على قناة إم بي سي أكشن يعرضون برنامجا رائعا , بل أكثر من رائع
..
البرنامج اسمه ( براينياك) أو (المهووس بالعلم) ..هذا البرنامج الساخر يلخص حماقات التجارب العلمية بشكل كوميدي مذهل.. فهو يفترض افتراضات حمقاء , من نوع : ماهي أفضل طريقة لاختبار قميص واق من الرصاص؟؟.. تقوم بتفجيره في شاحنة مليئة بغاز البروبان ..! وما هو مصيرك لو وقفت في طريق رصاصة؟.. في الغالب ستموت ..! واذا نفد منك الماء؟؟.. لاتهدر الأموال على شراء زجاجات المياه المعدنية , فأنت تستطيع تخليقه بضخ غازى الهيدروجين والأكسحين من أنبوتين مضغوطتين في بالونة.. ثم تفجرها لتحصل في النهاية على قطرة ماء..!! ...واختبار النحيل في مواجهة البدين في الظروف الجوية الصعبة: أيهما أكثر تحملا..الخ
معظم هذه التجارب العلمية الخرقاء يقوم بها الدكتور (بن هيد) أو الدكتور (مغفل)..البرنامج يسخر من التجارب العلمية التافهة , التي لا هدف حقيقي منها .. والأبحاث التى ينفق عليها مال كثير ويبذل فيها الوقت والجهد , بالإضافةالى تعذيب المتطوعين , حتى تنتهى هذه التجارب العبيطة باستنتاج عبيط هو الآخر , ولا يساوي الوقت الضائع ولا الجهد المبذول... وكان أظرف تجاربهم: كيف تستطيع فتح خزانة متوسطة الحجم متينة جدا بها مائتي جنيه استرليني؟؟.. فبعد اخضاعها لعده اختبارات ومحاولة فتحها بكل الطرق العنيفة , تستطيع ان تفجرها بقذيفة الدبابة تشالينجر نجمة حرب الكويت , هذه القذيفة ثمنها ثلاثة الاف جنيه , بالطبع الخزينة تنفجر ويحترق معها المبلغ الزهيد الذي لا يساوي استهلاك قذيفة الدبابة تشالنجر..!!!
هذا البرنامج بريطاني , وهو بالمناسبة يدحض الأسطورة التي تقول ببرود الإنجليز وثقل ظلهم , ومن المستحيل ان تتخيل ان الإعلاميون في بريطانيا , حيث توجد قلعة مثل كمبريدج و أكسفورد , يسخرون من العلم والعلماء ... ولكن البرنامج يسخر , وبشكل أكثر من رائع من أشباه العلماء , وأشباه التجارب التي ترتدي ثوب العلم , ويجسد بذكاء وبجدية ظاهرية _هذه الجدية التي تحمل في أعماقها قدرا كبيرا من السخرية_العلم حين يوضع في خدمة الهيافة والسخافة , فللقيام باثبات فرضية مفتكسة حمقاء تقوم بتجربة حمقاء لتصل الى استنتاج اكثر حماقة , لقد خدعت انا شخصيا في الدقائق العشرة الأولى من البرنامج عند مشاهدتي إياه لأول مرة , ظننته بالفعل مجرد برنامج تجارب علمية طريفة آخر , ولكن مع انتباهى لتفاهة المضمون مقارنة بالجدية الرهيبة التي تبدو على وجوه العلماء_الممثلين في عرض التجارب بل والتكاليف العالية والتمويل المحترم للبرنامج , ثم فهمت وانفجرت ضاحكة حين بدأت ألحظ المغزى , عندها اكتشفت الحقيقة ..!!ا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عالم الواقع نحن نلحظ هذا الاستهلاك المبتذل للعلم في الاعلانات التي يلعب فيها العلماء الممثلون دورا كبيرا .. وتجد مشهدا سخيفا يتكرر في كل الأعلانات تقريبا لمجموعة من العلماء الباسمين , المنكبين بهمة على الأبحاث في معمل نظيف وأنيق وفضائي كله زجاج , ويتشاورون بجدية وخطورة بمعاونة الروبوتات , ليخترعوا لنا في النهاية شامبوهات ضد القشرة أو رقاقة بسكويت أو قلم روج أو ماسكارا.. وانت لابد وان تتساءل في اعماقك هل يبدو العلماء الحقيقيون المنكبين على ابحاث المناعة والسرطان بهذا الجمال ويعملون في مراكز أبحاث بهذا التطور؟؟ بالطبع لا , لأن العلماء الحقيقيين الغارقين في ابحاث الايدز والسرطان يعملون ساعات طويلة بلا ابتسامة ولا رحمة لأنفسهم وصحتهم ..وتنضح ملامحهم بالتعاسة والشقاء وقلة الرواتب , لنهم يحملون على أكتافهم المنهكة هموم البشر الكبرى
