تشرفت بالانضمام لمجموعة من الاصدقاء المؤسسين لحركة 14 فبراير، والتي ترفع شعار "مصر أولا". وقد ظننت في أول الأمر أن مثل هذا التصريح هو أمر بديهي، لا يحتاج إلى حركة أو احتفالية عامة للتعبير عنه، خاصة أننا جميعا مصريون، وأمر طبيعي أن نلتف جميعا حول مبدأ أن مصر تأتي على رأس أولوياتنا كشعب
ولكن.. وآه من لكن
ولكن فوجئت عند بداية اطلاق الدعوة وتأسيس هذه المجموعة على موقع فيسبوك بهجوم عجيب الشأن.. وليس هذا هو المهم، فمن الوارد أن تقابل أي فكرة بالنقد أو الهجوم أو حتى التطاول.. لا يوجد إجماع على شيء في هذه الدنيا، ومن حق أي انسان أي يعترض على أي شيء. المفاجأة بالنسبة لي لم تكن في مبدأ المعارضة أو الهجوم، بل من مصدره.. فقد ذهلت حين وجدت أن أشد الهجوم والتهكم بل والخروج عن الآداب العامة في محاولة الاستهزاء من هذا الشعار "مصر أولا" تأتي من شباب مصري!! مصريون يحملون الجنسية المصرية!
وبعيدا عن تهافت المنطق الذي يتئك عليه هؤلاء في تهجمهم الشرس على مجرد طرح الفكرة، فالمزعج حقا هو ما ينضح به حديثهم وما يحملونه من شحنة من الكراهية تجاه بلدهم الأم! فهل من المعقول أو من الوارد أو من الاخلاقي أن يكون منطق البعض هو بما أن أمي فقيرة أو ضعيفة فأنا لا أدين بالولاء لها؟ وهل من المعقول أن يكون منطق البعض هو وضع مصلحة الجار فوق مصلحة أهل بيته؟
وما الجريمة يا ترى التي يرتكبها من يصرح بحبه لوطنه وأن هذا الوطن هو أعز ما عنده وهو ما يدين له بالولاء ويأتي على رأس أولوياته؟ وما الغريب في أن يقول مواطن مصري "بلدي أولا"؟ وما وجه الاستنكار هنا؟ هل عند أحدهم مشكلة في أن يقول السوداني "السودان أولا" أو أن يقول الماليزي "ماليزيا أولا" أو الفلسطيني "فلسطين أولا"؟ (رغم عدم قيام دولة فلسطينية حتى يومنا هذا، ولكن هذا لا ينفي أن انتماء الفلسطيني هو لأهله وأرضه) لا اعتقد أن تصريح أي مواطن في العالم بأن مصلحة وطنه تأتي أولا يعد شيئا غريبا يستحق الاستنكار أو الاستهزاء أو الشجب. إذن فلماذا ينفرد المصريون دون غيرهم بمثل هذه النظرة المشوهة للانتماء؟
توقفت كثيرا عند تعليقات البعض. وقد جاهدت نفسي للخروج من حالة الصدمة، ثم حالة عدم تصديق ما أرى، ثم حالة القرف والاشمئزاز التي اصابتني من بعض المزايدات الجوفاء التي تغلف كرها شديدا لمصر، لأتجاوز كل ذلك نحو محاولة الوقوف على ما قد يكون السبب وراء هذه الظاهرة الخطيرة
من الواضح أن هناك نوع من الضبابية عند البعض في ادراك معنى الدولة بمفهومها الحديث. فمن المعروف أن العالم القديم لم يعرف الحدود الجغرافية، وفي عصر ما قبل الامبراطوريات كانت القبلية هي المحددة للهوية الفردية وللكيان الذي يدين له الفرد بالولاء. ثم تطور ذلك المفهوم البدائي مع الوقت ومع بزوغ كيانات أكبر تضم الافراد على تنوع اصولهم القبلية أو العرقية، ولكن بقي البشر على مر عصور طويلة يحاولون جاهدين تحديد ملامح محددة لمثل هذا الكيان. لم يكن للأرض أو للشعوب حرمة، فقد كان قانون الغاب هو ما يرسم الخرائط ويقر الواقع السياسي وملكية كل رقعة من الأرض بشعبها وما عليها وما داخلها من ثروات طبيعية وتبعيتها لمن يمتلك القوة. عاش العالم عصر الامبرطوريات المتوسعة والتي تتغير حدودها باستمرار، ومع هذه الهلامية وامكانيات التوسع اللامحدودة، كان لابد على الكيان الأم أن يعزز من هويته وأن يفرق ما بين الشعب المحارب والذي يجني ثمار هذه الغزوات، وبين ما تم ضمه واخضاعه لهذا الكيان. من هنا بزغت فكرة صبغ هذه الاراضي الجديدة وشعوبها بثقافة وهوية المنبع الذي انطلقت منه الامبراطورية التي صار يتبعها. فحطمت حضارات وحوربت عقائد وسالت دماء الشعوب من المدنيين أنهارا لإخضاعهم بالقوة، إن لم ينفع اللين، على تشرب هذه الثقافة الوافدة والتحدث بلغتها والإدانة بالولاء لمركز الامبراطورية التي يتبعونها. فكان القوي يفرض افكاره ولغته ومعتقداته وثقافته وعاداته على الضعيف. وما كان على من يريد الحياة سوى الاستسلام والتأقلم مع الوضع الجديد مهما كان. القوة والقوة وحدها هي التي كانت تحمي الهوية. وكلما توسعت الامبراطورية كلما زادت مظاهر التمسك بالهوية، خاصة في مراكز الامبراطوريات. ولكن مع تطور الانسان ووسائل الانتاج، أدركت الشعوب أن منفعتها الأكبر هي في الاستقرار والرخاء، التي حرمت منه بعضها في السابق بحكم الجغرافيا وشح الطبيعة، فكان من اللازم آنذاك أن تجور على غيرها مستغلة قوتها للحصول على هذه الموارد. أما وقد دخلت البشرية في عصر العلم والتصنيع والتجارة، فقد بدأت الحاجة إلى استخدام القوة في ضم الاراضي تكلف هذه الشعوب تكاليف وتضحيات باهظة، لا توازي ما يستطيعون تحقيقه من منفعة عن طريق الاستقرار والتنمية الداخلية. ومع ذلك فقد شهد العالم جرائم مختلفة في حق الانسانية في هذه الحقبة، فقد كان التوجه نحو هذا "الاستقرار الداخلي" يتم عن طريق نفس المنهج القديم في استغلال موارد وطاقات الغير لبناء رفاهية الشعوب القادرة، وبدلا من الانتقال خارج الحدود، اعتمدت الامبراطوريات الحديثة على اسلوب الاستعمار. فالمستعمرة هي مثل منجم يستخدم لاستخراج الثروات ونقلها عبر البحار إلى المستفيد منها، ويتم تشغيل أهل الارض في هذه المناجم (المستعمرات) لحساب المستعمر، دون حق في الانتفاع بما يكمن داخل الارض، التي هي من املاك المستعمر حتى وان لم ينتقل للاستيطان بها. فتعيش شعوبهم في عز ورخاء هذه الثروات، بينما يبقى أصحابها في فقر وضنك يعانون من الأوبئة، بينما يتداوى المستعمر بالعقاقير التي يستخلصها من نبت ارضهم، ويتخبطون في ظلمات الجهل، بينما شعوب المستعمرين تترقى بما طورته مما نقلوه من عندهم. وخلال كل هذه العصور الامبراطورية والاستعمارية المتعاقبة كان استعباد البشر هو المصدر الاساسي لليد العاملة والعمود الفقري للاقتصاد
وجب هنا أن نتوقف ونتأمل مكاننا كمصريين وتاريخنا وهويتنا المتفردة. فالازمة التي لمستها ويلمسها الكثيرون من ضعف انتماء وتشوش في الرؤية وفي تعريف الذات، هي أزمة هوية بالاساس. الهوية المصرية، رغم ثباتها ورسوخها على مر التاريخ، تتعرض لضربة قاسية تهدد وجودها وتسعى لطمسها وطيها تحت مفاهيم لم يعد لها وجود في عالمنا وفي زمننا الحالي. (ففي عالمنا اليوم هناك كيان سياسي وجغرافي يسمى "الدولة" وهذه الدولة لها حدودها المعترف بها دوليا، وكل دولة هي ذات استقلالية وسيادة ، وفي ظل ذلك يتم التعاون والتبادل التجاري في ظل آليات سوق عالمية لها ضوابط.)
