تفنيد مصطلح التطرف الليبرالي البليد

8.11.08 |


بقلم بلاك لايت

نسمع كثيرا مصطلح التطرف العلماني أو الليبرالي، يتكرر على مسامعنا سواء من الأصوليين أو الهلاميين، لذلك قررت اليوم تخصيص مقال كامل يفند هذا الوصف الذي ليس سوى تدليس ومحاولة دس سم بالعسل مكشوفة. مصطلح التطرف الليبرالي بحد ذاته مصطلح متناقض، فكيف لأيدولوجية أساسها نبذ التطرف أن تكون متطرفة؟

نفس الشيء ينطبق على المصطلح المتناقض الثاني "الأصولية العلمانية". كلمة أصولية نفسها تعريفا ومعنى تعني بكل اختصار "التزام شمولي تام"، وهذا المنطق ينطبق تماما على أصحاب المرجعية الدينية، فالدين قائم على النقل وأساساته ثابته لا مجال لنقاشها وتغيرها. كيف يسمى العلماني اصوليا وهو يريد ان يلغي الاصولية السياسية؟ هذا تناقض كبير، فالأصولية تعني أيضا العودة الى الجذور والأصل، فكيف للعلمانية أو الليبرالية وكلاهما يدعو للتجديد والتغيير أن يلقبا بالأصولية؟ هل يوجد فقيه أو مفتي او مرشد يمثل العلمانيين؟

في الحقيقة ما دفعني لكتابة هذا المقال هو النهج التدليسي الذي يعتمده الكتاب العرب والقوميين، فهم أول من اطلق صفات الأصولية والتطرف على العلمانية وشجعوا أنصاف المثقفين وأنصاف الكتاب على ترديدها كالبغبغاوات دون وعي. وعلى سبيل المثال وليس الحصر مقالة فهمي هويدي -صاحب مصطلح الأصولية العلمانية- الأخيرة، تتكلم عن الاوضاع السياسية التركية, فلماذا توريط العلمانية ووصفها بالتطرف؟ هل تركيا وحدها علمانية؟ هل العلمانية تركية المنشأ ونحن لا ندري؟ ما تفعله تركيا بإسم العلمانية يمثل تركيا فقط وليس بالضروره يمثل الأيدولوجية العلمانية التي نراها باليابان وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الكيانات المتحضرة. وبالمناسبة، ان كنا سنرى النموذج السياسي التركي الذي قد عانى الامرين بسبب لعنة الإسلام السياسي على أنه متطرف علمانيا بسبب قانون منع الحجاب بالجامعات، أنا أرى ان النموذج الخليجي متطرف وهمجي أصوليا بسبب فرض الحجاب اجتماعيا واستحقار من لا ترتديه . رغم أن الحجاب وارتداءه من عدمه ليس مؤشرا على العلمانية، ولكن للأسف بسبب هذا النهج المضلل الذي قد تكرر مثل الإسطوانه المشروخه سيظل رجل الشارع العربي مؤمنا بهذه المعادلة
علمانية= تركيا + منع الحجاب + اضطهاد الإسلام

ليس فقط فهمي هويدي، هناك الكثير من الكتاب العرب، بسبب رواسب القومية العربية العفنه، نجد ان خطابهم يصف الليبرالية والعلمانية بالتطرف والغاء الآخر، بسبب حقدهم على النظام العالمي، ظنا منهم أنه يدعم الصهيونيه ودولة اسرائيل، وعقدة المؤامرة الكبرى والكيان الصهيوني، الخ من هذه الخزعبلات التي آن الأوان لها أن تفنى، فنحن ب2008 ولسنا ب1973. توجد امور اهم وأولويات اكبر من اسرائيل ومشاعر الحقد والكراهيه القومية والدينية

ونرجع لمحور موضوعنا، يرى البعض أن الأصوليه تعني ادعاء الحقيقه المطلقة وامتلاك الحلول السحرية لكل المشاكل، وهذا الأمر يتهم فيه الليبراليين عموما و العرب منهم خصوصا. حقيقة أنا لا أمثل الليبرالين العرب ولست سفيرا للفكر العلماني أو الليبرالي، لكني كفرد اؤمن بهذه الأيدولوجيات اجد نفسي بموضع المنتقد للمنظومة الإسلاميه الحالية وأسعى لتغييرها فكريا كي تصبح منظومة مدنية حضارية. الذي أعتمد عليه بمطالبي هي النماذج المتحضرة الأخرى، وهذه فطرة بشرية، فالمرء يقتدي بمن كان أفضل منه كي يطور نفسه ويصلحها. مع التذكير أنه لا توجد بالعالم منظومة حضارية مطلقة بلا عيوب، فحتى الدول الأوروبية على سبيل المثال فيها عيوب، لكن هذا لا ينفي الحقيقة والواقع، أنها هي بالصدارة وكل دول العالم الثالث تسعى للإقتداء بها والإستفاه منها

قد يقول البعض: "لماذا لا نأخذ فكرهم ونطبقه بإطار إسلامي؟" الرد بكل بساطة: المنظومة الإسلامية والمنظومة المدنية كالماء والزيت، لا يختلطان، فإما هذه و إما تلك. ونماذج التوازن لن تخلق سوى منظومة مشوهة منافقة، وهذه نراها اليوم ونتعايش معها . فالمنظومة المدنية قائمة على المنطق والإستدلال العقلاني، أما المنظومة الإسلامية فلأنها دينية هي قائمة على الإيمان الغيبي وفيها العديد من الشبهات التاريخية والروائية التي أدت لإختلافات عقائدية ومذاهب يطالب كل منها أن يتم فرض مرجعيته هو.


