صدقني..يوماً ما كنت جميلة

9.12.08 |


بقلم نسرين بسيوني


ذاك اليوم أخبرني صديقي السوري انهم يبحثون عن من في مثل سني و خبرتي المهنية في البنك الشهير الذي يعمل به. أبتهجت من منطلق ايماني الشديد بالتطور الطبيعي للحاجة الساقعة و قناعتي بأن -في هذه المرحلة من حياتي- الانتقال من وظيفة الي اخري سيفيدني مهنياً بشكل كبير على المدى الطويل

قمت بالخطوات التقليدية المعروفة فى مثل هذه الحالات من ارسال السيرة الذاتية بأكثر من لغة و غيرها، و بداخلي قناعة اننى اكثر من توقعاتهم وان الوظيفة-بإذن الله- لي , مع وجود احتمالات بأنني لن أُقبل فى الوظيفة المبتغاة، فبالطبع لا شئ مؤكد، و في اى الاحوال انا لست عاطلة عن العمل بل اعمل فى شركة من أكبر الشركات فى البلد التى اقيم بها, اذن لا مشكله يا عزيزي سواء قبلونى او رفضونى، انا مهيئه نفسياً للأمر.

ما لم أكن مهيئه له هو أن يتم رفضي بالوظيفة لأنني "مــصــريــة"! أوبس.. ليه كده يا حنفي الاهانة ديه؟ وماله لما اكون مصرية ولا من الكونغو حتى؟
- يا صديقتي لو كنتى من الكونغو كانوا قبلوكي
-أوبس تانى
-يفضلونها لبنانية, أردنية , كويتية..
-كويتية يا حنفي؟ ماشي
-لكن المصرية مرفوضة فى مجال العمل بالبنوك
-ليه؟؟
-مش عارف

من يومها يا صديقي وانا أبحث فى وجوه المصريات عن المانع -غيرالمهنى- الذي يجعلنا مرفوضين مرفوضين دون حتى المرور على ماكينة "الانترفيو" الشهيرة , وللأمانة وجدت موانع كثيرة. صدقني انا لم اكن ابحث فى وجوههم عن جمال ارستقراطي مميز أكتسبناه من الاتراك الاعزاء، فانا اعلم جيدا ان ما بقي من الاتراك لنا هو بدلة الرقص و المسقعة و صينية الكشك. لم أكن ابحث عن الحقيبة ال"لويس فيتون" أو العطر الفاخر. كل ما كنت ابحث عنه فى وجوهنا -نحن المصريات- هو مسحة من جمال متواضع بسيط و مهنية واناقة مطلوبة لتدخل الراحة و الثقة فى نفس العميل. لم اجد شئ سوى وجوه غبية! نعم أذنيك لم تخطئ السمع.. وجوه غبية.. و ايشاربات مزركشة يظهر من تحتها شعر ملتصق بالوجه ممزوج بالعرق و كنزات ملونة ملونة ملونة. (ما الامر بين المصريات والالوان؟ لا اعلم حقا.ً) إما متشحات بالسواد من قمة رؤوسهن حتى أظافر القدمين، إما ملونين ملونين ومزركشين مزركشين يا ولدي!

تعلم و أعلم إن المظهر بالغ الأهمية في مجال العمل بالبنوك أو غيرها و أعترف إننا -المصريات-- أهملنا مظهرنا سواءا في العمل أو داخل بيوتنا، و لكن هل تعلم أن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على بنات جلدتك من حاقني الشفاه والخدود اللاتي حطمن سقف الجمال وجدرانه؟ فبعد ان كان الصدر المثالي هو "حبتي الخوخ" اصبحنا نتحدث فى البطيخ والكانتلوب و الصواريخ ارض جو! و بعد ان كانت الشفاه النضرة الرقيقة هي مثار فخر لصاحبتهما اصبحت "الشلاضيم" هى السلعة الرائجة.. يا عزيزي لم استطع ان اجاري هذا انا وبنات جلدتي المصريات العزيزات، فنحن -كنا- سعيدات بخوخنا و ليموننا و بطيخنا الطبيعي بدون أي أسمدة او مكسبات طعم. نحن الغارقات فى همومنا، العاملات المجتهدات، من قلنا "لا" فى وجه من قالوا "نعم".. أحم أحم.. اه كنت باقول إيه؟ الحق يا عزيزى على بنات جلدتك من مطربات الفيديو الكليب، من ادخلو الشك والريبة فى عقول و قلوب و"صدور" المصريات فاصبحت كل صبية او سيدة منا تنظر لجسدها ببعض القلق، و بعد رابع كليب لبلدياتك المعدلة فيزيائياً (هيفاء) اصبحت معنوياتنا جميعا فى الحضيض. ولأننا لم نكن متفرغات يوماً لجمالنا و اعتدنا ان نكون جميلات بلوننا الحنطي و اجسادنا المكتنزة المشدودة و بعض الكولونيا دون اى مجهود، فهذه الثورة التي قادها بنات عمك المنفوخات لم نستطع ان نشارك فيها او نحمل لواءها. ورائنا يا صديقي نصف دستة اطفال، فنحن ايضاً لم نحذوا حذو بنات عمك و لم نعتزل انجاب الاطفال

