جسد

15.2.09 |


بقلم نسرين بسيوني


صدر في بيروت العدد الأول من مجلة "جسد" التي، وكما تصفها رئيسة تحريرها السيدة جُمانة حداد، هي مجلة متخصصة في آداب الجسد و علومه و فنونه

من الجميل أن تظهر على الساحة مجلة تتحدث عن الجسد و الجنس بأعتباره فن و أدب و علم، و رغم شكوكي حول أهتمام الرجال و النساء العربيات بقرأة مجلة من هذا النوع و أستقطاع 130$ سنوياً للحصول على أعداد المجلة لأسباب أقتصادية او لأسباب آخرى، إلا أنى متفائلة من الخطوة على المدي البعيد، فربما تظهر مجلات الكترونية من نفس النوع و على نفس درجة الرُقي، فليس من المنطقي أن تظل هذه المنطقة من العالم تستقي معلوماتها و ثقافتها الجنسية من "طبيبك الخاص" و أفلام البورنو

واجهت و ستواجه المجلة سيلاً من الأنتقادات، فمازال هناك شريحة عريضة جدا مصممة على أن الثقافة الجنسية يجب أن تكتب اول صفحة فيها فى ليلة الزفاف و ليس من حق الفتاة خاصة محاولة استكشاف نفسها و أستكشاف الآخر –بشكل علمي و ليس عملى. انا لا احرض على الفجور هنا- انا شخصياً اعتقد ان الأطلاع على كتب التراث العربي التي تحدثت عن ممارسه الحب او الجنس و علومه و فنونه و بعض الترجمات هى كالحصول على كنز من المعلومات -و الأفكار أيضاً- لن تحصل عليه اى فتاة حتى لو عاشرت ألف رجل عربي من رجال هذه الايام

يقول محمد بن أحمد التجاني في كتابه، او دعوني اقول تحفته، "تحفة العروس و متعة النفوس"
"أربع لا يشبعن من أربع: أنثي من ذكر , و أرض من مطر , و أذن من خبر , و عين من نظر "
و يقول:"كل شهوة يعطيها الرجل نفسه فلابد أن يكتسب قلبة بها قسوة إلا الجماع, فأنه يرقق القلب و يصفيه و لهذا كان العلماء و الأنبياء و الحكماء يفعلونه و يأمرون به

بعض العقول المريضة تظن ان الفتاة المثقفة جنسياً بالتأكيد عرفت عشرات الرجال! لا يعرف هؤلاء ان فى تراثنا خلاصة الفائدة و ان الفتاة الذكية المُطلعة يمكنها ان تعرف من كتب التراث و الترجمات و الاهتمام بحكايا الأخريات و الكتب الطبية و الدراسات المتخصصه و كتب الجنس فى الإسلام و غيرها أضعاف ما يمكن ان تعرفه من ممارسة ليله الزفاف الصماء و ما بعدها من ليالي صماء بين أمرأة لا تعلم و رجل "عاوز يخلص نفسه"

الحرية التي كتب بها القدماء مجلداتهم و أشعارهم تجعلنى اندهش كيف لأبناء نفس اللغة و الأرض ان يكونوا بهذا الجهل و التشنج حيال فن الحب\الجنس و معرفته و معاملته على انه "قباحة و قلة أدب"

فنحن نرفض اللوحات الفنية التي تصور اجساد عارية مهما كانت جميلة، و نتبرأ من كتب التراث و الأشعار التي تتحدث عن الجنس، و نستخدم ألفاظ أجنبية حين تجبرنا الظروف على التحدث عن الجنس، رغم ان لغتنا لم تخجل ابداً منه، ورغم انه ليس عيبا ان يكون لدينا قاعده معرفيه محترمه بهذا الخصوص تندمج وقت اللزوم مع التجربة العملية لتثمر "فناً" و ليس مجرد ممارسة. من أين جاءت فكرة أن التعرف على علوم الجنس و فنونه قباحة وقلة أدب؟ و من أين تعلمنا قراءة و معرفة كل ما يختص به في السر؟ و هل لهذا الجهل و التشنج علاقة او يد فيما وصلنا له من انحطاط اخلاقي و عادات مريضة و تحجر و برود بين الأزواج؟ صراحة انا لم أقابل امرأة يشع وجهها نوراً صباحاً و أعتقد والله أعلم ان المرأة السعيدة ليلاً لابد وأن يشع وجهها نوراً صباحاً

يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : لايقع أحد منكم على اهله كما تقع البهيمة. وليكن بينكما رسول (القُبلة و الحديث). صدق عليه الصلاة و السلام

أكاد أجزم ان غالبية الأزواج بهائم. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال مع كل الأسئلة الساذجة العبيطة التي تطالعنى على المواقع الإسلامية و البرامج الإسلامية ومع كل الهطل الذي أسمعه من بنات جيلي و غير جيلي ألا يكونوا سوى –عفواً- بهائم. الأسئلة عن طول و قصر القضيب وحدها يمكن أن تدخل موسوعة جينيس! ولو أضفنا لها أسئلة البنات عن غشاء البكارة التي ستحتاج عمر على عمرك كي تقرأها كلها تجعلك، لو كنت أجنبي تطالع نقاشات و أسئلة العرب، تجعلك تعتقد ان كل رجالهم متفرغون للنظر إلي أعضائهم! ليس لديهم أدني فكرة انه آخر أداة جنسية يمكن أن يستخدموها و أنه يمكنهم ان يسعدو أمرأة و يضيئوا وجهها دون الحاجة اصلا الي أستخدام سلاحهم المقدس طال او قصر

يقول يوسف ليموند في مقاله فى العدد الأول للمجلة:
لعل القذارة، كما عبّر هنري ميللر، لا توجد سوى في الدماغ. في حين لو سمع أحد حكماء الهند القديمة القول بارتباط مفهوم القذارة بالجنس لفغر فاه ولم يفهم، اعتبارا لفلسفتهم الروحية التي نظرت إلى كل أشياء الوجود وحركتها الغريزية كمظهر من مظاهر الروح الكوني (الله) وتجلٍّ له. فالجنس، بحسب رؤيتهم، شيء بريء، طاهر بطبيعته كالحيوانات، هو في جوهره طاقة
لعل أهتمام حكماء الهند القديمة بفنون الجسد يتجلي فى أبهي صوره فى علمهم المُسمى ب"الكاماسوترا
الترجمة الحرفيه لكلمه كاماسوترا هى فن الحب. الكتاب ليس مجرد اوراق و حروف و حبر، الكتاب هو مخطط ذكي لتعريفك على جسدك على إمكاناته و قدراته التي ستصل بك الي حيث لا تدري-و لا أدرى انا أيضاً- ولكنها بالتأكيد ستصل بك الي شئ جميل. يربط الكاماسوترا بشكل كامل بين الجسد و الروح، و يؤكد على حتمية أمتزاجهما في لحظة ممارسة الحب, ببساطة يعطي الكتاب للأمر قيمته و أهميته و ينزع عنه بشكل تام كل ما تربينا عليه من عجائب الصاق التقزز و التأفف به. يشعرنا كم يمكن أن يكون الآخر جميل و يساعدنا على خلق تآلف معه و أحساس بقيمته و جماله يسبق رغبتنا فيه ويفيدها فيما بعد

الكاماسوترا يحرض المرأة على نظافتها الشخصية,على فن الطهي,الموسيقي, الرقص, تنسيق الزهور و ترتيب الأسره, الرسم, التزيين و نظم الشعر، و يربط كل ذلك بالسعادة فى الحب. هل يذكركم ذلك بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم عن البهائم؟ يا تُري كم بهيمة لا تهتم حتى بأبسط قواعد النظافة الشخصية؟

الكاماسوترا علم قائم بذاته ليس هناك عيباً فى الأطلاع عليه بل هي ميزة تمكن قارئه من اكتشاف عوالم أخري حتى لو لم يدخلها، كما أنه يزيد من ثقة الانسان بذاته و بقدراته و يبدد كل الأوهام او الأعتقادات الخاصة بالعجز و قلة القدرات. فالكاماسوترا تثبت ان كل رجل أو أمرأة بغض النظر عن قدراتهم و تكوينهم الجسمانى او مدى تقدمهم في العمر يمكنهم أن يسعدوا فى حياتهم مع الشريك بمائة طريقة. و يجب الأشارة إلى أن قراءة الكتاب تتطلب قدراً كبيرا من الثقافة و الوعي و النهم المعرفي

سأشعر بخيبة أمل كبيرة اذا لم تتناول المجلة كتب التراث و في مقدمتها كتاب الشيخ النفزاوي، ليس فقط لأنه كتاب قيم، بل لأن ما يزيده قيمة هو أن من كتبه هو الشيخ النفزاوي عالم الدين الجليل، حتى يترسخ لدى المتشددين ان الحديث عن الجسد و فنونه ليس محض فجور و أنحلال

يبدأ سيدي الشيخ الامام العلامة النفزاوي رضي الله عنه و رحمه في كتابه "الروض العاطر في نزهة الخاطر
"الحمدلله الذي جعل اللذة الكبري للرجال في النساء و جعلها للنساء في الرجال"
و يقول في أسباب الشهوة
أعلم ان أسباب شهوة الجماع ست, حرارة الصبى-كثرة المنى-التقرب ممن تشتهي-حسن الوجه-بعض الأطعمه-و الملامسة, أما الاشياء التي تقوي على الجماع و تعيين عليه فهي: صحة البدن-فراغ القلب من الهموم-جلاء النفس-كثرة الفرح-و حسن الغذاء-أختلاف الوجوه -الألوان- وكثرة المال

ينبغي هنا أن نذكر أن هناك موقف أخلاقي و فكري أتُخذ تجاه مؤلَف الشيخ النفزاوي، و ذلك لم يكن بسبب محتواه و فكرته، بل لأن البعض رآى فى بعض مواضعه أهانة للمرأة و تفضيل لمتعة الرجل عليها و التقليل من شأنها. ربما تكون هذه الآراء محقة بعض الشئ و لكن يجب ألا يكون هذا داعيا للتقليل من شأن الكتاب و كاتبه او تجاهله و تركه لأتربة النسيان

يجب ألا يلتفت صناع المجلة و محرريها لما سيتعرضوا له من نقد و ينبغي لهم ان يهتموا بتقديم مادة محترمة للقارئ حتى لا تتحول المجلة إلي بورنو رخيص. أتوقع من القائمين على المجلة الكثير من الدقة في اختيار موضع اقدامهم و أرجو ألا تكون هذه المجلة الاخيرة من نوعها بل يتبعها عدد لا بأس به من المجلات المتخصصه فى الادب الايروتيكي و فنون الجسد.


قــــــــــــم و أســـمع الحــمايم * فأنــــــــــــــــــــــــــــها تقــــــــــــول
يا من دنــــــا حــــــــــبــيــبـــه * أنــــــــــهض بلا كـــــــــــــــســـــــل
و أشـــــــــــف الغليل منــــــه * بالضــــــــــــــــــــــــم و القُبــــــــــل
محمد شاكر الكتبي


النص الكامل للمقال

هييييه .. حنعارض .. حنعارض

14.2.09 |



بقلم اسماعيل النجار

الأول العنوان ده مستوحى من يونس شلبي في إحدى مسرحياته .. لما اللي معاه قرروا يعملوا إضراب .. ففرح وقعد يهيص هييييه .. إضراب.. إضراب إضراب، وبعدين لما حد سأله طب يعني إيه إضراب؟ معرفش يجاوب بطريقته الكوميدية الجميلة اللي بتتوه كل حاجة في بعض. وطبعا برضه استخدمته عشان هتاف "حنحارب حنحارب" بتاع هزيمة يونيو، يعني في الحالتين الناس بتهيص وخلاص من غير منطق ولا فهم ولا هدف

أنا بقالي فترة كبيرة عايز اكتب عن طريقة المعارضين المصريين في التعبير عن معارضتهم، واللي شجعني إن حد في تعليقه على مقال ليا قال كلام شكر في الرئيس مبارك وقال إنه قائد حكيم، فلقيت الناس نزلت عليه مرحمتهوش كإنه أجرم! استغربت جدا مع إن ده مش غريب على المصريين .. فقررت اكتب الكلام اللي تحت مع إن ده ليه مخاطر كبيرة والأسلم (في الزمن ده) هو إني امشي مع الموجه وأطلق الشتائم والسباب والاتهامات سواء عن أو من غير حق لمبارك والحكومة وأمريكا والإمبريالية والصهيونية والرأسمالية المتوحشة وغزاة الشمال عشان ابقى جامد ومعجباني ويدوني صفة معارض ومناضل! بس بصراحة مش عايز من حد ألقاب ولحد دلوقتي سعيد بلقب مترجم

المهم أسلوب المعارضة في مصر بيتميز بشوية حاجات كوميدية أعتقد إنها صعب تلاقيها في أي معارضة تانية في الدنيا، وهشرح وجهة نظري بطريقة أبيض وأسود. أبيض = الوضع المثالي.. وأسود = الوضع الحالي في مصر، وبعدين هقول رأيي في الموضوع

أبيض: في كل دول العالم بتلاقي مجموعة مؤيدة للحكومة ومجموعة معارضة
أسود: الكل في مصر لازم يكون معارض والكل ساخط وناقم واللي مش معارض بيعوم مع الموجه .. وميقدرش يقول إنه بيحب أو مش بيكره الحكومة أو مبارك أو إن الحكومة رشيدة أو إن مبارك زعيم حكيم ألخ حتى لو ده في نقطة معنية مش بشكل عام .. عشان لو قال كده هتلاقي الكل بينتقده ويبهدله فبيضطر يسكت أو بيمشي مع القطيع ويشتم في الحكومة.. (يعني المعارضة والجماهير الناقمة هي نفسها فرضت قيود شعبية مش رسمية على التعبير على عكس الأول محدش كان يقدر يشتم الحكومة والكل بيقدسها وبيقدس الزعيم الخالد مهيب الركن) يعني مش سهل تلاقي واحد أو واحدة من أي طبقة ومن أي وظيفة ومن أي محافظة مش بيعلن عن معارضته وسخطه ونقمته على نظام الحكم في مصر وعلى الرئيس مبارك شخصياً والحكومة وناس من بره الحكومة كمان، وده بيشمل النخبة المثقفة والمتعلمين وطلاب الجامعة والتكنوقراط زي ما بيشمل عمال المصانع والفلاحين وغيرهم

أبيض: المعارضين لازم يكونوا موضوعيين .. يعني المعارضة مش بتكون بغرض المعارضة وخلاص.. ولابد تستخدم ألفاظ دقيقة
أسود: المعارضين عندنا بيعتبروا المعارضة وصب اللعنات على النظام الحاكم منذ نظام السادات وحتى الآن مسألة مبدأ وخيار استراتيجي ولا صوت يعلو فوق صوت المشتمة .. زي ما ممثل في فيلم السفارة في العمارة قال على لسان شخصية شيوعية "إنما خلقنا لنعترض".. يعني الواحد يصحى من النوم يلاقي مراته بتتخانق معاه يشتم في مبارك .. وواحد مخنوق من شغله يشتم في الحكومة وواحد مرتبه مش مكفيه يشتم في رجال الأعمال الاستغلاليين الفاسدين الأغنيا ولا الكلب اللي معندهمش ضمير ولا ذمة (اللي بقوا وزراء في الحكومة) وواحد غزة بتنضرب يشتم في الحكومة وميشتمش في إسرائيل .. ألخ

أبيض: المعارضين بيكون ليهم رؤية ودور إيجابي ولا يكتفون بالنقد.. عن طريق تقديم البدائل والحلول بما يتفق مع نظرتهم للأمور باعتبار أنهم يرون النظام الحالي (بشكل عام في أي مكان) سيء أو غير كفء ويحاولون الإصلاح وتقديم بديل له وسياساته
أسود: المعارضين عندنا مش بيعملوا حاجة غير النقد والشتيمة والتهويل والصراخ وشد الشعر.. والتظاهر عند نقابة المحامين والصحفيين وكتابة المقالات النارية في الصحف المستقلة والمعارضة وعلى النت وإلقاء الاتهامات والتهويل.. يعني مثلا في أي أزمة هيكون رد الفعل الوحيد للمعارضة والجماهير هو السخط والتظاهر الهستيري على الأرض أو على النت والشتيمة من غير تفكير.. وليس لهم هدف غير التهييج دون تقديم رؤى أو حلول أو بدائل للنظام وسياساته الفاشلة زي ما حصل مع أزمة الغذاء العالمية وما تلاها من ارتفاع في الأسعار .. واقصد إضراب 6 أبريل

أبيض: من الطبيعي أن تتصيد المعارضة الأخطاء للحكومة الحالية أو النظام الحالي
أسود:ما يحدث في مصر مستفز لأشخاص مثلي لا يؤيدون الحكومة والنظام ويعارضوها.. مثلا مع بدء العام الدراسي انتقد منسق حركة كفاية الحكومة لأنها كما تقول تأمرت بجعل بداية العام الدراسي متزامنة مع رمضان!!!!!!!!!! والهدف هو إفلاس المواطن المصري .. بصراحة قعدت اضحك من غيظي .. وفيه أمثله تانية كتير ليساريين بيصرخوا ليل نهار ضد الرأسمالية المتوحشة وشديدة الفساد التي يتبناها النظام المصري المتحالف مع (والتابع لـ) قوى الشر الإمبريالية الأمريكية الصهيونية وأبو الغضب.. وحد المفروض ليبرالي مثقف ومش غوغائي بيقول إن نظام مبارك بيقتلنا كل يوم وبدم بارد.. وحد تاني بيقول إن مبارك مش سياسي يخطئ ويصيب وإنه رئيس عصابة ومجرم.. ومعظم الناس بتحسسني إنهم مقاومة مسلحة وبتكافح ضد المحتل الأجنبي الغاصب وهما بيولعوا ثورة عشان تطرده.. الإسلاميين بقى حكايتهم حكاية انتم عارفنها وشامله كل اللي فات ده غير الحاجات الخاصة بيهم وهي اللعب بورقة الدين والتدين .. يعني ما اسخم من سيدي إلا ستي

دلوقتي بقى هتكلم عن نفسي

مش معنى الكلام اللي فوق إني ضد إن يكون فيه معارضة .. وأنا بشوف نفسي معارض لأسباب كتيرة منها إني بتمنى مصر تبقى في وضع وظروف ونظام حكم أفضل بكتير جدا من النظام الحالي غير الكفء والفاشل والرئيس الحالي اللي بقاله بيحكم ما يقرب من 3 عقود والذي أفلس منذ زمن .. نفسي أشوف في مصر نظام ليبرالي حقيقي يقوم على أساس الدولة المدنية الحديثة والتعددية السياسية والتنوير وإطلاق الحريات السياسية والاقتصادية والمدنية والدينية والفردية وإصلاح اقتصاد مصر على أساس نظام السوق وتوفير البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات

رغم إني معارض للنظام إلا إني مش بنتقده طول الوقت بحدة زي باقي الناس لسبب .. وهو إني مش شايف إن المشكلة مشكلة نظام أو حزب حاكم بس .. وإضافة إلى كل وجميع وكافة الحاجات اللي كل البشر بتقولها عن النظام (سواء متفق أو مختلف معاها جزئيا أو كليا).. الشعب كمان مسؤول مسؤولية مباشرة عن كل الحاجات دي وبنفس الدرجة.. الشعب ده هو اللي أفرز النظام ده وسمحله يستمر لمدة أكتر من خمسين سنة .. من لحظة انقلاب يوليو والشعب ده هو اللي خرج في مظاهرات ضد الديمقراطية والشعب ده هو اللي أفرز النخب دي والمعارضة والمتعلمين دول والشعب ده هو اللي اتعود على الكسل والدعم وكإن الحكومة هي أمه وأبوه ولازم تدفعله نفقة.. والشعب ده هو اللي بيقتل الإبداع أو الابتكار في أولاده وفي إخواته وفي نفسه ومش بيحترم الحريات الفردية لأي حد قريب منه أو بعيد عنه والشعب ده هو اللي بيضطهد الأقليات الدينية والمرأة وبيعادي المثقفين والعلمانيين وأي أشخاص بيرفضوا يبيعوا دماغهم ويمشوا مع القطيع ..والشعب ده هو اللي بيغيب نفسه والشعب ده هو اللي بيرجع بنفسه لورا بعد ما خد خطوات مهمة لقدام قبل عقود.. الشعب ده هو اللي بيدفع الرشوة وبياخدها، مش شعب تاني، والشعب ده هو اللي مدمن لنظرية المؤامرة من جوه ومن بره ومن طول الأرض

يعني الحل مش تغيير النظام الحالي غير الكفء الذي تتطاير حوله شبهات الفساد والتزوير والقمع والدكتاتورية وخلاص يعني ده مش هدف في حد ذاته ده وسيلة لخلق وضع جديد أحسن وأفضل.. لإن تغييره وخلاص سيأتي بنظام له نفس الثقافة ونفس السياسات لإنه من نفس الشعب ومن نفس الظروف وفي نفس البيئة ده غير فقدان الاستقرار الأمني الموجود دلوقتي ... والمرشح الأكبر في اللحظة دي هو نظام ديني يضيف إلى كل ما سبق القهر الديني ومزيد من الكبت والقهر والتغييب

بدل ما ندخل في دوامة مين السبب في التاني .. يعني النظام هو اللي خلى الشعب كده.. ولا الشعب ده هو السبب في إن النظام كده .. خلونا نشوف حل بدل الصريخ

الحل هو التثقيف .. الحل هو التنوير مش التثوير والتهييج اللي ملوش هدف .. . الحل هو توعية ملايين الشباب بأهمية الدولة المدنية وقيم الليبرالية السياسية والاقتصادية وأهمية الإبداع والابتكار والتثقيف الذاتي والحريات الفردية و.....

يعني فعلا النظام لازم يتغير لإنه فاشل وغير كفء .. وأنا في الجملة دي بقصد بكلمة النظام النظام المصري بكل مكوناته الحكومة والمعارضة والنخب والشعب بكل أفراده .. يعني لازم الكل يتحول للأحسن عشان يفرز نظام أفضل مش نظام أسوأ

بالتأكيد ده هياخد وقت ... ووقت كبير كمان بس لازم نبدأ

مرة أخيرة الحل –يا معارضة يا محترمة- هو التنوير مش التثوير

يعني نبطل نقول عايز اشتغل يا كبير ونقول هنبدأ نشتغل بنفسنا


النص الكامل للمقال

قرأت لك : الأشياء .. بقلم فالنتاين كاتاييف

13.2.09 |



بقلم أميرة طاهر


ربط الحب المشبوب بين قلبي جورج وشوركا , فعقدا زواجهما في يوم من أيام شهر مايو , في جو صاف معتدل , وما كاد الموظف ينتهي من كلمات التهنئة المقتضبة التي أصغيا اليها بصبر نافد , حتى اندفع العروسان الشابان خارجين من مكتب التوثيق الى الطريق العام

كان جورج طويلا نحيلا , ذا صدر مهزول وطبع هادئ , نظر إلى شوركا بطرف عينه في حياء وقال : "إلى أين نذهب الآن؟" وكانت شوركا طويلة أيضا جميلة أنيقة مشاعرها متقدة ملتهبة , فزادت من التصاقها به حتى دغدغ أنفه غصن الليلاك الذي يزين شعرها .. وهمست بانفعال :"إلى السوق طبعا لشراء الأشياء ! وهل هناك غير السوق ؟!".. وقال جورج : "تقصدين لشراء الأثاث ؟ "وارتسمت على شفتيه بسمه غباء , ويده تصلح من وضع الكاسكيتة على رأسه أثناء السير


كانت الريح تهب فتثير الغبار في السوق .. والأرواب المعلقة فوق الدكاكين المنصوبة تتماوج مع الهواء الجاف , والجراموفونات القديمة ينافس بعضها بعضا في الصرير الذي يعلو صوت الموسيقا , والشمس تنعكس عن المرايا المعلقة , وشتى البضائع وألوان السلع والأحذية , بل وبعض المعروضات ذات الجمال الأخاذ تحيط بالعروسين الشابين


واحمر خدا شوركا .. وتصبب العرق على جبينها .. وتهدل شعرها واختلط حتى وقع غصن الليلاك , واتسعت حدقتا عيناها , وبرقتا , وهي تضع يدها الملتهبة على كوع جورج , وتدفعه دفعا الى داخل السوق وهي تعض على شفتيها الغليظتين المتشققتين , وقالت بأنفاس محتبسة : " اللحاف أولا ! لحاف من ريش الأوز أولا !" .. كانت صرخات الباعة تصم الآذان .. فأسرعا بشراء لحافين مربعين , وكان كل لحاف ثقيلا غليظا , أعرض مما ينبغي وأقصر ما ينبغي , لون أحدهما أحمر طوبي والآخر بنفسجي داكن


وقالت شوركا :" والآن إلى الأحذية ذات الرقبة !" واقتربت بوجهها من وجه جورج حتى غمرته أنفاسها الحارة .." ولا بد ان تكون البطانة حمراء , وعليها حروف مميزة حتى لا يسرقها أحد" .. واشتريا الأحذية , زوج من الأحذية الحريمي وأخر رجالي .. وكانت البطانة قرمزية وكذلك الحروف .. ولمعت عينا شوركا وبرقتا وهي تقول :"الفوط ! وعليها زخارف من صور الديوك !" وكانت انفاسها تتلاحق كالأنين , وبعد شراء المناشف ذات صور الديوك , اشتريا أربع بطانيات , وساعة بمنبه , وقطعة من القماش المخملي , ومرآه , وسجادة صغيرة مزخرفة بصورة النمر , وكرسيين جميلين بهما مسامير نحاسية , وعدة كرات من خيوط الصوف



وكانا يريدان أيضا شراء سرير كبير له مقابض من المعدن وبعض الأشياء الأخرى , ولكن المال قد نفذ , فعادا إلى المنزل وقد حملا ما اقتنيا من أشياء , فكان جورج يحمل الكرسيين , وعلى صدره اللحافان المطويان يمسكهما بذقنه , والعرق يبلل شعره ويلصقه بجبهته البيضاء الشاحبة , وقطراته تنساب على خديه الناحلين , وارتسمت الظلال الزرقاء تحت عينيه وفمه نصف مفتوح تبدو منه الأسنان غير السليمة , ويوشك أن يسيل منه اللعاب


وعنما دخلا الى منزلهما البارد , خلع الكاسكيته معبرا عن ارتياحه ثم سعل , ووضعت شوركا الأشياء على سريره الصغير , وعادت شوركا إلى تأمل الأشياء وابداء الإعجاب بها , وقامت بتغطية الكرسيين بأوراق الصحف , ووضعت الأشياء الأخرى في صندوق كبير وأغلقته بإحكام , ثم ألقت نظرة على الغرفة .. وبنزوة من نزوات الحياء التي تنتاب الفتيات لكمته لكمة خفيفة بقبضتها الكبيرة الحمراء في صدره .. وقالت له متظاهرة بالصرامة :" اسمع !لا أريدك أن تسعل ! وإلا أصبت بالسل وهلكت , وانت الآن مسئول عني , وأنا أعني ما أقول !" ثم وضعت خدها الأحمر على كتفه النحيل , وبدآ يمارسان الحب


وفي منتصف الليل .. استيقظت شوركا مهتاجة قلقة .. وأيقظت زوجها صائحة:"هل تسمعني يا جورج؟! جورج؟! .. أفق يا جورج! لقد أخطانا بعدم شراء اللحاف الأصفر! اللحاف الأصفر الفاقع أظرف بكثير ! أنا الآن واثقة بأننا كان من الضروري أن نشتريه ! وبطانة الأحذية غير مناسبة هي الأخرى ! كان ينبغي أن نشتري الأحذية ذات البطانة الرمادية ! إنها أجمل كثيرا من البطانة الحمراء ! والسرير ذو المقابض ! إننا لم نفكر فيه التفكير اللازم !"



وفي الصباح وبعد أن ذهب جورج إلى عمله , هرعت إلى المطبخ مع جاراتها لمناقشة انطباعاتها عن الزفاف , فبدأت بالحديث _من باب مراعاة الأصول _عن ضعف صحة زوجها لمدة خمس دقائق , ثم دعت الجارات إلى دخول غرفتها حيث فتحت الصندوق الكبير وبدأت في عرض محتوياته , وأخرجت اللحافين وتنهدت تنهيدة سمعتها كل الحاضرات , وقالت:" لقد أخطأنا بعدم شراء الحاف الأصفر الفاقع , لم يجل بخاطرنا أن نشتريه , اللحاف الأصفر الفاقع رائع ......" ودارت عيناها وغامتا


وأثنى الجيران على الأشياء , وقالت زوجة الأستاذ وهي عجوز طيبة القلب :" كل هذا جميل .. ولكن يبدو أن زوجك مصاب بسعال خطير , إننا نسمع كل شيء من خلال هذا الحائط الرقيق , يجب أن تهتمي بهذا الموضوع .. وإلا .. كما تعرفين .. قد تسوء صحته أكثر ".. فقالت شوركا :" لا لن يموت بالسعال , وسأرعاه بنفسي , وسأقلي له شرائح لحم الخنزير وسيأكل حتى يشبع !"



ولاقى الزوجان الشابان الأمرين في العيش حتى حان موعد قبض المرتب التالي , ولكن ما إن جاء المال حتى اتجها من فورهما الى السوق , واشتريا اللحاف ذا اللون الصفر الفاقع ,والأحذية ذات البطانة الرمادية , وبعض اللوازم التي لا غنى عنها , إلى جانب بعض الأشياء البالغة الجمال : ساعة دقاقة , وقطعة من فراء القندس , ومنضدة صغيرة لوضع إناء الزهور بأحدث أساليب الموضة , وستة ياردات من الحرير الناعم , وتمثال رائع عجيب الشأن لكلب مزين ببقع مختلفة الألوان , وروب منزلي من الصوف , وصندوق صغير مائل للخضرة ويصدر أصواتا موسيقية عند فتحه , وعندما عادا إلى المنزل المتواضع , وضعت شوركا الاشياء بنظام محكم في الصندوق الكبير وبدت سعيدة جدا بما ابتاعته , بينما بدا جورج منهكا ,مرهقا .. وأزرق



ولكن شوركا لم يهنأ بالها كثيرا , إذ استيقظت فجأة في منصف الليل , وأسندت خدها الملتهب إلى جبهة زوجها الباردة المبتلة بالعرق , وهمست بصوت محموم:" جورج ! هل أنت نائم؟ جورج ! لاتنم ! اسمعني يا حبيبي ! كان هناك لحاف أزرق ! أنا حزينة لعدم شرائه ! خسارة ! إنه لحاف لطيف لطيف ! يبرق لونه بعض الشيء .. لم نتصور أنه ..."


وذات يوم في منتصف الصيف , دخلت شوركا إلى المطبخ وهي تقول في مرح وسرور :" حصل زوجي على عطلة بمرتب كامل لمده شهر ونصف ! كل زملائه حصلوا على أسبوعين ولكنه حصل على شهر ونصف ! سوف نذهب الى السوق لشراء السرير ذو المقابض المعدنية"! .. فقالت العجوز زوجة الأستاذ :" نصيحتي أن تتخذي بعض الترتيبات لإدخال زوجك إلى مصحة جيدة , وإلا قد يفوت الأوان لبدء العلاج !" .. وردت شوركا بنبرات غاضبة :" لن يحدث له شيء وسأرعاه بنفسي خيرا من أي مصحة , سأقلي له شرائح لحم الخنزير و سأدعه يأكل حتى يشبع !"



وعاد الزوجان الى البيت في المساء من السوق , بعربة يد صغيرة حافلة بالأشياء , وكانت شوركا تسير خلف العربة وتتطلع ببصرها إليها كأنما قد سحرها انعكاس وجهها في النيكل الذي يكسو حديد السرير , بينما كان جورج يزفر زفرات ثقيلة ويكاد لا يقوى على دفع العربة , ويمسك اللحاف الأزرق المطوي بذقنه المدببة , ولم يتوقف عن السعال وانحدرت قطرة داكنة من العرق على فوده الغائر.



واستيقظت شوركا بنفس الطريقة أثناء الليل وقد أقض التفكير العميق مضجعها , ونهشت الأفكار ذهنها , وشرعت في الهمس المحموم:"جورج ! حبيبي جورج ! مازال هناك لحاف رمادي ! هل تسمعني؟ رمادي رمادي ! يحزننا أن لم نحصل عليه ! خسارة خسارة ! ما ألطفه وأجمله ! ولكن البطانة ليست رمادية إنها وردية اللون .. ما أرقه وأظرفه من لحاف !"



أما آخر مرة شوهد فيها جورج فكان في ذات صباح خريفي بارد, وكان يسير بصعوبة في الشارع الجانبي الصغير , وقد غطى أنفه الطويل الشفاف بياقة سترته الجلدية المتآكلة , وكانت ركبتاه الحادتان بارزتين , وسرواله الفضفاض يخفق حول رجليه الهزيلتين , وتدلى شعره المبلل الفاحم على جبهته بينما تدحرجت الكاسكيتة الصغيرة الى مؤخرة رأسه قليلا .. كان يتعثر في سيره ورغم ذلك كان يتجنب الخوض في برك المياه حتى لا يبتل حذاؤه النحيل.. وعلى شفتيه تتراقص بسمة واهنة .. بسمة سعادة ..ورضا .. وقناعة.



وفي الشتاء , ظهر الأطباء داخلين خارجين من المنزل .. واكتسى الجو بلون أزرق .. وملأ الضباب الشوارع .. وتساقطت الثلوج واستيقظت شوركا أثناء الليل وهي تشعر بحزن لا تفسير له يمزق نياط قلبها , وهمست بصبرنافد :" جورج ! استيقظ يا حبيبي جورج !" .. ولكن جورج لم يرد .. كان باردا .. ولم يستيقظ جورج بعد ذلك قط .. وانفجرت شوركا باكية .