الهوية المصرية هي سند المصريين وضمان ثباتهم ورسوخ جذورهم واستقرارهم على مر العصور. فأنا حين أتأمل نقوش المعابد وتماثيل اجدادي الفراعنة، لا اشعر بغربة، ولا أشعر بالفارق الزمني الهائل الذي يفصل بيني وبينهم. أرى وجوها مألوفة.. أرى وجهي.. واتعرف على وجه جدتي وأمي وأبي وأخي واقاربي واصدقائي. أنا حفيدتهم فعليا وليس كلاما. هم من عمروا نفس هذه الارض من آلاف السنين. ألمس جدران المعابد فاشعر بحرارة اياديهم وهي تنحت هذه الحضارة العظيمة. أتجول في حجرة المومياوات وأشعر أنني في حضرة اجدادي، فهنا يرقد من حافظوا على هذه الارض ليسلموها لي اليوم أمانة في عنقي وفي قلبي وروحي تماما كما كانت وقت حياتهم.
اشعر بالامتنان لأنني استطيع أن أمد يدي لأمسك جذوري بيدي، وأعرف من أكون وأين مكاني في هذا الكون الشاسع، وأين سيكون أولادي وأحفادي وأحفاد أحفادي. كم أنا محظوظة! كم هي عدد الشعوب التي تتمتع بهذه النعمة الغالية؟ وكيف يمكن لمن يستطيع أن يرى تاريخه وماضيه وجذوره وامتداده أن يبلغ به الجحود أن يتنصل من كل ذلك ويقرر أن يمحوه في لحظة غفلة أو ربما غيبوبة عميقة لكي يكون مجرد عابر سبيل، لا أصل له ولا فصل؟
اتفهم كمية الكراهية والحقد التي يحملها أولاد السفاح للابناء الشرعيين. وهو نوع من الحقد الذي من الصعب مداواته، مهما عاملتهم بالعطف والحب والود، ومهما بسطت لهم يدك واظهرت أنك لا تعير اهتماما لهذا العنصر على الاطلاق. فأنت متصالح مع نفسك ومع الآخرين لأنك نشأت تنشئة سليمة وتعرف أصلك وفصلك ولا تعاني من عقدة النقص التي يعاني منها الآخر الحاقد عليك، لذلك فأنت على استعداد لتقبله ومعاملته معاملة الانداد. لكنه بسبب نفسيته العليلة لن يستطيع تجاوز الفارق بينه وبينك، ودائما سيجد الاسباب لكي يكرهك ويجد في ذلك سببا كافيا لكي يحقد عليك ويسعى لتدميرك.
أتفهم مثل هذا الدافع ومثل هذا السخط ومثل هذا الهجوم من هؤلاء. ولكن الكارثة هي ان تجد ابناء بلدك انفسهم يتبعون كل حاقد وكل كاره، ويحطون من انفسهم ومن شأن وطنهم، ويصطنعون التبريرات لمثل هذا السلوك المخزي والشاذ.
لابد لنا من وقفة مع النفس وأن يعي كل منا جيدا أن من ليس له خير في وطنه لا خير له في أي مكان آخر. النبت الشيطاني يتمنى لو انبتت له جذور، فما بالك يا نخل ياعالي تبتر نفسك تاركا مكانك وظلك وشموخك لتضمر وتموت في دولاب بالي؟
وأخيرا، لا أجد خيرا من كلمات صوت مصر الأسمر الأصيل محمد منير لأنهي بها هذا المقال الأليم..
قلب الوطن مجروح لا يحتمل أكتر
ولكن.. وآه من لكن
ولكن فوجئت عند بداية اطلاق الدعوة وتأسيس هذه المجموعة على موقع فيسبوك بهجوم عجيب الشأن.. وليس هذا هو المهم، فمن الوارد أن تقابل أي فكرة بالنقد أو الهجوم أو حتى التطاول.. لا يوجد إجماع على شيء في هذه الدنيا، ومن حق أي انسان أي يعترض على أي شيء. المفاجأة بالنسبة لي لم تكن في مبدأ المعارضة أو الهجوم، بل من مصدره.. فقد ذهلت حين وجدت أن أشد الهجوم والتهكم بل والخروج عن الآداب العامة في محاولة الاستهزاء من هذا الشعار "مصر أولا" تأتي من شباب مصري!! مصريون يحملون الجنسية المصرية!