وفي اعلان برسيل تظهر عبلة كامل على الجمهور الريفي المهلل من الفرحة وهي تقول بابتسامة عريضة : جبتلكم الخبير الألماني معايا علشان يوريكم نظافة برسيل ..! ويظهر معها هابطا في منطاد من السماء (تخيلوا !!) ممثل أشيب وقور بنظارة يحمل سمت العلماء المهيبة .. بالطبع لابد ان يصدق المستهلك أن الاعلان صادق وأن المنتج فعال , فمن المستحيل أن يكون هذا الخواجة الوقور الهابط من السماء كالملاك في منطاد, كذابا , وهي حيلة نفسية قديمة تستخدم تأثير الهالة أو (الهالو ايفيكت) فهذه الشخصيات الوقورة الجميلة من المستحيل أن تكون كذابة ..وبمقتضاها يقع المستهلك فريسة للسلعة , وقد يتبع هذا الكلام صورا جرافيكية جذابة غامضة توضح قوة مسحوق الغسيل على مستوى الذرات , هذه الطريقة تستقطب النخبة المثقفة التي هى بطبيعة الحال القوى الشرائية المستهدفة.. أما الجماهة الريفية فتمثل الجماهير الغفيرة , أو الدهماء بالمعنى الشائع ..ان تأثير الهالة فتاك وفعال...ونحن نرى وزراء ورجال أعمال وكتاب ومحاضرون فارغين من الأعماق ولكنهم يحيطون ما يكتبون أو ما يقولون بهالة العلم المزيفة , وبالتالي فأنت تميل الى تصديق ما يقولون على الفور , لأنهم يجيدون التسويق لأنفسهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما سر هذا الوباء؟
باختصار اقول ان انتشار التعليم المجاني بهذا الشكل العشوائي اصبح نقمة على الجميع , لأن التوسع في التعليم بشكل أفقي واهمال التوسع الرأسي جعل الأولوية للكم على حساب الكيف..صحيح ان كل المصريين قد تعلموا , ولكن هل هنالك أحد يستطيع ان يقول ما قيمة ما تعلموه؟؟ .. في الماضي لم يكن الكثيرون يجيدون القراءة و الكتابة .. ولكن الكل كان يقرأ الكتب الجيدة والأعمال العظيمة طوال الوقت , ولكن انتشار التعليم التافه المسلوق جعل الناس تنتج انتاجا فكريا تافها وبالتالي أصبحت الأجيال تقرأ الكتب التافهة وتتفرج على المسلسلات التافهة طوال الوقت.. هل يستطيع أحد أن يزعم أن طلبة الجامعات يستذكرون من أمهات الكتب ؟؟ بالطبع لا .. كلهم يستذكرون الملخصات التافهة , بعد ذلك نبكي ونلطم ونقول : تدهور مستوى الخريجين
ربما كان سحر التعليم العام يكمن في تدريب عامة الناس كيف يقولون ويكتبون مايريدون من الكلام الفارغ , ولكن بطريقة نظامية تجعلك تشعر بالمصداقية والمعقولية و(الفخامة الفكرية) وأنت تقرأ.. وأي راقصة ساقطة تستطيع أن تصدع رأسك طوال ساعة كاملة بكلام كبير حول (أن الفن رسالة)..ففي عصرنا الحديث تعد القدرة على صياغة الأفكار التافهة والخرقاء بشكل مقنع فنا قائما بذاته , وهو ماتراه في أمريكا بقوة لدرجة أنك تستطيع تأليف كتاب في أي موضوع وعن أي شيء تقريبا وسيحقق مبيعات جبارة , فقط بشرط ان يكون التناول جديدا والهدف محددا , حتى ولو كانت أفكارك محض هراء .. نعم تستطيع ان تؤلف كتابا عن مطعمك المفضل , أو كيفية التغلب على آلام فقدان حيوانك الأليف..فتذهب الى اي من دور النشر الكبيرة , وتعرض الفكرة على المدراء الذين يدرسونها بعناية , واذا وجدوها صالحة للنشر ومبتكرة يأتون بكاتب متخصص ومحترف , هو في الغالب موظف دائم لدى دار النشر ليكتب الكتاب بالنيابة عنك , اذا لم تكن تجيد الكتابة , ويخرجون الغلاف بشكل رائع ويطرحون الكتاب في السوق مع الدعاية المناسبة ليحقق مبيعات جبارة .. والفضل بالطبع لهذا الاختراع الرائع المسمى بعلم التسويق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتمتد مأساة صياغة الكلام الفارغ في صورة مقنعة الى الصحف المليئة بالمقالات لكبار الكتاب_سنا_وبرامج التليفزيون الحكومي التى تقدمها المذيعات المحنطات والغبيات.. فهذه المذيعة هي باختصار بوق السلطة وذيل النظام.. وليت الأمر يقتصر على هذا الحد فالخطير في الموضوع هو أنه يتسرب ببطء , لكن بثقة الى الجامعات
خذ عندك مثلا رسائل دكتوراه الفلسفة بالجامعات المصرية , تجد هذه الآفة اللعينة ,
وهى الولع (بجعلصة) عناوين رساءل الماجستير والدكتوراه بدعوى التحديد والدقة, وكأنه لا يليق بالرسائل المحترمة ان تحمل عنوانا من جملة واحدة مفيدة بسيطة , لكنك تجد تركيبة معقدة طويلة جدا من الكلمات الضخمة الرنانة, حتى ان عنوانا مثل تخليص الابريز في تلخيص باريز يبدو بجوارها مجرد مبتدأ بلا خبر ...فأنت تجد في العنوان تركيبة معقدة طويلة جدا امعانا في التحذلق والافتعال ولإضفاء صيغة تضخيمية تفخيمية على الموضوع بالأضافة الى ادعاء الدقة وتضييق نطاق الهدف الذي تسعى اليه الرسالة , هذه (الجعلصة) أو فلنقل الحذلقة السخيفة في اختيار عناوين الرسائل العلمية هى في الغالب ليس لها قيمة , ربما لأن البرميل الأجوف هو الذي يصدر ضجة أكبر بكثير من البرميل الممتليء ... وهى أيضا ليست ذنب الباحث بالكامل , فهو في أحيان كثيرة ما يكون خائفا ومرتبكا وحائرا , ويعتمد على المشرف في الكثير لأنه لا يدري ماذا يفعل , وهو بالتأكيد يعاني من عدم القدرة على الاختيار بسبب ضعف مكوناته الثقافية , ....هذا الباحث هو طالب الامس الذي يجسد النتيجة الحتمية للنظام التعليمي المتخلف, فهو ظالم ومظلوم معا.. والنتيجة الكثير من الرسائل العلمية الجوفاء الخالية من الأضافة والقيمة رغم أنها تحمل عناوين نخبوية متعالمة مزخرفة , وهو ما تكتشفه ببطء وانت تمضي في قراءة الفصول والأبواب لتجد ان الجبل قد تمخض فولد فأرا...فمن الفقرات المفككة اللامتربطة , الى القص واللزق والتباديل والتوافيق لدرجة التلفيق بين الكتب الأخرى , الى قلة الحواشي وضعفها , الى القفز الى الاستنتاجات المرسلة , الى الصياغة الرديئة والركيكة لأفكار الباحث الشخصية , ناهيك عن الأخطاء النحوية واللغوية الفاضحة...والتي من المستحيل ان تجدها في أيه اكاديمية محترمة في العالم...الى انعدام الشمولية الفكرية , لدرجة أن الرسالة تبدا بافتتاحية جذابة و بمدخل ضخم كبوابة المغارة , لتنتهي باستنتاج تافه أضيق من ثقب الابرة.. وانعدام الشمولية الفكرية كارثة تدفع بالحراك الفكري الى الى هاوية التجزء والتفتت والتقوقع في عوالم ذاتية ضيقة , وبدلا من أن نظر للأمور نظرة كلية شاملة
..نظرة (تؤنسن) الفكر والعلم وتجعله صالحا للتفكر والبحث على مستوى الانسانية كلها, وبدلا من أن نستخدم الفهم الجزئي الي لنصل الى الفهم الكلى..أصبح الباحثون يميلون الى عمل رسائل علمية ذات مواضيع اقليمية تماما ..لدرجة الانغلاق على الذات في زاوية ضيقة قد لا تهم باحثا من مدينة أخرى ولن أقول من دولة أخرى .. وهناك الاتجاه الأخطر : الاتجاه الى (شخصنة) البحث العلمى في مدح وتمجيد اشخاص بعينهم وثيقو الصلة بالباحث , ومازالوا على قيد الحياة , فضلا عن أنهم يافعين ولم يتخط أيهم الستين من العمر ..مما يحول الرسالة العلمية التي من المفروض ان تكون نزيهة ومحايدة , الى مجرد أكليشيه مبتذل وفاسد من النفاق والتزلف والمداهنة والرياء
ولكن كل هذا يتم التغاضي عنه , ربما لأن جامعات حكومتنا السنية تسير ببركة دعاء الوالدين , الذين هم مامي ودادي وأنكل الدكاترة , فا مفيش داعي نعمل شوشرة على المستوى العلمي , يعني هنعمل ايه هنرفدهم ؟ خليهم ياخدوا الدرجة ويخلصوا ويخلصونا..حتى الأستاذ الذي يناقش لا يستطيع ان يرفض الرسالة أو يقرر عدم صلاحيتها , لأن ذلك يعني اهانة المشرف..وكله بيعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يقتصر الكذب الأنيق على الجامعات , بل يتعداه الى النخبة المثقفة التى هى للأسف منقادة نحو الاعجاب بأفكار براقة محدده ...ومن اللافت للنظر في فترة من الفترات ان الكل كان منبهرا بكتاب الوجود والعدم لجان بول سارتر حين احتاجت موضة الوجودية مصر ....ورغم عدم قدرة المصري على اعتناق الفكر الملحد بشكل عام .فقد قاموا بترويج مكثف له وعلى أعلى مستوى...وهو كتاب ضخم ثقيل فكريا من الصعب فهمه من القراءة الأولى ولا حتى الثانية ..ولقد شعرت بإرهاق شديد وانا أحاول ..صحيح هو كتاب ضخم غتيت من الصعب فهمه ولكنه على كل حال ليس مستحيلا... فلأنه معقد الأسلوب والأفكار , يحتاج فهمه والتفاعل معه الى درجة ما من الثقافة والذكاء , ولذلك فإن من يفهمه يشعر بالرضا عن ذكائه ,و بأنه قد توصل الى أعلى مراتب الفكر العليا وبأنه اصبح من النخبة والصفوة المثقفة ...وبالتالي فإنه يميل إلى تبني المواقف والأفكار التى التي بذل مجهودا جبارا في دراستها , فنحن كبشر نميل الى تبني المواقف والمبادئ والأفكار التي نصل الى فهمها بصعوبة , حتى ولو كانت هذه الأفكار مجرد هراء ...لأن ذلك يشعرنا بالتميز والفرح وبروعة الإنجاز... ونبدأ في التعلم كيف نتكلم على طريقة النخبة بافتعال وتعال ...على طريقة (في الواقع) و (في الحقيقة) و(اسمحوا لي أن ابدأ)... الخ الخ الخ
وبينما تجاوز العالم كله موضة الوجودية والتجريد منذ عشرات السنين , مازلنا نحن ندور في فلكها بقوة القصور الذاتي .. كنملة التصقت بقطرة عسل لا تستطيع منها فكاكا..
.هذا غير ظاهرة التصفيق الجماعى على المحاضرات التافهة .. والضحك الجماعي على نكات بائسة في المسرحيات المبتذلة ..فالمتفرج يذهب الي المسرحية محملا بشحنة جاهزة على وشك الانفجار من الضحك ..وهو ما يفسر الايرادات الكبيرة التي تحققها أفلام اللمبي المتخلف.. ومسرحيات عادل امام عديمة المحتوى
و من التجارة بالإلحاد والترويج له من خلال العلم والفلسفة الى التجارة بالدين والترويج له ايضا من خلال العلم .. فالدكتور زغلول النجار الذي كرس حياته لا من أجل علوم الجيولوجيا ليخرج علينا باكتشاف علمي نزهو به أمام العالم كمسلمين , تفرغ للبحث عن العلم في المصحف , وكان ينشر مقالاته في صفحة كاملة بالأهرام كل ثلاثاء وهي مساحة لم يحظ بها لطفي الخولي ولا أحمد عبد المعطي حجازي نفسه , قد أطلق منذ فترة تصريحا يدعو فيه العلماء الى أخذ عينات من الحجر الأسود و مقام ابراهيم لإثبات انهما ليسا من صخور الأرض . وذلك لأن الرسول قال ان الحجر الأسود ومقام ابراهيم ياقوتتان من يواقيت الجنة ..وهذا التصريح قد اثار استياء حتى العلماء والفقهاء الذين قال أحدهم ان المعرفة بهذه المعلومات لا تفيد والجهل بها لا يضر
بالطبع توقفت مقالات زغلزل النجار في الاهرام بعد ان استهلك نفسه , فأفكاره تحمل فناءها فيها , وبعد سلسلة من التصريحات المتعصبة دينيا وبعد ان خاض في أمور لا شأن له بها ...مثل ادعاؤه ان وفاء قسطنطين قتلت ودفنت داخل الدير ..مما اضطر القساوسة الى تكذيب هذا الافتراء و اعلان انها بخير ولكن هى التي قررت الاختفاء خوفا على حياتها من القتل
وفي هذا الصدد , كان من الممكن أن نقول ان مشروع القراءة للجميع مشروع عظيم , لولا ان الذي لاحظه الجميع ان مؤسسة وزارة الثقافة لا تطرح سوى الكتب التي تتفق مع فكر النظام...ليتشبع الناس بها ولا يرون غيرها..فالكتب التي تتحدث مثلا عن الفكر الاشتراكي يستحيل ان تجدها في مكتبة القراءة للجميع , لأن مصر اليوم تعيش أزهى عصور الخصخصة وبيع البلد ....و لذا فهم يسيرون في طرح الكثير من الكتب التي تحمل طابع الموضة ...ولا تؤثر بعمق على فكر المصريين بحيث يفيقون ويثورون ... فالكل يبدو الأن مثلا منهمكين حتى النخاع في قراءة روايات جابرييا جارثيا مركيز ..لماذا؟ لأنه لا يوجد شخص مثقف لا يقرألجابرييل جارثيا مركيز..!! بالتأكيد انا اعتبر ان رواياته عظيمة ولا أقلل أبدا من شأنه...فقط أقول ان الشباب يبدون في الظاهر وثيقوا الصلة بالعلم والثقافة .. بينما هم يسيرون كالقطيع نحو موضوعات معينة بسبب الضغط الاعلامي الذي يزيد من قابلية الناس للانقياد وتصديق الكلام الفارغ..فأنت تجد الكثير في مطبوعات مكتبة الأسرة من كتب ذلك الطاقم من الكتاب عملاء النظام.. الذين يكتبون بانتظام في جريدتى الأهرام والأخبار مقالات طويلة تزينها صورهم بابتساماتهم السمجة..في حين لم أجد كتبا للنقاد المعارضين بقوة ...فالبروباجندا طاحونة كبيرة وغسالة ممتازة لغسيل المخ....
نحن عبيد الإيحاء... وعلم نفس الإيحاء كان يستخدمه ببراعة جوبلز وزير الدعاية في حكومة هتلر ...فقد كانت كل مهمة جوبلز باختصار هى إيهام الشعب الألماني عن طريق مناهج التعليم ووسائل الاعلام من صحف وراديو , بأن حكوم هتلر هي أعظم حكومة في التاريخ , وأن مبادئ الحزب النازي هي أفضل وأعظم مبادئ في التاريخ..وعملية غسيل مخ الشعب الألماني_أو أي جماعة وأى شعب_ عملية سهلة مادام الكذب يتم بإتقان , فقد كان جوبلز يردد دائما : اكذب كذبة كبيرة ولكن بثقة , وكلما كانت كذبتك كبيرة زاد عدد من يصدقونها...!!!!ا
في تجربة علمية _حقيقية هذه المرة_ أجرى بعض العلماء اختبارا ذكيا على مجموعة من المتطوعين , يهدف الى معرفة قوة الايحاء في التأثير في احساسهم بالألم عن طريق صدمات كهربية بسيطة جدا في راحة اليد...وقسموا المتطوعين الى مجموعتين : أعطوا المجموعة الأولى أقراصا تزيد الاحساس بالألم , بينما أعطوا المجموعة الثانية أقراصا تقلل الإحساس بالألم .. بالطبع ما لم يعرفه المتطوعون أن هذه الأقراص هى مجرد أقراص فيتامينات ..!! وبدأ الاختبار .. فوجدوا المجموعة التي ظنت انها تعاطت أقراصا تقلل الاحساس بالألم ساكنة وهادئة الى حد كبير , حتى مع زيادة الفولت المار في يدها , بينما راح أعضاء المجموعة التي ظنت انها تعاطت أقراصا تزيد الأحساس بالألم يقفزون مذعورين متألمين , رغم تساوي مستوي التيار في التجربتين..!!!!!..... اذن فقوة الايحاء تستطيع ان تغير ليس فقط في مفاهيمك , ولكن في احساسك الفيزيائي بالألم أو الحرارة والبرودة ..ولو سافرت اوروبا ورأيت الناس يرتدون الفانلات والشورتات القصيرة في درجة حرارة عشرة سلزيوس سوف تقلدهم وترتدي مثلهم دون ان تشعر بالبرودة بينما في مصر قد ترتدي بلوفرين وجاكتة كالأخرين ..!!!ا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن برنامج الدكتور بون هيد وتجاربه العلمية الغبية أقوى من أي مقال أو اي عمل فني قد يسخر من هذه الظاهرة , ويفضح الهوس العالمي بجعل العلم في خدمة الأكاذيب والهراء وتسويق المنتجات الاستهلاكية حتى ولو لم يكن المستهلك يجتاجها فعلا , فهو في ظاهره جاد للغاية , ولكنه يحمل في ثناياه سخرية بديعة وراقية ورائعة ..لدرجة اني كنت أضجك بصوت مجلجل وانا اشاهده وحدي , بينما الغالب ان الضحك ظاهرة جماعية تستمد قوتها من الأخرين الضاحكين ... ولكن اضحاكي وانا اشاهده وحدي يعني انه قد وصل الي قمة الهرم الابداعي , وقمة الصدق في جذب المشاهدين.. وربما كان يعني أنني قد جننت تماما..انتظر تعليقاتكم... والسلام
..
