جسد

15.2.09 |


بقلم نسرين بسيوني


صدر في بيروت العدد الأول من مجلة "جسد" التي، وكما تصفها رئيسة تحريرها السيدة جُمانة حداد، هي مجلة متخصصة في آداب الجسد و علومه و فنونه

من الجميل أن تظهر على الساحة مجلة تتحدث عن الجسد و الجنس بأعتباره فن و أدب و علم، و رغم شكوكي حول أهتمام الرجال و النساء العربيات بقرأة مجلة من هذا النوع و أستقطاع 130$ سنوياً للحصول على أعداد المجلة لأسباب أقتصادية او لأسباب آخرى، إلا أنى متفائلة من الخطوة على المدي البعيد، فربما تظهر مجلات الكترونية من نفس النوع و على نفس درجة الرُقي، فليس من المنطقي أن تظل هذه المنطقة من العالم تستقي معلوماتها و ثقافتها الجنسية من "طبيبك الخاص" و أفلام البورنو

واجهت و ستواجه المجلة سيلاً من الأنتقادات، فمازال هناك شريحة عريضة جدا مصممة على أن الثقافة الجنسية يجب أن تكتب اول صفحة فيها فى ليلة الزفاف و ليس من حق الفتاة خاصة محاولة استكشاف نفسها و أستكشاف الآخر –بشكل علمي و ليس عملى. انا لا احرض على الفجور هنا- انا شخصياً اعتقد ان الأطلاع على كتب التراث العربي التي تحدثت عن ممارسه الحب او الجنس و علومه و فنونه و بعض الترجمات هى كالحصول على كنز من المعلومات -و الأفكار أيضاً- لن تحصل عليه اى فتاة حتى لو عاشرت ألف رجل عربي من رجال هذه الايام

يقول محمد بن أحمد التجاني في كتابه، او دعوني اقول تحفته، "تحفة العروس و متعة النفوس"
"أربع لا يشبعن من أربع: أنثي من ذكر , و أرض من مطر , و أذن من خبر , و عين من نظر "
و يقول:"كل شهوة يعطيها الرجل نفسه فلابد أن يكتسب قلبة بها قسوة إلا الجماع, فأنه يرقق القلب و يصفيه و لهذا كان العلماء و الأنبياء و الحكماء يفعلونه و يأمرون به

بعض العقول المريضة تظن ان الفتاة المثقفة جنسياً بالتأكيد عرفت عشرات الرجال! لا يعرف هؤلاء ان فى تراثنا خلاصة الفائدة و ان الفتاة الذكية المُطلعة يمكنها ان تعرف من كتب التراث و الترجمات و الاهتمام بحكايا الأخريات و الكتب الطبية و الدراسات المتخصصه و كتب الجنس فى الإسلام و غيرها أضعاف ما يمكن ان تعرفه من ممارسة ليله الزفاف الصماء و ما بعدها من ليالي صماء بين أمرأة لا تعلم و رجل "عاوز يخلص نفسه"

الحرية التي كتب بها القدماء مجلداتهم و أشعارهم تجعلنى اندهش كيف لأبناء نفس اللغة و الأرض ان يكونوا بهذا الجهل و التشنج حيال فن الحب\الجنس و معرفته و معاملته على انه "قباحة و قلة أدب"

فنحن نرفض اللوحات الفنية التي تصور اجساد عارية مهما كانت جميلة، و نتبرأ من كتب التراث و الأشعار التي تتحدث عن الجنس، و نستخدم ألفاظ أجنبية حين تجبرنا الظروف على التحدث عن الجنس، رغم ان لغتنا لم تخجل ابداً منه، ورغم انه ليس عيبا ان يكون لدينا قاعده معرفيه محترمه بهذا الخصوص تندمج وقت اللزوم مع التجربة العملية لتثمر "فناً" و ليس مجرد ممارسة. من أين جاءت فكرة أن التعرف على علوم الجنس و فنونه قباحة وقلة أدب؟ و من أين تعلمنا قراءة و معرفة كل ما يختص به في السر؟ و هل لهذا الجهل و التشنج علاقة او يد فيما وصلنا له من انحطاط اخلاقي و عادات مريضة و تحجر و برود بين الأزواج؟ صراحة انا لم أقابل امرأة يشع وجهها نوراً صباحاً و أعتقد والله أعلم ان المرأة السعيدة ليلاً لابد وأن يشع وجهها نوراً صباحاً

يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : لايقع أحد منكم على اهله كما تقع البهيمة. وليكن بينكما رسول (القُبلة و الحديث). صدق عليه الصلاة و السلام

أكاد أجزم ان غالبية الأزواج بهائم. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال مع كل الأسئلة الساذجة العبيطة التي تطالعنى على المواقع الإسلامية و البرامج الإسلامية ومع كل الهطل الذي أسمعه من بنات جيلي و غير جيلي ألا يكونوا سوى –عفواً- بهائم. الأسئلة عن طول و قصر القضيب وحدها يمكن أن تدخل موسوعة جينيس! ولو أضفنا لها أسئلة البنات عن غشاء البكارة التي ستحتاج عمر على عمرك كي تقرأها كلها تجعلك، لو كنت أجنبي تطالع نقاشات و أسئلة العرب، تجعلك تعتقد ان كل رجالهم متفرغون للنظر إلي أعضائهم! ليس لديهم أدني فكرة انه آخر أداة جنسية يمكن أن يستخدموها و أنه يمكنهم ان يسعدو أمرأة و يضيئوا وجهها دون الحاجة اصلا الي أستخدام سلاحهم المقدس طال او قصر