وبعيدا عن تهافت المنطق الذي يتئك عليه هؤلاء في تهجمهم الشرس على مجرد طرح الفكرة، فالمزعج حقا هو ما ينضح به حديثهم وما يحملونه من شحنة من الكراهية تجاه بلدهم الأم! فهل من المعقول أو من الوارد أو من الاخلاقي أن يكون منطق البعض هو بما أن أمي فقيرة أو ضعيفة فأنا لا أدين بالولاء لها؟ وهل من المعقول أن يكون منطق البعض هو وضع مصلحة الجار فوق مصلحة أهل بيته؟
وما الجريمة يا ترى التي يرتكبها من يصرح بحبه لوطنه وأن هذا الوطن هو أعز ما عنده وهو ما يدين له بالولاء ويأتي على رأس أولوياته؟ وما الغريب في أن يقول مواطن مصري "بلدي أولا"؟ وما وجه الاستنكار هنا؟ هل عند أحدهم مشكلة في أن يقول السوداني "السودان أولا" أو أن يقول الماليزي "ماليزيا أولا" أو الفلسطيني "فلسطين أولا"؟ (رغم عدم قيام دولة فلسطينية حتى يومنا هذا، ولكن هذا لا ينفي أن انتماء الفلسطيني هو لأهله وأرضه) لا اعتقد أن تصريح أي مواطن في العالم بأن مصلحة وطنه تأتي أولا يعد شيئا غريبا يستحق الاستنكار أو الاستهزاء أو الشجب. إذن فلماذا ينفرد المصريون دون غيرهم بمثل هذه النظرة المشوهة للانتماء؟
توقفت كثيرا عند تعليقات البعض. وقد جاهدت نفسي للخروج من حالة الصدمة، ثم حالة عدم تصديق ما أرى، ثم حالة القرف والاشمئزاز التي اصابتني من بعض المزايدات الجوفاء التي تغلف كرها شديدا لمصر، لأتجاوز كل ذلك نحو محاولة الوقوف على ما قد يكون السبب وراء هذه الظاهرة الخطيرة
من الواضح أن هناك نوع من الضبابية عند البعض في ادراك معنى الدولة بمفهومها الحديث. فمن المعروف أن العالم القديم لم يعرف الحدود الجغرافية، وفي عصر ما قبل الامبراطوريات كانت القبلية هي المحددة للهوية الفردية وللكيان الذي يدين له الفرد بالولاء. ثم تطور ذلك المفهوم البدائي مع الوقت ومع بزوغ كيانات أكبر تضم الافراد على تنوع اصولهم القبلية أو العرقية، ولكن بقي البشر على مر عصور طويلة يحاولون جاهدين تحديد ملامح محددة لمثل هذا الكيان. لم يكن للأرض أو للشعوب حرمة، فقد كان قانون الغاب هو ما يرسم الخرائط ويقر الواقع السياسي وملكية كل رقعة من الأرض بشعبها وما عليها وما داخلها من ثروات طبيعية وتبعيتها لمن يمتلك القوة. عاش العالم عصر الامبرطوريات المتوسعة والتي تتغير حدودها باستمرار، ومع هذه الهلامية وامكانيات التوسع اللامحدودة، كان لابد على الكيان الأم أن يعزز من هويته وأن يفرق ما بين الشعب المحارب والذي يجني ثمار هذه الغزوات، وبين ما تم ضمه واخضاعه لهذا الكيان. من هنا بزغت فكرة صبغ هذه الاراضي الجديدة وشعوبها بثقافة وهوية المنبع الذي انطلقت منه الامبراطورية التي صار يتبعها. فحطمت حضارات وحوربت عقائد وسالت دماء الشعوب من المدنيين أنهارا لإخضاعهم بالقوة، إن لم ينفع اللين، على تشرب هذه الثقافة الوافدة والتحدث بلغتها والإدانة بالولاء لمركز الامبراطورية التي يتبعونها. فكان القوي يفرض افكاره ولغته ومعتقداته وثقافته وعاداته على الضعيف. وما كان على من يريد الحياة سوى الاستسلام والتأقلم مع الوضع الجديد مهما كان. القوة والقوة وحدها هي التي