بعد ثلاثة أيام جاءت عربة الموتى , ووقفت أمام المنزل , وفتحت البوابة على مصراعيها لكي يخرج النعش , ودخل الهواء الزمهرير في شتى أرجاء المنزل المتواضع , وشاعت رائحة زيت الصنوبر في كل مكان.. وشربت شوركا في مأدبة المأتم نصف كوب من براندي الذرة وراحت تهلوس وتبكي , ثم سقطت بقوة على الصندوق الجديد , وبدأت تضرب القفل الموسيقي برأسها .


وعاد كل شيء بعد ذلك إلى مجراه الطبيعي , وساد النظام والروتين , وعادت شوركا إلى العمل في المصنع , وجاء رجال كثيرون أثناء الشتاء يطلبون يدها , ولكنها رفضتهم جميعا , فقد كانوا جميعا طامعين فيها وقد اجتذبتهم فقط ما جمعته من اشياء , وهي كانت تريد رجلا هادئا طيب القلب .. حتى التقت بإيفان .. انه سائق خصوصي .. يتسم بالهدوء والطيبة والدماثة , وكانت شوركا قد شغفته حبا .. وعندما حل الربيع كانت شوركا قد بادلته حبا بحب ..



كان الجو صحوا في مايو .. وما كاد موظف التوثيق ينتهي من كلمات التهنئة المقتضبة التي أصغيا إليها بصبر نافد , حتى انطلق العروسان الشابان من المكتب الى الطريق العام ... وتساءل الشاب إيفان بخجل وهو يخالس شوركا النظر :" إلى أين نمضي الآن ؟" .. وزادت شوركا من التصاقها به , ودغدغت أنفه بغصن الليلاك القاهر , وقالت بانفعال اتسعت له فتحتا أنفها :" إلى السوق ! وهل هناك سوى السوق ؟! لشراء الأشياء " ... وفجأة بدت عيناها كبيرة .. ومستديرة


تمت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تجسد هذه القصة الرائعة التي كتبها الأديب الروسي فالنتاين كاتاييف وترجمها البروفيسير محمد عناني أستاذ اللغة الإنجليزية العملاق والمترجم الفذ بآداب القاهرة , سطوة الأشياء وهوس الانسان بالامتلاك , حتى يعمى بالكامل عن رؤية ما هو مهم في الحياة حقا .. لقد خسرت شوركا زوجها الحبيب , فقط لانها كانت مشغولة بالاقتناء .. ففي الدولة الشيوعية القاسية التي لا مجال فيها للسماء , ولا امل في الجنة التي هي حلم الفقراء في العدالة , يدور كل شيء حول الأرض .. وتتحول الأشياء الملموسة الى كل ما يطمح اليه الإنسان , وفي دولة لا تسمح بالامتلاك فإن امتلاك الأشياء يجعل الانسان يحقق اشباع رغبته الغريزية في التملك .. امتلاك انسان أو امتلاك شيء


لدينا في مصر والعالم العربي هذا الهوس بالاقتناء , انها ثقافة خاصة أسميها ( ثقافة النيش ) .. هذا النيش هو قطعة ضخمة ثقيلة الظل من الأثاث ليس لها أي معنى ولا قيمة يصر الناس على اقتنائها في بيوت هذه الأيام الضيقة الصغيرة التي لا تسمح مساحتها بوجود مثل هذه القطعة عديمة المعنى , ولكنك تفاجأ بها كاللطمة على وجهك بمجرد دخولك الى ردهة أحدهم , تضيق الغرفة و تكتم على أنفاسك وتثقل روحك بمحتوياتها من الكؤوس و الأكواب والأطباق البراقة


لقد كان النيش في الأصل قطعة من الأثاث ظهرت في فرنسا كدولاب للزينة , يضع فيه النبلاء والأمراء النياشين التي تلقوها من الملوك , وجوائز رحلات الصيد التي حصلوا عليها , و الأطباق التذكارية المنقوش عليها رمز الملكية المهداه من الملك , أو شعار أسرتهم الذي يصنعونه خصيصا , أو شعار الحزب أو النادي الريفي الذي يتشرفون بعضويته .. ولكن التخلف الذي زحف على المضمون في مصر انسحب على المظهر .. فالصعود السريع للطبقة العاملة بعد الانفتاح مع عدم وجود نمو ثقافي وسلوكي بشكل مواز لهذا الصعود المادي المباغت , جعل محدثو النعمة يرغبون بشدة في نقل المظاهر الأرستقراطية إلى حياتهم نقل المسطرة دون تفكير , فوضعوا في النيش أطباق الطعام والشراب من الصيني المنقوش المزخرف والكريستال .. أطباق عادية ليس عليها شعار ولا اسم ولا تاريخ وليس لها ذكرى ولا معنى.. وبذلك صنعوا في مختبر الجهل والسوقية والتقليد الأعمى النسخة البدائية لفيروس ثقافة النيش


الأسخف أن الناس تقتني في بداية الزواج الكثير من الأطباق والأكواب مخصصة فقط للعرض والتباهي دون تفكير في معنى استخدامها , مثل طقم الكؤوس الرفيعة الطويلة والكؤوس الكبيرة العريضة المفلطحة والأكواب المربعة القصيرة المدكوكة , الجهل يجعل الناس يقتنون دون أن يفهموا قواعد الإتيكيت , لأن الكؤوس الطويلة الرفيعة مخصصة فقط لشرب الشمبانيا , والكؤوس المفلطحة لا يوضع فيها سوى النبيذ , والأكواب المربعة المدكوكة لا يوضع فيها سوى الويسكي بالثلج .. غالبية الناس في مصر لا يشربون الكحوليات , ولكن الجهل بالاتيكيت يجعلهم يقدمون العصائروالخشاف في كؤوس الكحوليات



نقطة أخرى أسخف من الأولى .. هي هوس العروس المصرية بإيعاز من أمها المسيطرة بشراء طقم الشاي الأثري بالإبريق الصيني والفناجين واللبانة والسكرية الخ الخ بالاضافة إلى عدد من الأطقم الصيني (للضيوف الرسميين ) وطقم آخر للاستخدام اليومي وطقم الأركوبال وطقم الميلانين .. طقم الميلانين هذا مع فريق الأكواب البلاستيك هو أقبح و أبشع شيء من الممكن أن تراه في بيوت العائلات المصرية .. هذا الطقم غير قابل للكسر لهذا يضعون فيه الطعام للأطفال , ولكن قلة الذوق تجعل الناس يستخدمونه يوميا في الوجبات الثلاث حتى ولو لم يكن في الأسرة أطفال .. أنا شخصيا أكره أطباق الميلانين جدا ولا أطيق منظرها ..ولا أعرف لماذا ولمن يدخرون الملاعق الفضية والصيني الثمين في هذا الزمن الذي لم يعد فيه أحد يزور أحدا وانقطعت فيه صلات الأرحام .. ولا أحد يشرب الشاي في فناجين لأن القليلين من الناس يعرفون بروتوكول شاي الخامسة عصرا البريطاني الشهير بكل طقوسه ومراحله الثلاث المعقدة , ومن يعرف يتكاسل عن اتباع اصول التقديم والكل يصبون الشاي في المجات الكبيرة المريحة


المفارقة المثيرة حقا للسخرية هو انفصام الشخصية الذي نعاني منه في نظرتنا للمعنى الأشياء ومتى نستخدمها .. نحن لا نمتع أنفسنا بأشيائنا , ندخرها فقط للتباهي أمام الناس اذا جاء الضيوف ظهرت الملابس الجميلة و الأشياء الغالية , وبعد ان ينصرفوا تدخل التشاينا الى النيش وتظهر الأطباق البلاستيك وتختفي الملابس الجميلة في الدولاب !! .. الناس تضع أمام الأصدقاء والضيوف المقربين أدوات المائدة الرخيصة وتدخر الغالي للغرباء , وتصنع الأطعمة التافهة والوجبات العادية التي لا فن ولا ابداع فيها مع الأحباء ثم يجهزون الولائم العامرة للغرباء , بينما من المفروض أن يحدث العكس , فأنا حين أكون سعيدة بمجيء أصدقائي المقربين وأقاربي الأعزاء الذين أحبهم حقا , فمن المفروض أن أخرج من اجلهم أحسن ما عندي من أدوات , وأهتم بتنوع أصناف الطعام لكي أسعدهم وأحسن ضيافتهم , بينما لا يعنيني الغرباء الذين يأتون دون موعد مسبق ولا أراهم الا في المناسبات المتباعدة .. والذين يأتون ليأكلوا عندي وينتقدوا طهيي وبيتي وملابسي وكافة تفاصيل عالمي بمجرد أن ينصرفوا .


_______________________________


مع تتابع الأجيال اصبحت التقاليد النيش ثقيلة راسخة يتبعها الناس دون تفكير كالقطيع .. من طقوس الزفاف المزعجة الى سلوكيات الحياة المختلفة ولكم ان تتخيلوها .. كل تقليد جاهل ومزعج ومفرغ من المعنى هو ( تقليد نيشي) .. كل فكرة أخذناها مسلما بها هي جزء من ثقافة النيش .. كل المعتقدات البالية التي توارثناها بلا تفكير هي جزء من فلسفة النيش , كل السلوكيات التي نتبعها كالمنومين مغناطيسيا والتي لا تختلف عن نظرية الارتباط الشرطي التي طبقها العالم الروسي بفالوف على الكلاب هي طبق رخيص موضوع في النيش .. نحن لم نخلق لهذا .. لقد خلقنا لنجدد ونغير ونثور على الموجود , نحن لسنا كلاب بافلوف .. نحن بشر لدينا عقل وإرادة


إن ( ثقافة النيش ) الخرقاء تجعل المصريون يقتنون الأثاث الكلاسيكي الثقيل من طراز لوي كانز ولوي كاتورز و الذي يرجع تاريخه إلى مايزيد عن ثلاثمائة سنة مضت .. ويقتنون ادوات المائدة , وهم لا يعرفون أي شيء عن اتيكيت الضيافة و أصول تناول الطعام , نحن نهتم بشراء السرير والملاءات والوسائد الوثيرة بينما نحن جهلاء لا نعرف شيئا عن مشاعر النصف الآخر وفاشلون في فنون الجنس .. الفتاة تبتاع عشرات من قمصان النوم المزخرفة المثيرة وهي أجهل ما يمكن في فن الإغراء , و تظن أن هذه الهلاهيل الشفافة هي كل ما سيصنع منها زوجة رائعة .. لديها رحم يجيد تفريخ الأطفال كأية أرنبة بينما هي أجهل ما يكون بقواعد واصول التربية ..نحن لدينا أحدث شاشة إل سي دي ولا نتفرج من خلالها إلا على المسلسلات العربية المتخلفة .. لدينا موبايل غال وعصري ولكننا لا نجيد فن الكلام والتواصل ولا استخدامه والانتفاع بفوائده , لدينا سيارات ولكننا لا نعرف شيئا عن أخلاق القيادة , لدينا أزواج وزوجات ولكننا لا نعرف شيئا عن التواصل والحب .. لديناء أشياء, وأشياء, وأشياء .. ولكننا في الواقع مفلسون و فقراء إلى أبعد الحدود


النص الكامل للمقال



بقلم محمد زكي الشيمي

قبل أن أبدأ في عرض السيناريوهات ومميزاتها وعيوبها ينبغي أولاً ان أوضح أن جانب كبير من مشكلتنا هي أننا نتحدث عن غير دراية،لهذا فقد آثرت أن أنشر هذه الحقائق ،قبل بدائل الحل حتي لا نتجادل طويلاً فيما هو معلوم،كما ان الإقتصاد عموما لا يبني إلا علي الأرقام والأشكال البيانية
واعتذر مقدماً عن هذا الطول الشديد في النوت وفي الواقع فأنا أتركها هنا كمصدر أو مرجع للنقاش وليس بالضرورة لقراءتها لمن لا يرغب في ذلك

أولاً الربع الأول للحقيقة
مجموعة حقائق ومفاهيم مهمة جداً في حلول للقضية وعلاقتها بالوضع المصري

الميزان التجاري هوالفارق بين صادرات وواردات أي دولة و(كل ميزان في هذه التعريفات يسمي بميزان ببساطة لأنه لا بد أن يكون مجموع الأرقام السالبة والموجبة لدول العالم مجتمعة هو صفر)

ميزان الخدمات وموضوعه هو الخدمات غير المنظورة النقل والتأمين والسياحة والخدمات المالية،الخ ويشمل الجانب الدائن نفقات سفر الأجانب علي أرض الوطن والنقل علي وسائل وطنية والتأمين،الخ والجانب المدين هو نفقات السفر إلي بلاد أجنبية واستخدام وسائل مواصلاتها ،الخ ومرة أخري هذا يوضح أن أي انفاق لمصري في الخارج يضاف سلباً إلي ميزان الخدمات والعكس صحيح.

