط خبروا الحياة وراكموا رصيدا ما من الخبرة والحكمة.

الباقون (65%) هم من تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 65 سنة

طبعا من المعلوم أن نسبة كبار السن في أي مجتمع مرتبطة بمستوى التقدم المادي (الصحي والتعليمي الخ) السائد في المجتمع. وأن نسبة كبار السن تنخفض في الغالبية العظمى من الدول "النامية" أو "المتخلفة" أو "دول الجنوب" أو قل ما شئت من أسماء. فأنا هنا لا أناقش "سبب" انخفاض نسبة كبار السن في مصر وارتفاع نسبة الأطفال. السبب واضح ومعروف. الناس بتموت بدري زائد العالم بتخلف كتير. أنا أحلل النتائج المترتبة على هذه النسب.

نقارن ببعض الدول "المتقدمة". في ألمانيا نسبة من تزيد أعمارهم عن 65 سنة تبلغ 20%. في كندا تبلغ هذه النسبة 15%. في بلغاريا 18%.

ما معنى ما سبق؟ معناه أن المجتمع المصري يتصف بأنه قليل الخبرة. رغم أنه صغير السن فإنه – لعوامل تاريخية مستحكمة - محكوم بثقافة عجوزة. رتيبة.

صغر سن المجتمع المصري ميزة من بعض النواحي ولا شك. ولكنها في مرحلة التحول الذي تمر به البلاد تمثل عبئا على دقة توجيه بوصلة القيادة. المزاج ثوري. العاطفة مشتعلة. الرؤية ليست مكتملة وغالبا ربع ناضجة. السوق يخاطب هذا الجمهور صغير السن، فينتج له كل ما يثير غرائزه المادية والمعنوية. الخطاب السائد مثير سواء في السياسة أو الفن أو حتى الدين.

إيه حل المشكلة دي؟ حلها اننا نتقدم. إزاي نتقدم؟ إقرأ بند "اتنين".

اتنين. الثقافة العامة السائدة في مصر هي ثقافة المجتمع الزراعي/الفهلوي. الثقافة الزراعية واضحة وواضح من أين تأتي. تأتي من اشتغال 32% من المصريين في الزراعة. ثقافة المجتمع الزراعي تتسم – كما يعرف معظمنا – بالركود، بالصبر، بالتكرار، بالبطء، بالخضوع، بالقدرية، الخ. الزراعة هنا لا تعني التصنيع الزراعي. تعني الزراعة التقليدية. التصنيع الزراعي يندرج تحت بند الصناعة وليس الزراعة.

ماذا عن الثقافة الفهلوية؟ تأتي من اشتغال 51% من المصريين في قطاع الخدمات. معظمها خدمات مرتبطة بالسياحة (الضحك على الأجانب هو معنى السياحة المصرية) والمقاولات والتشييد والبناء فضلا عن الحرف والمهن التقليدية. هي ليست الخدمات الاقتصادية الحديثة من تأمين وبنوك وخلافه. أيضا هناك من الـ 51% دول من المصريين حوالي 6 مليون موظف حكومة بكل ما تعنيه ثقافة العمل الحكومي (مفيش داعي أوضح أكتر).

يعني احنا بنتكلم عن 83% من الشعب المصري. 83% زراعة وفهلوة. 83%! وبعد ذلك مازلنا نتسائل عن سبب التخلف؟ مازلنا نتسائل عن سبب طبيعة الشعب المصري؟ مازلنا نتسائل عن سبب تغول أنظمة الحكم علينا؟ مازلنا نتسائل عن سبب استغفال شيوخ الزيت لعقولنا؟

17% فقط تعمل في القطاع الصناعي. القطاع الصناعي في مصر ليس منتجا بالمعنى الحديث. مصر لا تنتج طائرات ولا موتورات هليوكوبتر ولا أسلحة متقدمة ولا أجهزة كمبيوتر ولا آلات رأسمالية صناعية ولا حتى لعب أطفال متطورة.

كيف يتغير ما سبق؟

يتغير بأن تتغير بنية (هيكل) الاقتصاد المصري. بأن تدرك الدولة أن دورها ليس في إنتاج الخبز والإبرة والصاروخ أو توزيعهم على الشعب. بل أن دورها في لعب دور إيجابي في توجيه الاستثمارات الداخلية والأجنبية إلى المجال الصناعي تحديدا. إذا لم نمر بمرحلة التصنيع فلا أمل في تقدم مصر. التصنيع يجب أن يكون حديثا وفق معايير الاقتصاد الحديث المعولم وليس وفقا للنمط الاشتراكي الفاشل في جميع أنحاء المعمورة. يجب أن يعمل نصف المصريين على الأقل في الصناعة بكل أنواعها مع التركيز على الصناعات كثيفة العمالة أولا كي نستطيع مواجهة البطالة وامتصاص طاقات العمل الفائضة المتحولة من الجلوس على المقاهي إلى قوى تطرف وإرهاب وفراغ وتخلف.

وقبل أن تفعل الدولة ذلك، يجب خلق وعي إيجابي لدى النخبة ولدى قوى الرأي العام أن هذه هي المشكلة الأهم التي تعوق أية محاولة للتقدم وأي اجتهاد للتغيير. يجب أن تتوحد ضغوط الرأي العام في هذا الاتجاه. والله لو جبنا مارادونا يحكمنا حتى، لن يتغير شئ للأفضل. لكن لو جبنا عقولنا تحكمنا بالعلم والمنطق والموضوعية، حياتنا هتبقى أحسن كتير.. وبسرعة. أسرع مما نتخيل. واللي مش مصدق يسأل الدول اللي عملت معجزات شاملة في العشرين سنة الأخيرة


النص الكامل للمقال

جاك ضربة في قلبك!ـ

8.10.08 |


بقلم سوسن


عَّرف إمانويل كانت التنوير بأنه "خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." كما عرَّف القصور العقلي على أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." (ويكيبيديا: عصر التنوير). فلك أن تفخر ، قارئي، لأنك من المتنورين الناضجين في هذا العالم، الذين لا يتبعون لأحد في كيانهم و تفكيرهم

و إذا كنت تدين بدين معين فأتوقع أن يكون دينك هذا محل رشد و استقلال و "تنوير" أكبر بالنسبة لك. و لكن عفواً، إذا كنت امرأة، فلا تحتفي كثيراً بذلك. فقد قال العارفون بعلم الله و شريعته بأهلية الرجال لتوجيه عقلك للصواب، و لا ضير في ضربك إذا أوجسوا نشوزاً منك استناداً لقول الله "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" (النساء: 34). و لأنهم يتكلمون على لسان الإله الرحيم فقد قالوا أن الله سمح بهذا الضرب التوجيهي و لكن أمر بالرفق فيه.

و لأني لم أفهم كيف يسمح هذا الإله العادل لزوجي بضربي بعد عشرين عاماً من تحصيل العلم و وقوفي على مشارف الدكتوراه، حتى لو مخي فوت، لذا وجب البحث و التنقيب...

