بقلم محمد زكي الشيمي

قبل أن أبدأ في عرض السيناريوهات ومميزاتها وعيوبها ينبغي أولاً ان أوضح أن جانب كبير من مشكلتنا هي أننا نتحدث عن غير دراية،لهذا فقد آثرت أن أنشر هذه الحقائق ،قبل بدائل الحل حتي لا نتجادل طويلاً فيما هو معلوم،كما ان الإقتصاد عموما لا يبني إلا علي الأرقام والأشكال البيانية
واعتذر مقدماً عن هذا الطول الشديد في النوت وفي الواقع فأنا أتركها هنا كمصدر أو مرجع للنقاش وليس بالضرورة لقراءتها لمن لا يرغب في ذلك

أولاً الربع الأول للحقيقة
مجموعة حقائق ومفاهيم مهمة جداً في حلول للقضية وعلاقتها بالوضع المصري

الميزان التجاري هوالفارق بين صادرات وواردات أي دولة و(كل ميزان في هذه التعريفات يسمي بميزان ببساطة لأنه لا بد أن يكون مجموع الأرقام السالبة والموجبة لدول العالم مجتمعة هو صفر)

ميزان الخدمات وموضوعه هو الخدمات غير المنظورة النقل والتأمين والسياحة والخدمات المالية،الخ ويشمل الجانب الدائن نفقات سفر الأجانب علي أرض الوطن والنقل علي وسائل وطنية والتأمين،الخ والجانب المدين هو نفقات السفر إلي بلاد أجنبية واستخدام وسائل مواصلاتها ،الخ ومرة أخري هذا يوضح أن أي انفاق لمصري في الخارج يضاف سلباً إلي ميزان الخدمات والعكس صحيح.

ميزان الحساب الجاري(ميزان المعاملات الجارية) وهو مجموع الميزان التجاري وميزان الخدمات

ميزان التحويلات من جانب واحد : يتعلق هذا الحساب بمبادلات تمت بين الدولة و الخارج بدون مقابل أي أنها عمليات غير تبادلية ، أي من جانب واحد و تشمل الهبات و المنح و الهدايا و المساعدات و أية تحويلات أخرى لا ترد سواء كانت رسمية أو خاصة ويقع ضمنها تحويلات المصريين العاملين بالخارج كجانب مدين، أما الجانب الدائن فيضم كل تحويل من مصر إلي مقيم بالخارجبالإضافة إلي المنح المصرية للخارج إن وجدت

ميزان العمليات الرأسمالية (ميزان معاملات رأس المال) وموضوعه هوحركات رؤؤس الأموال من بلد إلي آخر ورؤوس الأموال أما طويلة الأجل( تتجاوز السنة) كالقروض طويلة الأجل،والاستثمارات المباشرة كالاسهم والسندات أو قصيرة الاجل كالقروض قصيرة الاجل والأوراق المالية قصيرة الاجل والودائع المصرفية حيث يحسب كجانب دائن (+) زيادة أرصدة البنوك والهيئات الأجنبية وبيع الأوراق المالية(السندات والأسهم )بالخارج ،والجانب المدين(-)شراء أوراق مالية من الخارج وخفض أرصدة البنوك والهيئات الاجنبية بالوطن
ميزان المدفوعات:يتشكل أساساًمن مجموع ميزان الحساب الجاري وميزان التحويلات من جانب واحد وميزان العمليات الرأسمالية، وهوالحساب الكلي الذي يشكل مجموع المعاملات الاقتصادية بين بلد ما والعالم الخارجي

أهمية ميزان المدفوعات يعكس لنا درجة التقدم الاقتصادي في هذا البلد و يمكننا من تحديد مركزه بالنسبة للعالم الخارجي

