بلاها علمانية؛ تاخد سوسو؟

7.3.08 |


بقلم ايجي اناتوميست


"كانت بغداد تقع في مركز العالم الإسلامي. وقد أصبحت في نهاية الألفية الأولى عاصمة تعليمية وعلمية وثقافية. وهناك كان المسلمون يعملون إلى جانب المسيحيين واليهود على دراسة أعظم مؤلفات الصين ومصر واليونان وروما القديمة. وعندما كانت الكنيسة تحظر ممارسة الطب في الأراضي المسيحية، كان العرب يستخدمون البنج ويجرون عمليات معقدة. وطور المسلمون نظاما عدديا مازال يستخدم حتى اليوم وابتكروا البندول والجبر وعلم المثلثات. وبعد أن تعلموا من الصينيين كيف يصنعون الورق، احتفظوا بسجلات إدارية، وألفوا الكتب في مجال واسع من الموضوعات، وصمموا أول نظام مصرفي في العالم. وفي هذا العصر الذهبي، كان الإسلام حديثا وتقدميا، وتواقا إلى تقبل شتى أنواع العلوم"

قائل هذه الكلمات أو كاتبتها هي مادلين أولبرايت (فاكرينها؟). وزيرة خارجية أمريكا السابقة. في كتابها الشهير "الجبروت والجبار" المنشور في لبنان ومصر عام 2006 (الدار العربية للعلوم ومكتبة مدبولي) ص ص 114-115

متهيألي مفيش اعتراف أو دليل أفضل ولا أحلى من كده. الست مادلين أولبرايت المسيحية الصهيونية الأمريكانية بتقول بعضمة لسانها إن الإسلام والعرب كانوا منورين الدنيا لما كان الغرب ضلمة وهباب وتخلف.

السؤال التاريخي بقى: ماذا حدث؟

كيف انقلب الحال فصرنا في السافلين وصاروا هم فوقنا جاثمين!

أقول لحضراتكم.

اللي حصل أن الإسلام دين تقدمي عظيم. يعني ايه دين تقدمي؟ يعني دين بيدعو إلى التقدم. إلى التنوير. إلى العقل. إلى العلم. إلى العمل. إلى تعمير الأرض وتنميتها. إلى ترقية حياة الإنسان. ليس دين ينظر للماضي بل للأمام. ليس دين اعتزال وهامش بل دين مشاركة ومركز. ليس دين خمول أو كسل. ليس دين آخرة وخلاص. ليس دين طقوس ورموز. هو دين دنيا وآخرة. الاتنين في الواقع حاجة واحدة في الإسلام. الدنيا والآخرة مكملين لبعض. حاجة واحدة. هو فيه آخرة من غير أولى؟ طب تبقى آخرت إيه بالظبط؟

حلو الكلام؟ طيب. نقول كمان.

اللي حصل إن الدنيا في الإسلام هي دار عمل وبناء وتعمير وتعلم وتقدم وتنمية. كل هذه المصطلحات ربنا لخصها في كلمة واحدة (عبادة). ما خلق الله الإنس والجن إلا ليعبدونه. العبادة – بالاجماع – هي كل ما سبق. كل ما من شأنه تنمية استخدام موارد الأرض والاستمتاع بنعم الله من حولنا ومحاولة تحقيق أفضل حياة للمجتمعات البشرية فوق هذه الأرض. بهذا المفهوم يصبح الإسلام عالميا بحق: فأي إنسان يعمل بجد واجتهاد أعمالا صالحة مفيدة تفيد البشر والدنيا، فهو عابد لله وهو عبد من عباد الله الصالحين.

عظيم جدا. فين المشكلة؟

أقول لحضرتك

ظل المسلمون يفهمون الدين – والدنيا - بهذه الطريقة قرونا. يذهبون شرقا وغربا فيستفيدون من الحضارات الأقدم والثقافات الأعرق. يترجمون ويقرأون ويفهمون ويخلقون ويبدعون. لم يقل لهم أحد إن كل بدعة ضلالة! على العكس. كانت كل بدعة (من الابداع) حاجة حلوة جميلة.