البرنامج اسمه ( براينياك) أو (المهووس بالعلم) ..هذا البرنامج الساخر يلخص حماقات التجارب العلمية بشكل كوميدي مذهل.. فهو يفترض افتراضات حمقاء , من نوع : ماهي أفضل طريقة لاختبار قميص واق من الرصاص؟؟.. تقوم بتفجيره في شاحنة مليئة بغاز البروبان ..! وما هو مصيرك لو وقفت في طريق رصاصة؟.. في الغالب ستموت ..! واذا نفد منك الماء؟؟.. لاتهدر الأموال على شراء زجاجات المياه المعدنية , فأنت تستطيع تخليقه بضخ غازى الهيدروجين والأكسحين من أنبوتين مضغوطتين في بالونة.. ثم تفجرها لتحصل في النهاية على قطرة ماء..!! ...واختبار النحيل في مواجهة البدين في الظروف الجوية الصعبة: أيهما أكثر تحملا..الخ
معظم هذه التجارب العلمية الخرقاء يقوم بها الدكتور (بن هيد) أو الدكتور (مغفل)..البرنامج يسخر من التجارب العلمية التافهة , التي لا هدف حقيقي منها .. والأبحاث التى ينفق عليها مال كثير ويبذل فيها الوقت والجهد , بالإضافةالى تعذيب المتطوعين , حتى تنتهى هذه التجارب العبيطة باستنتاج عبيط هو الآخر , ولا يساوي الوقت الضائع ولا الجهد المبذول... وكان أظرف تجاربهم: كيف تستطيع فتح خزانة متوسطة الحجم متينة جدا بها مائتي جنيه استرليني؟؟.. فبعد اخضاعها لعده اختبارات ومحاولة فتحها بكل الطرق العنيفة , تستطيع ان تفجرها بقذيفة الدبابة تشالينجر نجمة حرب الكويت , هذه القذيفة ثمنها ثلاثة الاف جنيه , بالطبع الخزينة تنفجر ويحترق معها المبلغ الزهيد الذي لا يساوي استهلاك قذيفة الدبابة تشالنجر..!!!
هذا البرنامج بريطاني , وهو بالمناسبة يدحض الأسطورة التي تقول ببرود الإنجليز وثقل ظلهم , ومن المستحيل ان تتخيل ان الإعلاميون في بريطانيا , حيث توجد قلعة مثل كمبريدج و أكسفورد , يسخرون من العلم والعلماء ... ولكن البرنامج يسخر , وبشكل أكثر من رائع من أشباه العلماء , وأشباه التجارب التي ترتدي ثوب العلم , ويجسد بذكاء وبجدية ظاهرية _هذه الجدية التي تحمل في أعماقها قدرا كبيرا من السخرية_العلم حين يوضع في خدمة الهيافة والسخافة , فللقيام باثبات فرضية مفتكسة حمقاء تقوم بتجربة حمقاء لتصل الى استنتاج اكثر حماقة , لقد خدعت انا شخصيا في الدقائق العشرة الأولى من البرنامج عند مشاهدتي إياه لأول مرة , ظننته بالفعل مجرد برنامج تجارب علمية طريفة آخر , ولكن مع انتباهى لتفاهة المضمون مقارنة بالجدية الرهيبة التي تبدو على وجوه العلماء_الممثلين في عرض التجارب بل والتكاليف العالية والتمويل المحترم للبرنامج , ثم فهمت وانفجرت ضاحكة حين بدأت ألحظ المغزى , عندها اكتشفت الحقيقة ..!!ا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عالم الواقع نحن نلحظ هذا الاستهلاك المبتذل للعلم في الاعلانات التي يلعب فيها العلماء الممثلون دورا كبيرا .. وتجد مشهدا سخيفا يتكرر في كل الأعلانات تقريبا لمجموعة من العلماء الباسمين , المنكبين بهمة على الأبحاث في معمل نظيف وأنيق وفضائي كله زجاج , ويتشاورون بجدية وخطورة بمعاونة الروبوتات , ليخترعوا لنا في النهاية شامبوهات ضد القشرة أو رقاقة بسكويت أو قلم روج أو ماسكارا.. وانت لابد وان تتساءل في اعماقك هل يبدو العلماء الحقيقيون المنكبين على ابحاث المناعة والسرطان بهذا الجمال ويعملون في مراكز أبحاث بهذا التطور؟؟ بالطبع لا , لأن العلماء الحقيقيين الغارقين في ابحاث الايدز والسرطان يعملون ساعات طويلة بلا ابتسامة ولا رحمة لأنفسهم وصحتهم ..وتنضح ملامحهم بالتعاسة والشقاء وقلة الرواتب , لنهم يحملون على أكتافهم المنهكة هموم البشر الكبرى
وفي اعلان برسيل تظهر عبلة كامل على الجمهور الريفي المهلل من الفرحة وهي تقول بابتسامة عريضة : جبتلكم الخبير الألماني معايا علشان يوريكم نظافة برسيل ..! ويظهر معها هابطا في منطاد من السماء (تخيلوا !!) ممثل أشيب وقور بنظارة يحمل سمت العلماء المهيبة .. بالطبع لابد ان يصدق المستهلك أن الاعلان صادق وأن المنتج فعال , فمن المستحيل أن يكون هذا الخواجة الوقور الهابط من السماء كالملاك في منطاد, كذابا , وهي حيلة نفسية قديمة تستخدم تأثير الهالة أو (الهالو ايفيكت) فهذه الشخصيات الوقورة الجميلة من المستحيل أن تكون كذابة ..وبمقتضاها يقع المستهلك فريسة للسلعة , وقد يتبع هذا الكلام صورا جرافيكية جذابة غامضة توضح قوة مسحوق الغسيل على مستوى الذرات , هذه الطريقة تستقطب النخبة المثقفة التي هى بطبيعة الحال القوى الشرائية المستهدفة.. أما الجماهة الريفية فتمثل الجماهير الغفيرة , أو الدهماء بالمعنى الشائع ..ان تأثير الهالة فتاك وفعال...ونحن نرى وزراء ورجال أعمال وكتاب ومحاضرون فارغين من الأعماق ولكنهم يحيطون ما يكتبون أو ما يقولون بهالة العلم المزيفة , وبالتالي فأنت تميل الى تصديق ما يقولون على الفور , لأنهم يجيدون التسويق لأنفسهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما سر هذا الوباء؟