الوضع المصري مميزاته وإشكالياته
علينا أولاً ن نعرف أن مصر لا تعاني عجزاً في ميزان المدفوعات حالياً بل هي تحقق فائض منذ أربع سنوات أو خمس سنوات ووفقاً للأرقام الأخيرة فمصر حققت فائضاً تجاوز 5,3 مليار دولار وهو أكبر فائض في ميزان المدفوعات المصري في السنوات الخمسين الأخيرة كلها ، وعلينا أن نقول بوضوح أن السياسة المصرية النقدية في عهد حكومتي كمال الجنزوري وعاطف عبيد وسياسات البنك المركزي أثناءها جعلت مصر تعاني عجزاً في ميزان المدفوعات استمر حوالي سبع سنوات 1996 – 2003 وأنه بالتأكيد قد حدث تحسن في الاداء مع فترة أحمد نظيف وفاروق العقدة ولكن المقارنة من خلال ميزان المدفوعات ليست هي المطلوبة وإن كانت تشكل رقماً مهماً في المعادلة لأن الوضع وإن كان تحسن ظاهرياً – وهو أمر يحسب للمجموعة وللسياسات النقدية بلا شك- فهو لم يتحسن في العمق ولهذا تعمدت ان أمر علي كل هذه التعريفات لأنها ستوضح مرة أخري ما هي المشكلة وإن كان هذا لا ينفي أن نجاح مصر في تجاوز العجز السابق في ميزان المدفوعات هوأمر ممتاز في جميع الأحوال.
الميزان التجاري : الصادرات المصرية ارتفعت بمعدل 19,3 % لتصل غلي 22 مليار دولار وارتفعت الواردات بمعدل 24,3 % لتصل إلي 37,8 مليار دولار،وبالتالي ارتفعت التجارة الخارجية إلي 60 مليار دولار،وارتفعت نسبة التجارة الخارجية إلي إجمالي الناتج المحلي من 45,5 %إلي 46,8% فيما زاد العجز في الميزان التجاري ليصل إلي ( 22 -37,8 ) أي عجز بمقدار 15,8 مليار دولار
بتحليل الأرقام السابقةنجد مجموعة إشارات إيجابية وأخري سلبية ،الأرقام الإيجابية هي زيادة حجم التجارة الخارجية ،وزيادة نسبتها لإجمالي الناتج المحلي لأن هذا يعني دخولنا أكثر فأكثر في المنظومة الاقتصادية العالمية . وكذلك زيادة الصادرات (وإن كان لنا وقفة مع هذه الصادرات) بينما تبدو زيادة الواردات كرقم وزيادتها النسبية أمام الزيادة النسبية للصادرات أمور غير صحية
ولنبدأ بالأمور الأفضل نعم زادت صادراتنا إلي 22 مليار دولار وزادت بنسبة 19,3 % وهذا شيء ممتاز مبدئياً ولكن ماهي السلع المصدرة وما هو وزنها النسبي ضمن إجمالي الصادرات؟



الإجابة واضحة في الصورة الصادرات البترولية تشكل 45,9 % من الصادرات المصرية بقيمة 10,1 مليار دولار وينقسم الرقم إلي 31% صادرات بترول خام ، 26,8 % صادرات غازطبيعي ، 32,8 % منتجات بترولية
ومعني هذا الكلام أن نصف صادراتنا تقريباً تتشكل من موارد طبيعية خالصة البترول الخام والغازالطبيعي وباقي المنتجات البترولية،(ربما يعرف البعض الآن لماذا تصمم الحكومة علي بيع هذه السلع حالياً باعتبارها احد أهم مصادر تغطية كارثة العجز في الميزان التجاري)
وفي الواقع أنا لن أدخل الآن في مناقشة أي مهاترات سياسية حول الموضوع فسأكتفي فقط بعرض باقي الصادرات
الصادرات غير البترولية تشكل 54,1 % بقيمة 11,9 مليار دولار وينقسم الرقم إلي 63,1% سلع تامة التصنيع ، 16,6% سلع نصف مصنعة ، 6,1 % مواد خام
ولنبدأ بالمواد الخام لنجد أنها خضراوات وفواكه وحبوب وقطن وحديد خام (ألم تلاحظوا معي أن هذا أيضاً يدخل في إطار الموارد الطبيعية ، أي أننا نستخرج ونزرع ونبيع وهذا كل شيء حتي الآن)
أما السلع نصف المصنعة فأهمها المنتجات الكيماوية وألومنيوم غير مخلوط والحديد الزهر(معظم هذه الصناعات موجودة في مصر منذ حقبة طويلة وبرغم التطور الحادث فيها فإنه من الغريب أن تبقي صادراتنا علي هذا النحو باستمرار)
وأخيراً تأتي السلع تامة التصنيع وهي(المنتجات الغذائية ،والملابس فضلاً عن شيئين في غاية الأهمية وهما منتجات الحديد والصلب ،والأجهزة والآلات الكهربائية)
ومن هذا كله نستنتج أن صادراتنا في قسم كبير منها قائمة علي البترول والصناعات القائمة عليه والزراعة والصناعات القائمة علي الزراعة(المواد الغذائية والملابس) والباقي إجمالاً هو صناعة الحديد والألومنيوم.




