حلفتلها ميت أمين إني ما أعرفش قاسم يمين

1.5.08 |


بقلم فانتازيا


تمر ذكرى محرر المرأة قاسم أمين من سكات. طبعا من سكات, هو حد عارف سي قاسم ده يطلع مين؟ جرب تسأل واحدة طالبة جامعة لذيذة كدة وقولها يا شاطرة إنتي تعرفي قاسم أمين؟ وحسب الطبقة الإجتماعية اللي بتنتمي ليها بقى.. وانت وحظك

يا إما هتفتكرك بتعاكس, وتقولك "قاسم دا مين يادلعدي؟".. يا إما هتقولك "أسمع عنه".. يا إما هتقولك "طبعا, أعرفه". لكن جرب تسألها طب هو عمل إيه ولا كتب إيه, هتسمع أغرب إجابات في الدنيا. مع إن الراجل قصة حياته اتعملت مسلسل تليفزيوني من يادوب كام سنة واتعادت اذاعته كذا مرة

معظم الناس فاكرة إن قاسم أمين الله يرحمه هو اللي قاد حركة تحرير المرأة. مع إن ماكانش فيه لا حركة ولا حاجة إسمها تحرير المرأة من أصله. حتى موضوع حقوق المرأة دا كان يعتبر نكتة وقتها. "هي المرأة ليها حقوق؟ آه, مش قصدك إنها تاكل وتشرب وتلبس يعني؟".. زي اللي مربي عنده كلب لولو كدة. هو دا كان أقصى مفهوم لحقوق المرأة وقتها

مش هأوجع دماغكم بسرد السيرة الذاتية لقاسم أمين. اللي عايز يعرفه يروح يدور على كتبه ويقراها. فأنا مؤمنة أن العلم والمعرفة لا يمكن اكتسابهم عن طريق كبسولات. لكن اللي عايزة أشير إليه هنا هو صعوبة مهمة قاسم أمين في مجتمعه وقتها, اللي كانت فيه الست مافيش فرق بينها وبين الفراخ اللي بتربيها فوق السطوح. ع الأقل الفراخ بتشم الهوا وتشوف الشمس, لكن الستات كان مقفول عليهم ورا ألف باب وألف سور وألف ستار. وكان الفكر السائد هو ان الست دي كل مهمتها في الحياة إنها تخلف وتطبخ وتغسل وتعجن وتخيط.. وخلاص. حتى مفهوم التربية والتنشئة والرعاية للأطفال كان مفهوم ضيق جدا, ينحصر في انهم ياكلوا كويس ويلبسوا لبس مهندم ويناموا على فرشة نضيفة. لكن الست ما كانش لها أي دور في تنشئتهم النفسية أو العلمية. كانت مجرد خدامة ببلاش, وكانت راضية بالوضع ده ومقتنعة ان دا دورها في الحياة اللي ما تقدرش تعمل غيره

الستات زمان ماكانوش بيتعلموا. فقط بنات الطبقة الارستقراطية كانوا بيتعلموا حبة كدة وفي البيت.. يعني يعرفوا يفكوا الخط ويتكلموا كلمتين انجليزي على كلمتين فرنساوي عشان البرستيج وعشان تعجب العائلات الهاي كلاس وتقدر تتجوز واحد صاحب أبعدية أو برنس أو بك. هو دا كان مفهوم تأمين مستقبل البنات وقتها. فتعليمها الأساسي كان كله برضه في فنون الطبخ والخياطة والتريكو والكروشيه. إنما كانت ما تفهمش أي حاجة في العلوم أو الفنون أو الفلسفة أو غيره

قاسم بك أمين, جه في وسط الوضع المهبب ده وراح كاتبلك كتاب تحرير المرأة (1899) وبعديه كتاب المرأة الجديدة (1900). والراجل كل اللي قاله مفاده هو يا ناس ياهوه الست دي انسان وليها حقوق, فحرام تسيبوها جاهلة كدة, علموها ينوبكم فيها ثواب. علموا البنات لغاية الإبتدائية بس وقعدوهم بعد كدة في البيت, بس عشان مستوى غبائهم يقل شوية ويعرفوا يربوا العيال ويتكلموا مع اجوازتهم كلمتين

