أسكن فى مدينة صغيرة إسمها "أورلينز" تٌعد من ضواحي "أوتاوا" العاصمة الفيدرالية لكندا والتي تقع على مسافه ٢٠ دقيقه من منزلي..المسافات هنا فى أمريكا الشمالية تقاس بالوقت..فنقول مثلا مونتريال على بعد ساعتين أو تورنتو على بعد سته ساعات
المهم اليوم الثلاثاء أعمل فى صيدلية بوسط البلد في أوتاوا..أبدء العمل في التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء
تنبهنى زوجتى أن أكون بالمنزل مبكرا لاصطحاب ابنى فارس لتدريب كره القدم (مدربه إسمه "بومار" فرنسى ومساعده "فانجاى" هندى).أتبادل حوار سريع مع جاري مارك (إنجليزي) وأنا أزيح التلج المتراكم عن سيارتي أثناء الليل..ملاحظات سريعة عن الجو وقسوة شتاء هذا العام..ونحن نتحادث تخرج زوجته بيانكا (تشيكية) لتركب السياره..قبل أن أنطلق من المنزل تعود جارتى د.أنوره (بنجلاديشية) من العمل فهي تعمل في مستشفى أوتاوا العام ويبدو عليها الارهاق من ليله طويله في قسم الطوارئ..قبل أن أصل الى "الهاى واي" يرن تليفوني المحمول..صيدلانيه زميله هيما (أيرانية) تسألني لو كان من الممكن أن نتبادل ساعات العمل فأعمل السبت بدلها وتأخذ هي الجمعة محلي..أطلب منها الانتظار قليلا..أراجع زوجتي بالتليفون إن كان لدينا أي التزامات يوم السبت..فتذكرني أننا مدعوين للعشاء عند مارتين (يهودية فرنسية) وزوجها مصطفى (تركي مسلم) يقهقه حين أدعوه "درش"!!! أعاود الاتصال بهيما وأخبرها أنه لامانع لدى وأسألها من سيكون معي في الصيدلية..فتخبرني أن لين (صينية) ستعمل معي..أواصل القيادة وأفكر..هذا يعني اني الجمعة فاضي يبقى أصلي الجمعه هنا فى مسجد بلال وأهي فرصه أتكلم مع فاروق (مهندس كمبيوتر هندى) وغلام إمام المسجد (بنجلاديشى) فأنا عضو في الحزب الليبرالي الكندي وشكلنا كده داخلين على انتخابات فيدرالية قريب ولابد من توثيق العلاقات مع الجالية المسلمة في أورلينز..وهي تتكون أساسا من مسلمي شبه القاره الهندية وبعض الصوماليين..وفى المساء أذهب الى المقهى للقاء د.عبد الصادق أستاذ علوم الكومبيوتر في جامعه كارلتون (عراقي شيعي) وأيلى (لبناني روم أرثوذكس) ود.جهاد أخصائي أمراض النسا اﻷشهر هنا (فلسطيني) وطبعا حاندبح بعض مناقشة
.وبالتداعي تذكرت أني قابلت أحد أصدقائنا المشتركين سهيل (عراقي سني) وزوجته سوسن (مصرية قبطية) فى المركز القومى للفنون الخميس الماضى حيث شاهدنا باليه مونت كارلو المودرن..آآآه سوسن قالت لي ان اﻷقباط المصريين صايمين اليومين دول الصيام الكبير قبل عيد القيامه..حلو..أتصل بمدام منال (مصريه قبطيه متزوجة من كندي فرنسي) جارتنا وأوصيها على كشري..أجدع كشري أكلته السنه اللي فاتت كان عندها
أصل للصيدلية..أدخل من باب العاملين أول من يقابلني حاملا فنجان قهوته منه المحاسب (فيتنامى)..أحيه ثم أحيي أيلما (بوسنيه مسلمه) والتي تكن لي معزة خاصة ﻷني ذهبت لمنزلها أعزي زوجها (كرواتي كاثوليك) حين علمت بوفاة والده..وجلست وسط أصدقائهم من صرب وكروات وبوسنين..ربما يقتلون بعضهم البعض هناك أما هنا فهم أصدقاء..كاللبنانيين لى منهم أصدقاء موارنه وشيعه
..حاجة تجن..