ميزان الحساب الجاري(ميزان المعاملات الجارية) وهو مجموع الميزان التجاري وميزان الخدمات

ميزان التحويلات من جانب واحد : يتعلق هذا الحساب بمبادلات تمت بين الدولة و الخارج بدون مقابل أي أنها عمليات غير تبادلية ، أي من جانب واحد و تشمل الهبات و المنح و الهدايا و المساعدات و أية تحويلات أخرى لا ترد سواء كانت رسمية أو خاصة ويقع ضمنها تحويلات المصريين العاملين بالخارج كجانب مدين، أما الجانب الدائن فيضم كل تحويل من مصر إلي مقيم بالخارجبالإضافة إلي المنح المصرية للخارج إن وجدت

ميزان العمليات الرأسمالية (ميزان معاملات رأس المال) وموضوعه هوحركات رؤؤس الأموال من بلد إلي آخر ورؤوس الأموال أما طويلة الأجل( تتجاوز السنة) كالقروض طويلة الأجل،والاستثمارات المباشرة كالاسهم والسندات أو قصيرة الاجل كالقروض قصيرة الاجل والأوراق المالية قصيرة الاجل والودائع المصرفية حيث يحسب كجانب دائن (+) زيادة أرصدة البنوك والهيئات الأجنبية وبيع الأوراق المالية(السندات والأسهم )بالخارج ،والجانب المدين(-)شراء أوراق مالية من الخارج وخفض أرصدة البنوك والهيئات الاجنبية بالوطن
ميزان المدفوعات:يتشكل أساساًمن مجموع ميزان الحساب الجاري وميزان التحويلات من جانب واحد وميزان العمليات الرأسمالية، وهوالحساب الكلي الذي يشكل مجموع المعاملات الاقتصادية بين بلد ما والعالم الخارجي

أهمية ميزان المدفوعات يعكس لنا درجة التقدم الاقتصادي في هذا البلد و يمكننا من تحديد مركزه بالنسبة للعالم الخارجي

الوضع المصري مميزاته وإشكالياته
علينا أولاً ن نعرف أن مصر لا تعاني عجزاً في ميزان المدفوعات حالياً بل هي تحقق فائض منذ أربع سنوات أو خمس سنوات ووفقاً للأرقام الأخيرة فمصر حققت فائضاً تجاوز 5,3 مليار دولار وهو أكبر فائض في ميزان المدفوعات المصري في السنوات الخمسين الأخيرة كلها ، وعلينا أن نقول بوضوح أن السياسة المصرية النقدية في عهد حكومتي كمال الجنزوري وعاطف عبيد وسياسات البنك المركزي أثناءها جعلت مصر تعاني عجزاً في ميزان المدفوعات استمر حوالي سبع سنوات 1996 – 2003 وأنه بالتأكيد قد حدث تحسن في الاداء مع فترة أحمد نظيف وفاروق العقدة ولكن المقارنة من خلال ميزان المدفوعات ليست هي المطلوبة وإن كانت تشكل رقماً مهماً في المعادلة لأن الوضع وإن كان تحسن ظاهرياً – وهو أمر يحسب للمجموعة وللسياسات النقدية بلا شك- فهو لم يتحسن في العمق ولهذا تعمدت ان أمر علي كل هذه التعريفات لأنها ستوضح مرة أخري ما هي المشكلة وإن كان هذا لا ينفي أن نجاح مصر في تجاوز العجز السابق في ميزان المدفوعات هوأمر ممتاز في جميع الأحوال.
الميزان التجاري : الصادرات المصرية ارتفعت بمعدل 19,3 % لتصل غلي 22 مليار دولار وارتفعت الواردات بمعدل 24,3 % لتصل إلي 37,8 مليار دولار،وبالتالي ارتفعت التجارة الخارجية إلي 60 مليار دولار،وارتفعت نسبة التجارة الخارجية إلي إجمالي الناتج المحلي من 45,5 %إلي 46,8% فيما زاد العجز في الميزان التجاري ليصل إلي ( 22 -37,8 ) أي عجز بمقدار 15,8 مليار دولار
بتحليل الأرقام السابقةنجد مجموعة إشارات إيجابية وأخري سلبية ،الأرقام الإيجابية هي زيادة حجم التجارة الخارجية ،وزيادة نسبتها لإجمالي الناتج المحلي لأن هذا يعني دخولنا أكثر فأكثر في المنظومة الاقتصادية العالمية . وكذلك زيادة الصادرات (وإن كان لنا وقفة مع هذه الصادرات) بينما تبدو زيادة الواردات كرقم وزيادتها النسبية أمام الزيادة النسبية للصادرات أمور غير صحية
ولنبدأ بالأمور الأفضل نعم زادت صادراتنا إلي 22 مليار دولار وزادت بنسبة 19,3 % وهذا شيء ممتاز مبدئياً ولكن ماهي السلع المصدرة وما هو وزنها النسبي ضمن إجمالي الصادرات؟



الإجابة واضحة في الصورة الصادرات البترولية تشكل 45,9 % من الصادرات المصرية بقيمة 10,1 مليار دولار وينقسم الرقم إلي 31% صادرات بترول خام ، 26,8 % صادرات غازطبيعي ، 32,8 % منتجات بترولية
ومعني هذا الكلام أن نصف صادراتنا تقريباً تتشكل من موارد طبيعية خالصة البترول الخام والغازالطبيعي وباقي المنتجات البترولية،(ربما يعرف البعض الآن لماذا تصمم الحكومة علي بيع هذه السلع حالياً باعتبارها احد أهم مصادر تغطية كارثة العجز في الميزان التجاري)
وفي الواقع أنا لن أدخل الآن في مناقشة أي مهاترات سياسية حول الموضوع فسأكتفي فقط بعرض باقي الصادرات
الصادرات غير البترولية تشكل 54,1 % بقيمة 11,9 مليار دولار وينقسم الرقم إلي 63,1% سلع تامة التصنيع ، 16,6% سلع نصف مصنعة ، 6,1 % مواد خام
ولنبدأ بالمواد الخام لنجد أنها خضراوات وفواكه وحبوب وقطن وحديد خام (ألم تلاحظوا معي أن هذا أيضاً يدخل في إطار الموارد الطبيعية ، أي أننا نستخرج ونزرع ونبيع وهذا كل شيء حتي الآن)
أما السلع نصف المصنعة فأهمها المنتجات الكيماوية وألومنيوم غير مخلوط والحديد الزهر(معظم هذه الصناعات موجودة في مصر منذ حقبة طويلة وبرغم التطور الحادث فيها فإنه من الغريب أن تبقي صادراتنا علي هذا النحو باستمرار)
وأخيراً تأتي السلع تامة التصنيع وهي(المنتجات الغذائية ،والملابس فضلاً عن شيئين في غاية الأهمية وهما منتجات الحديد والصلب ،والأجهزة والآلات الكهربائية)
ومن هذا كله نستنتج أن صادراتنا في قسم كبير منها قائمة علي البترول والصناعات القائمة عليه والزراعة والصناعات القائمة علي الزراعة(المواد الغذائية والملابس) والباقي إجمالاً هو صناعة الحديد والألومنيوم.




أما الواردات فإن زيادتها بهذا الشكل هو بكل تاكيد مؤشر سلبي وخصوصاً عندما نري تقسيمة الواردات والتي يظهر منها أننا نستورد كل شيء تقريباًمن اللحوم إلي الملابس إلي القمح والذرة والمعادن وقطع الغيار والحاسبات الآلية والخشب وصولاً أيضاً إلي الحديد والمنتجات البترولية (وهذا بالمناسبة يعزي لاننا دولة مصدرة ومستوردة للبترول لأننا نصدر خامات معينة ونستورد منتجات بترولية وخامات أخري،وليس في هذا أي مدلول عن غباء من أي نوع)




ميزان الخدمات
بعد خالص كل عمليات الجمع والطرح نجد ان ميزان الخدمات حقق فائضاً جيداً هو 11,5 مليار دولاربمعدل زيادة 39% أي أنه بمفرده غطي 72 % من العجز في الميزان التجاري وهذا أيضاً شيء جيد
ولكن علينا ملاحظة أنه بعد عمليات الإضافة والطرح فإن الزيادة جاءت أساساً من زيادة الدخل السياحي بمعدل 10,7% ليصل إلي 8 مليار دولار ،وارتفاع متحصلات النقل إلي 6,4 مليار دولار بينها 4,2 مليار دولاز من رسوم المرور في قناة السويس والتي ارتفعت بنسبة 17% لزيادة عدد السفن العابرة والحمولة الصافية



ويتضح لنا إذن أن كل النشاط التجاري والخدمي في مصر بكل ما فيه من صناعة وزراعة ونقل وسياحة، وموارد قناة السويس وآثار الأجداد ينتج عنه عجز مقداره 11,5- 15,8 = عجزاً بمقدار 4,3 مليار دولار
فمن أين يأتي الفائض إذن ؟ يأتي من عاملين آخرين ميزان التحويلات من جانب واحد وميزان العمليات الرأسمالية
ميزان التحويلات من جانب واحد :ارتفع صافي هذا الرقم الذي يشكل التحويلات من الخارج والهبات والمنح مطروحاً منها التحويلات والهبات للخارج بنسبة 27,3% ليصل إلي 7,1 مليار دولار كفائض من ضمنها 6,3 مليار دولار من التحويلات الخاصة بالعاملين المصريين في الخارج.
وهكذا يتضح أن لنا أن هذا الرقم هو رقم أساسي في تخفيض العجز إذ أنه بجمعه يتحول العجز إلي فائض

ميزان العمليات الرأسمالية : وصافي هذا الرقم هو فائض بمقدار 1,1 مليار دولارتقريباً وهذا الرقم بالأساس يرتكز كما أوضحنا علي زيادة الاستثمارات الاجنبية بالداخل وبيع الأوراق المالية المصرية للخارج

