معضلة منافسة العالم -المعطيات

8.12.08 |


بقلم محمد زكي الشيمي

سأتحدث هذه المرة عن موضوع اقتصادي بحت لارتباطه بمجموعة مفاهيم وطرق أداء سياسية عقيمة .
أحد مشاكلنا في مصر أن غالبية المعارضين ممن يتسلون بقراءة جرائد( انقد ولا تحاول البحث عن حل) يتصورون أن إدارة الدولة هي عملية إدارة جمعية خيرية حيث يتصورون أن هناك خزانة ضخمة من المال يتم تفريقها علي المواطنين بدون سبب،وبدون تفكير في مصدر أموال تلك الخزينة الضخمة التي يتوهمونها.
وهناك آخرون من المؤيدين للحكومة ممن يتسلون بقراءة جرائد (كله زي الفل) يتصورون أن الصورة المثلي لإدارة الدولة هي إدارتها علي طريقة التشكيل العصابي

الحقيقة أن إدارة الدولة دائماً لها هدف وهو رفع مستوي مواطني هذه الدولة في مختلف المجالات ،ولهذا سيكون كلامي التالي مستغرباً عند كثير من المعارضين.
ينتقد كثير من المصريين غلاء الأسعار ويهاجمون باستمرار مجموعة أشياء أصبحت من ثوابت الانتقاد الدائم ، علي رأسها البطالة ، انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، التخوف من إلغاء الدعم ، الدفاع عن مجانية التعليم، ثم يعودون للحديث عن الاقتصاد الوطني،لذلك فأنا أريد فقط أن يناقشني أحد العقلاء في المعضلة التالية.

معطيات المعضلة:
1- شعب لا يعمل إلا أقل القليل من الوقت.
2- عندما يعمل كفاءته الانتاجية منخفضة لانخفاض كفاءته المهنية.
3- لمعرفته بطبيعة وطبيعة باقي أفراد المجتمع يزدري الصناعة الوطنية ويفضل الصناعة الأجنبية.
4- نتيجة لما سبق فهو يستهلك أكثر مما ينتج.
5- ونتيجة لانخفاض قدرته علي التنافس فإنه يلجأ دائماً لأحد حلين فاشلين أما إغلاق سوقه المحلي بدعوي حماية صناعة وطنية غير ناجحة بالقدر الكافي،أو فتح السوق مما يؤدي أن تصبح السلعة الأجنبية أفضل وأرخص من السلعة المحلية.
6- ونتيجة لأنه لا ينتج بكفاءة فإنه لا يجد سوقاً لتصريف منتجاته فيبقي أمام الصناعة الوطنية حلين إما أن تقلل تكاليف الإنتاج بتخفيض جيش العاملين من غير الأكفاء ، أو أن تتضاعف تكاليف الإنتاج عليه فيخسر أكثر وأكثر.
7- فإذا اختار أن يحتفظ بعمالة زائدة جداً بتكاليفها ويخسر تدعمه الدولة من موازنتها التي هي في الأساس مدفوعة من الشعب ككل من خلال الضرائب فلا بد للحكومة أن تخفض نفقاتها في اتجاهات أخري مثل الدعم ،أو مجانية التعليم أو الخدمات الصحية أو أن تزيد مواردها برفع قيمة الضرائب ، وفي الحالتين فالمواطن –نفس المواطن الذي لا يعمل – سيسب و يلعن.
8- وإذا اختار أن يقلل من العمالة غيرالمنتجة تزايد عدد العاطلين وتزايدت الجريمة والانحرافات والأهم من ذلك هو تزايد ضعف انتاجية الدولة.
9- لأجل ذلك كله فقد يصبح زيادة التنافسية ممكناً عن طريق تخفيض أعباء أخري مثل قيمة سعر الفائدة ولكن ستحدث معضلة أخري سأشرحها بعد فاصل اقتصادي قصير.
--------------------------------------------------------------
فاصل اقتصادي
سعر صرف العملة أمام الدولار: يتوهم كثيرون نتيجة للجهل الاقتصادي أن انخفاض قيمة الجنيه أو أي عملة أمام الدولار معناه كارثة ، ولكن هذا غير صحيح وينبغي توضيحه.
لو فرضنا أن الدولار يساوي ستة جنيهات ،وأن سلعة مصرية سعرها داخل مصرهو ستون جنيها ،إذن قيمتها الخارجية بعد إضافة تكاليف النقل والشحن(ولتكن 20% من القيمة المحلية للسلعة)،الخ ستكون مثلاً اثنان وسبعون جنيها أي اثنا عشر دولاراً.
في حين أنذات السلعة أجنبية سعرها في بلدها خمسة عشر دولاراً ،وبعد إضافة كل النفقات الإضافية سيكون سعرها هنا في مصر ثمانية عشر دولاراً أي مائة وثمانية جنيهات.