كانت تحمي الهوية. وكلما توسعت الامبراطورية كلما زادت مظاهر التمسك بالهوية، خاصة في مراكز الامبراطوريات. ولكن مع تطور الانسان ووسائل الانتاج، أدركت الشعوب أن منفعتها الأكبر هي في الاستقرار والرخاء، التي حرمت منه بعضها في السابق بحكم الجغرافيا وشح الطبيعة، فكان من اللازم آنذاك أن تجور على غيرها مستغلة قوتها للحصول على هذه الموارد. أما وقد دخلت البشرية في عصر العلم والتصنيع والتجارة، فقد بدأت الحاجة إلى استخدام القوة في ضم الاراضي تكلف هذه الشعوب تكاليف وتضحيات باهظة، لا توازي ما يستطيعون تحقيقه من منفعة عن طريق الاستقرار والتنمية الداخلية. ومع ذلك فقد شهد العالم جرائم مختلفة في حق الانسانية في هذه الحقبة، فقد كان التوجه نحو هذا "الاستقرار الداخلي" يتم عن طريق نفس المنهج القديم في استغلال موارد وطاقات الغير لبناء رفاهية الشعوب القادرة، وبدلا من الانتقال خارج الحدود، اعتمدت الامبراطوريات الحديثة على اسلوب الاستعمار. فالمستعمرة هي مثل منجم يستخدم لاستخراج الثروات ونقلها عبر البحار إلى المستفيد منها، ويتم تشغيل أهل الارض في هذه المناجم (المستعمرات) لحساب المستعمر، دون حق في الانتفاع بما يكمن داخل الارض، التي هي من املاك المستعمر حتى وان لم ينتقل للاستيطان بها. فتعيش شعوبهم في عز ورخاء هذه الثروات، بينما يبقى أصحابها في فقر وضنك يعانون من الأوبئة، بينما يتداوى المستعمر بالعقاقير التي يستخلصها من نبت ارضهم، ويتخبطون في ظلمات الجهل، بينما شعوب المستعمرين تترقى بما طورته مما نقلوه من عندهم. وخلال كل هذه العصور الامبراطورية والاستعمارية المتعاقبة كان استعباد البشر هو المصدر الاساسي لليد العاملة والعمود الفقري للاقتصاد
وجب هنا أن نتوقف ونتأمل مكاننا كمصريين وتاريخنا وهويتنا المتفردة. فالازمة التي لمستها ويلمسها الكثيرون من ضعف انتماء وتشوش في الرؤية وفي تعريف الذات، هي أزمة هوية بالاساس. الهوية المصرية، رغم ثباتها ورسوخها على مر التاريخ، تتعرض لضربة قاسية تهدد وجودها وتسعى لطمسها وطيها تحت مفاهيم لم يعد لها وجود في عالمنا وفي زمننا الحالي. (ففي عالمنا اليوم هناك كيان سياسي وجغرافي يسمى "الدولة" وهذه الدولة لها حدودها المعترف بها دوليا، وكل دولة هي ذات استقلالية وسيادة ، وفي ظل ذلك يتم التعاون والتبادل التجاري في ظل آليات سوق عالمية لها ضوابط.)
الهوية المصرية هي سند المصريين وضمان ثباتهم ورسوخ جذورهم واستقرارهم على مر العصور. فأنا حين أتأمل نقوش المعابد وتماثيل اجدادي الفراعنة، لا اشعر بغربة، ولا أشعر بالفارق الزمني الهائل الذي يفصل بيني وبينهم. أرى وجوها مألوفة.. أرى وجهي.. واتعرف على وجه جدتي وأمي وأبي وأخي واقاربي واصدقائي. أنا حفيدتهم فعليا وليس كلاما. هم من عمروا نفس هذه الارض من آلاف السنين. ألمس جدران المعابد فاشعر بحرارة اياديهم وهي تنحت هذه الحضارة العظيمة. أتجول في حجرة المومياوات وأشعر أنني في حضرة اجدادي، فهنا يرقد من حافظوا على هذه الارض ليسلموها لي اليوم أمانة في عنقي وفي قلبي وروحي تماما كما كانت وقت حياتهم.