جمعت معاجم العرب حوالي 17 معنى للفعل "ض ر ب"، جاءت أفعال الأمر منها على شكل "أضرب" بمعني انصرف أو ابتعد عن الشئ/الشخص أو "إضرب" الأرض تطلع بطيخ و "إضرب" المربوط يخاف السايب. لاحظ قارئي المستنير اختفاء الهمزة في لفظ الآية، و ليس ذلك بالأمر الهين حيث أنه يجب أن تعلم أيضاً أن العرب قرنوا النبر (أي الهمز) بالفصاحة، ففي اللسان: "ورجل نبار = فصيح الكلام " (اللسان : 7/40) لدرجة أن مدعي الفصاحة و الشياكة اللغوية من العرب كان ينبر عمال على بطال. فكيف للإله أن يعرض عن النبر في هذا الفعل المتعدد المعاني إلا إن كان لحكمة و إلا فلا تكتمل فصاحة كتابه –حاش لله و نزه عن ذلك.ـ

لا أتصور أن يقول الله بجواز ذلك التصرف المخزي حتى و إن كان مقبولاً في عرف بعض المجتمعات منها مجتمع محمد سيد المرسلين. فإن خرجت نساء أوائل المسلمين من بيئة طبقية أبوية تبيح للرجال التعدي عليهن جسدياً و لو بالهين أو الرئيف، فما ذنبي أنا؟ في أي عدد من سنوات العلم أو جهد العمل أو الحكمة المكتسبة من خبرات الحياة قاصرة أنا عن ذويي و قرنائي من الرجال حتى أستحق الضرب "برفق"؟

و العجيب أن جمهور علماء المسلمين في تجاهل تام لحتى فرضية وجود معنى آخر لـ "و اضربوهن" غير الضرب من أبو همزة تحت الألف. و بالتالي، يتراءى لي أن عصبة ذوي العلم الديني في بلادنا انصرفوا عن تفسير ما قاله الإله إلى تقويل الإله تأويلهم هم. و على الناحية الأخرى، أحرجهم المغمور من العلماء (أعتذر عن عدم ذكر المصادر لعدم حضورها في ذهني هذه اللحظة) بشرح الآية بصورة أكثر منطقية باستخدام معنى أضرب من أبو همزة فوق الألف قائلين بأنه في حالة نشوز الزوجات فعظوهن ثم اهجروهن في المضاجع (فقط) ثم أضربوهن أي أعرضوا عنهن و هو ما يعرف في علم العلاقات الإنسانية بال
"time out"
حتى يتم حل المشكلة.

لا يفوتني أبداً هنا تشبيه ما فعله بنا علماء المسلمين بما فعله رواد حركة التنوير في أوروبا في القرن 18. ففي الوقت الذي ازدرى هؤلاء الرواد فيه الإله و رجال الكنيسة و "تحرروا" من كل فكر ديني انتصاراً للعلم و لمبدأ أحقية كل فرد في ترجيح عقله دون قيود فقد أبقوا على عدم أحقية المرأة في الانتخاب و القيادة لكونها انثى، و المضحك أنه فاتهم أن هذه الفكرة مسلم بها كحكم إلهي بناءً على الطبيعة البيولوجية للمرأة التي تحرمها من سداد العقل. و بالتالي إذا أصبح الإله عدواً، ففكرته عن المرأة هي أيضاً عدو، فيجب إثابتها إلى سلة المهملات انتصاراً للعلم (بردو). لكن فكرة المساواة مع المرأة سقطت سهواً من المنوِرين الأوروبيين بسبب تشربها في مجتمعاتهم لمئات السنين أو لعدم رغبة الرجال الثائرين في التخلي عن البرستيج (فكر بالموضوع من ناحية استراتيجية: فكل فرد يثور بهدف تعظيم أرباحه و تقليص تنازلاته ).

بنفس الأهداف أو الدوافع، يطل علينا علماء المسلمين من منازل غالباً تقليدية تكون فيها السلطة الكاملة للأب فيتيسر لعقولهم إمكانية ضرب النساء الكريمات لهذا المنزل من أمهات و بنات كضرب من التوجيه أو التهذيب (و آدي كمان معنى لضرب: "ضرب "= نوع). و لكن هذه المرة، يتم تعزيز الفكرة بربطها بالإله و ذلك لأن الإله ليس عدواً لنا و لكنه نصير، فمتى أحببنا الإله أحببنا منهاجه و أفكاره. فيخرج هذا العالِم بمحفوظات من القرآن و ثقافات من ذاك البيت إلى عالَم به نساء عاملات بالتجارة و الصناعة و السفر و الطب و الهندسة، و يقول لأزواجهم أن الله أباح لهم ضربهن... بس بالراحة.


النص الكامل للمقال

أحزان أمير المؤمنين - الفصل الثالث

7.10.08 |

بقلم د. إياد حرفوش


"إمام لم يولد"

(1)
المكان ، هو قاعة المحاضرات الأساسية في المؤتمر العلمي الثامن للتاريخ الإسلامي في العاصمة المغربية، القاعة ذات الجدران البيضاء تزينها منمنمات نحاسية، و تتسلل حزم النور من نوافذها الخشبية الصغيرة أعلى القاعة، لتتخذ ألوان الزجاج الملون الذي زينت به النوافذ فتضفي جوا مبهجا على المحفل العلمي، نحن في أغسطس عام 1998م ، أعرض ورقتي العلمية التي أعددتها بعد عامين في العراق الواقع تحت وطأة الحصار الاقتصادي و انتهازية النفط مقابل الغذاء، كانت بعنوان "تاريخية الإمام الثاني عشر"، و الحضور بالقاعة كثيف، ربما جذبهم النجاح الذي حققه بحث العام الماضي، كان بعنوان "الجذور المصرية للعقيدة الدرزية"[1]، و تزامن عرضه مصافة مع انعقاد المؤتمر في بيروت على مرأى و مسمع من دروز لبنان، فأعجب به بعض الموضوعيين منهم و كان للبقية رأي آخر تماماً، و بفضل الفريقين من المعجبين و الساخدين معا تجاوز البحث المحفل الأكاديمي فوصل للصحف و رجل الشارع في لبنان