السؤال يطرح نفسه: لماذا الدين؟ هل نحن نسيء للدين ان ركزنا على حياتنا الحديثة لذلك نشعر بالذنب ونود أن يشاركنا فيها؟ بمعنى آخر، نحن بتنا نعامل الدين كمخلوق حي يحس ويتضرر من تصرفاتنا، والدليل على ذلك ردود الفعل المتطرفة التي تصف كل الآراء غير المقبولة دينيا بالإساءة و الإهانة له، والرغبة العارمة بالإقتصاص من أصحابها والإنتقام منهم .أوليس هذا هو التطرف بأم عينه قرائي الكرام؟

نرجع الى التطرف. ماهو التطرف؟ التطرف بإختصار شديد هو سلوكيات عدوانية غالبا ناتجة عن افكار متحيزة، مع مراعاة أن التحيز الفكري أو بالرأي مختلف تماما عن التطرف. الغريب بالموضوع ان الأنشطه الليبرالية والعلمانية بمنظوماتنا القمعية ليست سوى أفكار مبعثرة ثقافيا، سواء بالصحف أو المنتديات والمنابر المتواضعه، بينما نرى الجماعات الإسلامية تحصل على الدعم المادي الحكومي وتحصل على مساحات عقارية وتصاريح قانونية لنشر فكرها الأيدولوجي!

أليس المتطرف من يبيح قتل أخيه الإنسان؟ أليس المتطرف من يريد أن تترجم آرائه واجتهاداته الى قوانين تسيطر على حياة الناس (الهيئة بالسعوديه – لظس بالكويت ), يلقبوننا بالإقصائيين والمتطرفين لأننا لا نتقبل الإسلاميين؟ نعم، نحن لا نتقبل الإسلاميين فكريا، اما شخصيا فنحن لم نقم بتحليل دمهم أو اتهامهم بالإنحلال الأخلاقي وغيرها من الإتهامات كما هم يفعلون بنا على مرأى ومسمع الهلاميين والمنافقين الذين عندما يدعون الحياد، لا يختلفون عن الغانيه عندما تدعي الشرف

يستند معارضي النهج العلماني سواء كانوا أصوليين او هلاميين على الوضع الإجتماعي الحالي الداعم للفكر الديني الاصولي وسطوة الوعاظ والأئمة. فبنظرهم، العلماني أو الليبرالي يعتبر متطرفا، لأنه رافضا للوضع الاجتماعي قائم من سنين طويلة ويحاول تغييره. ولعمري أن هذه لهي الأصولية بأم عينها .الأصولية أن تلغي غيرك المختلف عنك وذهابك بنفسك انت –اللاغي- متهما اياه وهو الطرف الملغي والمقصى بأصولية أنت مرتبكها وصاحبها ليست سوى تطبيق للمثل "ضربني وبكى وسبقني واشتكى". وقد تقنع بعض الحمقى بمنطقك، لكنك تعلم أنك أنت الأصولي بالحقيقة

وهذا بالضبط ما يحدث للليبراليين عندما يقوم أشباه الكتاب وأشباه المثقفين بمعارضتهم وتشتيتهم بدافع الخنوع والخضوع لسطوة المجتمع الديني ووصايته. كيف نتهم افرادا بالتطرف والغلو بينما في الحقيقة هم ضحيته؟

ولكي نضع النقاط على الحروف، نستطيع الجزم أن معظم الهلاميين الذين يتهمون العلمانيين والليبراليين بالتطرف يعانون من التشتت الفكري, تجدهم برمضان وغيرها من المناسبات الدينية يقفون جنبا الى جنب مع الأصوليين يشدون من ازرهم ظنا منهم أنهم يمارسون نوعا من العبادة والإلتزام الديني . لكن عندما تحدث كوارث سياسية واجتماعية سببها الفكر الديني المتزمت، سواء تمثل بالطائفية او القمع الرقابي والتطاول على الحريات العامة، تجد هؤلاء يناجون الليبراليين قائلين ما "أحوجنا لدولة مدنية"!!

رغم المشاكل المرتبطة بالنموذج الديني والإنتهاكات الإنسانية التي يرتكبها يظل محل احترام هؤلاء، وفوق ذلك يرونه النموذج الاخلاقي المثالي رغم ان الاخلاق كما أسلفنا وأسلف غيرنا لا هوية دينية لها، بل إنسانية

مشكلة هؤلاء أنهم لا يعرفون ماذا يريدون. كذلك هم غير مستوعبين انه لا وجود لوتيرة ثابتة بالحياة . فعلى سبيل المثال وليس الحصر، مفهوم الحريات العامة، التي تعاديه الجماعات الدينية تحت ذريعة الثوابت والدين الحنيف، سينقرض

ولا اجد أفضل من مثال الكويت. ولنقارن كويت الثمانينات وأوائل التسعينات بكويت اليوم, الفرق كبير وواضح، أن منحنى الحريات العامة قد انحدر، وهو آخذ بالإنحدار، لن يتوقف إلا ان حدثت نتيجة كارثية، كتغيير المادة الثانية وانشاء هيئة النهي عن المنكر والأمر بالمعروف

ختاما:لا يوجد شيء ثابت، فالتغيير قادم سواء بوجهه الأصولي او وجهه التحديثي, سكوتنا اليوم علامة رضا لما تفعله القوى الأصولية، فهل نحن قادرين على التغيير وتسجيل موقف تاريخي وان باءت محاولتنا بالفشل ؟

1 comments:

أحمد منتصر said...

حلوة أوي المقالة دي
أهنؤك
:)