أما الواردات فإن زيادتها بهذا الشكل هو بكل تاكيد مؤشر سلبي وخصوصاً عندما نري تقسيمة الواردات والتي يظهر منها أننا نستورد كل شيء تقريباًمن اللحوم إلي الملابس إلي القمح والذرة والمعادن وقطع الغيار والحاسبات الآلية والخشب وصولاً أيضاً إلي الحديد والمنتجات البترولية (وهذا بالمناسبة يعزي لاننا دولة مصدرة ومستوردة للبترول لأننا نصدر خامات معينة ونستورد منتجات بترولية وخامات أخري،وليس في هذا أي مدلول عن غباء من أي نوع)




ميزان الخدمات
بعد خالص كل عمليات الجمع والطرح نجد ان ميزان الخدمات حقق فائضاً جيداً هو 11,5 مليار دولاربمعدل زيادة 39% أي أنه بمفرده غطي 72 % من العجز في الميزان التجاري وهذا أيضاً شيء جيد
ولكن علينا ملاحظة أنه بعد عمليات الإضافة والطرح فإن الزيادة جاءت أساساً من زيادة الدخل السياحي بمعدل 10,7% ليصل إلي 8 مليار دولار ،وارتفاع متحصلات النقل إلي 6,4 مليار دولار بينها 4,2 مليار دولاز من رسوم المرور في قناة السويس والتي ارتفعت بنسبة 17% لزيادة عدد السفن العابرة والحمولة الصافية



ويتضح لنا إذن أن كل النشاط التجاري والخدمي في مصر بكل ما فيه من صناعة وزراعة ونقل وسياحة، وموارد قناة السويس وآثار الأجداد ينتج عنه عجز مقداره 11,5- 15,8 = عجزاً بمقدار 4,3 مليار دولار
فمن أين يأتي الفائض إذن ؟ يأتي من عاملين آخرين ميزان التحويلات من جانب واحد وميزان العمليات الرأسمالية
ميزان التحويلات من جانب واحد :ارتفع صافي هذا الرقم الذي يشكل التحويلات من الخارج والهبات والمنح مطروحاً منها التحويلات والهبات للخارج بنسبة 27,3% ليصل إلي 7,1 مليار دولار كفائض من ضمنها 6,3 مليار دولار من التحويلات الخاصة بالعاملين المصريين في الخارج.
وهكذا يتضح أن لنا أن هذا الرقم هو رقم أساسي في تخفيض العجز إذ أنه بجمعه يتحول العجز إلي فائض

ميزان العمليات الرأسمالية : وصافي هذا الرقم هو فائض بمقدار 1,1 مليار دولارتقريباً وهذا الرقم بالأساس يرتكز كما أوضحنا علي زيادة الاستثمارات الاجنبية بالداخل وبيع الأوراق المالية المصرية للخارج

من تشريح هذه الارقام يتضح لنا بوضوح ان الفائض الإيجابي بمقدار 5,3 مليار دولار يعتمد أساساً علي تشكيلة أبعد ما تكون عن أداء الدولة العام فهذا الفائض يأتي اساساً من تحويلات المصريين المقيمين بالخارج والاستثمارات الأجنبية في مصر والأوراق المالية المصرية المباعة للأجانب في سوق الاوراق المالية المصرية،ورسوم مرور السفن في قناة السويس ، وعدد السياح الأجانب القادمين إلي مصر،وأخيراً الصادرات المصرية من المواد الخام والموارد الطبيعية ،ولولا هذه التشكيلة التي لا يبدو فيها أثر كبير لإدارة الدولة لأصبحنا أمة من المتسولين.
كما يتضح لنا أيضاً لماذا تظهر الحكومة المصرية دائماً بمظهر مخزي في الدفاع عن حقوق المصريين بالخارج ، لأنها في الواقع تعرف أن أي قرارات انفعالية ستؤثر علي وضعها المهتز سلباً ، وهو الموضوع المكشوف للعالم والذي يعرفه الجميع، هذا برغم ما يتضح لنا من أن هؤلاء يشكلون حجر الأساس الذي يحفظ للاقتصاد المصري ماء وجهه ويحفظون لمصر ما تبقي لها في الاقتصاد العالمي.
ويتضح لنا أيضاً للأسف أن العرب والأجانب المضاربين في البورصة وغيرها يتكفلون بدور كبير أيضاً بدخول أموالهم في المعادلة ، وأن بدونهم أيضاً تنكشف حالة الاقتصاد المصري.
ويتضح لنا أن السياحة الاجنبية هي أيضاً عامل هام للغاية ،وان أي اختلال في موازين السياحة لأسباب عالمية أو محلية سيضر بوضعنا بشدة( الغريب أننا في هذا نعتمد مرة أخري علي الأجانب لتحسين وضع الاقتصاد)
وتأتي رسوم المرور في قناة السويس أيضاً لتوضح مدي ارتكازنا علي مرور الأجانب-للمرة الثالثة- في ممراتنا الملاحية ،وتوضح مدي خطورة تأثر حركة الملاحة بالعوامل الدولية(قراصنة الصومال علي سبيل المثال)
ومن هذا كله فإنه علينا أن نعترف بحقيقتين ،الأولي أنه برغم النجاح النسبي للحكومة والبنك المركزي في استمرار تحقيق فائض في ميزان المدفوعات إلا أن هذا لا يعفي الجميع من المسئولية عن هذا الوضع ،والذي – وإن كانوا ليسوا بالضرورة هم من تسببوا فيه فوضعنا سيء منذ سنوات – ولكنه يعكس غياب الرؤية الشاملة وفشل التخطيط المستقبلي علي المديين المتوسط والطويل.
أما الحقيقة الثانية فهي ما ذكرته في الجزء الأول من حديثي ،وهو ان الشعب المصري عموماً لا يعمل بكفاءة ولا ينتج فلا يمكن لشعب تعداده 80 مليون أن تكون محصلة مجموع كل اعماله الصناعية والتجارية بالسالب، ويقف لينتظرالأجانب أو إخوانه المصريين العاملين بالخارج لإنقاذه.