باختصار اقول ان انتشار التعليم المجاني بهذا الشكل العشوائي اصبح نقمة على الجميع , لأن التوسع في التعليم بشكل أفقي واهمال التوسع الرأسي جعل الأولوية للكم على حساب الكيف..صحيح ان كل المصريين قد تعلموا , ولكن هل هنالك أحد يستطيع ان يقول ما قيمة ما تعلموه؟؟ .. في الماضي لم يكن الكثيرون يجيدون القراءة و الكتابة .. ولكن الكل كان يقرأ الكتب الجيدة والأعمال العظيمة طوال الوقت , ولكن انتشار التعليم التافه المسلوق جعل الناس تنتج انتاجا فكريا تافها وبالتالي أصبحت الأجيال تقرأ الكتب التافهة وتتفرج على المسلسلات التافهة طوال الوقت.. هل يستطيع أحد أن يزعم أن طلبة الجامعات يستذكرون من أمهات الكتب ؟؟ بالطبع لا .. كلهم يستذكرون الملخصات التافهة , بعد ذلك نبكي ونلطم ونقول : تدهور مستوى الخريجين
ربما كان سحر التعليم العام يكمن في تدريب عامة الناس كيف يقولون ويكتبون مايريدون من الكلام الفارغ , ولكن بطريقة نظامية تجعلك تشعر بالمصداقية والمعقولية و(الفخامة الفكرية) وأنت تقرأ.. وأي راقصة ساقطة تستطيع أن تصدع رأسك طوال ساعة كاملة بكلام كبير حول (أن الفن رسالة)..ففي عصرنا الحديث تعد القدرة على صياغة الأفكار التافهة والخرقاء بشكل مقنع فنا قائما بذاته , وهو ماتراه في أمريكا بقوة لدرجة أنك تستطيع تأليف كتاب في أي موضوع وعن أي شيء تقريبا وسيحقق مبيعات جبارة , فقط بشرط ان يكون التناول جديدا والهدف محددا , حتى ولو كانت أفكارك محض هراء .. نعم تستطيع ان تؤلف كتابا عن مطعمك المفضل , أو كيفية التغلب على آلام فقدان حيوانك الأليف..فتذهب الى اي من دور النشر الكبيرة , وتعرض الفكرة على المدراء الذين يدرسونها بعناية , واذا وجدوها صالحة للنشر ومبتكرة يأتون بكاتب متخصص ومحترف , هو في الغالب موظف دائم لدى دار النشر ليكتب الكتاب بالنيابة عنك , اذا لم تكن تجيد الكتابة , ويخرجون الغلاف بشكل رائع ويطرحون الكتاب في السوق مع الدعاية المناسبة ليحقق مبيعات جبارة .. والفضل بالطبع لهذا الاختراع الرائع المسمى بعلم التسويق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتمتد مأساة صياغة الكلام الفارغ في صورة مقنعة الى الصحف المليئة بالمقالات لكبار الكتاب_سنا_وبرامج التليفزيون الحكومي التى تقدمها المذيعات المحنطات والغبيات.. فهذه المذيعة هي باختصار بوق السلطة وذيل النظام.. وليت الأمر يقتصر على هذا الحد فالخطير في الموضوع هو أنه يتسرب ببطء , لكن بثقة الى الجامعات
خذ عندك مثلا رسائل دكتوراه الفلسفة بالجامعات المصرية , تجد هذه الآفة اللعينة ,
وهى الولع (بجعلصة) عناوين رساءل الماجستير والدكتوراه بدعوى التحديد والدقة, وكأنه لا يليق بالرسائل المحترمة ان تحمل عنوانا من جملة واحدة مفيدة بسيطة , لكنك تجد تركيبة معقدة طويلة جدا من الكلمات الضخمة الرنانة, حتى ان عنوانا مثل تخليص الابريز في تلخيص باريز يبدو بجوارها مجرد مبتدأ بلا خبر ...فأنت تجد في العنوان تركيبة معقدة طويلة جدا امعانا في التحذلق والافتعال ولإضفاء صيغة تضخيمية تفخيمية على الموضوع بالأضافة الى ادعاء الدقة وتضييق نطاق الهدف الذي تسعى اليه الرسالة , هذه (الجعلصة) أو فلنقل الحذلقة السخيفة في اختيار عناوين الرسائل العلمية هى في الغالب ليس لها قيمة , ربما لأن البرميل الأجوف هو الذي يصدر ضجة أكبر بكثير من البرميل الممتليء ... وهى أيضا ليست ذنب الباحث بالكامل , فهو في أحيان كثيرة ما يكون خائفا ومرتبكا وحائرا , ويعتمد على المشرف في الكثير لأنه لا يدري ماذا يفعل , وهو بالتأكيد يعاني من عدم القدرة على الاختيار بسبب ضعف مكوناته الثقافية , ....هذا الباحث هو طالب الامس الذي يجسد النتيجة الحتمية للنظام التعليمي المتخلف, فهو ظالم ومظلوم معا.. والنتيجة الكثير من الرسائل العلمية الجوفاء الخالية من الأضافة والقيمة رغم أنها تحمل عناوين نخبوية متعالمة مزخرفة , وهو ما تكتشفه ببطء وانت تمضي في قراءة الفصول والأبواب لتجد ان الجبل قد تمخض فولد فأرا...فمن الفقرات المفككة اللامتربطة , الى القص واللزق والتباديل والتوافيق لدرجة التلفيق بين الكتب الأخرى , الى قلة الحواشي وضعفها , الى القفز الى الاستنتاجات المرسلة , الى الصياغة الرديئة والركيكة لأفكار الباحث الشخصية , ناهيك عن الأخطاء النحوية واللغوية الفاضحة...والتي من المستحيل ان تجدها في أيه اكاديمية محترمة في العالم...الى انعدام الشمولية الفكرية , لدرجة أن الرسالة تبدا بافتتاحية جذابة و بمدخل ضخم كبوابة المغارة , لتنتهي باستنتاج تافه أضيق من ثقب الابرة.. وانعدام الشمولية الفكرية كارثة تدفع بالحراك الفكري الى الى هاوية التجزء والتفتت والتقوقع في عوالم ذاتية ضيقة , وبدلا من أن نظر للأمور نظرة كلية شاملة
..نظرة (تؤنسن) الفكر والعلم وتجعله صالحا للتفكر والبحث على مستوى الانسانية كلها, وبدلا من أن نستخدم الفهم الجزئي الي لنصل الى الفهم الكلى..أصبح الباحثون يميلون الى عمل رسائل علمية ذات مواضيع اقليمية تماما ..لدرجة الانغلاق على الذات في زاوية ضيقة قد لا تهم باحثا من مدينة أخرى ولن أقول من دولة أخرى .. وهناك الاتجاه الأخطر : الاتجاه الى (شخصنة) البحث العلمى في مدح وتمجيد اشخاص بعينهم وثيقو الصلة بالباحث , ومازالوا على قيد الحياة , فضلا عن أنهم يافعين ولم يتخط أيهم الستين من العمر ..مما يحول الرسالة العلمية التي من المفروض ان تكون نزيهة ومحايدة , الى مجرد أكليشيه مبتذل وفاسد من النفاق والتزلف والمداهنة والرياء
