مين طفى النور؟

6.5.08 |


بقلم حفصة


في البدء كانت الازياء الدالة على الثقافة الشخصية للمرتدي, بداية من مستواه الاجتماعي الى الثقافي الى المادي, و لكنهم جميعا ينبثقوا من المخزون العريق لكل حضارة نبعت من ارض اصحابها

فلدينا الساري الهندي و الكيمونو الياباني و الشالوار كميز الباكستاني و البنجابي درس (من البنجاب طبعا)، كل هذا يمثل الشرق الاقصى الاسيوي.. ثم لدينا الثوب الملفوف السوداني و اللعباءة الحريرية الرائعة المغربية و القفطان التونسي الجميل و من شمال الجزيرة العربية لدينا الثوب الفلسطيني الرائع بتطريزاته و تميز كل منطقة عن الاخرى, و هناك بالطبع ما يقابله من اثواب جميلة فضفاضة و مشغولة لبنانية كانت او سورية.

و مصر تأتي في شكل الثوب التقليدي ذو الاكمام الواسعة و المزركشات الباهية التي تتوج حلاوة الفستان و بساطته..
من جميلات سيناء لفاتنات الواحات البحرية و سيوة
من بساطة النوبية لانفتاح البحرية الجريئة.

حتى سيدات الجزيرة العربية اشتهرن باثوابهن المزركشة و اللامعة مع ما يحليها من مشغولات فضية و ذهبية توضع على الراس او حول الاعناق أو تلتف حول الساعدين و الرسغين.

و حتى مع تطور الكثير من هذه الحضارات و ارتداء بما يسمى الكاجوال او ما يفترض انه عولمة في الازياء, فرضت كل ثقافة ما يناسبها و تركت كل ما لا يناسبها.. فاصبح العادي ان ترى مصرية و يابانية و هندية يرتدين الجينز و بلوزة و جزمة باليرينا لكن ما تزال هذه مصرية و هذه يابانية و هذه هندية, فكل منهن قد اضافت ما يميزها. بصرف النظر عن كون الشكل و تباين الخلقة حيظهر الفرق, لكن أنا اتكلم عن المظهر الملبسي.

الى ان اتى ما اسميه ب"عولمة الحجاب و النقاب" بين جميع خلق الله، فتم مسح كل ما يميز فتاة عن الاخرى و ظهر ما يجعل الجميع كانهن مشتركات في جيش الرب/قسم الستات، فما هذا؟؟؟

اقول هذا بناءا على واقع مشاهداتي التي تحدث في الشارع القطري الحالي..

المفترض ان الدوحة هي عاصمة من الممكن ان توصف بانها كوزموبوليتانية الهوى, و ذلك لتواجد العديد و العديد من الثقافات و الديانات و الجنسيات المختلفة من اقصى غرب الارض لشرقها و من اعلى شمالها لأبعد جنوبها. فمن الهند و الباكستان و الفلبين و ماليزيا، الى امريكا و اغلب دول اوروبا و كل الدول العربية مجتمعة و تركيا. و من مجاهل افريقيا و اقاصي غابات الامازون لابعد اقاليم الصين و منشوريا مرورا بآسيا الوسطى و كل ما ينتهي ب ستان.. و من الديانات ، فحدث و لا حرج، من اسلامي بفرقه المتباينة الى المسيحية بفروعها المتعددة و اليهودية ايضا للبوذية و الزرداشتية و اللادينية و كل ما يطيب لك من خاطر

قديما وحتى مع انغلاق البلد وقتها كانت نظرة واحدة للشخص الماثل امامك كفيلة لكي تعرف أي جنسية هو او هي. كانت كل جنسية متمسكة بما يبينها من عادات تظهر في الملبس نوعا ما و بعدها في الماكل و المشرب.

الان اتحسر على هذا التميز العالمي التي كانت عليه قطر, و كله بسبب هذه الهوجة في تأسلم الملبس بالنسبة للسيدات و الرجال, لكن كالعادة في السيدات اكثر. اذهب في عدة مشاوير فأرى انني اجلس مع جماعات متخالطة من البشر لكني غيرقادرة على تحديد هوية المرأة الجالسة امامي او جانبي.

اذهب للمستشفى لميعاد مع الدكتور فأرى واحدة مقنعة بنقاب يخفي ملامحها و كل ما تلبسه يدل على توهبن(من وهابي) فكرها، لكن من هي؟؟ لا اعرف. ممكن بالصدفة اعرف انها سودانية ، لكن للاسف تنازلت عن زيها السوداني المشهور بزهاوة ألوانه و لفته الجميلة، او انها باكستانية لكنها هي ايضا تخلت عن زيها الجميل العملي و الانثوي في نفس الوقت، فهو بنطال يتيح لها حرية الحركة و بلوزة طويلة للركبة و كل هذا موشى بتطريزات باهية جميلة و فنون رسومات مبهجة للعين.. لكن لا، حل مكانهم السواد و حلت بدلا منهم العباية الفضفاضة و النقاب الذي يخفي البندي الهندية التي توضع على جبهة الهندية و الباكستانية كرمز للجمال و نوعا من الحلي.

اتمشى في شارع الذي يقع فيه البيت.. من الخلف ارى فتاة مفترض انها محجبة و تلبس جينزا ضيقا جدا و فوقه بدي متفزر عليها و لأن هناك طرحة ، اعتقد انها مصرية او فلسطينية ممن طوروا الحجاب لاقصى حدود التطوير فانتهى بهم الامر اكثر خلاعة من التي لم ترتديه، لكن افاجا بأنها ليست الا هندية او باكستانية على اقل تقدير، فما هذا، اين الهوية الثقافية؟

اذهب لمحل ديكورات منزلية، اتفقد ما على الارفف.. بجانبي جسم ضئيل لا ارى منه الا جانب واحد و لا اهتم بمعرفة نوع الجنسية، لكن من الهيئة الخارجية لجسم صغير متناسق، و بلوزة ظريفة و حجابا انيقا اتوقع انها لبنانية محجبة روشة حبتين، تلتفت فقط لاتفاجأ مرة اخرى انها فلبينية تحجبت وتنازلت عن ملبسها هي الاخرى.

دعونا نتخيل و لو للحظة ماذا سوف يحدث لو ان جميع البشريات قد تنازلن عن زيهن التراثي الجميل, و تنازلن ايضا عن الزي العصري الحديث الملئ بالالوان و الاصناف المتنوعة من موضات متباينة و قصات مختلفة و عالم اخر يتفنن فيه المبدعون.. دعونا نتخيل انه في لحظة غشماء تنازلت كل نساء الارض عن هويتهن الملبسية و ارتدين نفس الزي، ذلك الزي القاتم، الفضفاض غير معلوم الملامح, الزي الموحد غير الناطق باسم أي شخصية، الخافي لجميع الدلالات الانثوية, القابض على ارواح اللابسات في جحيم الصيف و مبرد عليهن في الشتاء و المحتفظ بجميع انواع و صنوفات الروائح, المقبول منها و غير المقبول.

لقد تخيلت، و فوجعت، فماذا عنك يا سليل جميع الحضارات من شرقها و غربها، هل ترضى لحضارتك و تراثك الجميل ان يفنى؟؟