ثانياً الربع الثاني من الحقيقة:
ولكن وبعد هذا الهجوم تعالوا لنري الجانب الآخر من الصورة والمتمثل في موازنة الدولة
في الواقع فإن مصروفات الموازنة العامة للدولة بلغت 222 مليار جنيه في حين أن إيرادات الموازنة هي فقط 180 مليار جنيه،والسؤال الأول من أين تأتي الإيرادات؟
الإيرادات بالأساس يأتي 114 مليار جنيه منها بنسبة 57 % من العوائد الضريبية ،وحوال 45 مليار جنيه بنسبة 25% من عوائد الملكية (هي ناتج بيع أصول مملوكة للدولة وعمليات الخصخصة ،ورخص مثل رخصة الشركة الثالثة للمحمول،الخ ) ،والباقي من المنح وإيرادات أخري
ومن أين تأتي المصروفات؟
تأتي بشكل أساسي من الانفاق علي الدعم (السلع الأساسية والمحروقات) 54 مليار جنيه بنسبة 24,3% ثم من أجور العاملين بالدولة وتعويضاتهم (حوالي ستة ملايين في الجهاز الإداري للدولة) وهذا الرقم وحده يشكل 52,1 مليار جنيه بنسبة 23,5 %، ثم من خدمة فوائد الدين المحلي والخارجي 47,7 مليار جنيه بنسبة 21,5 %، ثم باقي بنود الموازنة العامة كالدفاع ،وو،الخ أي أنه ببساطة فإن الدعم وأجور العاملين بالدولة وخدمة فوائد الديون تشكل معاً 69,3 % من الموازنة العامة للدولةوإذا أضنا موازنة وزارة الدفاع 17,7 مليار بنسبة 8% تقريباً فإن مجموع هذه البنود الأربعة معاً يصل إلي 77,3 % من الموازنة العامة
فبالله عليكم كيف يمكن لدولة تنفق أكثر من ثلاثة أرباع ميزانيتها في بنود غير انتاجية أو مرتبطة بالانتاج بشكل طفيف أن تحقق طفرة اقتصادية؟ علي أن الأسؤأ من بنود الموازنة هو العجز فيها فمع كل ذلك العجز الكلي في الموازنة (بعد إضافة صافي الحيازة من الأصول)يصل إلي 54,7 مليار جنيه













والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يمكن علاج هذا العجز إذا كانت الإيرادات لن تأتي إلا من طريقين أما زيادة الضرائب ،أو عوائد الملكية؟
الغريب أن هناك اعتراض مستمر علي أي من هذه الخطوات ، حسناً من الممكن علاج العجز بتخفيض المصروفات ، وهذا يعني إما تخفيض الدعم ،أو التخلص من العمالة الضخمة الزائدة في أجهزة الدولة،وعدم تعيين المزيد منهمـ او عدم رفع مرتباتهم بالعلاوات ،أو تخفيض بعض بنود الموازنة كالتعليم (إلغاء المجانية مثلاً ) أو خفض نفقات الرعاية الصحية ،ألخ ،والإجابة أيضاً هي عاصفة من الرفض
إذا رفضنا كل هذه الحلول بشكل قاطع هناك حل واحد إذن الإقتراض من الخارج وإغراق البلد في مزيد من الديون ،وهذه هي المشكلة التي نحن فيها باستمرار .