ولكن كل هذا يتم التغاضي عنه , ربما لأن جامعات حكومتنا السنية تسير ببركة دعاء الوالدين , الذين هم مامي ودادي وأنكل الدكاترة , فا مفيش داعي نعمل شوشرة على المستوى العلمي , يعني هنعمل ايه هنرفدهم ؟ خليهم ياخدوا الدرجة ويخلصوا ويخلصونا..حتى الأستاذ الذي يناقش لا يستطيع ان يرفض الرسالة أو يقرر عدم صلاحيتها , لأن ذلك يعني اهانة المشرف..وكله بيعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يقتصر الكذب الأنيق على الجامعات , بل يتعداه الى النخبة المثقفة التى هى للأسف منقادة نحو الاعجاب بأفكار براقة محدده ...ومن اللافت للنظر في فترة من الفترات ان الكل كان منبهرا بكتاب الوجود والعدم لجان بول سارتر حين احتاجت موضة الوجودية مصر ....ورغم عدم قدرة المصري على اعتناق الفكر الملحد بشكل عام .فقد قاموا بترويج مكثف له وعلى أعلى مستوى...وهو كتاب ضخم ثقيل فكريا من الصعب فهمه من القراءة الأولى ولا حتى الثانية ..ولقد شعرت بإرهاق شديد وانا أحاول ..صحيح هو كتاب ضخم غتيت من الصعب فهمه ولكنه على كل حال ليس مستحيلا... فلأنه معقد الأسلوب والأفكار , يحتاج فهمه والتفاعل معه الى درجة ما من الثقافة والذكاء , ولذلك فإن من يفهمه يشعر بالرضا عن ذكائه ,و بأنه قد توصل الى أعلى مراتب الفكر العليا وبأنه اصبح من النخبة والصفوة المثقفة ...وبالتالي فإنه يميل إلى تبني المواقف والأفكار التى التي بذل مجهودا جبارا في دراستها , فنحن كبشر نميل الى تبني المواقف والمبادئ والأفكار التي نصل الى فهمها بصعوبة , حتى ولو كانت هذه الأفكار مجرد هراء ...لأن ذلك يشعرنا بالتميز والفرح وبروعة الإنجاز... ونبدأ في التعلم كيف نتكلم على طريقة النخبة بافتعال وتعال ...على طريقة (في الواقع) و (في الحقيقة) و(اسمحوا لي أن ابدأ)... الخ الخ الخ
وبينما تجاوز العالم كله موضة الوجودية والتجريد منذ عشرات السنين , مازلنا نحن ندور في فلكها بقوة القصور الذاتي .. كنملة التصقت بقطرة عسل لا تستطيع منها فكاكا..
.هذا غير ظاهرة التصفيق الجماعى على المحاضرات التافهة .. والضحك الجماعي على نكات بائسة في المسرحيات المبتذلة ..فالمتفرج يذهب الي المسرحية محملا بشحنة جاهزة على وشك الانفجار من الضحك ..وهو ما يفسر الايرادات الكبيرة التي تحققها أفلام اللمبي المتخلف.. ومسرحيات عادل امام عديمة المحتوى
و من التجارة بالإلحاد والترويج له من خلال العلم والفلسفة الى التجارة بالدين والترويج له ايضا من خلال العلم .. فالدكتور زغلول النجار الذي كرس حياته لا من أجل علوم الجيولوجيا ليخرج علينا باكتشاف علمي نزهو به أمام العالم كمسلمين , تفرغ للبحث عن العلم في المصحف , وكان ينشر مقالاته في صفحة كاملة بالأهرام كل ثلاثاء وهي مساحة لم يحظ بها لطفي الخولي ولا أحمد عبد المعطي حجازي نفسه , قد أطلق منذ فترة تصريحا يدعو فيه العلماء الى أخذ عينات من الحجر الأسود و مقام ابراهيم لإثبات انهما ليسا من صخور الأرض . وذلك لأن الرسول قال ان الحجر الأسود ومقام ابراهيم ياقوتتان من يواقيت الجنة ..وهذا التصريح قد اثار استياء حتى العلماء والفقهاء الذين قال أحدهم ان المعرفة بهذه المعلومات لا تفيد والجهل بها لا يضر
بالطبع توقفت مقالات زغلزل النجار في الاهرام بعد ان استهلك نفسه , فأفكاره تحمل فناءها فيها , وبعد سلسلة من التصريحات المتعصبة دينيا وبعد ان خاض في أمور لا شأن له بها ...مثل ادعاؤه ان وفاء قسطنطين قتلت ودفنت داخل الدير ..مما اضطر القساوسة الى تكذيب هذا الافتراء و اعلان انها بخير ولكن هى التي قررت الاختفاء خوفا على حياتها من القتل
وفي هذا الصدد , كان من الممكن أن نقول ان مشروع القراءة للجميع مشروع عظيم , لولا ان الذي لاحظه الجميع ان مؤسسة وزارة الثقافة لا تطرح سوى الكتب التي تتفق مع فكر النظام...ليتشبع الناس بها ولا يرون غيرها..فالكتب التي تتحدث مثلا عن الفكر الاشتراكي يستحيل ان تجدها في مكتبة القراءة للجميع , لأن مصر اليوم تعيش أزهى عصور الخصخصة وبيع البلد ....و لذا فهم يسيرون في طرح الكثير من الكتب التي تحمل طابع الموضة ...ولا تؤثر بعمق على فكر المصريين بحيث يفيقون ويثورون ... فالكل يبدو الأن مثلا منهمكين حتى النخاع في قراءة روايات جابرييا جارثيا مركيز ..لماذا؟ لأنه لا يوجد شخص مثقف لا يقرألجابرييل جارثيا مركيز..!! بالتأكيد انا اعتبر ان رواياته عظيمة ولا أقلل أبدا من شأنه...فقط أقول ان الشباب يبدون في الظاهر وثيقوا الصلة بالعلم والثقافة .. بينما هم يسيرون كالقطيع نحو موضوعات معينة بسبب الضغط الاعلامي الذي يزيد من قابلية الناس للانقياد وتصديق الكلام الفارغ..فأنت تجد الكثير في مطبوعات مكتبة الأسرة من كتب ذلك الطاقم من الكتاب عملاء النظام.. الذين يكتبون بانتظام في جريدتى الأهرام والأخبار مقالات طويلة تزينها صورهم بابتساماتهم السمجة..في حين لم أجد كتبا للنقاد المعارضين بقوة ...فالبروباجندا طاحونة كبيرة وغسالة ممتازة لغسيل المخ....