وقفت خلف البوديوم و بحكم العادة لا الظمأ مددت يدي للكأس أمامي أرتشف جرعة من الماء قبل أن أتجه للوحة عرض الباوربوينت، و استأنفت بعد المقدمة التقليدية قائلاً:
- لدينا أولاً حقيقة مؤكدة في مختلف الحضارات، هي تواتر فكرة إنتظار الآتي بالإصلاح للكون في آخر الدهر، تلك الفكرة العالمية التي مثلت حجر الزاوية في المعتقدات الإيسكاتولوجية[2] المختلفة، حلم رومانسي جميل عن تصحيح مسار البشرية بطريقة إعجازية بطولية قبل أن يسدل ستار النهاية، و هو حلم مفيد بالطبع، يقلل من إحباطات البسطاء و يمنيهم بالصبر فلا يسخطون، و ربما لهذا وجد من يقول به في كل الأديان تقريبا، في الإسلام، و برغم عدم ذكر هذا الموضوع في القرآن، نجد المذهب السني يقول بهبوط السيد المسيح بين يدي القيامة ليقود جيشا من المسلمين فيحكم الأرض بالعدل بعد أن يقتل المسيخ الدجال و يقضي على العدو اليهودي، و كذلك يؤمن البعض بمهدي آخر الزمان، و بأنه سيولد من نسل الرسول و اسمه "محمد بن عبد الله"، أما في المذهب الشيعي فينتظر المسلمون انتهاء الغيبة الكبرى و عودة "المهدي" الملقب بصاحب الزمان ليقود جيش الحق، أما في المسيحية فهناك عودة المسيح و إقامة الملك الألفي، ألف سنة يحكم فيها "يسوع" الأرض بدون شرور أو آثام، بينما اليهود ينتظرون مسيح الرب و ملك اليهود الآتي للمرة الأولى، و الذي يعتقدون أنه لم يبعث بعد لأنهم أنكروا "يسوع" المسيح! و الأمر ليس قاصرا على الأديان الإبراهيمية، فللزرداشتية ينتمي أقدم نص مكتوب على الإطلاق عن أحداث آخر الزمان، نص يرجع لعشر قرون قبل ميلاد المسيح في "زاندي فوهيومان ياشت"[3] و يأتي فيه ذكر غياب الشمس و اضمحلالها، و سيادة الشر بين البشر، و نزع البركة من الأيام و الشهور و السنين، ثم تأتي مملكة العدل و الحق، لكن بدون شخصنة لهذه المملكة في شكل قائد بشري، أما في البوذية فهناك نصوص عن انتشار الشرور و الآثام حتى يأتي بوذا المستقبل، و اسمه "ميتريا" ليقود الأرض نحو الطهر و يجدد تعاليم بوذا في السلوكيات العشر المحمودة و السلوكيات العشر المذمومة، ثم لدينا الهندوسية التي تنتظر عودة "فيشنو" في آخر الزمان متجسدا في أقنومه العاشر "كالكي"، ليقيم مجتمع العدل البشري، و أخيرا لدينا الميثرية التي تنتظر عودة "ميثرا" ليقود جيش النور و يحكم الأرض لألف سنة بالتمام هو الآخر،[4] الجميع إذن يا سادة في انتظار "جودو"، و هذا لا ينفي وجود أفراد في كل من هذه العقائد لا ينتظرون أحداً، و يرون فكرة القادم المنتظر ببساطة بدعة بشرية بحتة، لكن بحثنا اليوم يتناول واحدا فقط من أشكال الانتظار هذه، من خلال بحثنا لتاريخية المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر للشيعة الإمامية
تمهلت قليلا لأراقب رد الفعل على مقدمتي تلك فلاحظ همهمات متزايدة تنذر بالكثير من الأسئلة، فسارعت مستأنفا حديثي حتى لا ينقطع الطرح و يضيع السياق:
- برغم اتساع نطاق الرؤية العقائدية لحياة الإمام المهدي، و هي ليست قاصرة على المصادر الشيعية كما يحسب البعض، فالعديد من المصادر السنية قالت بها و منها "ابن خلكان" و "المسعودي" و "الشبراوي"[5]، إلا أنها تحمل العديد من الجوانب الغامضة و المثيرة للريبة، فكما هو موضح أمامكم بشاشة العرض، لدينا العديد من الملاحظات و الانتقادات تاريخيا على الرواية التراثية من جوانب عدة يبينها الشكل التخطيطي، و الشك في الوجود التاريخي للمهدي ليس جديدا، فقد أنكر العديد من الباحثين مثل "هنري كوبان" وجوده أو أنه ولد من الأساس[6]، بل أن من هؤلاء المنكرين علماء من الشيعة الإمامية أنفسهم مثل الأستاذ "أحمد الكاتب" الباحث العراقي بلندن[7]، لكنني اليوم و في سياق هذا البحث أقدم المزيد من الدعم بالأدلة المفندة لعدم وجوده، و هي مفصلة في الورقة المطبوعة أمام سيادتكم، و سأوجزها هنا في عدة نقاط:
الإمام "الحسن العسكري" والد "المهدي" المزعوم تولى الإمامة بعد والده "علي الهادي" لمدة ست سنوات، ثم مات فجأة و هو في ريعان الشباب عن عمر 28 عاما في عام 874 م، و تعترف المصادر الشيعية نفسها بأن الإمام "الحسن" لم يقل طوال حياته أنه تزوج من جارية رومية، و لم يدع أبداً أنه أنجب منها و لا من غيرها، و يبرر منظرو التراث و القائلين بالغيبة هذا قائلين بأن "الحسن" فعل ذلك حفاظا على حياة طفله "المهدي"، و هذا قول تنتابه الريب، لأن خلافة "المتوكل" العباسي كانت أفضل حالا في تعاملها مع أئمة أهل البيت من خلافات عباسية و أموية سابقة و لاحقة، فلماذا لم يخف الأئمة السابقون أبناءهم بينما قرر "الحسن" رغم تحسن الظرف التاريخي أن يخفي ولده؟ ما الذي جد؟ و منذ متى يتهيب أئمة آل البيت الأخطار بإنكار وجودهم؟ فتحسن العلاقة نسبيا بين السلطة و الأئمة في عهد المتوكل تلقي بأول الظلال على دافع الغيبة الصغرى[8] و منطقها
ثم تقول المصادر الإمامية أن أم "المهدي" كانت جارية رومية، أرسل "علي الهادي" أبو "الحسن العسكري" و جد "المهدي" المفترض من يشتريها له من سوق الجواري، و عين له صفتها أن اسمها "نرجس" و هو اسم غريب لرومية، و أن تكون ابنة "يشوع" قيصر الروم، و بغض النظر عن غرابة تصورنا لرجل يبحث عن ابنة لقيصر بسوق الجواري، تكمن المفاجأة في خلو تاريخ الإمبراطورية البيزنطية التي اصطلح العرب على تسميتها بدولة الروم من قيصر بهذا الاسم، كذلك تدعي الرواية التراثية أن "يشوع" هذا هو سليل أحد حواريي المسيح، فهل وجد فوق الأرض قيصر بيزنطي ينحدر من أصل عبراني؟ بالطبع لا، فقبل تاريخ ولادة المهدي بجيلين و حتى عشرات الأجيال بعده كانت الأسرة الماسيدونية تعتلي عرش الإمبراطورية البيزنطية، أما أغرب الصفات التي اشترطها "الهادي" في جارية ولده، فهو أن تكون جاهلة بلسان العرب لا تفقه منه حرفا، ، فما هدف الإصرار على اختيار زوجة رومية لإمام من أسرة هاشمية تعتز بنسبها لتكون أما للإمام الثاني عشر؟ ثم التأكيد على من كلف بشرائها ألا تعرف هذه الرومية من العربية حرفاً؟ لا نجد هدفا مقنعا إلا أن يكون لسانها الأجنبي الذي سيعيق تواصلها مع من حولها أمرا مطلوبا في حد ذاته حتى لا تخطيء هذه الفتاة بكلمة حول أمر له أهمية خاصة، نتج عن ظروف أكثر خصوصية يأتي تفصيلها بعد قليل؟
كان الاهتمام يسيطر على وجوه الحاضرين في مجملهم، بينما ميز "علي" وجوها علاها وجوم يشوبه الغضب، لابد أن هؤلاء ينتمون للشيعة الإثنى عشرية، فمع كونها أكثر طوائف الشيعة اعتدالا إلا أن كل ما يتعلق بالإمامة لديهم للأسف يعد تابو مقدس، تجاهلت تلك التفاعلات المتوقعة و التي أكاد أقول بأني تعودتها، و عدت لطرحي النقدي قائلا:
- الرواية التراثية كذلك تقول بولادة "محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب" في ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر شعبان من العام 255 أو 256 هجرية ، لكننا مع البرمجيات الحديثة نجد أن اليوم الموافق للخامس عشر من شعبان عام 255 هجرية كان يوم الخميس و ليس الجمعة، الخميس 28 يوليو عام 869 م، أما لو أخذنا بالاحتمال الثاني لسنة الولادة و هو عام 256 هجرية، فسيكون موافقا ليوم الثلاثاء، 18 يوليو عام 870 م، ففي كل الأحوال لم يولد الإمام يوم الجمعة كما حرص صانع الخبر[9]
فاجأني قيام أحد الواجمين منفعلا بغير طلب الكلمة في اقتحام لم يروق لي كثيرا، كأنه اكتشف سقطة يلج منها للهجوم على أطروحتي، و قال متحمساً:
- من المعروف أن البرمجيات التي تتحدث عنها تحتمل الخطأ بنسبة في حدود اليوم الكامل ، فلماذا تفترض تهافت الخبر الذي قال أن "المهدي" ولد في يوم جمعة، و لا تفترض خطأ البرمجية التي استخدمتها لحساب التاريخ؟ فيكون اليوم هو الجمعة بدلا من الخميس من عام 255 هجرية؟
ابتسم بطريقة حاولت أن أضع فيها من الود ما استطعت برغم المقاطعة و أرد قائلا:
- نعم بكل تأكيد يا سيدي قد تخطيء البرمجيات في حدود اليوم، لكن كم يبلغ معدل الخطأ في الأخبار الشفوية المتناقلة عبر أكثر من ألف و مائة عام؟ و ما هو الأقرب؟ خطأ البرنامج أم خطأ الحكاية الشفوية؟ كما أن البرنامج منزه عن الغرض، لكن حين يتعلق الأمر بثروات الخمس الخاص بآل البيت[10] و التي لطالما جمعت تحت اسم "المهدي" صاحب الزمان، فعلينا ألا ننفي احتمالات الغرض في المشافهات المرسلة، أليس كذلك؟
يضحك بعض الحضور لأسلوب ردي الأكاديمي الذي خالطته نبرة ساخرة، فيجلس السائل دون الإجابة على سؤالي كاظما غيظه ، فأعلق بمودة لم تخلُ من الحزم:
- قلت و أؤكد، أنا لست هنا لأحاول تفنيد فرضيات طائفة لحساب أخرى، فلو كنت أنقد رواية من التاريخ الشيعي اليوم فلقد فلطالما فعلت حول روايات من منظور أهل السنة، كما أني لا أصنف نفسي كسني و لا كشيعي من الأساس، بل كباحث تاريخي مسلم و الحقيقة التاريخية مطلبي و حسبي بها مطلباً، فأرجو أن يتسع صدر الزملاء الأفاضل من الشيعة الإمامية لبحث اليوم الذي يدور حول الإمام "المهدي"، و أنا أعرف من الحضور عددا من العلماء الأجلاء بينهم، نحسبهم من أكثر الناس حرصا على الحقيقة و جرأة عليها حتى لو تعارضت مع التابو العقائدي
قلتها و أنا أنظر بوجه صديقي العراقي الشيعي الدكتور "كاظمي عبد الأمير"، الأستاذ بجامعة بغداد و المتخصص في تاريخ العصر العباسي، فيبادلني النظر مبتسما و لسان حاله يقول: لا فائدة فيك يا "علي" ستظل تلعب بالنار دوما، و لا شك عندي أن وصف العالم الحريص على الحقيقة و الجريء عليها يصدق أكثر ما يصدق في شخص الدكتور "كاظمي" كما عرفته لسنوات، لكننا كنا نختلف دوما حول مواجهة العامة بحقائق التاريخ فيما قد يمس معتقداتهم في قليل أو كثير، فكان "كاظمي" يرى عدم وجوب هذا و أن مهنة التاريخ عندها تنقلب كالصحافة مهنة بحث عن المتاعب، و قد تنتهي مسيرة الباحث الجاد بها على يد وغد جاهل لا يكاد يفقه قولا ، و كنت أحتج عليه في هذا بقول الإمام "علي" رضي الله عنه "ما حاجة الحق لأن يمالئ؟ و إذا مالأ فما ميزته عن الباطل؟"
أنظر لعقارب ساعتي حتى لا أخرج عن نطاق الوقت المحدد لي، فأستأنف قائلاً:
- أنكر "جعفر بن علي" أخو الإمام "الحسن العسكري" أن الإمام قد أنجب ولداً ، و قال بكذب هذه الدعوى و افترائها على أخيه الميت من قبل بعض تابعيه طمعا في المال، فلقبه الإمامية بلقب ممجوج لواحد من آل البيت هو "جعفر الكذاب"[11]، و شيوع اللقب و واقعة الإنكار في كتب الإمامية يثبت حقيقة وقوعها، ثم نأتي للفرضيتين الجوهريتين اللتين تؤكدان أن "المهدي" لم يولد أبداً، الغيبتان الصغرى و الكبرى، فيفترض التراث الإمامي أن الإمام "الحسن العسكري" مات و ولده "المهدي" عمره خمس سنوات، لم يثبت لدينا أن أحدا رآه خلالها في حياة أبيه، و حين مات الأب و أصبح الطفل إماماً لم يخرج من عزلته للقيام بواجب الإمامة، لكن كان له أربعة نقباء بالتتابع ينقلون حاجات الناس إليه و ينقلون تعاليمه إلى الناس، فتاوى و أحكام و آراء، كان هؤلاء النقباء هم "عثمان بن سعيد" ، ثم "محمد بن عثمان"، ثم "الحسين بن روح" ثم "علي بن محمد السمري"، و استمر هذا الوضع 74 عاما بأكملها، أي أن المهدي المفترض عاش حتى بلغ التاسعة و السبعين من عمره و لم يره في هذا العمر المديد مخلوق غير سفرائه هؤلاء الواحد تلو الآخر! فلا رآه خادم له و لا أحد من أتباعه أو حرس بيته عرضا، و استمر هذا حتى مات "السمري" آخر نقبائه عام 944 م، فدخل في غيبة كبرى يفترض أنه فيها ليومنا هذا حي يرزق!
السادة الحضور، نحن أمام موقف دقيق وضع فيه الشخص المحوري في هذه القصة، و هو "عثمان بن سعيد"، شخصية تجمع نقائضا بدورها، فتقول مراجع الإمامية[12] أنه "عثمان بن سعيد العمري الأسدي" و أن نسبه ينتهي للصحابي الجليل "عمار بن ياسر"، و في هذا تناقض بين، فالصحابي هو " عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس العبسي" و قبيلتي أسد و عبس متباينتان فلا ينسب الرجل للاثنين أبداً، المهم أن موت الإمام "الحسن العسكري" بغير وارث للإمامة على غرة و في ريعان الشباب حتم هذا الموقف الدقيق، و لابد أن "عثمانا" تساءل عن وقع هذا على شيعة آل البيت؟ و أثره على تدفق خمس الخمس الذي يدفعه الشيعي كحق للإمام ينفقه فيما يصلح الناس؟[13] لقد أصبح المذهب بانقطاع الإمامة مهددا ، فما كان من "عثمان بن سعيد" إلا أن أنقذ الإمامة بفكرة ذكية للغاية، نحن نرى أن هذا الرجل هو مبتكر القصة كلها، مات إمامه بغير عقب، فأصبحت الإمامة مهددة، و يبدو أن "جعفر بن علب" كان عاطلا من أي موهبة كاريزمية، فيأس منه "عثمان"، أو ربما لم تكن علاقتهما بالود المطلوب، فابتاع "عثمان" جارية رومية، صرح تاجر الرقيق الذي باعه إياها لأصحابه أن الشيخ "عثمان" طلب منه رومية لا تفقه من العربية حرفا و لا تنطق بحرف[14]، و اختلق بقية الشروط كأن تكون ابنة قيصر و من نسل أحد الحواريين كمبرر روحي شديد الإيحاء لاختيارها أما للإمام، ثم ادعى قصة الإمام و غيبته الصغرى، فعارضه "جعفر" و نفى القصة، لكن جاذبيتها الأسطورية كانت كبيرة للبسطاء، كذلك كانت فكرة لا بأس بها للسلطة الحاكمة، فرأى المتوكل في أسطورة الإمام الغائب ضمانا لعدم ثورة الشيعة ضده في غياب قيادة حقيقية، فانحازت الخلافة كما تقول لنا المراجع[15] لتنصر بدعة الغيبة، فاستقر الأمر لعثمان، و جمع من الناس الخمس على هذا الأساس و دام هذا دهرا، ثم حضره الموت فأورث التركة الثمينة لابنه "محمد" من بعده، و استعان "محمد بن عثمان" برجل يدعى "الحسين بن روح النوبختي" على جمع مال الخمس من التجار و وجوه الشيعة، و ربما اكتشف الحسين السر الأكبر عرضاً من طول مخالطته لمحمد بن عثمان، فوكله "محمد بن عثمان" مكانه حين احتضر، و تلاهم في ذلك النقيب الأخير، و هو "علي بن محمد السمري" و الذي يبدو كمن استحى من الكذب و هو محتضر بين يدي الله، فأجاب من سأل عن النقيب من بعده قائلا "الله بالغ أمره" ثم مات، فظهر بعد وفاته خطاب ممهور بالخاتم الذي كان النقباء يختمون به خطابات الإمام للأتباع، يقول فيه الإمام الفرضي لنائبه الأخير "يا علي بن محمّد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلب ، وامتلاء الأرض جوراً" و هذا الخطاب مغاير للإجابة الفورية التي أجابها "السمري" أولا، قبل أن يجد هذا المخرج و يقرر تكبير الغيبة لتصبح غيبة كبرى، فيكتب هذا الخطاب لنفسه، و الهدف معروف و هو استمرار الطائفة[16]
- يا دكتور أنت لم تأت بدليل علمي غير تباين في التواريخ يحدث كثيرا و اختلاف في نسب أم المهدي، و اعتراض من عم قد يكون طامعا في الإمامة، و أخيرا تهافت في نسب النقيب الأول ، فأين الدليل المادي؟ أنت تتهم قطبا و عالما كعثمان بن سعيد بالنصب بغير بينة، و تنقض عقيدة راسخة عبر القرون بالشبهات
هكذا اندفع ذات الرجل الذي عارض في المرة الأولى، و بنفس الأسلوب المقتحم للمرة الثانية كذلك، ليجيبه "علي" في اقتضاب و ود قليل هذه المرة:
- من يدعي بوجود شخصية تاريخيا هو من عليه إثبات هذا، خاصة لو أن أحدا لم ير الشخص المزعوم، و لا تقع مسئولية التدليل على من أنكر وجود الشخص الغير مرئي، أرجو أولا الالتزام بالمناهج العلمية المتعارف عليها، فنحن نفند روايات تراثية بمقارنة تاريخية و طرح بديل، و هذا منهج معروف لا نبتدعه، فهل تتوقع دليلا ماديا في شكل كتاب بيد "الحسن العسكري" يقول فيه أنه لم ينجب؟ كيف سيوجد مثل هذا الدليل؟ كيف للإمام أن يتنبأ بالكذب على نسبه بعد موته؟ الأولى لو كان هناك ولد، أن يترك والده الذي أخفاه دليلا ماديا لأتباعه حتى يتبعوا هذا الابن و يقروا له بالإمامة بسلاسة، أليس كذلك؟
تتعالى بعض الأصوات المتداخلة بلغط عنيف، ثم .. لقد انقضى الطريق سريعا مع ذكريات الرباط هذه، و بوابات الإسكندرية أصبحت على مرمى البصر، اقتربنا من حيث لقياك يا "ماري" يا "نصف عقلي الحلو"
مع رؤية البوابات قاب قوسين ردد "علي" بيتين من شعر "قيس بن الملوح":