من تشريح هذه الارقام يتضح لنا بوضوح ان الفائض الإيجابي بمقدار 5,3 مليار دولار يعتمد أساساً علي تشكيلة أبعد ما تكون عن أداء الدولة العام فهذا الفائض يأتي اساساً من تحويلات المصريين المقيمين بالخارج والاستثمارات الأجنبية في مصر والأوراق المالية المصرية المباعة للأجانب في سوق الاوراق المالية المصرية،ورسوم مرور السفن في قناة السويس ، وعدد السياح الأجانب القادمين إلي مصر،وأخيراً الصادرات المصرية من المواد الخام والموارد الطبيعية ،ولولا هذه التشكيلة التي لا يبدو فيها أثر كبير لإدارة الدولة لأصبحنا أمة من المتسولين.
كما يتضح لنا أيضاً لماذا تظهر الحكومة المصرية دائماً بمظهر مخزي في الدفاع عن حقوق المصريين بالخارج ، لأنها في الواقع تعرف أن أي قرارات انفعالية ستؤثر علي وضعها المهتز سلباً ، وهو الموضوع المكشوف للعالم والذي يعرفه الجميع، هذا برغم ما يتضح لنا من أن هؤلاء يشكلون حجر الأساس الذي يحفظ للاقتصاد المصري ماء وجهه ويحفظون لمصر ما تبقي لها في الاقتصاد العالمي.
ويتضح لنا أيضاً للأسف أن العرب والأجانب المضاربين في البورصة وغيرها يتكفلون بدور كبير أيضاً بدخول أموالهم في المعادلة ، وأن بدونهم أيضاً تنكشف حالة الاقتصاد المصري.
ويتضح لنا أن السياحة الاجنبية هي أيضاً عامل هام للغاية ،وان أي اختلال في موازين السياحة لأسباب عالمية أو محلية سيضر بوضعنا بشدة( الغريب أننا في هذا نعتمد مرة أخري علي الأجانب لتحسين وضع الاقتصاد)
وتأتي رسوم المرور في قناة السويس أيضاً لتوضح مدي ارتكازنا علي مرور الأجانب-للمرة الثالثة- في ممراتنا الملاحية ،وتوضح مدي خطورة تأثر حركة الملاحة بالعوامل الدولية(قراصنة الصومال علي سبيل المثال)
ومن هذا كله فإنه علينا أن نعترف بحقيقتين ،الأولي أنه برغم النجاح النسبي للحكومة والبنك المركزي في استمرار تحقيق فائض في ميزان المدفوعات إلا أن هذا لا يعفي الجميع من المسئولية عن هذا الوضع ،والذي – وإن كانوا ليسوا بالضرورة هم من تسببوا فيه فوضعنا سيء منذ سنوات – ولكنه يعكس غياب الرؤية الشاملة وفشل التخطيط المستقبلي علي المديين المتوسط والطويل.
أما الحقيقة الثانية فهي ما ذكرته في الجزء الأول من حديثي ،وهو ان الشعب المصري عموماً لا يعمل بكفاءة ولا ينتج فلا يمكن لشعب تعداده 80 مليون أن تكون محصلة مجموع كل اعماله الصناعية والتجارية بالسالب، ويقف لينتظرالأجانب أو إخوانه المصريين العاملين بالخارج لإنقاذه.

ثانياً الربع الثاني من الحقيقة:
ولكن وبعد هذا الهجوم تعالوا لنري الجانب الآخر من الصورة والمتمثل في موازنة الدولة
في الواقع فإن مصروفات الموازنة العامة للدولة بلغت 222 مليار جنيه في حين أن إيرادات الموازنة هي فقط 180 مليار جنيه،والسؤال الأول من أين تأتي الإيرادات؟
الإيرادات بالأساس يأتي 114 مليار جنيه منها بنسبة 57 % من العوائد الضريبية ،وحوال 45 مليار جنيه بنسبة 25% من عوائد الملكية (هي ناتج بيع أصول مملوكة للدولة وعمليات الخصخصة ،ورخص مثل رخصة الشركة الثالثة للمحمول،الخ ) ،والباقي من المنح وإيرادات أخري
ومن أين تأتي المصروفات؟
تأتي بشكل أساسي من الانفاق علي الدعم (السلع الأساسية والمحروقات) 54 مليار جنيه بنسبة 24,3% ثم من أجور العاملين بالدولة وتعويضاتهم (حوالي ستة ملايين في الجهاز الإداري للدولة) وهذا الرقم وحده يشكل 52,1 مليار جنيه بنسبة 23,5 %، ثم من خدمة فوائد الدين المحلي والخارجي 47,7 مليار جنيه بنسبة 21,5 %، ثم باقي بنود الموازنة العامة كالدفاع ،وو،الخ أي أنه ببساطة فإن الدعم وأجور العاملين بالدولة وخدمة فوائد الديون تشكل معاً 69,3 % من الموازنة العامة للدولةوإذا أضنا موازنة وزارة الدفاع 17,7 مليار بنسبة 8% تقريباً فإن مجموع هذه البنود الأربعة معاً يصل إلي 77,3 % من الموازنة العامة
فبالله عليكم كيف يمكن لدولة تنفق أكثر من ثلاثة أرباع ميزانيتها في بنود غير انتاجية أو مرتبطة بالانتاج بشكل طفيف أن تحقق طفرة اقتصادية؟ علي أن الأسؤأ من بنود الموازنة هو العجز فيها فمع كل ذلك العجز الكلي في الموازنة (بعد إضافة صافي الحيازة من الأصول)يصل إلي 54,7 مليار جنيه













والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يمكن علاج هذا العجز إذا كانت الإيرادات لن تأتي إلا من طريقين أما زيادة الضرائب ،أو عوائد الملكية؟
الغريب أن هناك اعتراض مستمر علي أي من هذه الخطوات ، حسناً من الممكن علاج العجز بتخفيض المصروفات ، وهذا يعني إما تخفيض الدعم ،أو التخلص من العمالة الضخمة الزائدة في أجهزة الدولة،وعدم تعيين المزيد منهمـ او عدم رفع مرتباتهم بالعلاوات ،أو تخفيض بعض بنود الموازنة كالتعليم (إلغاء المجانية مثلاً ) أو خفض نفقات الرعاية الصحية ،ألخ ،والإجابة أيضاً هي عاصفة من الرفض
إذا رفضنا كل هذه الحلول بشكل قاطع هناك حل واحد إذن الإقتراض من الخارج وإغراق البلد في مزيد من الديون ،وهذه هي المشكلة التي نحن فيها باستمرار .



بعد عرض هذه المشكلة يتضح أنه وبرغم كل اللوم الواقع علي الحكومة وأداءها فإنه من جهة أخري ينبغي أن يكون لدينا تصور عن كيفية سد هذا العجز والذي تسدده الحكومة حالياً بالشكل التالي




إذن من الواضح ان زيادة الدين المحلي ( اقتراض الحكومة من هيئات مصرية) والدين الخارجي (في أضيق الحدود) هو ما تلجأإليه الحكومة حالياً لسد هذا العجز
وعلينا إذن أن نعترف أنه مالم يحدث التحسن العام في الأداء المصرفي والمالي (الحادث حالياً منذ سنوات ) فإن الخيار الوحيد المطروح أمامنا لو عجزت الهيئات والأصول المصرية والإيرادات الضريبية عن السداد هو الاقتراض من الخارج، وبالتالي لا بد أن نقر أن تحسن الأداء المصرفي والبنكي وفائض ميزان المدفوعات ،وزيادة الاحتياطي من العملة الاجنبية وإن كان مسكناً وقتياً للمشاكل لكنه لا يزال يحمي الدولة من مزيد من الاقتراض الخارجي


ثالثاً الربع الثالث من الحقيقة
مادمنا نتحدث عن الديون فلا بد إذن أن نري حقيقة الدين المحلي والخارجي المصري لندرك أين نحن،الدين المحلي( إجمال ديون الحكومة والهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي) هو 637 مليار جنيه بما نسبته 87,1 % من إجمالي الناتج المحلي







ويتضح لنا إذن مرة أخري ضخامة الدين المحلي ،وأهمية قطاع البنوك المملوكة للدولة في تمويل عجز الموازنة
أما الدين الخارجي فنتيجة لزيادة سعر صرف معظم العملات المقترض بها امام الدولار فقد ارتفع بقيمة 0,3 مليار دولار ليصل إلي 29,9 مليار دولار






29- وتلجأ الحكومة إلي تقليل الاقتراض من الخارج لأقل حد ممكن وفقاً لخطتها طويلة الأمد للتخلص من الديون



وبالنظر إلي الدول والجهات الدائنة ومقارنتها بالشركاء التجاريين لمصر يتضح لنا أن غالبية الدول الدائنة هي من أهم الشركاء التجاريين لمصر، مع استثناء الدول العربية إذ أن حجم التجارة البينية بين الدول العربية وبعضها منخفض للغاية ،وبمقارنة عملات الاقتراض نجد أن الدولار الامريكي أهمها نظراً لوجود ديون لجهات غير أمريكية بالدولار الأمريكي






ومن جهة أخري ارتفع احتياطي العملات الأجنبية بنسبة 24,5% ليصل إلي 28,6 مليار دولار



الربع الرابع من الحقيقة:
32- إجمالاً أريد أن أعرض هنا معدلات التضخم وخصوصاً التضخم في أسعار السلع الغذائية مكتفياً بالصور التالية




وبعد،فهذا عرض شبه كامل وملخص لوضع الاقتصاد المصري ، وقد فضلت أن أوضح هذه الاكان الأربعة للحقيقة لبيان لماذا يري البعض النصف الملآن من الكوب ويهلل فرحاً،ولماذا يري آخرون النصف الفارغ ويصيح غضباً ، وإن كنت أري كلا الطرفين مبالغاً جداً في موقفه ،وسأترك البدائل المطروحة هذه المرة أيضاً للتفكير بعد عرض هذه المستجدات علي الجميع إضافة إلي النوت السابق


النص الكامل للمقال

اطمئنوا.. حماس باقية

11.2.09 |


بقلم هاني ميشيل



تعددت التفسيرات عن اسباب قرار اسرائيل ضرب غزه
بعضها ذهب الى نظرية المؤامره التى نفذتها الدول العربيه " المعتدله " .. البعض الاّخر اتهم اسرائيل بالتخطيط لتنفيذ مجزره او اخلاء لسكان غزه الى سيناء
و الاغلبيه خشت على حماس من الفناء و هزيمة "المقاومة

اسرائيل لن تقضى على حماس ... ابدا
لأنه فى مصلحتها بقاء حماس و لكن دون ان تهدد امنها
لعدة اسباب

1- سيتم التوازن فى القوه بين فتح و حماس التى كانت قد استقوت
و هو نفس ماكنت تقوم به اسرائيل ضد فتح ايام قوتها وقت عرفات
و هذا التوازن سيؤجج صراع بينهما ليتركوا اسرائيل فى حالها

2- امام المجتمع الدولى : لا يوجد شريك فلسطينى للتفاوض
فحماس لن تقبل بأى شىء تتفق عليه فتح - و تصدق عليه منظمة التحرير
و هى فى الاصل ترفض مبدأ التفاوض او حتى الاعتراف باسرائيل
و هى لا تلتزم بالاتفاقات المبرمه و ترفض حتى الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينيه - الممثل الشرعى و الوحيد للشعب الفلسطينى - طبقا لقرارات الجامعه العربيه و الامم المتحده

3- وجود حماس يمثل صداعا للنظام المصرى و يهدد امن سيناء
فهو يمثل جناحا عسكريا لحركة الاخوان المسلمين ، و يدا طولى لايران على الحدود المصريه
كما أنه تسبب فى اضعاف شعبية النظام الحاكم فى مصر أمام التعاطف الشعبى لما يحدث على حدود مصر - خصوصا و أن الخارجيه الصريه " شربت المقلب " و استقبلت مصر ليفنى قبل الغزو بساعات