يقول يوسف ليموند في مقاله فى العدد الأول للمجلة:
لعل القذارة، كما عبّر هنري ميللر، لا توجد سوى في الدماغ. في حين لو سمع أحد حكماء الهند القديمة القول بارتباط مفهوم القذارة بالجنس لفغر فاه ولم يفهم، اعتبارا لفلسفتهم الروحية التي نظرت إلى كل أشياء الوجود وحركتها الغريزية كمظهر من مظاهر الروح الكوني (الله) وتجلٍّ له. فالجنس، بحسب رؤيتهم، شيء بريء، طاهر بطبيعته كالحيوانات، هو في جوهره طاقة
لعل أهتمام حكماء الهند القديمة بفنون الجسد يتجلي فى أبهي صوره فى علمهم المُسمى ب"الكاماسوترا
الترجمة الحرفيه لكلمه كاماسوترا هى فن الحب. الكتاب ليس مجرد اوراق و حروف و حبر، الكتاب هو مخطط ذكي لتعريفك على جسدك على إمكاناته و قدراته التي ستصل بك الي حيث لا تدري-و لا أدرى انا أيضاً- ولكنها بالتأكيد ستصل بك الي شئ جميل. يربط الكاماسوترا بشكل كامل بين الجسد و الروح، و يؤكد على حتمية أمتزاجهما في لحظة ممارسة الحب, ببساطة يعطي الكتاب للأمر قيمته و أهميته و ينزع عنه بشكل تام كل ما تربينا عليه من عجائب الصاق التقزز و التأفف به. يشعرنا كم يمكن أن يكون الآخر جميل و يساعدنا على خلق تآلف معه و أحساس بقيمته و جماله يسبق رغبتنا فيه ويفيدها فيما بعد

الكاماسوترا يحرض المرأة على نظافتها الشخصية,على فن الطهي,الموسيقي, الرقص, تنسيق الزهور و ترتيب الأسره, الرسم, التزيين و نظم الشعر، و يربط كل ذلك بالسعادة فى الحب. هل يذكركم ذلك بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم عن البهائم؟ يا تُري كم بهيمة لا تهتم حتى بأبسط قواعد النظافة الشخصية؟

الكاماسوترا علم قائم بذاته ليس هناك عيباً فى الأطلاع عليه بل هي ميزة تمكن قارئه من اكتشاف عوالم أخري حتى لو لم يدخلها، كما أنه يزيد من ثقة الانسان بذاته و بقدراته و يبدد كل الأوهام او الأعتقادات الخاصة بالعجز و قلة القدرات. فالكاماسوترا تثبت ان كل رجل أو أمرأة بغض النظر عن قدراتهم و تكوينهم الجسمانى او مدى تقدمهم في العمر يمكنهم أن يسعدوا فى حياتهم مع الشريك بمائة طريقة. و يجب الأشارة إلى أن قراءة الكتاب تتطلب قدراً كبيرا من الثقافة و الوعي و النهم المعرفي

سأشعر بخيبة أمل كبيرة اذا لم تتناول المجلة كتب التراث و في مقدمتها كتاب الشيخ النفزاوي، ليس فقط لأنه كتاب قيم، بل لأن ما يزيده قيمة هو أن من كتبه هو الشيخ النفزاوي عالم الدين الجليل، حتى يترسخ لدى المتشددين ان الحديث عن الجسد و فنونه ليس محض فجور و أنحلال

يبدأ سيدي الشيخ الامام العلامة النفزاوي رضي الله عنه و رحمه في كتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر
"الحمدلله الذي جعل اللذة الكبري للرجال في النساء و جعلها للنساء في الرجال"
و يقول في أسباب الشهوة
أعلم ان أسباب شهوة الجماع ست, حرارة الصبى-كثرة المنى-التقرب ممن تشتهي-حسن الوجه-بعض الأطعمه-و الملامسة, أما الاشياء التي تقوي على الجماع و تعيين عليه فهي: صحة البدن-فراغ القلب من الهموم-جلاء النفس-كثرة الفرح-و حسن الغذاء-أختلاف الوجوه -الألوان- وكثرة المال

ينبغي هنا أن نذكر أن هناك موقف أخلاقي و فكري أتُخذ تجاه مؤلَف الشيخ النفزاوي، و ذلك لم يكن بسبب محتواه و فكرته، بل لأن البعض رآى فى بعض مواضعه أهانة للمرأة و تفضيل لمتعة الرجل عليها و التقليل من شأنها. ربما تكون هذه الآراء محقة بعض الشئ و لكن يجب ألا يكون هذا داعيا للتقليل من شأن الكتاب و كاتبه او تجاهله و تركه لأتربة النسيان

يجب ألا يلتفت صناع المجلة و محرريها لما سيتعرضوا له من نقد و ينبغي لهم ان يهتموا بتقديم مادة محترمة للقارئ حتى لا تتحول المجلة إلي بورنو رخيص. أتوقع من القائمين على المجلة الكثير من الدقة في اختيار موضع اقدامهم و أرجو ألا تكون هذه المجلة الاخيرة من نوعها بل يتبعها عدد لا بأس به من المجلات المتخصصه فى الادب الايروتيكي و فنون الجسد.


قــــــــــــم و أســـمع الحــمايم * فأنــــــــــــــــــــــــــــها تقــــــــــــول
يا من دنــــــا حــــــــــبــيــبـــه * أنــــــــــهض بلا كـــــــــــــــســـــــل
و أشـــــــــــف الغليل منــــــه * بالضــــــــــــــــــــــــم و القُبــــــــــل
محمد شاكر الكتبي

0 comments: