العمل قيمة انسانية هامة

6.3.08 |


بقلم على باب الله


(أنا و من بعدي الطوفان)

فرنسا

القرن الثامن عشر

كان الملك لويس الخامس عشر 1710 - 1774متربعاً علي العرش , و كان يُعتبر – حتي في عصره – ملكاً كسولاً تافهاً و مستهتراً

ألح عليه مستشاريه كثيراً لكي يبدأ العمل في طريق الإصلاح و ينهض بفرنسا من دوامة الفقر و الجهل التي كانت تعيش فيها الغالبية العظمي من الفرنسيين

و لكنه إعتاد أن يقول للذين ينذرونه بوقوع الكارثة : " اجعلوا كل شيء يسير علي سجيته طالما أنا حيّ , و بعد موتي ... فليكن ما يكون "


أعتقد أنه لو كان يعرف المقولة المصرية الشهيرة ( أنا و من بعدي الطوفان ) .. لما وجد أفضل منها ليصف حاله

و هي مقولة – من وجهة نظري الشخصية – لا تدل فقط علي الأنانية , و لكنها تدل أيضاً علي اليأس

فاليأس .. و الإحساس بعدم الجدوي .. يدفعان الفرد لأن يحاول أخذ ما يمكن أخذه من السفينة قبل أن تغرق

و بعد مرور ما يقرب من نصف قرن علي مقولة الملك .. قامت الثورة الفرنسية , و غرقت سفينة فرنسا في طوفان من الدم

و شهد العالم واحدة من أكثر ثورات العالم دموية


( التايتنك )

15 أبريل 1912

المحيط الأطلنطي

--

إصطدمت السفينة ( تايتانك ) بجبل جليدي و هي في طريقها إلي الولايات المتحدة الأمريكية , و كان علي متنها ما يزيد علي 2200 مسافر , غرق منهم حوالي 1500 فرد

عندما شُيدت السفينة ( تايتانك ) كانت رمزاً لثراء الإمبراطورية البريطانية و قوتها التي لا تقهر , لقد كانت تعكس مغالاة الإمبراطورية و غطرستها

كانت بريطانيا قد بلغت حدودها القصوي , و بدأت في التراجع

لقد ارتاحت و أستقرت فيما قد أنجزته أكثر مما بقي لتنجزه , و حل الكبرياء محل الرؤية و التخطيط السليم , و العمل

و عندما يحدث هذا , تكون النهاية وشيكة

--

كانت لفتة مطمئنة و لكنها تنطوي علي جرأة شديدة من المهندسين أن يصرحوا بأن السفينة لا يمكن أن تغرق

و كان الباعث الآخر للإطمئنان يكمن في إختيارهم لطاقم السفينة بقيادة ( جون سميث ) أفضل قبطان بحري في أسطول بريطانيا التجاري في ذلك الوقت و الذي يشهد تاريخه بأنه لم يتعرض لأي حادثة بحرية من قبل

كان لديهم – كما يبدو – طاقم لا يمكن أن يغرق , لسفينة لا يمكن أن تغرق

و تناسي الجميع أهمية التنظيم و العمل و التخطيط السليم

--

تلقي الكابتن ( سميث ) تحذيرات عديدة عن حقل جبال الجليد الواقع في طريقهم مباشرةً و لكنهم حتي لم يبطئوا من سرعتهم

و عندما أصطدمت السفينة بأول جبل جليدي حدثت رجَّة مزعجة لاحظها كل من كان علي متنها .. لكن بعد دقيقتين واصلوا الإحتفال

لم يكن يتوقع أحد أنه بعد أقل من ساعتين سيرقد أكثرهم في قاع المحيط

عندما بدأت قوارب النجاة تغادر ( التايتانك ) كانت القوارب الأولي تمضي دون أن تمتليء لدرجة أن أحد القوارب غادر السفينة و علي متنه 12 راكباً فقط , فأكثر الركاب فضلوا أن يظلوا في السفينة الدافئة لأنهم لم يصدقوا أن السفينة بالفعل تغرق

و لما بات واضحاً للجميع أنها تغرق , كانت القوارب قد مضت

لم تكن هناك قوارب نجاة و معدات طواريء كافية علي سطح التايتانك , و لم لا .. فالسفينة أصلاً لا يمكن أن تغرق .. قوارب النجاة هي نوع من الديكور ليس أكثر

لم يتدرب طاقم التايتانك علي إستخدام قوارب النجاة تدريباً مناسباً , و لم يكن لديهم خطة لتنظيم حركة المرور إلي القوارب , بل و لم يكن الطاقم حتي يعرف كيف يدلي القوارب في الماء

كان عليهم أن يتعلموا كل هذا و السفينة تغرق

لقد ساهم هذا الكبرياء و النظرة غير الموضوعية في إهمالهم لقيمة التخطيط و العمل .. و أدي لخسارة غير ضرورية لعدد كبير من الأرواح



( آرثر روستون )


في الساعة 12:35 من تلك الليلة هرع عامل اللاسلكي إلي كابتن ( آرثر روستون ) قبطان السفينة ( كارباثيا ) ليخبره بأن ( التايتانك ) أصطدمت بجبل جليدي

في الحال أمر ( روستون ) أن تدور السفينة للخلف و تتجه بأقصي سرعة لنجدة ( التايتانك ) التي كانت تبعد عنه بحوالي 58 ميل تقريباً و بعد ذلك سأل عامل اللاسلكي ما إذا كان متأكداً تماماً من صحة الإشارة .

فكر ( روستون ) بشكل سليم , و تعامل مع الحدث بموضوعية كبيرة و أهتم بأدق التفاصيل

فأمر أن يذهب الطبيب الإنجليزي إلي مطعم الدرجة الأولي .. و أعده لأستقبال المصابين

و الطبيب الإيطالي إلي مطعم الدرجة الثانية , و الطبيب المجري إلي مطعم الدرجة الثالثة و أمر أن يتم تزويدهم بكل الأدوات و الإمدادات المطلوبة

و كلف ضباطاً آخرين بمسئولية جوانب السفينة معطياً تعليماته بأن يسجلوا أسماء الناجين ليرسلهم باللاسلكي , ثم أعدوا روافع بكراسي معلقة لرفع الناجين إلي سطح السفينة , و فُتحت جميع الأبواب علي جانبي السفينة

ثم كلف ضابطاً بمسئولية الركاب المسافرين معه ليعتني بإحتياجاتهم , و إنشغل الجميع بإعداد القهوة و الحساء و المؤن اللازمة لتدفئة الناجين من برودة الأطلنطي

و خصص كل كبائن الضباط و غرف الدخان و المكتبة و باقي الأماكن العامة لتكون أماكن مبيت للناجين , و أرسل مندوبين ليوضحوا لركاب السفينة سر النشاط الزائد , و ليدخلوا إلي قلوبهم الطمأنينة

ثم إلتفت ( روستون ) ليواجه أكبر مشاكله , و هي جبال الجليد , فلقد كان يبحر بأقصي سرعة إلي نفس حقل الجليد الذي حطم ( التايتانك

تخفيض سرعة تقدمه لم يكن أحد البدائل المطروحة لأن الوقت ثمين جداً بالنسبة للناجين من ( التايتانك ) الذين يصارعون الأمواج

و لكنه أتخذ كل التدابير الممكنة لتفادي الخطر , فأضاف رجلاً إلي طاقم القيادة , و وضع رجلين آخرين في مقدمة السفينة , و رجلاً علي كل طرف من طرفي المعبر لملاحظة حقول الجليد و إرسال إنذار مبكر لتفادي الإصطدام بها

و حين وصلت السفينة إلي الموقع , جرت عملية إنقاذ الناجين بنظام و إلتزام شديدين و تمكنوا من إنقاذ 705 فرد من مسافري ( التايتانك



( العمل قيمة إنسانية هامة )


كيف نفسر ارتفاع قيمة وسعر ألة الخياطة عن سعر الابرة مثلاً؟

هذا السؤال طرحه أدم سميث وديفيد ريكاردو، وقد أجابوا عليه بأن إنتاج الألة يحتاج إلى وقت ونوعية عمل أكبر بكثير من إنتاج الإبرة. هكذا أكد سميث وريكاردو أن قيم وأسعار الأشياء تتحدد بما أنُفق عليها من وقت ومستوى عمل لازم لإنتاجها.

العمل إذن - وفقاً لهم - هو الذي يحدد قيم الأشياء.

و بشيء من التخيل نستطيع أن نقول أن العمل يحدد أيضاً قيمة الفرد بل و قيمة الدولة ككل و مكانتها

لذلك فالعمل هو السبب الرئيسي لتقدم الدول و الأفراد , و هي نقطة منطقية و بديهية جداً

و لكن الغريب أن قيمة العمل يتم إستبدالها في الكثير من الأحيان بقيم أخري يبشر أصحابها بتقدم سريع و إزدهار مضمون من خلالها

و هو نوع من أنواع النصب أو علي أقل تقدير التربح من وراء إيهام الأفراد بإمكانية تحقيق مستقبل أفضل بدون مجهود حقيقي يُبذل لتحقيقة

المصادر :

1- ( مقال ) : قيمة العمل في السياسة و الإقتصاد بقلم ( سامر سليمان ) ..

شبكة العلمانيين العرب , 23 أكتوبر 2007

2- كتاب ( تاريخ الثورة الفرنسية ) تايرز

3- كتاب ( الحصاد ) ريك جونيور