مواطن ومخبر وحرامي

6.10.08 |

بقلم فانتازيا


وإسمع وإفهم كلامي.. مواطن ومخبر وحرامي

فيها إيه لو نبقى واحد.. ونغير الأسامي؟

أغنية عبقرية.. تلخص المشهد المصري الحالي كدة.. على بلاطة.. من غير صنفرة ولا تزويق ولا تلميع.. من غير حفلطة ولا لف ودوران ولا كلام لوك لوك ياكل الودان

هي الحكاية كدة يا حضرات م الآخر.. واللي ما يشفش من الغربال يبقى عدم المؤاخذة أعمى

تلك كانت استهلالة للمقال ومقدمة منطقية لابد منها.. أما بعد

الفنان المبدع داوود عبد السيد، اللي للأسف ماخدش حقه لا من الدولة ولا من الجمهور لغاية دلوقتي (سامعاك ياللي بتقول "عادي") هو صاحب رؤية عميقة وقدرة عالية على فك شفرة الواقع المصري بكل تعقيداته وتشابكاته ليصنع منه صورة هي في حد ذاتها دراسة تحليلية رفيعة المستوى، دراسة تنبض بالحياة، وليست مجرد فيلما سينمائيا. فيلم مواطن ومخبر وحرامي (انتاج 2003) تحديدا هف على دماغي وأنا بفكر في كتابة المقال ده، لأني لقيته بيتجسد قدامي يوم بعد يوم وأنا شايفة التدهور اللي بتعاني منه مصر على المستوى الرسمي وغير الرسمي على حد سواء

أغنية الفيلم كمان جابت الحدوتة م الآخر.. قالك المواطن والمخبر والحرامي بقوا واحد.. تخيل الكارثة! ودا مش خيال مؤلف.. الترايجيديا اللي ف الموضوع هي ان دي الحقيقة.. وهي دي المصيبة.

قبل ما أوضح أكتر عايزاك يا عزيزي المواطن تتبع معايا أي شبكة فساد كدا وتقولي أولها فين وآخرها فين.. دا لو عرفت تلاقي أولها من آخرها أصلا. الفساد عندنا مالوش راس من ديل، ودا لسبب بسيط هو ان بقى فيه تحالف فرضته علاقات المصالح أصبح فيه الفساد غير مقصور على فئة بعينها.. يعني إيه الكلام ده؟

خد عندك موضوع المرور.. على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.. انت كمواطن بتدفع تمن الفساد والفوضى يوميا.. الشارع مش بيتحرك، وإذا اتحرك تلاقي العربيات والاتوبيسات والميكروباصات وخلافه ماشيين بشكل عشوائي ومهمتك انت انك تزوغ منهم من غير ما تعمل حادثة! توصل ماتلاقيش مكان تركن، تقوم واقف في الممنوع، أو يجيلك سايس من أي داهية مستعد يركنك في مقابل المعلوم، كأن الشارع بتاع أهله. وفي بعض الأحيان يقولك ان المحافظة هي اللي معيناه، حتى بالأمارة معاه تذاكر. وانت عايز تخلص، تقوم تديله المعلوم وماتاخدش تذكرة، وانت عارف ان الفلوس كدا هتدخل جيبه هو. يجيلك العسكري يقولك هنا ممنوع يا بيه، تغمزه بجوز جنيهات، يقولك طب ما تعوءش. لما تروح المرور، ترش ع الكل عشان مصلحتك تتقضي، واللي بيقبض منك ده موظف، مواطن زميلك يعني، وعادي كله بيسلك مصلحته. طبعا السايس، والعسكري، والموظف، وحضرتك، كلكم ضحايا. ومحدش فيكم له دعوة بالفساد اللي في البلد.. الفساد ده بتاع الناس اللي بتهبر بالملايين بس. ماشي..

نروح لبتوع الملايين بقى.. راجل غني، وده معناه ان له برستيجه، ماهو الجنيه غلب الكرنيه على رأي اللمبي، راح يعمل مشروع. طبعا لازم المعلوم اللي هيدفعه يكون قد البرستيج يعني، ولا إيه؟ وفي المقابل البحبحة بتكون ع البحري، عشان الراجل يكسب ويفضل ينَفَّع ويستنفع. "نفتش على مين بس يا باشا؟ دا احنا كل غرضنا ننول رضى معاليك". "معلش يا باشا، انا ابن اختي متخرج من يجي سنة ومعاه مؤهل عالي، تشوفلوش شغلانة الله يكرمك؟" "يا باشا انت تؤمر.. عينينا الاتنين." الناس دي غالبا بتعرض خدماتها من غير ما حد يطلب منها حاجة، وممكن اي واحد فيهم يتحول لمخبر في ثانية لو طلباته لم تجاب.. اديني عقلك بقى. الباشا دا طبعا مش ممكن يرش الفلوس يمين وشمال من غير ما يستغلها في تأمين نفسه.. من هنا بيجي تزاوج المال والسلطة. المال يمول والسلطة تطرمخ، لأن السلطة أصلا فقيرة وعايزة المعلوم برضه.

أحب هنا أشيد بمقال للاستاذ إيجي اناتوميست نشر على مدونته تحت عنوان "جمال عبد الناصر".. بيقول فيه

الموضوع ببساطة أن النظام الناصري (بمعنى النظام السياسي القائم من يوليو 52 وحتى الآن) يحتاج لكي يستمر إلى شراء الولاء السياسي له؛ ولاء النخبة السياسية، ولاء البيروقراطية، ولاء الشعب.