في هذه الحالة سيصبح سعر السلعة المصرية في مصر ستون جنيها مقابل ذات السلعة الأجنبية بمائة وثمانية جنيهات ويصبح السعر في البلد الأجنبي اثناعشر دولاراً للسلعة المصرية مقابل خمسة عشر للأجنبية ،إذن فهذا يعني أن القدرة علي التنافس لا زالت موجودة
والسؤال هو ماذا سيحدث عندما يرتفع سعر صرف الدولار أمام الجنيه ،وهل سيكون ميزة أم عيباً اقتصاديا والإجابة هي بوضوح

سيبقي سعر السلعة المصرية داخل مصر ستون جنيها مقابل سلعة أجنبية سعرها 18*10 = 180 جنيه ،إذن الاقتصاد المصري سيحقق نجاحاً أكبر داخل أرضه
أما في الخارج فسيصبح سعر المنتج المصري هو ( 60 جنيه + 20 % )/ 10 = 7.2 دولار في حين سعر السلعة الأجنبيةهناك سيبقي خمسة عشر أي أن الانتاج المصري سيكسب قدرة أكبر بكثير علي التنافس.
والسؤال التالي إذن لماذا تزداد الحالة سوءاً كلما انخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار؟ والإجابة ببساطة لأننا لا ننتج أصلاً بل نستورد معظم احتياجاتنا (بما فيها فوانيس رمضان ) وبالتالي فطبيعي لشعب كسول واستهلاكي أنه كلما انخفضت قيمة عملته زادت الأعباء عليه.
ما قصدت أن أقوله هنا إن العيب ليس في انخفاض أو ارتفاع قيمة العملة لأنه علي العكس تماماً مما يتصوره الكثيرون فانخفاضها يكون مفيداً جداً للدول المصدرة ، أما الدول المستوردة فهي التي تعاني الأمرين ، وما أعنيه بوضوح أكثر أن العيب اننا لا ننتج وليس في أي شيء آخر.
---------------------------------------------------
ونعود لموضوعنا في وضع مثل هذا يصبح تخفيض قيمة الفائدة مفيداً ( أعلم أن مجموعة من أنصار الإسلام السياسي سيقفزون الآن فرحاً ويقولوا ألم نقل لكم، وهذا موضوع آخر لو شرحناه لاتضح لهم إلي أي مدي هم في الضياع اقتصادياً)،المهم لماذا سيكون تخفيض سعر الفائدة مفيداً ، لأنه سيخفض جزءاً من قيمة تكلفة العملية الصناعية وبالتالي يزيد قدرة المنتج المصري علي التنافس، ذلك أن تكلفة العمليات الإنتاجية يأتي جزء كبير منها بقروض من البنوك والتي بدورها تلتزم بإعطاء فوائد للمودعين ، وتطلب فوائد أكبر علي القرض من المستثمرين الذين يقومون بعملية التصنيع وبالتالي إذا كانت الفائدة للمودع 12 % مثلاً فإنها الفائدة علي المستثمر ستكون مثلا 20% وبالتالي لا بد أن تكون أرباحه بعد حساب كل التكاليف أكبر من 20 % ليسدد فوائد القرض ثم ليربح بعد ذلك ،وهذه عملية شديدة التعقيد،بعض من لا يفهم في الاقتصاد يتصور أنها ربا ،وو،الخ ولكن هذا ليس صحيحاً كما أنه ليس موضوعنا الآن.
فإذا انخفضت قيمة الفائدة من 12% لقيمة أقل تنخفض القيم الناتجة عنها (فوائد البنك علي المستثمر) وبالتالي يستطيع تخفيض السعر أكثر،كما أن هذا يسد كثيراً من العجز في ميزان المدفوعات،وهو موضوع طويل أيضاً ليس هذا وقت شرحه. ولو انخفض سعر الفائدة سيعترض كثير من المواطنين لأن أحد مصادر دخلهم الرئيسية هي من فوائد أموالهم في البنوك ،وتضغط القوي المعارضة باستمرار لرفض هذا.
==============================================================
بعد عرض المعطيات المتسببة في الحالة الرديئة التي نحن فيها أستطيع أن أقول لكم السيناريوهات المختلفة لحل مشكلة من هذا النوع ، و مميزات وعيوب كل سيناريو ،و بعدها سأشرح تصوري الشخصي للحل،ولكني سأترك هذا للمرة القادمة مكتفياً بعرض المشكلة ،ومنتظراً من كل شخص أن يضع نفسه مكان الحكومة ويقول كيف يحل هذه المعضلة من وجهة نظره

1 comments:

Hypatia said...

يعني مفيش عند الحكومة حد زي حضرتك يعرض سيناريوهات حلول و مشاكلها و مميزاتها
اكيد فيه بس مفيش رغبة فى الحل او فى الاصلاح
مقال مميز جدا و أضافلي كتير
أشكرك