تلكم الربوة كانت ملعباً ... لشبـــابينا و كانت مرتعـــا
كم بنينا من حصاها أربعاً ... و انثنينا فمـحونا الأربعـــا
و خططنا في نقى الرمل فلم ... تحفظ الريح و لا الرمل وعى
قد يهون العمر إلا ساعة ... و تهون الأرض إلا موضــعا

(2)

عندما انتهى الطريق المتهالك رغم تجديده أكثر من مرة و أشرف "علي" بسيارته على شاطئ "أبي قير" الرملي، كانت الشمس ترسل النذر الأخير من أشعتها المتهالكة في ظلمة الليل فلا تكاد تضيء، أضاء الأنوار الكاشفة و هو يدلف بالسيارة يسارا على الشاطئ الرملي الذي دكته السيارات و يسير بمحاذاة البحر، ماراً على العديد من مطاعم المأكولات البحرية الرائجة، من واحد منها على صوت الكاسيت لتقتحم أذنيه أغنية من التي كانت تسمى سوقية ذات يوم .. "حط النقط على الحروف .. قبل ما نطلع سوا ع الروف" فيغلق زجاج السيارة متأففاً، إنه زحام يوم الخميس التقليدي، تمنى ألا تكون الربوة مقتحمة اليوم بغيرهما، فبعد كل هذه المدة يحتاج لحوار مع "ماري" لا يعكر الزحام و الهرج صفوه، و عندما قارب الشاطئ على الانتهاء لاحت الربوة، أو التي يحب "علب" أن يدعوها ربوة و هي للدقة تبة رملية مرتفعة قليلاً يوجد أسفلها مقهى و مطعم "النورس"، و حين رأى أحد النادلين سيارة الدكتور و تحقق منه داخلها فرآه، اندفع نحوه صائحاً بنبرة اسكندرانية مرتفعة:
- ده إيه النور اللي هل على إسكندرية الليلة ده يا دكتور؟ إيه الغيبة الطويلة دي يا باشا؟
يبتسم "علي" بود و هو يرد:
- ازيك يا "قدارة" و ازي العيال و أمهم؟
- يبوسوا الأيادي يا دكتور
- العفو يا أبو زين ، التبة فاضية؟
- مستنياك يا ريس؟ هوا هاكون جهزتلك القعدة سلطاني
- تمام
- تحب أوصي ع العشا دلوقت؟
- لأ شوية كده علشان الدكتورة جاية، هانشرب حاجة و بعدها نشوف
- تأمرني يا كبير
و خلال لحظات بالفعل كان "قدارة" قد أعد فوق الربوة جلسة منعزلة عن المقهى بأسفل، فبسط قطعا من الكليم العربي، ثم وضع فوقها طاولتين متلاصقتين و نصب فوقهما مظلتين علق بأحدهما بانادوسة[17] كبيرة و بالأخرى صاعق ناموس كهربائي، ثم فرش المفارش البيضاء النظيفة على المناضد و رص أربعة كراسي معدنية لامعة ذات كسوة جلدية حمراء، كان قد أخرجها للتو من الكشك الخشبي خلف المطعم، ثم أشار للدكتور "علي" ليتفضل ، فغادر السيارة منتعشا و مبتهجا بالجو و متطلعا للقاء افتقده كثيرا، و لم تمر لحظات بعد جلوسه حتى كان الكوب الزجاجي الكبير قد وضع أمامه تتصاعد منه أبخرة الشاي الأحمر، و بجواره زجاجة المياه المعدنية "المشبرة" ببخار الماء المتكاثف على برودة سطحها، ثم ثبت "قدارة" الشيشة المترعة بمعسل العنب على يمين "علي" و مد له "اللي"، ثم هرول للكشك الخشبي و عاد بجهاز كاسيت قديم أسود اللون وضعه على أحد الكراسي الخالية ثم توجه للدكتور سائلاً:
- نسمعوك إيه يا دكترة؟
- معاك إيه للست يا "قدارة"؟
أجاب "قدارة" و هو يقلب الشرائط بين يديه:
- إنت الحب ، سيرة الحب ، الأتلال (الأطلال و لكنه هكذا نطقها) و إنت عمري ، الحب كله ، ثورة الشك و ..
- بس، شغل "الحب كله"
- تأمرني
بعد لحظة كان صوت الكاسيت الهادئ يملأ الجو حوله بصوتها العميق الرقيق الأسطوري ، صوت الشجن و النشوة و هي تقول:

واسقيني و إملا اسقيني تاني ، من الحب ، منك ، من نور زماني
اسقيني ياللي من يوم ما شفتك ، حســــيت كأني اتخلقت تاني

قطع صوت "قدارة" شدو "أم كلثوم" و هو يقول:
- أي أوامر تانية دلوقت يا دكتور؟
- عشت يا أبو "زين" خلي عينك بس على عربية الدكتورة
- تأمرني يا كبير
يسترخي "علي" بمقعده و هو ينظر بساعته، ما زال أمامه قبل وصولها نصف ساعة بأكملها، ليتها تصل مبكرة فترى لون الشفق الذي تحبه على ماء خليج أبي قير، هكذا تمنى و هو يرشف من كوب الشاي و يتأمل في البحر، يشعر بصدره يضيق قليلا من رطوبة بحر الإسكندرية، إنها حساسية الصدر السخيفة رفيقة عمره، فيخرج البخاخ الموسع للشعب الهوائية من حقيبة يده السوداء و يضعه على فمه ثم يستنشق مرتين من المحلول الموسع للشعب، و يستقبل بعدها نسيم البحر الساحر في رئتيه بشهيق أعمق و لذة أكبر، يتلهى بمداعبة قطع الفحم الدقيقة من فروع شجر الفواكه سريع الاشتعال، و يأخذ جرعة رائقة من الدخان و يستمر في رشف الشاي، يستدعي خليج "أبي قير" لذهنه دوما صورة الحملة الفرنسية و "نابليون بونابرت" المغامر العسكري العبقري، علت شفتيه ابتسامة و هو يتخيل صورة "نابليون" التي رسمت له و هو بالجلباب و العباءة و العمامة تفضحان قصر قامته المميز بعد أن ادعى الإسلام! كيف فطن هذا الفرنسي لمدخل التقرب و التودد الديني؟ لعل هذا هو ما يصنع الفارق بين العظماء و المجهولين في تاريخ البشر، القدرة على قراءة الواقع و تحليله و النفاذ منه إلى الوسيلة التي تحقق الهدف، زادت ابتسامته اتساعا و هو يردد في عقله خطاب نابليون لأهل مصر الذي أرسله بواسطة علماء الأزهر، و فيه قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه (هكذا تنصل الوصولي من كاثوليكيته) ، قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطة فطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني أدام الله ملكه، أدام الله إجلال السلطان العثماني، و أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، و لعن الله المماليك أعداء السلطان، و أصلح حال الأمة المصرية"


