جاك ضربة في قلبك!ـ

8.10.08 |


بقلم سوسن


عَّرف إمانويل كانت التنوير بأنه "خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." كما عرَّف القصور العقلي على أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." (ويكيبيديا: عصر التنوير). فلك أن تفخر ، قارئي، لأنك من المتنورين الناضجين في هذا العالم، الذين لا يتبعون لأحد في كيانهم و تفكيرهم

و إذا كنت تدين بدين معين فأتوقع أن يكون دينك هذا محل رشد و استقلال و "تنوير" أكبر بالنسبة لك. و لكن عفواً، إذا كنت امرأة، فلا تحتفي كثيراً بذلك. فقد قال العارفون بعلم الله و شريعته بأهلية الرجال لتوجيه عقلك للصواب، و لا ضير في ضربك إذا أوجسوا نشوزاً منك استناداً لقول الله "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" (النساء: 34). و لأنهم يتكلمون على لسان الإله الرحيم فقد قالوا أن الله سمح بهذا الضرب التوجيهي و لكن أمر بالرفق فيه.

و لأني لم أفهم كيف يسمح هذا الإله العادل لزوجي بضربي بعد عشرين عاماً من تحصيل العلم و وقوفي على مشارف الدكتوراه، حتى لو مخي فوت، لذا وجب البحث و التنقيب...

جمعت معاجم العرب حوالي 17 معنى للفعل "ض ر ب"، جاءت أفعال الأمر منها على شكل "أضرب" بمعني انصرف أو ابتعد عن الشئ/الشخص أو "إضرب" الأرض تطلع بطيخ و "إضرب" المربوط يخاف السايب. لاحظ قارئي المستنير اختفاء الهمزة في لفظ الآية، و ليس ذلك بالأمر الهين حيث أنه يجب أن تعلم أيضاً أن العرب قرنوا النبر (أي الهمز) بالفصاحة، ففي اللسان: "ورجل نبار = فصيح الكلام " (اللسان : 7/40) لدرجة أن مدعي الفصاحة و الشياكة اللغوية من العرب كان ينبر عمال على بطال. فكيف للإله أن يعرض عن النبر في هذا الفعل المتعدد المعاني إلا إن كان لحكمة و إلا فلا تكتمل فصاحة كتابه –حاش لله و نزه عن ذلك.ـ

لا أتصور أن يقول الله بجواز ذلك التصرف المخزي حتى و إن كان مقبولاً في عرف بعض المجتمعات منها مجتمع محمد سيد المرسلين. فإن خرجت نساء أوائل المسلمين من بيئة طبقية أبوية تبيح للرجال التعدي عليهن جسدياً و لو بالهين أو الرئيف، فما ذنبي أنا؟ في أي عدد من سنوات العلم أو جهد العمل أو الحكمة المكتسبة من خبرات الحياة قاصرة أنا عن ذويي و قرنائي من الرجال حتى أستحق الضرب "برفق"؟

و العجيب أن جمهور علماء المسلمين في تجاهل تام لحتى فرضية وجود معنى آخر لـ "و اضربوهن" غير الضرب من أبو همزة تحت الألف. و بالتالي، يتراءى لي أن عصبة ذوي العلم الديني في بلادنا انصرفوا عن تفسير ما قاله الإله إلى تقويل الإله تأويلهم هم. و على الناحية الأخرى، أحرجهم المغمور من العلماء (أعتذر عن عدم ذكر المصادر لعدم حضورها في ذهني هذه اللحظة) بشرح الآية بصورة أكثر منطقية باستخدام معنى أضرب من أبو همزة فوق الألف قائلين بأنه في حالة نشوز الزوجات فعظوهن ثم اهجروهن في المضاجع (فقط) ثم أضربوهن أي أعرضوا عنهن و هو ما يعرف في علم العلاقات الإنسانية بال
"time out"
حتى يتم حل المشكلة.

لا يفوتني أبداً هنا تشبيه ما فعله بنا علماء المسلمين بما فعله رواد حركة التنوير في أوروبا في القرن 18. ففي الوقت الذي ازدرى هؤلاء الرواد فيه الإله و رجال الكنيسة و "تحرروا" من كل فكر ديني انتصاراً للعلم و لمبدأ أحقية كل فرد في ترجيح عقله دون قيود فقد أبقوا على عدم أحقية المرأة في الانتخاب و القيادة لكونها انثى، و المضحك أنه فاتهم أن هذه الفكرة مسلم بها كحكم إلهي بناءً على الطبيعة البيولوجية للمرأة التي تحرمها من سداد العقل. و بالتالي إذا أصبح الإله عدواً، ففكرته عن المرأة هي أيضاً عدو، فيجب إثابتها إلى سلة المهملات انتصاراً للعلم (بردو). لكن فكرة المساواة مع المرأة سقطت سهواً من المنوِرين الأوروبيين بسبب تشربها في مجتمعاتهم لمئات السنين أو لعدم رغبة الرجال الثائرين في التخلي عن البرستيج (فكر بالموضوع من ناحية استراتيجية: فكل فرد يثور بهدف تعظيم أرباحه و تقليص تنازلاته ).

بنفس الأهداف أو الدوافع، يطل علينا علماء المسلمين من منازل غالباً تقليدية تكون فيها السلطة الكاملة للأب فيتيسر لعقولهم إمكانية ضرب النساء الكريمات لهذا المنزل من أمهات و بنات كضرب من التوجيه أو التهذيب (و آدي كمان معنى لضرب: "ضرب "= نوع). و لكن هذه المرة، يتم تعزيز الفكرة بربطها بالإله و ذلك لأن الإله ليس عدواً لنا و لكنه نصير، فمتى أحببنا الإله أحببنا منهاجه و أفكاره. فيخرج هذا العالِم بمحفوظات من القرآن و ثقافات من ذاك البيت إلى عالَم به نساء عاملات بالتجارة و الصناعة و السفر و الطب و الهندسة، و يقول لأزواجهم أن الله أباح لهم ضربهن... بس بالراحة.

0 comments: