أشتاق الي العدالة

11.3.09 |


بقلم ماجد ماهر


ليس لدي أي نوع من المعرفة عن ما جعلني منذ طفولتي أشتاق أليها و أبحث عنها بكل طاقتي، و لست أعلم لماذا و أنا في سن يلهو كل زملائي فيه كانت تؤرقني أسئلة عن الحياة و معناها، و كانت تتحرك بداخلي مشاعر غضب عظيمة و هائلة كلما رأيت مظهر من مظاهر غياب العدالة

و أنا طفل كان يؤرقني مشهد الشحات، كنت وقتها لا أفهم لماذا لا يجد هذا الانسان لباسا جيدا مثل باقي الناس!! و لماذا يجلس ساعات و ساعات علي الرصيف و يمد يده للمارة ليستعطفهم و يطلب منهم أقل القليل حتي يأكل أو يكتسي!! كان هذا هو المشهد الرئيسي الذي يعبر عن أقصى صور غياب العدالة في ذاكرتي و أنا طفل، و يا ليتني لم أكبر حتى أدرك ما هو أقسى و أيقن أن هذا المشهد ربما يكون الأكثر ترفا من مشاهد لا حصر لها تصرخ معبرة عن غياب العدالة بكافة صورها و أشكالها، حتي تنحصر العدالة الأن في ذهني وكأنها مجرد فكرة مثالية لا مكان لها في واقع مجتمع أحيا بداخله كل يوم من أيام حياتي.

فالعدالة هي احترام الحقوق، هي الأيمان بأن الأنسان يستحق، ليس لأنه مؤمن، و ليس لأنه ذكر، و ليس لأنه كبير سنا أو مقاما أو صاحب ثراء و لكن لأنه أنسان. العدالة هي أحترام حق كل أنسان في أختيار شكل و أسلوب حياته ، في أختيار معتقده، في أختيار مبادئه و أفكاره ، و حتي في أختيار طريقة لبسه و نوع غذائه.

وللأسف عندما أنظر لمجتمعي ، أراه أبعد مايكون عن العدالة، أري الطفل فيه يُهان و التلميذ يُضرب في المدرسة و الطفل العامل تُنتهك آدميته و تُغتال برائته، أرى الرجال يتحكمون في النساء، أرى الرجل يفخر بذكورته و كأنه صاحب فضل لأنه ولد ذكرا و كأن المرأة قد ارتكبت ذنبا كي تولد امرأة. أرى رجالا يمارسون كافة اشكال العنف النفسي و البدني ضد زوجاتهم و أطفالهم و أرى مجتمعا يصمت أمام هذا العار و يتجاهله. أرى الفقراء يموتون جوعا و تتحطم أبسط أحلامهم أمام واقع أقتصادي مرير يسلبنا الكثير و الكثير من حقوقنا الانسانية. أرى صاحب كلمة الحق ينهال عليه أصحاب المصالح و المنافع هجوما و كأنه هو الخطر المبين.

و ما بين سلطة تعمل من أجل نفسها و تتجاهل الأوضاع المزرية للبسطاء و علماء دين يحللون القهر و الغصب و يهاجمون الحرية و كأنها الشيطان الأعظم و شعب بسيط تم حرمانه من الثقافة الفعلية التي تحثه على انتزاع حقوقه فأصبح يتمتع بدرجات غير انسانية من تحمل الظلم و القهر دون أدنى مقاومة، تختفي العدالة.

هذا حال مجتمعي الذي أراه. مجتمع يفتقر إلى العدالة في أبسط صورها و معانيها. فليس من العدل أن أشعر بغربة في وطني و ليس من العدل ألا يمارس المواطن أبسط حقوق المواطنة، و كأنه ضيف في بيته.

إن ما أشعر به في هذة اللحظة هو ألم عميق من شدة الاحساس بالظلم و العجز، احساسا بالظلم الذي ألمسه في كل امرأة تتحمل ضرب و أهانة من زوجها و يحثها المجتمع على الصمت. أشعر به في كل طفل يبكي من خوفه من مدرسه الذي لا يحميه منه أحد بل و ربما أيضا يؤيد المدرس والد الطفل ليعنفه أكثر و أكثر.

احساسا بالعجز يقتلني. كم من مرة صرخت ألتمس العدالة لضحايا مثل هؤلاء لأجد مجتمع أصم لا يسمع، و إن سمع لا يتحرك و يفضل أن يحيا مؤمنا بثوابت تدمره على أن يعيد النظر فيها، لأجد المسئولين عن تحقيق العدالة إما غير مكترثين أو لا يمتلكون دقائق قليلة يستمعون فيها لمعاناة عشرات الضحايا، مفضلين أن يعطوا وقتهم لاجتماعات الصالات المكيفة عن أن يتحملوا النزول للشارع ولو مرات قليلة في طوال سنوات مسئوليتهم. كم من مرة لم ينظر صاحب السلطة الى المظلمة إما لأنه لا يهتم أو لأنه محكوم هو الآخر بمن لا يهتم، و بالطبع يفضل الحفاظ على مكانه على أن يدافع عن مظلمة كائن ليس له أي سند يحميه.

إن العدالة الغائبة هي اختيار مجتمع بأكمله.. اختيار بممارسة الظلم المنهجي من أفراد المجتمع تجاه بعضهم البعض.. اختيار قبول المسلمات مهما كانت مدمرة على أن يتم اعادة اختبارها حياتيا و فكريا.. اختيار بتفضيل الصمت و التحمل على الغضب و اقتناص الحقوق. إن العدالة الغائبة ليست قدرا و لا عقابا إلهيا على ما فعلناه، و إنما هي اختيار الجهل و الغيبية و عدم المسئولية و التواطؤ على الضحية.

إن أكثر ما يؤلمني في هذة الجدلية هم الأطفال الذين لم يختاروا أي شيء بعد في هذة الحياة و لكنهم أكثر من يتحملون ثمن اختيارات آبائهم و أجدادهم. و السؤال الذي يؤرقني اليوم و عليه أن يؤرقك أيضا هو: هل سيفخر أحفادنا و أبنائنا باختياراتنا في الحياة؟؟ أم سيعيشون يتحملون ثمار ظلم تم تكريسه لسنين و سنين كما نتحمل نحن الآن ثمار صمت أهالينا؟؟

0 comments: