إنهم يسرقون التنمية البشرية

1.4.08 |

بقلم فانتازيا

شيل التيكت, حط التيكت.. كدة.. بكل بساطة

ليا واحدة صاحبتي سافرت الصين. وهي هناك حبت تشتري هدايا للأهل والاصدقاء. لقت محل مكتوب عليه بالانجليزي "لدينا جميع الماركات العالمية". قالت لما نشوف. دخلت المحل لقت ملابس جميلة جدا, رجالي وحريمي وأطفال وشنط وجزم وخلافه.. وكلها فعلا ماركات عالمية.. كريستيان ديور وجافينشي وشانيل وفرساتشي وغيره

المهم نقت شوية حاجات, وفيه قميص رجالي عجبها لونه لكن ماركته ماكنتش معروفة.. ف راحت للبياع وقالتله يا ريت تشوفلي اللون دا في ماركة معروفة. قالها حضرتك تحبي ماركة إيه؟ قالتله أي ماركة مشهورة.. فالانتينو, بوس, أي حاجة.. راح قالها, حاضر من عينيا الاتنين. وراح دقيقة ورجع ومعاه علبة كبيرة مليانة تيكيتس من اللي بتكون متخيطة على قفا القميص, عليها كل الماركات اللي في الدنيا.. وقالها اختاري براحتك.

صاحبتي في الأول افتكرته ما فهمش هي عايزة إيه. راحت عايدة تاني الطلب بتاعها وقالتله أنا عايزة قميص مش ماركة.

الراجل قالها ما أنا عارف.. وراح قال يوريها تطبيق عملي.. جاب تيكت عليه ماركة فالانتينو, وراح بمنتهى البساطة فاكك التيكت اللي على القميص اللي هي اختارته وحط التيكت اللي عليه ماركة فالانتينو.. وقالها أهوه.. القميص اللي انتي عايزاه ماركة فالانتينو..

البنت ذهلت طبعا.. هي أكيد عارفة ان كل اللي في المحل تقليد.. ولا فيه أي حاجة من منتجات الماركات الكبيرة دي.. والسعر مش ممكن طبعا يكون سعر منتج أصلي.. لكن اللي عمله البياع قدامها عملها حالة صدمة ماعرفتش سببها غير بعدين. لأنها اكتشفت ان موضوع الماركة دا هو مجرد تسويق لسلعة واستغلال لرغبة المستهلك الدغف ولعب على نفسية البشر اللي بيحبوا المنظرة وبيهتموا بالمظاهر اللي ع السطح

طب وماله؟.. ما التجار الشطار من حقهم يستخدموا أي طريقة تثبت نجاحها للتسويق لمنتجاتهم.. عندك مثلا الاعلانات اللي كل هدفها اللعب على نفسية المشاهد ودفعه انه يقبل على السلعة المعروضة حتى لو مش محتاجها. إعلانات الفيلات اللي في المنتجعات مثلا! مفيش حد يقدر يشتريها.. لكن الإعلان بيخليك تحس ان المكان دا هو جنة الله في الأرض وإن اللي مش عايش هناك يبقى مش عايش من أساسه.. فتلاقي اللي ممكن يسرق أو يرتشي عشان يجيب تمن السكن في المكان ده. وبعد ما يسكن, يكتشف إنه مكان عادي جدا, وفي حتة مقطوعة, وإن الجناين كانت في الإعلان بس.. والبلكونة اللي بتطل على البحيرة والخضرة كانت تركيب.. وإن العيال اللي زي القمر اللي بتركب عجل في الشوارع ملهمش وجود. وخلاص على كدة.. هما هما الأربع حيطان

وعندك الموجة بتاعة استغلال البنات الحلوين في الاعلانات.. كانت الإعلانات في التمنينات مثلا كلها بنات بترقص وتغني. فاكر إعلان الشمعدان؟ وإعلانات السمنة اللي المفروض اللي تاكل منها يكون وزنها 2 طن.. مش فراشة عمالة ترقص ع الشاشة!