وجدت مادلين (آسيوةه أمها تايلاندةه وأبوها كمبودي) وهي مساعدتي اليوم..في الساعة العاشرة ستنضم لنا مساعدة أخرى أنجي (أيرلنديه) وتحاول الكلام معي بالعربية فقد عاشت فتره مع صديق مصري ...أرجو أن تتذكر وتحضر لي معها فنجان قهوة أكسبرسو دوبل من المقهى الموجود بالمول ويديره شقيقان (أيطاليان)..أخفهم دما اﻷصغر والذي ينطلق بالغناء اﻷوبرالي وهو يقدم القهوة والسندوتشات للزبائن
أراجع مفكرتى ﻷتأكد أين سأعمل باقي اﻷسبوع..غدا اﻷربعاء يوم طويل ١٢ ساعة عمل فى صيدلية ملك منى (كرديه سورية) متزوجة من أسباني تعرفت عليه في المغرب
وتقع فى نفس المبنى الطبي الموجودة به عيادة د.بشرى (مصرية) الممارس العام وطبيبه العيله بتاعتنا..أسكندرانيه دمها شربات..تضع غطاء للرأس منذ أن من الله عليها بالحج..وأيضا د.يانج (صيني) أخصائي اﻷطفال الذي أصطحب أبني له كلما ضربته نزلة برد أو إلتهاب أذن..وكريستينا (ايطالية) أخصائية العلاج الطبيعي المشرفة على علاج زوجتي من آلام الضهر...
والخميس سأعمل فى صيدلية ملحقة بمركز لعلاج الإدمان يشرف عليه د.يوري (روسى) المثقف الذي أسعد بالحوار معه عن الفلسفة الوجودية والشعر الروسي
ألقي نظرة سريعة على الملاحظات التي تركتها لي أنيتا (بولنديه) الصيدلانية التي عملت أمس..فأجد وصفة طبية لجيري سلاك (يهودي إسرائيلي من أصل بولندي) فأقول لنفسى سيأتي فى وقت الغداء فهو يعمل مديرا لفرع بنك في نفس المول
وطبعا سيسألني إن كنت شاهدت اﻷخبار
وطبعا سأقول له نعم
وطبعا سنختلف مين اللي غلطان
ويننهي حوارنا به وهو يقول لي
إرهابي تيروريست
فأرد عليه
فاشيست
فيما بين الجد والهزل وسط دهشة باقي الزبائن من كل الجنسيات والملل واﻷديان..
.عد كده كام جنسيه ومله ودين تعاملت معهم قبل أن أبدء الصباح
كيف يعيش هذا الكم من البشر سويا
فى توافق وهرمونية؟
.الاجابة بسيطه نعيش سويا كأفراد..وليس كطوائف ولا جماعات عرقيه أو دينية
.هناك أحترام كامل لكل فرد كما هو..أحترام كامل تحميه القوانين لمعتقدات كل فرد أيا كانت مادامت لاتعتدي على حريات اﻵخرين
.حريه كاملة فى ممارسه شعائرك الدينية داخل مكان عبادتك
أوتاوا بها عدة مساجد المسجد الجامع في منطقه سكوت..وهناك عده حسينيات للشيعه ذهبت مرات لحضور مجالس التعزية فيها..كنيستان قبطيتان مصريتان..كنائس للروم اﻷرثوذكس..الموارنه..البروتستانت بكل مذاهبهم..كنائس كاثوليكية ﻷهل أوتاوا من أمريكا اللاتينيه تقدم القداس باﻷسبانية واللاتينية... كنيسة لشهود يهوه على بعد خمس دقائق من منزلي... بجوارها مجمع ماسوني..على بعد خمس دقائق أخرى معبد للبهائيين..خارج أوتاوا وسط الغابات معبد هندوسي جميل وبه خلوة للراغبين فى التأمل ذهبت إليه مع صديقي مادو (هندي هندوسي) ..لليهود سيناجوج فى قلب المدينه وأخر غربها..
.هذا ما أعرفه وأنا متأكد أن هناك معابد وأماكن عبادة لطوائف وديانات أخرى لا أعرفها..
هنا أنت حر تعبد ماتشاء كيفما تشاء..هذا هو فضائك الخاص..حريتك الشخصية تتضمن أيضا أن تدعو لدينك مادمت لا تجرح معتقدات اﻷخرين
وأيضا ألا تعبد أي شيء..وأن تدعو للالحاد أيضا..
وكل واحد عقله ف راسه يعرف خلاصه..
أما الفضاء العام فتحكمه مصلحة المجتمع..ويظلل الجميع قانون واضح عادل يطبق على الكل..
قانون من صنعنا نحن البشر وقابل للتعديل والمناقشه والاعتراض
.كندا تعيش فى ديموقراطية برلمانية مشتقة مباشرة من الديموقراطية الإنجليزية أعرق الديموقراطيات..وتتفوق عليها فى الفصل التام بين الكنيسة والدولة..أو الدين كأختيار شخصي..والمجتمع كفضاء لتفاعل اﻷفراد وتعاملهم مع بعضهم البعض..
بدون لف ولادوران تلك هى الدولة الحديثة..علمانية..ليست دينيه..تعامل مواطنيها كأفراد..لا كرعايا..ولاتجمع من الطوائف والملل والنحل
.هل قلت أنى أحب هذه البلد وأهلها ونظامها ودستورها والحرية والمساواة والفرص التي تكفلها لي وﻷسرتي..؟؟
لاأظن
.فلأقولها إذا
النص الكامل للمقال