4- وجود اكثر من فصيل فى السلطه و وجود دوله عربيه راعيه لكل فصيل يؤدى الى صراع بين الدول العربيه و بعضها - على غرار الصراع السورى السعودى فى لبنان
- فهناك رعايه سوريه قطريه ايرانيه لحماس ، فى مقابل رعايه مصريه سعوديه اردنيه لفتح
و هو ما يشل اى قرار ممكن ان يصدر عن جامعة الدول العربيه ايضا
و هو ما أفشل امكانية عقد قمه عربيه لمناقشة الأمر بالفعل

5- ايواء سوريا لقيادت حماس - الموجوده على الارض - تمثل مبررا لاسرائيل فى عدم التفاوض على عودة الجولان
و يضع ضغوطا دوليا على سوريا بوصفها ترعى منظمات ارهابيه

الى انصار المقاومه
اطمئنوا ... حماس باقيه
الهدف هو منطقه عازله لضمان عدم وصول الصواريخ الكارتونيه لدواعى انتخابيه


النص الكامل للمقال

الدين السياسى

10.2.09 |


بقلم حنان الشريف


أرى ويرى معى صاحب كل بصر وبصيرة ما يحدث حولنا اليوم فى العالم العربى، والمقصود هنا بكلماتى هو تسيس الدين. فكلٍ أصبح يلعب على وتر "هذا ما أنزله الله" حتى وان كان لم ينزل الله به من سلطان فى اى كتاب، بل إن اغلب ما يقال برئ منه الله. فجميع ما يلقى على مسامع البشر ما هو الا شعارات تلعب بمشاعر الآخرين، ويالعجب العجاب، فالبعض اكتشف فجأة أنه كان بعيداً عن الله كل البعد وأن انسياقه خلف هذه الشعارات حتما سيدخله الجنة من اوسع ابوابها

اصبح الدين هو الكلمة السحرية لكل صاحب بضاعة يريد رواجها. أنظر حولى نظرة سريعة واذهب إلى تاريخ اليوم لأجد أننى أحيا فى العصر الحديث بل فى الألفية الثالثة ولست ما قبل التاريخ، مع كامل احترامى وتقديرى لاجدادنا الذين برغم ظروف الحياة القاسية التى كانوا يحيونها فى تلك الحقبة الزمنية إلا انهم دللوا لنا على كيفية استخدام العقل، بدءاً من العصر الحجرى مروراً بعصر المعادن وصولاً إلى العصر الحديث، ومن المفترض أنه مع تقدم الزمان والتطور التكنولوجى الذى يؤهل الإنسان لمزيد من الإبتكار والإختراع ليفيد نفسه ويفيد مجتمعه، إلا أن الواضح اليوم هوعكس ذلك تماما! فكلما تطور الزمان كلما وجدنا حولنا من يقف مكانه متجمدأ، وليته يملك من مقومات المعرفة ابعد من تحت قدميه! وليته يعلم قدر الوهن الذى يعانيه ويتعلم من غيره أو حتى يصمت، كلا، إنه يريد ان تقف عجلة التطور وآلة الزمن ويلخصها فى ثرثرة لا تثمن ولا تغنى من جوع. وإن أخطأت وفكرت فى التحاور معه ينعتك بالكفر، فإما تصمت وإما تصب عليك اللعنات والويلات! حقاً هؤلاء يستحقون الشفقه والرثاء. فكل ما يعانون منه هو نتيجة للخطاب الدينى الذى يلقى على مسامعهم ليل نهار، وهم لا يدرون الغرض وماذا يريد منهم من يصر على اختزال الدين فى المظهر والبعد عن الجوهر وتغيير التعريف الصحيح للدين، وهو المعاملة.

الفاجعة أن هؤلاء المغيبون لا يدركون حجم الكارثة التى سيحياها المجمتع إن هو انصاع خلفهم. حيث المثقفون كفرة، والفنانون فجرة، والمرأة عورة، والحرية ذنب لابد له من عقاب، بينما لا غضاضة فى مأجورين واصحاب مصالح يروجون لمثل هذا الفكر حتى تتحقق مآربهم ومطامعهم الشخصية! وكل يوم تتزايد فجاجة الخطاب الدينى وتتزايد الشعارات الرنانة واللعب على مشاعر الطبقة الدنيا مستمر، فلم يعد هناك مكان بيننا لكلمة شورى وتلاشت الأخلاق وانتفى الذوق العام.

ليس العيب فى الدين وإنما العيب فى فظاعة الخطاب الدينى الذى يلقى على مسامعنا، وبنظرة سريعة على بعض المجتمعات الإسلامية نجد أن المفهوم السائد هو أن المرأة العورة صوتها حرام وخروجها من المنزل دون محرم حرام وقيادتها السيارة ذنب لا يغفر الا بإراقة دمها، وعن المعاملات فمن حق الكفيل ان يأكل مال العامل كيفما يشاء ومتى شاء، ولا يهم "اعطوا الأجير حقه قبل ان يجف عرقه"! لن اذهب بعيدا، وساعود إلى المشتركة معنا فى الحدود، فلسطين، تلك الكلمة التى تلاشت حروفها لتتمثل فى غزة وحماس! فمن حرب داخلية الى مجزرة صهيونية لا يهم الشعب ولا تهم الأرواح، الأهم هو الحفاظ على السلطة! وسأعود إلى داخل الحدود حتى لا اتناسى بالطبع "طز فى مصر وشعبها" والتى رددها مرشد مرتدى عباءة الدين السياسى، ولا ادرى لما كل هذا اللهاث خلف حكم بلد لا تهم ولا يهم شعبها؟ فرفقاً بالعقول! فليس الجميع بمستمع الى تلك الخطابات ولا هو مصدق لتلك الشعارات مهما على صوتها.

وإن كان لكل مرحلة شعار يلتف حوله مؤيديه ويردده معتنقيه، فأنا شعارى الدائم والذى لم ولن يتغير.. "الانسان هو الحل


النص الكامل للمقال

الجنس و المرأة و المجتمع المحافظ

9.2.09 |


بقلم ماجد ماهر


الدفاع عن الفضيلة‍!

ما هو المجتمع المحافظ؟ هو ذلك المجتمع الذي تحكمه و تتحكم فيه أعراف و تقاليد أجتماعية بحجة الحفاظ علي الأخلاق و المبادئ، مجتمع يمتلك أي شخص فيه حقا مزيفا للتطفل علي الحياة الشخصية للأخرين بحجة تحقيق الفضيلة و تجنب الرذيلة، حقا مكتسبا من سلطة اجتماعية قامعة تبني شرعيتها علي جثث الحريات الفردية متذرعة بواجب قومي وهمي وهو التحكم في سلوكيات أفراد المجتمع لينعم بالقداسة و الفضيلة

وحقيقة الأمر أن هذا المجتمع هو مجتمع مريض بأمراض أجتماعية عديدة منها الانكار و التسلط و الكبت و أهمها غياب العدالة، هو مجتمع غير ناضج، لا يعي كيف يتعامل مع واقع الحياة فيدفن رأسه في الرمال حتي لا يري المشكل
أما الجنس فهو ذلك الاحتياج العميق جدا إلي الحب و التلاقي روحا و جسدا، هو الاحتياج للمسة الحانية و هو الأحتياج للتفهم العميق ، هو الاحتياج للحضن الدافئ و هو الاحتياج لمتعة الأخذ و روعة العطاء، و هو علاقة تعبر عن احتياج الكيان الانساني للأتحاد بآخر و الشوق و اللهفة اللذان لا ينطفائان للحظات من العذوبة و الدفء نتاج هذا الأتحاد
و العلاقات كما أدركها تتمايز إلي نوعين، علاقات سلطوية مبنية علي أن يسيطر طرف علي أخر، طرف أقوى و طرف أضعف، و أخرى تكافؤية مبنية علي التكافؤ و المساواة في الحقوق و الواجبات و لا يوجد فيها أضعف و اقوى بل فيها نديين. و بما أن الجنس هو علاقة فلابد لها أن تأخذ شكل من الأثنين
و بما أن المجتمعات المحافظة تخشي الحرية و دائما ما تربط بين الحرية و الانحلال و بين التقييد و الفضيلة، لذلك أختارت المجتمعات المحافظة أن تتعامل مع الجنس بالتقييد حتي تضمن الفضيلة الظاهرية بالطبع و التي تخفي ورائها الكثير و الكثير من مظاهر الظلم البين و الجلي
أما المرأة فهي الطرف الذي قررت المجتمعات المحافظة أن عليه أن يدفع الثمن، فلابد علي طرف أن يخنع حتي تستقر العلاقة السلطوية. تدفع الثمن من حريتها و من أنسانيتها، من كونها راشدة تمتلك زمام حياتها الي كيان تحت الوصاية حتى ولو كانت في الأربعين من عمرها، من كونها كيان قائم بذاته و ليست مجرد تابع لانسان أخر كل ما يميزه هو امتلاكه لعضو ذكري، من كونها إنسانة تمتلك كل ملكات الانتاج المهني بكافة صوره الي مجرد زوجة و أم. إن الذكر في هذة المجتمعات سلب المرأة الكثير و الكثير من حقوقها و أعطي لنفسه في المقابل حقوقا لا يستحقها بحجة الدفاع عن الفضيلة
هذة المجتمعات التي تدعي الفضيلة، هي مجتمعات تمارس ظلم منهجي و أنتهاك منظم للمرأة، فمن البداية و هي طفلة تتلى عليها التعليمات العسكرية "ما تتضحكش بصوت عالي، ما تلعبش كتير مع ولاد، ما تعليش صوتك، أتكلمي بأدب، البنت المؤدبة لازم صوتها يكون واطي" و كأن حتى الغضب و الأنفعال أمر غير مشروع
و قبل ان تصير فتاة تخضع لعملية أقل ما يقال عنها أن قذرة و وحشية لبتر جزء من جهازها الجنسي أيضا بحجة الدفاع عن الفضيلة، و بالطريقة الشنيعة تلك تتعرف المخلوقة الغلبانة على المدعوق الجنس في لقاء لا يتميز إلا بالصراخ و الدم و الصدمة النفسية التي غالبا ما ترتبط في نفسها بالجنس لاحقا
و لما تدخل المراهقة و ينضج جسدها و تظهر عليها علامات الأنوثة تبدأ معها المراقبة العسكرية المشددة، و يا سلام بقي لو ليها أخ ذكر يمارس كل عقده النفسية و يطلع كبته عليها و طبعا المجتمع سيشيد به و يأمرها أكتر بالطاعة و الخضوع
و تيجي تدخل الجامعة تتحدد و تتحجم اختياراتها و غالبا ما تُمنع من السفر لكلية في العاصمة مثلا، ما هو يعني ازاي تعيش لوحدها من غير ما يبقي في راجل يراقب سلوكها و يتحكم فيها؟
و الطامة الكبري لما تتخرج، تبدأ الأسرة فورا في البحث عن أي ذكر و تعمل جاهدة علي شنكلته علشان الجواز سترة، أو بمعني أخر الزواج هو الشكل الأجتماعي الوحيد المقبول من المجتمع للفتاة، فالحياة أصلا للرجالة و الستات أتخلقوا علشان يبغددوا و يدلعوا الرجالة و بالتالي يعني ايه بنت تقعد لسن خمسة و عشرين و لا تلاتين من غير جواز؟ و ده طبعا يدي الحق للبواب و بتاع العيش و المكوجي إنهم يسألوا في السر أو في العلن ليه لحد دلوقتي لم يتم أدخال هذة الأنثى و التي هي خطر فاضح علي المجتمع تحت وصاية ذكر؟
وبما أن المجتمع قرر أن تلعب الأنثى دور الطرف الضعيف في العلاقة السلطوية بينها و بين الذكر، لذلك فهي دائما الملومة. فلو مارست الجنس خارج الزواج تتفضح و لو امكن تتدبح، (أحصائيا عدة الاف من النساء سنويا يتم قتلهن في الوطن العربي تحت مسمي جرائم الشرف.) أما هو لو قام بنفس الفعل فله الفخر، فهو الواد المخلّص! وهكذا تتحول العلاقة بين الراجل و الست الي علاقة صياد بفريسته، و لو تم أغتصابها يبقي أكيد كانت لابسة لبس خليع و هي السبب اللي حركت غريزة الحيوان اللي أغتصبها. و حيوان هنا ليست شتيمة و أنما هي الوصف الأدق للكائن الفاقد السيطرة تماما علي غرائزه
و لما تتجوز تفقد ملكيتها لجسدها (ما هو اللي عامل مشاكل من الأول) و حتي لو أغتصبها جوزها يبقي حقه، ما هو جسدها ده أصلا ملكه، فضلا عن أنها موجودة لأشباعه جنسيا ، مش أن هما الأتنين موجودين لأشباع بعض، و بعدين هو يعمل اللي هو عايزه في السرير لأنه الزوج صاحب الحقوق المقدسة مهما كان شاذ أو غريب، وبغض النظر عن رضاها من عدمه. إنما هي لو عبرت عن أحتياجها لشئ معين منه تبقي ست عينيها مفتوحة و مش متربية و طبعا ده ممكن يخليه يشك في أخلاقها و ماضيها
و لو طلع راجل عصبي و لا بخيل و لا عنيف لازم تستحمله. مش هو راجلها؟ و لو طلبت الطلاق يطلع عينيها، و لو أتطلقت يبدأ المجتمع الشريف الطاهر في ممارسة كافة أشكال الوصم و التمييز ضدها، ازاي يعني نسيبها من غير راجل يلمها و يحمينا من شرها و فتنتها؟
وده طبعا فضلا عن التمييز في العمل و التمثيل في الحياة العامة، بمعنى عندنا كام وزيرة و لا كام عضوة في البرلمان؟ و هل ممكن تترشح واحدة ست للرئاسة؟
أه يا مجتمع فاسد يدعي الشرف و يذبح الضعيف، أه يا قلبي الموجوع علي مجتمع قدس الظلم و أله التمييز
كام ست عملت خدها مداس و عاشت طول عمرها تتضرب من جوزها سبع البرمبة علشان لو أتطلقت المجتمع هينهشها؟
كام ست سكتت و كتمت في قلبها أحساسها بالاهانة من كلب أتحرش بيها في الضلمة لأنها لو أتكلمت المجتمع هيدبحها و برضه تحت مسمي الفضيلة؟
كام ست كانت ممكن تبقي عالمة أو مخترعة و قعدت في البيت بالغصب و الضرب و مالقيتاش اللي يدافع عنها و يساندها في مجتمع ذكوري ظالم؟
كام ست كانت ليلة دخلتها عملية أغتصاب كاملة من راجل مكبوت أو مريض و اتحرمت حتى من الكلام عن وجعها لأنه عيب؟
كام ست جوزها راماها و أتجوز عليها أتنين و تلاتة و عاشت تطالبه بحقها في ربع راجل و أمعن هو في إذلالها؟
كام ست صرخت لسنين في الكنايس اللي رافضة الطلاق و طلقوها بعد ما راح شبابها أو سابوها متعلقة؟
كام ست عانت من تحرشات و إنتهاكات من مديرها و لا من صاحب المصنع اللي أستغل فقرها و حماية المجتمع له لأنه بس ذكر و مقدرتش تتكلم؟
كام ست عانت بدون رضاها من ممارسات جنسية شاذة و يمكن سادية من جوزها و اللي مفروض يكون أحن الناس عليها؟
كام ست أتقتلت لمجرد الشك في سلوكها و الجريمة أتطبخت و الراجل طلع برئ و يمكن بطل؟
في النهاية بصفتي رجل أشعر أني مدين للنساء كلهن باعتذار عما بدر من أبناء جنسي من أسوأ أستغلال لمعني و قيمة الرجولة لفرض السلطة و الهيمنة الذكورية عليهن منذ فجر التاريخ و حتى الأن حتى لو لم أشترك في ذلك أنا شخصيا