بعد عرض هذه المشكلة يتضح أنه وبرغم كل اللوم الواقع علي الحكومة وأداءها فإنه من جهة أخري ينبغي أن يكون لدينا تصور عن كيفية سد هذا العجز والذي تسدده الحكومة حالياً بالشكل التالي




إذن من الواضح ان زيادة الدين المحلي ( اقتراض الحكومة من هيئات مصرية) والدين الخارجي (في أضيق الحدود) هو ما تلجأإليه الحكومة حالياً لسد هذا العجز
وعلينا إذن أن نعترف أنه مالم يحدث التحسن العام في الأداء المصرفي والمالي (الحادث حالياً منذ سنوات ) فإن الخيار الوحيد المطروح أمامنا لو عجزت الهيئات والأصول المصرية والإيرادات الضريبية عن السداد هو الاقتراض من الخارج، وبالتالي لا بد أن نقر أن تحسن الأداء المصرفي والبنكي وفائض ميزان المدفوعات ،وزيادة الاحتياطي من العملة الاجنبية وإن كان مسكناً وقتياً للمشاكل لكنه لا يزال يحمي الدولة من مزيد من الاقتراض الخارجي


ثالثاً الربع الثالث من الحقيقة
مادمنا نتحدث عن الديون فلا بد إذن أن نري حقيقة الدين المحلي والخارجي المصري لندرك أين نحن،الدين المحلي( إجمال ديون الحكومة والهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي) هو 637 مليار جنيه بما نسبته 87,1 % من إجمالي الناتج المحلي







ويتضح لنا إذن مرة أخري ضخامة الدين المحلي ،وأهمية قطاع البنوك المملوكة للدولة في تمويل عجز الموازنة
أما الدين الخارجي فنتيجة لزيادة سعر صرف معظم العملات المقترض بها امام الدولار فقد ارتفع بقيمة 0,3 مليار دولار ليصل إلي 29,9 مليار دولار






29- وتلجأ الحكومة إلي تقليل الاقتراض من الخارج لأقل حد ممكن وفقاً لخطتها طويلة الأمد للتخلص من الديون



وبالنظر إلي الدول والجهات الدائنة ومقارنتها بالشركاء التجاريين لمصر يتضح لنا أن غالبية الدول الدائنة هي من أهم الشركاء التجاريين لمصر، مع استثناء الدول العربية إذ أن حجم التجارة البينية بين الدول العربية وبعضها منخفض للغاية ،وبمقارنة عملات الاقتراض نجد أن الدولار الامريكي أهمها نظراً لوجود ديون لجهات غير أمريكية بالدولار الأمريكي






ومن جهة أخري ارتفع احتياطي العملات الأجنبية بنسبة 24,5% ليصل إلي 28,6 مليار دولار



الربع الرابع من الحقيقة:
32- إجمالاً أريد أن أعرض هنا معدلات التضخم وخصوصاً التضخم في أسعار السلع الغذائية مكتفياً بالصور التالية




وبعد،فهذا عرض شبه كامل وملخص لوضع الاقتصاد المصري ، وقد فضلت أن أوضح هذه الاكان الأربعة للحقيقة لبيان لماذا يري البعض النصف الملآن من الكوب ويهلل فرحاً،ولماذا يري آخرون النصف الفارغ ويصيح غضباً ، وإن كنت أري كلا الطرفين مبالغاً جداً في موقفه ،وسأترك البدائل المطروحة هذه المرة أيضاً للتفكير بعد عرض هذه المستجدات علي الجميع إضافة إلي النوت السابق

1 comments:

egy anatomist said...

دراسة ممتازة .. نموذج في الكتابة الجادة المفيدة الموضوعية تنم عن عقلية متوازنة محترمة ومخلصة بحق لهذا الوطن.. ودليل هذا الاخلاص هو الجهد المبذول لإنتاج هكذا تحليلات مهمة قيمة بدلا من استسهال اصدار آراء وأحكام مجانية مبتذلة تدور دائما حول كلمات من عينة "البلد المنهوبة" أو "أزهى عصور الديمقراطية".. سلمت يداك وسأحاول أن أبحث عن الجزء الثاني لهذه الدراسة المهمة الكاشفة عن حالة الاقتصاد المصري كما هي وليس كما يتمناها المحلل

لو فقط يقرأ المرء تحليلات مثل هذه في السياسة والاقتصاد وشؤون الاجتماع والثقافة وغيرها بدلا من الاتطباعات الشخصية والتقيؤات السياسية لتقدمت مصر بلا شك خطوات كثيرة وكبيرة للأمام

تحياتي وتقديري