أن تكون شرقياً

3.4.08 |

بقلم عباس العبد


مساكين , هؤلاء من يسكنون هناك . فلنشفق عليهم قليلاً.
..
...
....

أن تكون شرقياً ... هو أن تكون مهموم بقضايا أمتك و منشغلاً بمنعطفاتك التاريخية و خطاباتك الثورية و ايديولوجياتك النهضوية و رؤاك الفكرية و حضاراتك الثقافية , تاركاً هؤلاء الساكنين هناك لتفاهتهم التكنولوجية و تعفناتهم الأقتصادية و حقارتهم العسكرية .

أن تكون شرقياً ... هو أن تكون متديناً, مؤمناً, عاملاً بأيمانك, داخلاً فسيح الجنات و شارباً من أنهار ملكوتك , تاركاً هؤلاء الساكنين هناك الى ماديتهم الأرضية و ترفهم الدنيوى و هلاكهم الأخروى .

أن تكون شرقياً .... هو أن تظل فى جهادك الأكبر لتحرير روحك من الشيطان الذى يسعى للسيطرة عليك و إعثارك و دفعك إلى إرتكاب المعاصى و الخطايا , أن تحافظ على شرف نساءك , أما الساكنين هناك , من أستباحوا نسائهم , فالشيطان قد استحوذ على أرواحهم , هل سمعت عن أحد الساكنين هناك يكذب , يحلف , يصل متأخراً الى عمله , يشتم ؟ طبعاً لا ... هل تعلم لماذا ؟ لأن الشيطان قد أستحوذ على روحه فلم يعد بحاجة لأن يدفعه الى الخطيئة . أما أنت أيها الأبن البار للديانات التوحيدية فجهادك عظيم لأنك رفضت أن تبيع روحك القدوس بأرخص الأسعار لشيطان التقدم و العلم و المعرفة و قد كافئتك السماء لذلك .

أن تكون شرقياً ... هو أن يكون مصحفك و أنجيلك صينيان , هى أن يكون صليبك و سجادة صلاتك تايوانيان لكى تتفرغ للعبادة و للصلاة . فالرب قد سخر الساكنين هناك لسعادتك . لا ترهق نفسك , سيصنعون كل شىء من اجلك . فهذه هى مكافأة السماء لك , أنت المُخَلَص و العبد الصالح , تعيش فى سكينة على الأرض , تصلى و تتأمل و تنتظرك نهاية سعيدة فى جنات الخلد و ملكوت السماوات , بينما الساكنون هناك - المسخرين لخدمتك فى الدنيا - هابطون الى جحيم فى الأخرة .

أن تكون شرقياً ... هو ان لا تترك شيئاً للصدفة . فأنت تدرس كل شىء , هل دخول الحمام بالرجل اليمنى أم اليسرى ؟ , هل صورة قديس واحدة تكفى لكى تنجح فى الأمتحان أم لابد من صورتين ؟ , اما المساكين الساكنين هناك , الذين يحلّون فوائد البنوك , مرتكبو المعاصى , يذاكرون جيداً قبل الدخول الى الأمتحانات تاركين عن جهل و قلة إيمان , بركة الرب الذى من عنده التوفيق.

أن تكون شرقياً ... هو أن تشرب ماءاً ملوثاً و تأكل طعاماً مسرطناً و تموت فى طابور العيش , شاكراً الله على نعمه التى أعطاك , محافظاً عليها , المحروم منها الكثير من شعوب العالم . أما المساكين الساكنين هناك جاحدو النعمة و رافسوها , الذين يزرعون طعامهم و يلقون بفوائضهم فى البحر للسمك , فسيأتى اليوم الذى ستزول فيه تلك النعم من وجوههم لانهم لم يتعلموا منا , أن يقبلوا أيديهم " وش و ضهر " , تلك العادة التى تحفظ النعمة من الزوال .

أن تكون شرقياً ... هو أن تعلم أن حكامك و رؤسائك و قادتك , هم عطايا الهية و هبة من الرب لعباده الصالحين . و أنه لا يجوز الخروج عليهم أو أن تعصى لهم امر , أو يرفض أحد نعم الله و عطاياه ؟ . فلا يجوز الخروج على الحاكم , بل تجب الطاعة و الخضوع لكل من له سلطان لأنه من الله . اما المساكين الساكنين هناك , الكفار و الخارجون عن الملة , المهرطقين و الخلقدونيين , فهم يؤمنون بالعلمانية و الديموقراطية , وقانا الله و أياكم من شرورها و فسوقها .

أن تكون شرقياً ... هو أن تقتنع بأن كل ما يحدث لك من مصائب و مشاكل و أمراض هو بلاء و أبتلاء و تجربة , أو لا يُبتلى المؤمن ؟ . أما الهالكون فى الدنيا و فى الأخرة , الساكنون هناك , فهم يطلقون على المرض ... مرض , و المصيبة ... مصيبة , و الكارثة الطبيعية ... كارثة طبيعية , لا حول و لا قوة الا بالله . و لعنادهم قد درسوا الطبيعة و عرفوا قوانينها و تعلموا من اخطائهم و أكتشفوا علاج للامراض و أطلقوا عليه " دواء " , أعوذ بالله , فالله هو الشافى . و لأن إيمانك قد شفاك فانت لا تحتاج الا الى رقية أو قنديل أو بخور مع قليل من بول الأبل و مسحة من زيت الميرون .

أن تكون شرقياً ... هو أن تمتلك ساعتين , ساعة لقلبك و ساعة لربك . هو أن تمتلك قناتين , واحدة دينية و اخرى كليباتية . هو أن تمتلك ذمتين , واحدة لصلاة الضهر و اخرى لفلوس الدرج . هو أن تمتلك صليبين واحد خشب للذهاب الى الكنيسة و أخر ذهب لتخرجه فوق القميص أثناء لعب الكرة . و هذه الثنائية و المضاعفة فى كل شىء هى موهبة روحية و نعمة سماوية فالله يضاعف لمن يشاء . أما هولاء المساكين السكانين هناك , فلا يملكون إلا ساعة العمل و قناة الفكر و ذمة الضمير و خشب صندوق الأنتخابات الذى سُخط نتيجة لعنة من السماء الى زجاج .

أن تكون شرقياً ... هى أن تجلس فى أستوديو ذى اضاءة سويدية , مبنى على الطراز الأيطالى , مكيفاً بتكييف يابانى , امام لاب توب امريكى بلغة برمجة هندية مصنوع فى الصين , متعطراً بعطور فرنسية الايحاء , جالساً على كرسى من الخشب الدانمركى أمام ميكروفون ألمانى مريحاً قدميك على سجادة مخملية أيرانية الصنع لتعلن ان الغرب كافر و ملعون فى كل كتاب . و يجلس فى الأستوديو المجاور لك و يبث على نفس القمر الصناعى التى أطلقته فرنسا , ذلك الكاهن الظريف ذى اللحية القصيرة يكفر اخوته فى الوطن ليعلى كلمة الرب و ليجعل سبله مستقيمة .

أن تكون شرقياً ... هو أن تعلن أن المسلم الماليزى أقرب اليك من المسيحى العربى و تدعوه الى التدخل فى الشؤون الداخلية بأسم الوحدة الدينية . فى نفس الوقت , تتعجب و تستنكر - بأسم الوحدة الوطنية – و تطلب من مسيحييى الشرق الا يتدخل مسيحييو الغرب فى شئوننا الداخلية .

أن تكون شرقياً ... هو أن تفرح للنقض الغريب و الحقير من قبل القنوات الدينية المسيحية لأيمان اخوتك فى الوطن . و فى نفس الوقت , تتعجب و تستنكر عليهم أن يخرجوا عليك بقنوات مماثلة تنقض دينك بحجة أنها تطعن فى إيمانك , لأن المحبة المسيحية و السماحة الأسلامية هى فوق كل شىء .

أن تكون شرقياً ... هو ان تكون كل أنجازاتك تاريخية , لأنها حدثت " زماااان " . هو أن تكتفى بشرف المحاولة , لأنك فشلت . هو أن تفرح بالتمثيل المشرف , لأنك لم تصل . هو أن تُفضل أن تكون صاحب تاريخ فقط , لأنه أفضل من أن تكون " صاحب عيا " . هو أن تتفاخر إن اجدادك صنعوا التاريخ , لأنك كالأبن الخائب قد بددت المستقبل .

أن تكون شرقياً ... هو ان تعلن من امام خيمتك الكبرى مرتدياً جلبابك و أنت جالس على جملك ماسكاً سيف البطولة فى يدك , تعلن لأطفالك الجوعى و العرايا أن الأصوات التى يسمعونها تحلق فوق رؤوسهم هى لشىء أسمه طائرات , و أن النيران التى تنهال علينا من السماء هى لشىء أسمه صواريخ تُطلق من تلك الطائرات . تطلق سبة و تنعتهم ب " أولاد الكلب " ثم تكمل - بعد أن تصيب الصواريخ أطفالك و ترديهم أمام عينيك- أننا نحن الشرقيون لنا عظيم الفضل و الأثر , و أنه بدوننا ما وصل هؤلاء الكلاب الى ما هم عليه الأن .

أن تكون شرقياً ... هو أن تعلن و أنت رائق البال مستريح الضمير , ان الساكنين هناك مغفلين جهلاء ذاهبين الى جهنم و بئس المصير . اما انت العارف بالله , الأبن المدلل للسماء التى لن تخذله أبداً , فتعرف كل شىء و تعلم كل شىء و لا داعى للاجتهاد و التعب فأنت ذاهب الى جنة الحياة و ملكوت النعمة .

أن تكون شرقياً ... هو أن تعى جيداً انك الوطنى الوحيد . أبوك خائن , اخوك عميل , امك التى ولدتك تقبض من أحدى السفارات , اختك التى تعلمت فى مدارس بلدك تتخابر مع الساكنين هناك , جارك جاسوس , قريبك شيوعى , زميلك أرهابى أصيل , صديقك ليبرالى دخيل . اما المختلفين معك فى الرأى فجهنم و بئس المصير .

=========

و بما أنى وطنى ملتزم , شرقى أصيل و مؤمن متدين , فأسمحوا لى أن أنتعش بشرقيتى كما ينتعش السمك فى الماء , ما اجمل و ألذ ان تكون شرقياً . دعونى أستمتع بخلاصى و نجاحى و كفاحى و ثوراتى و أنتصاراتى و صولاتى و جولاتى , و ... , و ... .

لو لم أكن شرقياً لوددت ان اكون شرقياً