لكن مع دخولنا الألفية التالتة.. طبعا على الورق بس.. تركيبة المجتمع ونفسيته اختلفت.. وبقت البنت الحلوة أم شعر طويل وخصر نحيل اللي بتترقص وتدلع مش هي أحسن وسيلة تسوق للسلع.. لإن المجتمع عندنا بقى بيحب الحشمة المظهرية, والمستهلك بقى بيحب يشوف الصورة اللي عايز يعكسها عن نفسه في الاعلان. فظهرت موجة من الإعلانات اللي بتعتمد على أفكار وسيناريو, أكتر من اعتمادها على الأغاني والموديلز. وبقى فيه الاسرة اللي قاعدة تاكل وليمة معمولة من السمنة الفلانية, بدل ما بنت أمورة تمسك العلبة وترقص بيها. وبقى فيه الموديل المحجبة.. اللي ممكن جدا تكون مش محجبة في الواقع, لكنها بتقرب من الستات اللي هيستهلكوا المنتج اللي هي بتعلن عنه. حتى اعلانات الشامبو, عملوا شامبو مخصوص للمحجبات! مش عارفة دا يفرق إيه عن أي شامبو تاني.. لكن يللا.. أهو شغل تسويق

للأسف, الدين دخل في موضوع التسويق, لانه اتحول لسلعة رائجة. وشكل التدين بقى هو الموضة اللي الناس بتقبل عليها. ودا خلق سوق من المنتجات وطريقة جديدة في تسويقها. زي مثلا رنات الموبايل الإسلامية!! نفسي أفهم إيه اللي دخل الاسلام في رنة موبايل! وزي المسابقات الاسلامية, اللي هي عبارة عن قمار برضه, لكن عليه تيكت الدين.. فيقولك سؤال عويص جدا, زي "ما هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن؟".. والمفروض طبعا إن الشخص الفذ اللي يعرف يجاوب عن السؤال العويص أوي دا يستاهل يكسب عشر تلاف جنيه! أو يروح عمرة! تخيلوا واحد يلعب قمار على عمرة!

ويا ريت الموضوع وقف على كدة.. لأ.. دا فيه ناس كمان دخلت في الزحمة واخترعوا مهنة غريبة كدة, إسمها "داعية إسلامي"! أنا أعرف الداعية دا اللي كان بيروح يتطوع ويسافر آخر الدنيا عشان يعرف الناس بالدين وبالله. وكان ممكن يموت في السكة وهو مسافر كمان. لكن إيه الداعية الفضائي ده؟ واحد يطلع على التليفزيون ويتكلم في أي موضوع إجتماعي عادي ويدخل فيه كام آية على كام حديث وياخد ملايين!! لأ والمصيبة إنه بيكلم مسلمين! طب هو بيدعوهم لإيه؟

وطبعا البرامج بتاعة الداعية الفضائي دي بتجيلها إعلانات زي الرز.. وأكبر شركات بيعرضوا يكونوا رعاة للبرنامج, بإعتبارهم شركات متدينة برضه. وأهو الأخ الداعية دا ينففع ويستنفع. والعروض تنزل ترف عليه من كل ناحية. ويعبي شرايط على سي ديهات على دي في ديهات على كتب ويقلب رزقه.. والسوق كبير ويساع من الحبايب ألف.. وكله على حساب الزبون

طبعا سوق الداعية الطائر دا لما انتعش, الموضوع وسع.. واتعملت قنوات مخصصة للموضوع دا فقط 24 ساعة. ماهو الرزق يحب الخفية. لكن مع الوقت السوق اتشبع. وابتدى الموضوع يفقد بريقه.. زي أي سلعة بتنجح ويحصلها رواج, فيبدأ ناس كتير يدخلوا فيها ويقلدوها لغاية لما السوق تجيله تخمة منها, فيحصل كساد بعد ما يكون كل الناس اشترتها

التاجر أو المصنع هنا عنده حلين.. يا إما يغير النشاط, يا إما يجدد السلعة ويطورها, فتبدو كأنها جديدة. زي مثلا شامبو المحجبات دا.. هو هو نفس الشامبو بتاع اللي مش محجبات, لكن بالنسبة للمستهلك دا منتج جديد. وعندك مثلا أدوات التجميل.. تلاقي نفس الشركة اللي بتصنع كريم كذا, تغير إسمه وتقولك أصل دا فيه عسل, أصله فيه لوز, أصله بزيت جوز الهند.. وهو هو نفس الكريم القديم.. لا فيه عسل ولا مكسرات

مشكلة الداعية الفضائي إن هو ذات نفسه السلعة.. ف ما يقدرش يغير النشاط.. لكن يقدر يحط التيكت بتاعه على سلعة تانية ويسطو عليها. ودا اللي حصل مؤخرا لما تم السطو على علوم اجتماعية وبشرية معروفة للجميع من قبل الدعاة الجدد عشان يقدروا يوسعوا نشاطهم يضمنوا استمرارهم في السوق.