نما الإسلام وترعرعت دولته وازدهرت وسادت. بالعلم. والقراءة. والمساواة بين الجميع.
لم تقم دولة الإسلام على الصلاة والصوم والحج. مكانش حد غلب. مكانش الرسول دماغه اتفتحت في غزوة أحد مع إنه رسول ونبي لكن الرسالة الإلهية هي: قوانين الكون تسري حتى على الرسول صلى الله عليه وسلم شخصيا. التقدم مش بالدعا والصلاة. ادعي وصلي زي ما انت عايز. لكن ربنا مش هيقبل منك إلا لو احترمته. أيوه. احترمته. قولتلي ازاي أحترم ربنا؟ أقولك أنا.

تحترم اللي خلقك بإنك تتبع قوانينه. يعني تعرف إن ربك خلق الكون وخلق الأرض بقوانين ثابتة. فيزياء وكيمياء. اللي يفهمها ويتفوق فيها يبقى احترم قدرة الله وعظمته. يقوم ربنا يستجيب له. ربك خلق البشر بقوانين ثابتة. علم نفس. طب. اقتصاد. اجتماع. مفيش حاجة اسمها اقتصاد إسلامي واقتصاد مجوسي. فيه قوانين تمشي على الكل في أي مكان وزمان. مفيش طب إسلامي وطب يهودي. فيه طب. بتاع الخالق. إنما إنك تستهبل وتقضيها عياط وصويت عامللي بتدعي وبتتقرب لربنا وانت محتقر قوانينه وقدرته اللي فرجك عليها في خلق الكون ده كله. تبقى تستاهل اللي هيحصلك يا حلو.

المسلمين في يوم من الأيام مشيوا ورا قوانين الكون زي ما هي. ترجموا كل اللي لقوه ودرسوه وفهموه من غير عقد ولا تلاكيك ولا ناس تقولك الحق دول بيترجموا كتب الكفره. من غير مصادرات ولا دياولو. المسلمين مشيوا ورا العلم. كله علم يا محترم: أحياء، هندسة، أدب، شعر، سياسة، كيميا، فن، اجتماع. سابوهم من التفتيش في القلب والضمير. سابوهم من التخلف اللي كانت أوروبا فيه وقتها. ركزوا على الشغل والعلم والتقدم. مكانش شاغلهم لباس المرأة وحديث الذبابة.

المسلمون كانت دولتهم علمانية. العلمانية هي بمنتهى البساطة اتباع قوانين الكون في كل المجالات. الطبيعية والاجتماعية والإنسانية. العلمانية هي انك متخافش من الآخر وثقافته. تنفتح عليه. هي أن يحكمك واحد زيك انت تختاره أو تفوضه مش واحد يقولك أنا هحكمك بتفويض من ربنا. ربنا مفوضش حد في الحكم. ولا فوض الرسول عليه الصلاة والسلام ذات نفسه. آه والله. مسمعتش "فلست عليهم بمسيطر"؟. مقريتش "أفأنت تكره الناس أن يكونوا مسلمين"؟. محدش قالك على "لكم دينكم ولي دين"؟

مش لازم كلمة علمانية تبقى موجودة. دي مجرد كلمة بتوصف حالة. بتوصف طريقة في تسيير شؤون البشر.

الرسول – عليه الصلاة والسلام – أدار الدولة بالعلم. استشار أهل الخبرة والمفهومية. مكانش بيسأل أكتر واحد حافظ القرآن. كان بيسأل أكتر واحد فاهم في الموضوع. حتى لو كان مش من نفس العرق. فاكرين سلمان الفارسي؟ شفت؟ فارسي. مش عربي. ولا فرقت مع المصطفى. المهم إن الراجل فاهم مش حافظ!

كويس. حصل ايه بقى؟

ولا حاجة. زي ما بيحصل مع البشر عبر التاريخ. أمال هو ليه ربنا بعت رسل وأنبيا كتير؟ ماهو عشان البشر مش بيتعلموا يا محترم. عشان مصرين يفرضوا نفسهم على الناس التانية. انت معانا ولا مع الناس التانيين؟ لو قلت معاكم، هيقولولك: إحنا الناس التانيين!