و هكذا فالإجلال و التعظيم للمحتلين التركي و الفرنسي، أما الأمة المصرية فغاية ما يرجى لها هو صلاح حالها على يد العارف بالله "بونابرت"، و الذي تسمى في ثوبه الجديد باسم يناسبه هو "علي باشا بونابردي" و كان يتردد على المساجد في أيام الجمع للصلاة، و يمشي بحرس قليل في الأسواق، فهل الذي ترجم هذا الكتاب من الفرنسية للعربية هو ذاته الذي أوحى للفرنسيين بحيلة اعتناق الإسلام، فكل من "تاليرون" وزير خارجية فرنسا و الذي نصح بالتودد للمسلمين في خطته التي قدمها لاحتلال مصر، و "شارل ماجلون" القنصل الفرنسي في مصر و الذي اقترح الحملة بالأساس، لم تكن مداركهما تعي الثقافة المصرية بهذا العمق لولا تعاون من شخص مصري، شخص يعلم يقينا أن المصريين يقبلون بحكم الترك لأنهم مسلمون، فلماذا لا يحل الفرنسيون محل الأتراك؟ نفس هذا الدرس وعاه الجنرال "مينو" فيما بعد ، عندما قتل "سليمان الحلبي" الجنرال "كليبر" المتكبر الذي استهان بالمقدسات و دخل الأزهر بالخيول و كشف عن الوجه الحقيقي للمستعمر في قمعه لثورة القاهرة، خلف "مينو" سلفه ليعيد حقن نفس المخدر في عروق مصر الثائرة، فصدق على إعدام "الحلبي" بوضعه على الخازوق بعد حرق يده اليمنى، و تركه على الخازوق في موضع يقال له "تل العقارب" حتى نهشت الجوارح لحمه، ثم ما لبث بعدها أن هداه الله فجأة فأسلم و حسن إسلامه و تسمى باسم "عبد الله جاك مينو"، بل زاد فتزوج من ابنة أحد أعيان رشيد، و رزق منها ولدا فأسماه "سليمان" لتكتمل التراجيديا، و أقنع من حوله أنه اختار هذا الاسم لولده تخليدا لذكرى "سليمان الحلبي" الذي خوزقه هو بأوامره! لقد فطن "مينو" للعبة الإسلام السياسي القديمة، و فهم أن خلفاء الأمويين و العباسيين الذين دجنوا الفقه الديني ليوافق حكمهم جعلوا من الخروج على حاكم مسلم أيا كان شكله أو لونه أو فعائله خروجا عن الدين يستحق فاعله القتل، فالمسلم لا يشق طاعة حاكم مسلم، فإن أحسن الحاكم المسلم فله الأجر و على الرعية الشكر، و إن أساء فعليه الوزر و على الرعية الصبر[18]، فقط الصبر! فملاذا لا يتخذ "مينو" من هذا الفهم المعتل للدين مطية للاحتلال؟ توفر عليه الدماء و الأموال؟[19]
توقفت أفكار "علي" حين لمح طيفا محببا يتقدم نحو الربوة، ينظر بجماع عينيه فتعلو شفتاه ابتسامة رائقة ليست كابتسامته في كل حين، و تلوح له بيديها فيرد ملوحا و هو يراها تقبل نحوه في بنطلون أبيض رقيق يناسب لون الحذاء الرياضي و تي-شيرت أزرق فوقه جاكت خفيف بلون رمادي فاتح، و قد أرسلت شعرها البني اللامع المرسل في إطار عبقري حول وجهها الناصع البسام، كانت "أم كلثوم" في هذه اللحظة تشدو خلف أذنه بقولها:

يا أرق من النســمة .. و أجمل من ملك
إنت روحي و كل عمـري .. و نور حياتي
يا حــياتي .. إيه أنا بالنســــبة لك؟

لطالما كنت جميلة و رشيقة يا "ماري ماكسميليان"، أجمل عالمة رآها أو لعلها أعلم جميلة، يأتي صوتها و قد اقتربت قائلة:
- الصيف بيودع آخر أيامه و الجو مايل للبرد يا عاشق الهواء الطلق
تتجه نحوه مصافحة و يتبادلا قبلتي تحية على الوجنات، ثم تندفع "ماري" قائلة و هي تجلس على الكرسي قبالته لتتمم جملتها ضاحكة:
- لسة بتخاف تقبل دعوة "ماري" على العشا في البيت؟ علشان الخواجاية الشريرة مش تفترسك و تنتهك عفافك؟ و تفضل تتجمد هنا في البرد؟ مع إن البلكونة عندي في زيزينيا دلوقت حتة من الجنة
رد "علي" و هو يحيط وجهها بنظرات عينين حانيتين:
- يا ستي أي مكان تكوني فيه هيبقى حتة من الجنة نظرا لتوفر صنف الحور، ثم و الله لو كان علي أنا كان نفسي تفترسيني من زمان قوي
قالت و هي تشعل سيجارة من علبته التي أمامها ، و تتسع ضحكتها الرائقة الحبيبة لقلبه:
- آه .. بعد ما نتجوز .. افتراس شرعي يعني
- بالظبط .. و حضرتك اللي رفضتيني
- "علي" .. مش لازم كل شوية تقول رفضتيني دي؟ برغم إنك عارف إنها بتضايقني و إنها كمان مش صحيحة؟
- فيه شاعر فلسطيني اسمه "محمود درويش" كان ..
- هاي يا دكتور، أنا مش سايحة أمريكية، عارفة "محمود درويش" و عندي ليه ديوانين كمان يمكن
- مش غريبة عليكي يا "نص عقلي الحلو"، المهم "درويش" حب فتاة إسرائيلية، لكن طبعا حال ما بينهم الصراع العربي الإسرائيلي، فكتب درويش قصيدة قال فيها "بين ريتا و عيوني بندقية .. والذي يعرف ريتا ينحني .. ويصلي لله في العيون العسلية" متهيألي أنا بقى ممكن أقول على نفس المنوال ده "بين ماري و عيوني ذكرى أم .. و فلسفة وجودية، و الذي يعرف ماري يرى نور الإله .. بوجه المجدلية"
مع هذا البيت بدا التأثر واضحا على نظرة "ماري" التي حل الحزن فيها محل الغيظ من ذكر الرفض الذي كان منذ لحظة يطغى على رقة العينين، قالت و في صوتها تهدج خفيف:
- أوه .. علي .. بليز بلاش كده
قالتها و هي تشيح بعينين متأثرتين ، فرد علي مسرعاً من فوره:
- أوكي .. أوكي، خلاص يا ستي خلصت المعاكسة بتاعة النهاردة، خلاص بقى
نظرت له "ماري" و ابتسمت و هي تومأ برأسها باقتضاب ، فالتفت "علي" بوجهه مناديا النادل لينهي الموقف الذي علاه الشجن، ثم للحظة شرد كليهما، لقد تقدم "علي" لماري يطلب منها الزواج في العام التالي على تعارفهما، كانا قد أدركا أنهما متحابين و أن كلا منهما يود الحياة بجوار الآخر، كانت تخطط للحياة في مصر بعد انتهاء دراستها بالمملكة المتحدة لفترة طويلة حتى تتم دراساتها العربية، و كانت النموذج الوحيد الذي قارب "الباندورا" التي تمناها، فلم يكن يعيبها غير روحانيتها المحدودة رغم رهف روحها و عاطفتها الجياشة، لكنه تنازل عن هذا الجانب أمام كل ما وجده فيها من عقل و عاطفة و تفاهم و تناغم سرعان ما تطور بينهما، و عزم على محاولة تعديله لو قدر الله لهما أن يقترنا، فتقدم لها، و فوجئ مفاجأة مؤلمة بردها في تلك الليلة الإنجليزية الباردة التي طمسها الضباب حين أجابته بأنها لا تستطيع و إن كانت تتمنى، سألها شغوفاً بمعرفة السبب الذي يحول دون سعادتهما معاً:
- ليه "ماري"؟ كل شيء خلال الشهور اللي فاتت كان بيقول انك .. أقصد ..
- أيوة يا "علي" .. بحبك .. مش هاخجل أقولها لك أيها الشرقي الذي يستأذن قبل أن يطبع قبلة على خد حبيبته .. بحبك .. ده صحيح و مش مكسوفة و أنا بقولها بالعكس، ممكن أكون فخورة بكده
- يبقى إيه سبب الرفض؟ هاتصدم لو كان السبب عنصري!
قالها "علي" مازحا في مرارة، و لدهشته أجابت "ماري" بما هو أغرب و أكثر مرارة حتى من السبب العنصري، ردت قائلة في تلعثم من حرج الموقف و ألم الذكرى معاً:
- مش بالظبط .. السبب ديني يا "علي" .. ديني مش عنصري
- ديني؟ إنت يا "ماري" بتفكري كده؟إنت؟ بكل عقليتك و ثقافتك و موقفك من الدين عموما، بترفضي الارتباط لمجرد إني مسلم؟
- أوه سوري، لا يا "علي" إنت فهمتني غلط مش علشان إنت مسلم، لكن علشان إنت معتقد بصفة عامة، يعني لو كنت مسيحي كنا هنواجه نفس المشكلة برضو
- مش فاهم؟
- أنا مرتبطة بوعد وعدته لأغلى إنسانة في حياتي، لأمي، للست اللي عملت كل حاجة و ضحت بكل حاجة علشاني أنا، أمي يا "علي" كانت مثقفة وجودية متطرفة و على عكسها كان والدي بروتستانتي متشدد، حبوا بعض أيام الجامعة و اتجوزا قبل ما شخصياتهم تتبلور، و يمكن ده اللي خلاهم الاتنين يميلوا للتطرف الفكري، كل واحد كان بيتصرف و كأنه في حالة حرب مع الآخر، لأن الآخر ده هو أقرب الناس ليه، فكان بيرفض فكره كرفض للهيمنة بحكم الزوج، مقدروش يخلقوا تعايش سلمي، فعاشت أمي معاه في جحيم طول عمرها، لكنها اتحملت علشاني، كانت حياتي و حياتها بدون دعمه المالي و في ظل القوانين وقتها هاتبقى صعبة قوي، كانت هي شايفة إن التربية الدينية هي اللي أفسدت شخصيته، و من خوفها علي طلبت مني و هي على فراش الموت إني ماربطش مصيري أبدا برجل يؤمن بقوى خارجة عن ذاته، بأي رجل يؤمن بإله أو كائن فوقي من أي نوع و بأي شكل، و طلبت وعدي بكده .. و وعدتها
أجاب "علي" الذي كان كالمشدوه من المنطق العجيب الذي تتحدث به:
- "ماري" .. إنت بتتكلمي بجد؟ هو ده السبب؟
- إيه يا "علي"؟ شايف إن الوفاء بوعد لأمي الميتة سبب غير وجيه؟ غير مقنع؟
- لأ شايف إن مجرد حكم الموتى لحياة الأحياء طوطمية بدائية، و إن تقييم الإنسان على أساس ديني و رفضه لأنه يؤمن بالله هو تطرف لاديني مايقلش سخافة عن التطرف الديني إذا ماكانش أسوأ، من إمتى الوجودية انقلبت لطوطمية جديدة؟
- "علي" بليز افهمني، الموضوع مالوش علاقة بالوجودية، له علاقة بمعاناتها مع رجل كانت كل حاجة في حياته تدار بقوى فوقية و كل حدث يفسر تفسيرات باطنية، راجل هو كمان مسكين لأنه كان ممكن يكون كويس قوي مع أي ست تانية، بس مش معاها، مش مع "سابين" لأنها كانت ست مختلفة جدا، مثقفة و مفكرة و مبدعة و واقعة في غرام معتقداتها الفكرية لأبعد حد
أفاق "علي" من الذكرى على صوت "قدارة" الذي حضر ملبياً، فابتسم و هو يشير نحو "ماري" قائلاً:
- سيدة الحفل تختار الطعام للجميع، تفضلي يا مولاتي