كل ذلك أثر علينا بالتأكيد ولكن الضربة القاضية جاءت من المد الوهابي اللذيذ الذي اضاف علي شوارعنا بعض الاثارة والساسبينس، فلا تتعجب إن شاهدت عشرات من (باتمان) في ميدان رمسيس يتجولون في وضح النهار بكل فخر وثقة واعتزاز, فلم يعد متاحاً لي ان ارتدي فستان امي المستوحى من فيلم "الثلاثة يحبونها"، او حتى ان ارتدي بدلة مهنية رمادية اللون تحتها قميص ابيض عادي. لم يعد متاحاً لي سوي ارتداء السواد او الالوان الالوان الالوان (راجع الفقرة الخامسة). أضف الي اهتزاز الثقه بالنفس(عامل لبناني) مع الزي البدوي (عامل سعودي سلفي وهابي). أضف تدهور الحالة الاقتصادية و زيادة الاعباء على المرأة المصرية (عامل مصري), مع بعض امراض الذكورة التي اصابت رجالنا الاعزاء (عامل مصري برضه). كل هذه العوامل ستجبرك على الاشفاق علينا وعلى حالنا, ثم استرجع فى ذاكرتك ايقونات الجمال و الاناقة فى العالم العربي (فاتن حمامة, مريم فخر الدين، سعاد حسني, مرفت امين ,زبيدة ثروت ,ايمان) و تذكر اننى يوماً ما كنت جميلة، و كنت كحلم صعب المنال، تذكر ان بنات عمك جاءوني كي اعلمهم الفن و الاناقة و اننى كنت اضع نفس العطر الذي تضعه سيلين فى باريس و اليزابيث فى نيويورك و بيوت الازياء العالمية كانت تصدر لي قبل ان تصدر لباقي دول العالم. تذكر انني كنت اتعلم البيانو قبل تعلمى للحساب و ادرس الفرنسية منذ نعومة اظافري. تذكر اننى كنت جميلة قبل ان تعرف نساءك الكعب العالى واننى كنت جميلة لدرجة دفعت بنات لبنان لارتداء "الهوت شورت" و البيكيني فى كل افلامهن كي ينافسوا جمالي وغوايتي ولم يستطيعوا ان يتخطوا كونهم مجرد (فتيات استعراض)

و تذكر اننى ببعض المجهود البسيط سأعود اجمل مما كنت يوماً, الامر فقط يحتاج بعض الارادة و التنوير و صدقني انا لن ابدأ بنزع حواجبي و دقها كالوشم او نفخ شفاهي، بل سأبدأ بتعلم البيانو و الفرنسية و سأقرأ اشعار احمد شوقي. هكذا كنت وهكذا سأكون.
و أيضا فتيات الاستعراض سيبقوا و سيظلوا فتيات استعراض

2 comments:

Hoda said...

لن استطيع ان اخفى انبهارى واعجابى بأسلوبك الراقى المميز الذى جعلك تتفوقين على نفسك يا نسرين بتلك المقاله الرائعه.. طريقة رصدك لتاريخ نساء مصر وتحليلك للاسباب اللى ادت لتفوق بنات الشام والخليجيات على المصريات اكتر من ممتاز .. احييكى بجد على تصويرك وبراعتك فى وصف الاحداث ،واختيارك للموضوعات الهامه فعلاً ودايماً فى تألق يا بنت بلدى يا أجدع ناس

sara said...

v.nice article , nesrine
GO ON , DEAR
yah we r dat gurls dat great gurls
evaaaaaaaaaa....