كان الفرق شاسع ما بين الزوج وزوجته في الوقت ده. ماكانتش العلاقة بينهم ينطبق عليها تعريف العلاقة الزوجية يعني, انما جارية وسيدها. كانت الست ما تقدرش تفهم جوزها بيشتغل إيه ولا بيتكلم في إيه ولا بيقرا عن إيه. لا تعرف يعني إيه سياسة ولا يعني إيه ثقافة ولا يعني إيه مجتمع. فالراجل ماكانش بيربط بينه وبين زوجته غير العلاقة الجنسية والأطفال. إنما مافيش أي تواصل من أي نوع. هو في وادي وهي في وادي تاني خالص. يعني ابنها اللي عنده 8 سنين بيفهم أكتر منها

تخيلوا بقى لما يجي راجل يقول إن البنات يروحوا المدرسة مع الولاد وإن المرأة إنسان كامل ومش مخلوقة أدنى من الرجل, لأ وإيه.. وعندها كرامة لازم الراجل يراعيها! دا كل اللي كان عمكم قاسم عايزه في الدنيا. لكن طبعا بالنسبة للمجتمع وقتها دي كانت كارثة ومصيبة ودعوة للانحلال. الدنيا قامت وهاجت وماجت عليه. خصوصا إن قاسم أمين قال إن اليشمك, اللي هو النقاب الوهابي بتاع دلوقتي, بيعيق المرأة ويخليها تنكفيء على ذاتها وما تقدرش تحس بانسانيتها. فدعى للسفور, اللي هو كشف الوجه, عشان الست تحس ان ليها شخصية وكينونة, مش كائن معلب كدة ماتعرفش واحدة من التانية

فيه كوكبة صغيرة من المفكرين المستنيرين التفوا حوالين قاسم أمين طبعا, ومنهم اللي أيده في كتاباته ومحاضراته. لكن كل ده كان بيتلقاه المجتمع بودن من طين وودن من عجين, والهجوم عليه كان كاسح من الأغلبية, حتى المثقفين منهم قعدوا يشرشحوله في الجرايد وفي موجة من الكتب مخصصة للهجوم على أفكاره
الكتابين اتمنعوا في السلطنة العثمانية كلها وقتها. والرجالة اللي قروهم طبعا استنكروهم ولعنوا الكاتب واللي خلفوه. دا غير رجال الدين اللي كفروه.

أمال تحرير المرأة دا حصل إزاي؟..
اللي حصل إن اللي حرر المرأة المصرية هي المرأة المصرية نفسها

اللي حصل إن كتب قاسم أمين, زي أي كتب متصادرة, بتتسرب وبيحصل عليها اللي عنده فضول معرفي وعايز يطلع عليها. فالستات المتعلمات تعليم قليل اللي بينتموا للطبقة العليا, عرفوا عن الضجة اللي أثارها قاسم أمين وسمعوا عن أفكاره وإنه بيقول إن الست مش معندهاش مخ أو إنها خلقت عاجزة عن التفكير, وإنما الفرق كله بينها وبين الراجل هو التعليم, وإن حالة الأمية والجهل اللي مفروضين على المرأة هما السبب في وضعها الدوني في المجتمع, وممكن جدا إنها تحسن وضعها عن طريق إنها تتعلم

الأفكار دي كانت قنبلة.. أكتشاف علمي مذهل بالنسبة لمنطقة كانت غارقة حتى اذنيها في الجهل والتخلف وقتها. جه عمكم قاسم وقالهم
"المرأة وما أدراك ما المرأة, إنسان مثل الرجل لا تختلف عنه في الأعضاء ووظائفها, ولا في الإحساس ولا في الفكر, ولا في كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان" *

طبعا اللي هاجموه قالوله إيه يا عم ده؟ انت بتخرف؟ انت مش شايف الستات أغبيا إزاي؟ دول ما يعرفوش يروحوا ولا يجوا من غير الرجالة... وشغلوا الاسطوانة اياها بتاعة الست بيجيلها دورة شهرية وبتحمل وترضع وبنيتها الجسمانية ضعيفة وحجم دماغها أصغر, إلخ..