اشعر بالامتنان لأنني استطيع أن أمد يدي لأمسك جذوري بيدي، وأعرف من أكون وأين مكاني في هذا الكون الشاسع، وأين سيكون أولادي وأحفادي وأحفاد أحفادي. كم أنا محظوظة! كم هي عدد الشعوب التي تتمتع بهذه النعمة الغالية؟ وكيف يمكن لمن يستطيع أن يرى تاريخه وماضيه وجذوره وامتداده أن يبلغ به الجحود أن يتنصل من كل ذلك ويقرر أن يمحوه في لحظة غفلة أو ربما غيبوبة عميقة لكي يكون مجرد عابر سبيل، لا أصل له ولا فصل؟
اتفهم كمية الكراهية والحقد التي يحملها أولاد السفاح للابناء الشرعيين. وهو نوع من الحقد الذي من الصعب مداواته، مهما عاملتهم بالعطف والحب والود، ومهما بسطت لهم يدك واظهرت أنك لا تعير اهتماما لهذا العنصر على الاطلاق. فأنت متصالح مع نفسك ومع الآخرين لأنك نشأت تنشئة سليمة وتعرف أصلك وفصلك ولا تعاني من عقدة النقص التي يعاني منها الآخر الحاقد عليك، لذلك فأنت على استعداد لتقبله ومعاملته معاملة الانداد. لكنه بسبب نفسيته العليلة لن يستطيع تجاوز الفارق بينه وبينك، ودائما سيجد الاسباب لكي يكرهك ويجد في ذلك سببا كافيا لكي يحقد عليك ويسعى لتدميرك.
أتفهم مثل هذا الدافع ومثل هذا السخط ومثل هذا الهجوم من هؤلاء. ولكن الكارثة هي ان تجد ابناء بلدك انفسهم يتبعون كل حاقد وكل كاره، ويحطون من انفسهم ومن شأن وطنهم، ويصطنعون التبريرات لمثل هذا السلوك المخزي والشاذ.
لابد لنا من وقفة مع النفس وأن يعي كل منا جيدا أن من ليس له خير في وطنه لا خير له في أي مكان آخر. النبت الشيطاني يتمنى لو انبتت له جذور، فما بالك يا نخل ياعالي تبتر نفسك تاركا مكانك وظلك وشموخك لتضمر وتموت في دولاب بالي؟
وأخيرا، لا أجد خيرا من كلمات صوت مصر الأسمر الأصيل محمد منير لأنهي بها هذا المقال الأليم..
قلب الوطن مجروح لا يحتمل أكتر
2 comments:
طيب فى اشكالية هنا..فى فرق بين النظام والوطن لو وضحنا النقطة دى اكتر الفكرة كلها هتوضح وهتوصل بسهولة
ما نقدرش ننكر ان مصر من اكبر الدول الطاردة لابنائها خصوصا المبدعين وان الهجرة هى امنية لمعظم الشباب دة واقع مرير لكنة حقيقى وسببة الرئيسى الفساد واعتقد ان الناس اللى عندها غضب وسخط وحاسين بالغربة جوة بلدهم دة ناتج من سوء وفساد النظام ودة مش معناة كرههم لوطنهم بدليل ان امنية كتير من الشباب هى السفر ولما يسافروا بيشتاقوا ويحنوا للوطن اكتر
خلاصة كلامى ان فى فرق بين الوطن والنظام وان النظام الفاسد ننقدة اونغيرة ودة ناتج من حبنا للوطن لكن الوطن زى القدر ما ينفعش نغيرة ولا نكرهة
فانتا العزيزه
الجرح واحد ..
اشعر بأننى لست وحدى فى وجودك و وجود الكثيرين الذين يعلمون ان الهوية المصرية هي السند .. و ان الاختلاف مع النظام لا يعنى كراهية الوطن
مصر هى وطن المصريين و ليست وطن الحاكم
Post a Comment