ابتدا الموضوع دا داعية شهير جدا, دماغه من دهب, واستاذ في البيزنس والماركتينج, دا غير انه في الاصل محاسب!.. لما قال الكلمتين المعروفين والناس كلها سمعتهم وحفظتهم, شغل دماغه وابتدا يدور على سكك تانية يدخلها تحت عباية الدين ويقدمها للناس بشكل جديد. الراجل دا حط عينه على علم مش منتشر عندنا ولا يدرس في جامعتنا للأسف, مع إن كل جامعات العالم المتقدم حاليا عندها أقسام خاصة بتدريسه وبتمنح فيه درجات الماجيستير والدكتوراه

العلم دا هو علم "التنمية البشرية" وفيه ناس كتير متخصصين فيه, وأسماء شهيرة على مستوى العالم بتشتغل في المجال دا, ومؤلفاتهم بتكون دايما على راس قائمة الكتب الأكثر مبيعا عالميا. زي الكتب اللي دايما بتستخدم كلمة "النجاح".. طرق النجاح, أسرار النجاح, مفاتيح النجاح,.. إلخ

باختصار التنمية البشرية هي طرق توجيه الذات نحو النجاح في الحياة, سواءا الحياة الشخصية أو العملية.. ودا بيكون عن طريق تحفيز الفرد ودفعه لمعرفة قدراته ومساعدته في تحديد أهدافه وافضل السبل لتحقيقها. ومن العلم دا بقى فيه حاجة اسمها "لايف كوتشنج", أو التدريب الحياتي.. ودا بيعتمد على أفراد متخصصين في المجال دا بيقدموا النصح والخبرة والمشورة للشباب اللي بيبتدي حياته, ودا بيكون عن طريق محاضرات وتجمعات بيتم من خلالها تأهيل الشباب دول نفسيا وبدنيا واجتماعيا وعمليا

في مصر مافيش حد متخصص في الموضوع دا غير الدكتور إبراهيم الفقي, اللي درس التنمية البشرية في كندا. لكن الشرق الأوسط عامة بيفتقر للكوادر وبيفتقر للمتخصصين في المجال دا, اللي يعتبر جديد نسبيا, لكنه أثبت نجاحه وفايدته عالميا

الأخ الداعية إياه طبعا لقى في الموضوع دا ضالته المنشودة. والصراحة عمل مجهود في متابعة أشهر النجوم في المجال دا.. خصوصا نجم الاعلام الامريكي دكتور فيل ماك جرو.. اللي بيقدم برنامج يومي بيعرض على أشهر شبكات التليفزيون الأمريكي بإسم "دكتور فيل" وصاحب مؤسسة دكتور فيل الخيرية , وله كتب "الإهتمام بالنفس", "الأسرة أولا", "استراتيجيات الحياة" وغيرها.. طبعا الاستيلاء على الأفكار واضح ومفضوح جدا

طبعا الأخ الحرامي يشكر على أي حال.. لإن توصيل الأفكار دي مهم ومفيد للمجتمع عموما. لكن للأسف هو غير مؤهل للموضوع دا, ولا يأخذه بمحمل الجد, لانه مدخل الدنيا في بعض وعايز يمسك العصايا من النص. لا عايز يصارح الناس إن الموضوع دا هو علم مستقل بذاته, ولا عايز يفضل في المنطقة بتاعته بعد ما تم تشبع السوق بيها. فالنتيجة كانت إن علم مهم زي التنمية البشرية تم تسفيهه وتشويهه وتقديمة بشكل سطحي كل الغرض منه هو تلميع الأخ وتسويقه لنفسه بتيكت جديد

هذا السطو على علم التنمية البشرية ألهم مجموعة أخرى من مقلدين الأخ واللي داخلين الكار جديد. وابتدوا يعملوا نفس الموضوع في برامجهم وندواتهم. وطبعا الزبون فرحان بالسلعة الجديدة, طالما هي إسلامية والحمد لله. وخلي بالك من العلامة يا واد يا دقدق