---------------------
[1] نتجت عقيدة الدروز ، و الذين يرفضون هذا الإسم و يسمون أنفسهم بالموحدين من اختلاط الإسلام على المذهب الإسماعيلي الباطني بالفلسفات اليونانية و الأديان الهندية القديمة ، و قد بدأت بذورها من الدولة الفاطمية في مصر و شخصية الحاكم بأمر الله المليئة بالتناقضات الحادة – عن كتاب "مذهب الدروز والتوحيد" للكاتب الدرزي "عبد الله النجار" و كتاب "الشيعة الدروز" لممدوح الحربي
[2] العلم الذي يدرس نظريات نهاية التاريخ في مختلف الأديان
[3] الكتاب الأعظم للفلسفة الزرادشتية
[4] كل ما ورد معتقدات موجودة لدى كل مذهب بالفعل
[5] معلومة حقيقية
[6] معلومة حقيقية
[7] معلومة حقيقية
[8] الغيبة الصغرى هو التعبير الاصطلاحي عن فترة احتجاب "محمد المهدي" عن الناس في حياة نقبائه حتى مات آخرهم، فبدأت الغيبة الكبرى و انقطعت الوساطة المفترضة بينه و بين أتباعه
[9] الحساب صحيح علمياً، و الإشارة هنا لحرص صانع الخبر على مطابقة الحديث المروي عن الرسول بخصوص مهدي آخر الزمان من أنه يولد يوم الجمعة و يطابق اسمه اسم النبي "محمد" (ص)
[10] يخصص الشيعي المتدين من ربحه خمس الخمس (أربعة بالمائة) للإمام من أهل البيت أو من ينوب عنه ليصرفها الإمام فيما يراه من أوجه الخير، و هذا فضلا عن فريضة الزكاة بأنواعها
[11] حقيقة تاريخية و موجودة حتى اليوم في كتب تراثية مثل كتاب "ثاقب المناقب" لمحمد بن علي الطوسي
[12] العقائد الجعفرية للطوسي
[13] معلومات حقيقية مؤصلة من المراجع الشيعية و السنية معا
[14]
[15]
[16] كل ما ورد مؤسس على معلومات تاريخية صحيحة – عن كتاب "كفاية الموحدين" و "كتاب الغيبة" لمحمد بن إبراهيم النعماني
[17] لمبة كهربائية موصلة بمصدر تيار بسلك طويل كالتي يستخدمها ميكانيكي السيارات في العامية المصرية
[18]
[19] حقائق تاريخية وفقا لروايات الجبرتي و كتاب "مائتا عام على الحملة الفرنسية ، رؤية مصرية" للدكتور "ناصر إبراهيم


النص الكامل للمقال

مواطن ومخبر وحرامي

6.10.08 |

بقلم فانتازيا


وإسمع وإفهم كلامي.. مواطن ومخبر وحرامي

فيها إيه لو نبقى واحد.. ونغير الأسامي؟

أغنية عبقرية.. تلخص المشهد المصري الحالي كدة.. على بلاطة.. من غير صنفرة ولا تزويق ولا تلميع.. من غير حفلطة ولا لف ودوران ولا كلام لوك لوك ياكل الودان

هي الحكاية كدة يا حضرات م الآخر.. واللي ما يشفش من الغربال يبقى عدم المؤاخذة أعمى

تلك كانت استهلالة للمقال ومقدمة منطقية لابد منها.. أما بعد

الفنان المبدع داوود عبد السيد، اللي للأسف ماخدش حقه لا من الدولة ولا من الجمهور لغاية دلوقتي (سامعاك ياللي بتقول "عادي") هو صاحب رؤية عميقة وقدرة عالية على فك شفرة الواقع المصري بكل تعقيداته وتشابكاته ليصنع منه صورة هي في حد ذاتها دراسة تحليلية رفيعة المستوى، دراسة تنبض بالحياة، وليست مجرد فيلما سينمائيا. فيلم مواطن ومخبر وحرامي (انتاج 2003) تحديدا هف على دماغي وأنا بفكر في كتابة المقال ده، لأني لقيته بيتجسد قدامي يوم بعد يوم وأنا شايفة التدهور اللي بتعاني منه مصر على المستوى الرسمي وغير الرسمي على حد سواء

أغنية الفيلم كمان جابت الحدوتة م الآخر.. قالك المواطن والمخبر والحرامي بقوا واحد.. تخيل الكارثة! ودا مش خيال مؤلف.. الترايجيديا اللي ف الموضوع هي ان دي الحقيقة.. وهي دي المصيبة.

قبل ما أوضح أكتر عايزاك يا عزيزي المواطن تتبع معايا أي شبكة فساد كدا وتقولي أولها فين وآخرها فين.. دا لو عرفت تلاقي أولها من آخرها أصلا. الفساد عندنا مالوش راس من ديل، ودا لسبب بسيط هو ان بقى فيه تحالف فرضته علاقات المصالح أصبح فيه الفساد غير مقصور على فئة بعينها.. يعني إيه الكلام ده؟

خد عندك موضوع المرور.. على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.. انت كمواطن بتدفع تمن الفساد والفوضى يوميا.. الشارع مش بيتحرك، وإذا اتحرك تلاقي العربيات والاتوبيسات والميكروباصات وخلافه ماشيين بشكل عشوائي ومهمتك انت انك تزوغ منهم من غير ما تعمل حادثة! توصل ماتلاقيش مكان تركن، تقوم واقف في الممنوع، أو يجيلك سايس من أي داهية مستعد يركنك في مقابل المعلوم، كأن الشارع بتاع أهله. وفي بعض الأحيان يقولك ان المحافظة هي اللي معيناه، حتى بالأمارة معاه تذاكر. وانت عايز تخلص، تقوم تديله المعلوم وماتاخدش تذكرة، وانت عارف ان الفلوس كدا هتدخل جيبه هو. يجيلك العسكري يقولك هنا ممنوع يا بيه، تغمزه بجوز جنيهات، يقولك طب ما تعوءش. لما تروح المرور، ترش ع الكل عشان مصلحتك تتقضي، واللي بيقبض منك ده موظف، مواطن زميلك يعني، وعادي كله بيسلك مصلحته. طبعا السايس، والعسكري، والموظف، وحضرتك، كلكم ضحايا. ومحدش فيكم له دعوة بالفساد اللي في البلد.. الفساد ده بتاع الناس اللي بتهبر بالملايين بس. ماشي..

نروح لبتوع الملايين بقى.. راجل غني، وده معناه ان له برستيجه، ماهو الجنيه غلب الكرنيه على رأي اللمبي، راح يعمل مشروع. طبعا لازم المعلوم اللي هيدفعه يكون قد البرستيج يعني، ولا إيه؟ وفي المقابل البحبحة بتكون ع البحري، عشان الراجل يكسب ويفضل ينَفَّع ويستنفع. "نفتش على مين بس يا باشا؟ دا احنا كل غرضنا ننول رضى معاليك". "معلش يا باشا، انا ابن اختي متخرج من يجي سنة ومعاه مؤهل عالي، تشوفلوش شغلانة الله يكرمك؟" "يا باشا انت تؤمر.. عينينا الاتنين." الناس دي غالبا بتعرض خدماتها من غير ما حد يطلب منها حاجة، وممكن اي واحد فيهم يتحول لمخبر في ثانية لو طلباته لم تجاب.. اديني عقلك بقى. الباشا دا طبعا مش ممكن يرش الفلوس يمين وشمال من غير ما يستغلها في تأمين نفسه.. من هنا بيجي تزاوج المال والسلطة. المال يمول والسلطة تطرمخ، لأن السلطة أصلا فقيرة وعايزة المعلوم برضه.

أحب هنا أشيد بمقال للاستاذ إيجي اناتوميست نشر على مدونته تحت عنوان "جمال عبد الناصر".. بيقول فيه

الموضوع ببساطة أن النظام الناصري (بمعنى النظام السياسي القائم من يوليو 52 وحتى الآن) يحتاج لكي يستمر إلى شراء الولاء السياسي له؛ ولاء النخبة السياسية، ولاء البيروقراطية، ولاء الشعب.

ولشراء هذه الولاءات باستمرار، وبالتالي ضمان استمرار بقاء النظام، يجب أن تتولى الدولة مسؤولية تشغيل وتسكين وتعليم وتطبيب الشعب، بحيث يعتمد الشعب على هذه الدولة فلا يخرج من تحت عباءتها ولا يستقل عنها، وبالتالي يقبل بالنظام السياسي القائم – احتياجا - حتى ولو كرهه وأيقن من فساده.

تخيل بقى الموظف المرتشي ده لو قولناله الادارة هتتغير واللي هيجي بدالها رابسو اللي هينضف المكان كله.. ادارة حازمة صارمة وشريفة ونضيفة. هل هيفرح؟ هل اللي متعين في الحكومة وعارف إنه ما بيشتغلش، وان المرتب اللي بياخده ده اهدار للمال العام، هيوافق على خطط اصلاحية ترشد انفاق المال العام وتخلي عدد الموظفين على قدر حاجة العمل فقط؟

لازم نشوف الواقع ونعترف ان فيه ناس بيننا كتير من مصلحتهم بقاء الحال على ما هو عليه. واسمحولي اقتبس تاني من نفس المقال المشار إليه أعلاه

المشكلة أن أي إصلاح اقتصادي حقيقي يجب أن يبدأ من إعادة توزيع موارد الاقتصاد بشكل يتسم بكفاءة ورشادة، ولكي يتم هذا فيجب غلق الصنابير التي ينفق منها على شراء الولاءات ودفع رشاوي الصمت (النخبة تأخذ نصيبها مناصب وتسهيلات وعلاقات، والشعب يأخذ دعم عيني)، فإذا ما أُغلقت الصنابير فإن الولاءات للنظام ستتبدد، وبما أن النظام ليس له قاعدة شرعية سياسية انتخابية، فإن تبدد هذه الولاءات المشتراة يقضي حتما بزواله، وبزوغ نظام ديمقراطي لا يكون محتاجا لدفعه الرشاوي.

اديني عقلك تاني معلش لو سمحت.

وفي تيمة أخرى، أقول مثلا.. برضه مجرد مثال.. خدوا عندكم المدرس اللي كان بيقيم امتحان اللغة العربية للطالبة آلاء- فاكرينها؟- اللي كتبت في موضوع التعبير ان السبب ورا المشاكل اللي بتعاني منها مصر اقتصاديا هو استفادة امريكا من الأنظمة الديكتاتورية في بعض البلدان ومنها مصر.. ودا كان رأيها اللي ما خرجش عن صميم موضوع التعبير اللي في امتحان الوزارة.. ومع ذلك تعامل المدرس مع الطالبة على انه مخبر، مش معلم وأب. فذهب إلى رئيس الكنترول بالورقة وكأنه جاب الديب من ديله، ورئيس الكنترول طبعا ليس أقل ولاءا للنظام من سي الاستاذ المصحح. راح واخد الورقة وادى التمام في مديرية التربية والتعليم وسلم الورقة إلى وكيل الوزارة سخصيا.. لغاية لما حصلت الحكاية اللي كلنا عارفينها. طبعا كله شتم الوزير.. وهو يستاهل.. لكن الكل نسي طابور المخبرين اللي ورا الوزير.. المواطنين.. المدرس والموظف اللي عايز ياخد نيشان على جثة بنت في ثانوي.

أيوة السلطة فاسدة.. لكن الشعب كمان فاسد. حدوتة مين أفسد التاني، الفرخة ولا البيضة، دي مش موضوعنا. احنا بنتعامل مع أمر واقع. واللي يقول ديموقراطية واصلاح يقولنا بقى هنعمل إيه في المعضلة دي.. معضلة المواطن اللي هو ذات نفسه مخبر وحرامي في نفس الوقت! المواطن اللي بيبيع صوته في الانتخابات. المواطن اللي بيهمل في عمله ويعرض حياة غيره للخطر. المواطن الفاسد اللي بيمد ايده في جيبك وجيبي. المواطن اللي بيطبل لسياده اللي بياكل من خيرهم. كام واحد فينا ساعده وتساهل معاه واداله اعذار؟ كام واحد فينا تساهل في حق البلد دي؟ كام واحد فينا مستعد انه يقضي على الفساد بجد مش كلام وبس؟


النص الكامل للمقال