راح شارحلهم سبب الفرق اللي هما شايفينه بين الرجل والمرأة في كتابه التاني
"المرأة في رأي أعظم العلماء وأدقهم بحثا مساوية للرجل في القوى العقلية ... وإنما يظهر للناظر وجود فرق عظيم بينهما في العقل لأن الرجال اشتغلوا أجيالا عديدة بممارسة العلم, فاستنارت عقولهم وتقوت عزيمتهم بالعمل بخلاف النساء, فإنهن حرمن من كل تربية (أي تعليم), فما يشاهد الآن بين الصنفين من الفروق هو صناعي لا طبيعي."**

طاقة نور واتفتحت, بالرغم من كل الأسوار والحصار والمصادرة اللي اتفرضت على فكر هذا الكاتب. ودا دفع فتيات كثيرات للبحث عن كتبه, ومن كانت تقع تحت يديها نسخة من كتب قاسم أمين كانت تمررها لصديقاتها في السر, حتى انطلقت دعوته لتمتد إلى بلدان عربية أخرى. شوفوا عنبرة سلام الخالدي قالت إيه في مذكراتها عن الفترة دي

"لقد قامت القيامة على قاسم أمين ودعوته, واتهم بالزندقة والكفر, حتى لجأ المسؤولون في البلاد العثمانية إلى منع تدوال كتابيه خوفا من تأثيرهما في الجيل الجديد, نساءا ورجالا, الأمر الذي اضطرني إلى قراءته تحت اللحاف وتخبئته في فراشي"***

في ذكرى قاسم أمين السكيتي, لازم كمان نفتكر الستات دول سكيتي. لانهم تجرأوا وأقتحموا عالم ماكانوش يعرفوا عنه حاجة, لمجرد إنهم آمنوا في نفسهم وفي عدل الخالق وفي العلم والثقافة كسلاح فتاك ضد الجهل والتخلف والقهر. ومنهم خرجت عائشة التيمورية, أول من رفعت صوتها منادية بنات جنسها بأن يعملن في سبيل نهضة البلدان العربية والتي أنشأت أول حلقة لدراسة شؤون المرأة في مصر, وكان من أبرز عضواتها صفية زغلول وباحثة البادية وهدى شعراواي, قائدة أقوى حركة نسائية مصرية

إنما يعني الصراحة لما الواحدة بتفتكر التاريخ المشرف دا بتتغم. بدل ما نحتفل ونفتخر ونرفع رأسنا عاليا يا أخواتي, نفتكر واقعنا الحالي ونتوكس ونعرف إن عهد الأستعباد ما مضاش ولا حاجة. إيه الخيبة اللي احنا فيها دي؟ ومين من مصلحته إنه يمسح ذاكرتنا ويمنعنا من الإحتفال برموزنا؟ مين من مصلحته إنه يشوه أحلى حاجات في تاريخنا؟ مين اللي عايز الست ترجع جارية؟ وليه؟ ولمصلحة مين؟

الله يرحمك يا قاسم بك يا أمين. حطيتنا على أول الطريق وخدت المصايب كلها على راسك عشان تعرفنا اننا نقدر واننا في ايدينا اننا نتعلم ونتحرر ونشتغل ونغير حاجات كتير. لكن الكل عايز ينساك دلوقتي عشان احنا مش فاضيين. ورانا ناس كتير عمالين ياكلوا في نافوخنا عشان نمسح كل اللي حققناه بأستيكة. عايزنا نقتنع تاني اننا مخلوقات أقل وان ربنا خلق نص البشر عشان يخدموا النص التاني. والمصيبة انهم بيقولوا نفس الكلام اللي كان بيتقالك من أكتر من 100 سنة! شوفت اللي جرالنا؟ أمانة عليك ما تزعل. ماقالك حلفتلها ميت أمين اني ما أعرفش قاسم يمين! العتب ع الذاكرة يا قاسم بك

________________________

*مذكرات عنبرة سلام الخالدي, جولة في الذكريات بين لبنان وفلسطين, ص 69
**كتاب تحرير المرأة, ص17
***كتاب المرأة الجديدة, ص47