هو المِيْنِيمَم كام؟

13.7.08 |


بقلم سوسن

الكوفي شوب أو القهوة هما تطبيق رجال الأعمال لنظرية "المكان الثالث". النظرية مبنية على أساس أن المدينة المكدسة بأطياف البشر هي بيئة خصبة لانتشار الجريمة و الكراهية و الظلم الاجتماعي، و ذلك لأن هذا التكدس قائم على وحدة المكان فقط و لا يوحد أهل المدينة (ذوي الأصول الريفية عادة) غير المكان دمٌ أو دين أو هوية ثقافية/عشائرية تعمل على حفظ النظام و الأمان

من هنا جاءت فكرة المكان الثالث: مكان محايد يعتبر "مشاعاً" لأهل منطقة معينة، يتردد أهل هذه المنطقة على هذا المكان لكسر حدة الاختلافات بينهم و إيجاد أرض مشتركة تسمح لهم بنشر الألفة و درء العنف و ربما بناء شبكة اجتماعية تُيَسر إيجاد الوظائف و توجيه العارفين بمجال معين للآخرين. لا يتحقق ذلك بمقابلتك لأصدقائك هناك فحسب، و إنما بالتآلف مع وجوه الغرباء الذين يترددون على نفس المكان بانتظام.

كانت هذه هي الوظيفة الكلاسيكية للقهوة و لعب الطاولة على ناصية الشارع حتى أعاد اكتشافها رجال الأعمال الجدد كمشروع مربح "جداً". تغير شكل القهوة فأصبحت كوفي شوب و سمح للمرأة بدخولها بينما بقيت القهوة الكلاسيكية على شكلها و تظل اليوم حكراً على الرجال في معظم الأحيان. على كل حال، لا زالت القهوة أو الكوفي شوب تقوم بوظيفتها كمركز تتفاعل فيه، قارئي، مع أنماط مختلفة من البشر تفيدهم و يفيدوك و تؤثر و تتأثر بهم بمجرد وجودك هناك.

من المفترض أن هذا "المَشاع" يجمعك أنت و صاحبتك و ربما الشلة مع موظفة شئون الطلبة و مع جارك الحاصل على دبلوم لاسلكي. و لكن رجل الأعمال في النهاية يهدف للربح، فكان يجب أن يجد طريقة لمنع هذه "الأشكال" من التطفل عليك أيها الزبون الهاي كلاس حتى يكسب زيارتك كل مرة ترغب فيها في ارتياد أحد المقاهي غربية الهيئة (محاولة فاشلة لإيجاد بديل لكلمة كوفي شوب!).

إيه العمل إيه العمل؟ قالك إنه المينيمم تشارج!!
و ما هذا إلا طريقة من القائمين على المكان لضمان مكسب أدنى من مرتاديه و العمل على تنسيق وجود أبناء الطبقة الاجتماعية و الثقافية المتماثلة فيه، مفهوم مفهوم. لكن الجديد هو السعار التجاري لمديري المقاهي لرفع هذه الإتاوة لأسباب مختلفة: أحياناً نفهم أن التضخم هو السبب، و لكن في أحيان أخرى تــــفـــــاجــأ بزيادة غير متوقعة و غير مفهومة. أشرحها لك أنا لأني عارفة كل حاجة: عادة ما يتم ذلك مع تغيير الإدارة أو مع بداية ربع العام الجديد و الذي يتم فيه تنفيذ سياسات جديدة لإدارة المقهى، منها تحسين صورته كمنتج
better product image لكسب نوع معين من الزبائن أنيق الطلة فَرِط الطلب كريم البقشيش.

و لكن للأسف ينسى المدراء أنهم بذلك يهمشون طبقة محورية و هي الطبقة متوسطة الدخل في سبيل استقطاب مجموعة صغيرة من المستهلكين الأغنياء و أحياناً الأغبياء. قد أكون أتحدث عن تجربة ذاتية بتدويني لهذه الخاطرة: شعرت بالدونية عندما ذهبت لأحد المقاهي غير ذات الخمسة نجوم أنا و أصدقائي، و بأمر القرعة كان دوري للسؤال السخيف "من فضلك، هو المينيمم كام؟" و الحصول على الرد الأسخف من الجارسون "50 جنيه" في نبرة استفزازية و كأن هذا طبيعي و ليس كأن الخمسين جنيهاً قد تكون ثلث مرتبه هو شخصياً!

من المهم التأكيد على أني لا أتحدث عن المقاهي التي تستضيف أبناء تماسيح البلد. إنما تهميش كياني المتواضع و أمثالي، بجانب أصلاً وجود الكثير و الكثير من الكبت و البغضاء من قبل أبناء الطبقات الإجتماعية الأقل حظاً، يعد استثماراً كبيراً في منتج العنف العشوائي. ربي أعلم إلى أي مهلك سوف يأخذنا هذا الإصرار على التمييز الطبقي الكاذب و السذاجة في عدم الالتفات لتبعاته.