ولشراء هذه الولاءات باستمرار، وبالتالي ضمان استمرار بقاء النظام، يجب أن تتولى الدولة مسؤولية تشغيل وتسكين وتعليم وتطبيب الشعب، بحيث يعتمد الشعب على هذه الدولة فلا يخرج من تحت عباءتها ولا يستقل عنها، وبالتالي يقبل بالنظام السياسي القائم – احتياجا - حتى ولو كرهه وأيقن من فساده.

تخيل بقى الموظف المرتشي ده لو قولناله الادارة هتتغير واللي هيجي بدالها رابسو اللي هينضف المكان كله.. ادارة حازمة صارمة وشريفة ونضيفة. هل هيفرح؟ هل اللي متعين في الحكومة وعارف إنه ما بيشتغلش، وان المرتب اللي بياخده ده اهدار للمال العام، هيوافق على خطط اصلاحية ترشد انفاق المال العام وتخلي عدد الموظفين على قدر حاجة العمل فقط؟

لازم نشوف الواقع ونعترف ان فيه ناس بيننا كتير من مصلحتهم بقاء الحال على ما هو عليه. واسمحولي اقتبس تاني من نفس المقال المشار إليه أعلاه

المشكلة أن أي إصلاح اقتصادي حقيقي يجب أن يبدأ من إعادة توزيع موارد الاقتصاد بشكل يتسم بكفاءة ورشادة، ولكي يتم هذا فيجب غلق الصنابير التي ينفق منها على شراء الولاءات ودفع رشاوي الصمت (النخبة تأخذ نصيبها مناصب وتسهيلات وعلاقات، والشعب يأخذ دعم عيني)، فإذا ما أُغلقت الصنابير فإن الولاءات للنظام ستتبدد، وبما أن النظام ليس له قاعدة شرعية سياسية انتخابية، فإن تبدد هذه الولاءات المشتراة يقضي حتما بزواله، وبزوغ نظام ديمقراطي لا يكون محتاجا لدفعه الرشاوي.

اديني عقلك تاني معلش لو سمحت.

وفي تيمة أخرى، أقول مثلا.. برضه مجرد مثال.. خدوا عندكم المدرس اللي كان بيقيم امتحان اللغة العربية للطالبة آلاء- فاكرينها؟- اللي كتبت في موضوع التعبير ان السبب ورا المشاكل اللي بتعاني منها مصر اقتصاديا هو استفادة امريكا من الأنظمة الديكتاتورية في بعض البلدان ومنها مصر.. ودا كان رأيها اللي ما خرجش عن صميم موضوع التعبير اللي في امتحان الوزارة.. ومع ذلك تعامل المدرس مع الطالبة على انه مخبر، مش معلم وأب. فذهب إلى رئيس الكنترول بالورقة وكأنه جاب الديب من ديله، ورئيس الكنترول طبعا ليس أقل ولاءا للنظام من سي الاستاذ المصحح. راح واخد الورقة وادى التمام في مديرية التربية والتعليم وسلم الورقة إلى وكيل الوزارة سخصيا.. لغاية لما حصلت الحكاية اللي كلنا عارفينها. طبعا كله شتم الوزير.. وهو يستاهل.. لكن الكل نسي طابور المخبرين اللي ورا الوزير.. المواطنين.. المدرس والموظف اللي عايز ياخد نيشان على جثة بنت في ثانوي.

أيوة السلطة فاسدة.. لكن الشعب كمان فاسد. حدوتة مين أفسد التاني، الفرخة ولا البيضة، دي مش موضوعنا. احنا بنتعامل مع أمر واقع. واللي يقول ديموقراطية واصلاح يقولنا بقى هنعمل إيه في المعضلة دي.. معضلة المواطن اللي هو ذات نفسه مخبر وحرامي في نفس الوقت! المواطن اللي بيبيع صوته في الانتخابات. المواطن اللي بيهمل في عمله ويعرض حياة غيره للخطر. المواطن الفاسد اللي بيمد ايده في جيبك وجيبي. المواطن اللي بيطبل لسياده اللي بياكل من خيرهم. كام واحد فينا ساعده وتساهل معاه واداله اعذار؟ كام واحد فينا تساهل في حق البلد دي؟ كام واحد فينا مستعد انه يقضي على الفساد بجد مش كلام وبس؟

3 comments:

Anonymous said...

ياسلااااااااااام
زي ماكون تعبان و إرتاحت
;)

cc said...

عندك حق جدااااااااااااااااا النظام كله فاسد وفاشل بما يشمل الجميع وأولهم الشعب

Anonymous said...

asad shaker
فعلا هذا مايحدث لقد تم افساد الشعب عمدا خلال عهود حكم العسكر حتى يصبح الكل مخطئا وحتى القوانين التى يسنوها من المستحيل ان يستطيع المواطن الالتزام بها تماما فهو دائما مخالف ومتساب بمزاجهم ويوم مايتغضب عليه تطلع القوانين وتنفذ على دماغه هذا ينطبق على جميع المصالح الحكوميه الكل فى حالة خطا مستمر وبالمزاج حتى اصبح لااحد يعرف الصح من الخطا توهان
شكرا