نحن عبيد الإيحاء... وعلم نفس الإيحاء كان يستخدمه ببراعة جوبلز وزير الدعاية في حكومة هتلر ...فقد كانت كل مهمة جوبلز باختصار هى إيهام الشعب الألماني عن طريق مناهج التعليم ووسائل الاعلام من صحف وراديو , بأن حكوم هتلر هي أعظم حكومة في التاريخ , وأن مبادئ الحزب النازي هي أفضل وأعظم مبادئ في التاريخ..وعملية غسيل مخ الشعب الألماني_أو أي جماعة وأى شعب_ عملية سهلة مادام الكذب يتم بإتقان , فقد كان جوبلز يردد دائما : اكذب كذبة كبيرة ولكن بثقة , وكلما كانت كذبتك كبيرة زاد عدد من يصدقونها...!!!!ا
في تجربة علمية _حقيقية هذه المرة_ أجرى بعض العلماء اختبارا ذكيا على مجموعة من المتطوعين , يهدف الى معرفة قوة الايحاء في التأثير في احساسهم بالألم عن طريق صدمات كهربية بسيطة جدا في راحة اليد...وقسموا المتطوعين الى مجموعتين : أعطوا المجموعة الأولى أقراصا تزيد الاحساس بالألم , بينما أعطوا المجموعة الثانية أقراصا تقلل الإحساس بالألم .. بالطبع ما لم يعرفه المتطوعون أن هذه الأقراص هى مجرد أقراص فيتامينات ..!! وبدأ الاختبار .. فوجدوا المجموعة التي ظنت انها تعاطت أقراصا تقلل الاحساس بالألم ساكنة وهادئة الى حد كبير , حتى مع زيادة الفولت المار في يدها , بينما راح أعضاء المجموعة التي ظنت انها تعاطت أقراصا تزيد الأحساس بالألم يقفزون مذعورين متألمين , رغم تساوي مستوي التيار في التجربتين..!!!!!..... اذن فقوة الايحاء تستطيع ان تغير ليس فقط في مفاهيمك , ولكن في احساسك الفيزيائي بالألم أو الحرارة والبرودة ..ولو سافرت اوروبا ورأيت الناس يرتدون الفانلات والشورتات القصيرة في درجة حرارة عشرة سلزيوس سوف تقلدهم وترتدي مثلهم دون ان تشعر بالبرودة بينما في مصر قد ترتدي بلوفرين وجاكتة كالأخرين ..!!!ا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن برنامج الدكتور بون هيد وتجاربه العلمية الغبية أقوى من أي مقال أو اي عمل فني قد يسخر من هذه الظاهرة , ويفضح الهوس العالمي بجعل العلم في خدمة الأكاذيب والهراء وتسويق المنتجات الاستهلاكية حتى ولو لم يكن المستهلك يجتاجها فعلا , فهو في ظاهره جاد للغاية , ولكنه يحمل في ثناياه سخرية بديعة وراقية ورائعة ..لدرجة اني كنت أضجك بصوت مجلجل وانا اشاهده وحدي , بينما الغالب ان الضحك ظاهرة جماعية تستمد قوتها من الأخرين الضاحكين ... ولكن اضحاكي وانا اشاهده وحدي يعني انه قد وصل الي قمة الهرم الابداعي , وقمة الصدق في جذب المشاهدين.. وربما كان يعني أنني قد جننت تماما..انتظر تعليقاتكم... والسلام
2 comments:
مقال هايل ما شاء الله....
و لكن, العصر دا عصر التطبيق و ليس عصر العلم...يمكن علشان كدة "أشباه العلماء" هما اللي باينين ف الصورة.
من وجهة نظري اننا لازم نتعلم من الجامعات الأمريكية في موضوع العلم و البحث....
كفاية نبض مثلا علي جامعة زي Berkely و نشوف ازاي شركات الأتصالات الكبري بتمول مشاريع الطلبة النابغين...
هو دا العلم, و يتبعة التطبيق "المجدي"
شكرا للمقالة جدا جدا جدا
مقالك فكرني بكتابات د. جلال امين و خصوصا كتاب "عصر الجماهير الغفيرة" .... دايما الانتاج علي نطاق واسع
"mass production"
بيكون علي حساب الكيف
انا شايف ان ده طبيعي جدا .... لاسف
شكرا علي مقالك
Post a Comment