ابتدا التخلف يضرب أطنابه في صلب الدولة الإسلامية. في القرن الحادي عشر ميلادي والثاني عشر. ابتدت أفكار زي أفكار الإخوة الإخوان وغيرهم تطلع. يقولك ايه ده يا عم. علم ايه وقرف إيه وتقدم إيه. فين النوافل! قاله يا عم ده الرسول نفسه مكانش بيفتش ورا حد. ربك هو اللي خلق البشر وهو أدرى بهم وبقلوبهم. قاله لا يا سيدنا. يعني نسيب الدنيا تبوظ. قاله يا عم تبوظ إيه ماهي زي الفل. إنت اللي مش لاقي حاجة تعملها وعايز تتحكم في الخلق. قاله إلا الصلاة. ثم تطورت لتصبح إلا الصوم. ثم إلا الحج. ثم إلا النوافل. ثم إلا الحجاب. وإلا النقاب وإلا السلام بالإيد وإلا وإلا وإلا. والقائمة بلا نهاية.

ابتدا التفكير الحر يتهاجم. ابن رشد اتنفى. الغزالي شعشع ولعلع وهد الفلسفة الإسلامية العظيمة على دماغ اللي عملوها. التدهور بقى بيزيد في كل مجال. أصل البداية دايما في العقل. اضرب العقل تلاقي البنيان المادي ينهار على طول. يوم والتاني وسنة والتانية وقرن والتاني وصلنا لحالة شبه اللي احنا فيها دلوقتي. راحت الأندلس. ليه راحت؟ عشان بقينا متخلفين عسكريا وعلميا. مين بقى متقدم عنا علميا؟ الغرب. الله. الغرب بتاع دلوقتي؟ أيوه يا دكتور، هوه بعينه. الله، عشان كده بنقول عليه كافر؟ (ابتسامة بريئة)!

أسباب بداية الانهيار الإسلامي كتيرة ومتعددة. يعني ما بين الحروب الصليبية والغزو المغولي لأسباب تانية اجتماعية. الخلاصة إن كل الأسباب أدت في الآخر إن المسلمين بطلوا علمانية وقلبوها دولة دينية قامت انهارت على دماغهم فورا.

الغرب الديني بقى قلبها علمانية. تقدم بسرعة الصاروخ. مشي حاله. راجت تجارته. عنده بلاوي أخلاقية وغيرها متلتلة أكيد مفيش كلام. بس مش أكتر من بلاوينا وخيبتنا التقيلة. بلاوينا المستخبية والباينة. كفاية الذل. كفاية الوضاعة. كفاية الخوف. كفاية الدونية. كفاية اللي احنا فيه. محدش يقوللي الغرب هينهار لوحده ولا دول عالم كفرة ولا مش عارف مين. هو مفيش دم؟!

يا عالم. الإسلام ترك علمانيته التي ميزته عن باقي الأديان فخاب المسلمون خيبة من قبلهم.

يا عالم. المشكلة مش في إسم العلمانية ولا ريحتها. المشكلة في المبدأ. سميها أي إسم. سميها المدنية. الإسلامية. العقلانية. القانونية. الدستورية. سميها عفت. إن شالله تسمهيا سوسو! المهم إنك يا تعمل دولة حديثة بتقوم على أساس المساواة بين المواطنين وبتستند إلى القيم الدينية السامية والتقاليد الثقافية الإسلامية لكن في إطار قانوني يساوي بين حقوق جميع المواطنين مهما كانت مكنونات قلوبهم، ومفيهاش حاجة اسمها مسلم ومسيحي وبهائي وحسامي وعصامي فيها مواطن وبس، وتكون بتتبع قواعد وأصول العلوم الحديثة في كل مجال، ولا سلطان عليها إلا سلطان العقل والمنطق والمصلحة، يا تعمل ده فورا يا إما قدامك كمان خمسمية ستمية سنة تخلف وضرب وإهانة وبهدلة وذل واحتلال.

يا نبني مصر الجديدة دلوقتي يا نقرا على إسم مصر من دلوقتي الفاتحة