النص الكامل للمقال

مصر أولا

8.2.09 |



بقلم فانتازيا

تشرفت بالانضمام لمجموعة من الاصدقاء المؤسسين لحركة 14 فبراير، والتي ترفع شعار "مصر أولا". وقد ظننت في أول الأمر أن مثل هذا التصريح هو أمر بديهي، لا يحتاج إلى حركة أو احتفالية عامة للتعبير عنه، خاصة أننا جميعا مصريون، وأمر طبيعي أن نلتف جميعا حول مبدأ أن مصر تأتي على رأس أولوياتنا كشعب
ولكن.. وآه من لكن

ولكن فوجئت عند بداية اطلاق الدعوة وتأسيس هذه المجموعة على موقع فيسبوك بهجوم عجيب الشأن.. وليس هذا هو المهم، فمن الوارد أن تقابل أي فكرة بالنقد أو الهجوم أو حتى التطاول.. لا يوجد إجماع على شيء في هذه الدنيا، ومن حق أي انسان أي يعترض على أي شيء. المفاجأة بالنسبة لي لم تكن في مبدأ المعارضة أو الهجوم، بل من مصدره.. فقد ذهلت حين وجدت أن أشد الهجوم والتهكم بل والخروج عن الآداب العامة في محاولة الاستهزاء من هذا الشعار "مصر أولا" تأتي من شباب مصري!! مصريون يحملون الجنسية المصرية!

وبعيدا عن تهافت المنطق الذي يتئك عليه هؤلاء في تهجمهم الشرس على مجرد طرح الفكرة، فالمزعج حقا هو ما ينضح به حديثهم وما يحملونه من شحنة من الكراهية تجاه بلدهم الأم! فهل من المعقول أو من الوارد أو من الاخلاقي أن يكون منطق البعض هو بما أن أمي فقيرة أو ضعيفة فأنا لا أدين بالولاء لها؟ وهل من المعقول أن يكون منطق البعض هو وضع مصلحة الجار فوق مصلحة أهل بيته؟

وما الجريمة يا ترى التي يرتكبها من يصرح بحبه لوطنه وأن هذا الوطن هو أعز ما عنده وهو ما يدين له بالولاء ويأتي على رأس أولوياته؟ وما الغريب في أن يقول مواطن مصري "بلدي أولا"؟ وما وجه الاستنكار هنا؟ هل عند أحدهم مشكلة في أن يقول السوداني "السودان أولا" أو أن يقول الماليزي "ماليزيا أولا" أو الفلسطيني "فلسطين أولا"؟ (رغم عدم قيام دولة فلسطينية حتى يومنا هذا، ولكن هذا لا ينفي أن انتماء الفلسطيني هو لأهله وأرضه) لا اعتقد أن تصريح أي مواطن في العالم بأن مصلحة وطنه تأتي أولا يعد شيئا غريبا يستحق الاستنكار أو الاستهزاء أو الشجب. إذن فلماذا ينفرد المصريون دون غيرهم بمثل هذه النظرة المشوهة للانتماء؟

توقفت كثيرا عند تعليقات البعض. وقد جاهدت نفسي للخروج من حالة الصدمة، ثم حالة عدم تصديق ما أرى، ثم حالة القرف والاشمئزاز التي اصابتني من بعض المزايدات الجوفاء التي تغلف كرها شديدا لمصر، لأتجاوز كل ذلك نحو محاولة الوقوف على ما قد يكون السبب وراء هذه الظاهرة الخطيرة

من الواضح أن هناك نوع من الضبابية عند البعض في ادراك معنى الدولة بمفهومها الحديث. فمن المعروف أن العالم القديم لم يعرف الحدود الجغرافية، وفي عصر ما قبل الامبراطوريات كانت القبلية هي المحددة للهوية الفردية وللكيان الذي يدين له الفرد بالولاء. ثم تطور ذلك المفهوم البدائي مع الوقت ومع بزوغ كيانات أكبر تضم الافراد على تنوع اصولهم القبلية أو العرقية، ولكن بقي البشر على مر عصور طويلة يحاولون جاهدين تحديد ملامح محددة لمثل هذا الكيان. لم يكن للأرض أو للشعوب حرمة، فقد كان قانون الغاب هو ما يرسم الخرائط ويقر الواقع السياسي وملكية كل رقعة من الأرض بشعبها وما عليها وما داخلها من ثروات طبيعية وتبعيتها لمن يمتلك القوة. عاش العالم عصر الامبرطوريات المتوسعة والتي تتغير حدودها باستمرار، ومع هذه الهلامية وامكانيات التوسع اللامحدودة، كان لابد على الكيان الأم أن يعزز من هويته وأن يفرق ما بين الشعب المحارب والذي يجني ثمار هذه الغزوات، وبين ما تم ضمه واخضاعه لهذا الكيان. من هنا بزغت فكرة صبغ هذه الاراضي الجديدة وشعوبها بثقافة وهوية المنبع الذي انطلقت منه الامبراطورية التي صار يتبعها. فحطمت حضارات وحوربت عقائد وسالت دماء الشعوب من المدنيين أنهارا لإخضاعهم بالقوة، إن لم ينفع اللين، على تشرب هذه الثقافة الوافدة والتحدث بلغتها والإدانة بالولاء لمركز الامبراطورية التي يتبعونها. فكان القوي يفرض افكاره ولغته ومعتقداته وثقافته وعاداته على الضعيف. وما كان على من يريد الحياة سوى الاستسلام والتأقلم مع الوضع الجديد مهما كان. القوة والقوة وحدها هي التي كانت تحمي الهوية. وكلما توسعت الامبراطورية كلما زادت مظاهر التمسك بالهوية، خاصة في مراكز الامبراطوريات. ولكن مع تطور الانسان ووسائل الانتاج، أدركت الشعوب أن منفعتها الأكبر هي في الاستقرار والرخاء، التي حرمت منه بعضها في السابق بحكم الجغرافيا وشح الطبيعة، فكان من اللازم آنذاك أن تجور على غيرها مستغلة قوتها للحصول على هذه الموارد. أما وقد دخلت البشرية في عصر العلم والتصنيع والتجارة، فقد بدأت الحاجة إلى استخدام القوة في ضم الاراضي تكلف هذه الشعوب تكاليف وتضحيات باهظة، لا توازي ما يستطيعون تحقيقه من منفعة عن طريق الاستقرار والتنمية الداخلية. ومع ذلك فقد شهد العالم جرائم مختلفة في حق الانسانية في هذه الحقبة، فقد كان التوجه نحو هذا "الاستقرار الداخلي" يتم عن طريق نفس المنهج القديم في استغلال موارد وطاقات الغير لبناء رفاهية الشعوب القادرة، وبدلا من الانتقال خارج الحدود، اعتمدت الامبراطوريات الحديثة على اسلوب الاستعمار. فالمستعمرة هي مثل منجم يستخدم لاستخراج الثروات ونقلها عبر البحار إلى المستفيد منها، ويتم تشغيل أهل الارض في هذه المناجم (المستعمرات) لحساب المستعمر، دون حق في الانتفاع بما يكمن داخل الارض، التي هي من املاك المستعمر حتى وان لم ينتقل للاستيطان بها. فتعيش شعوبهم في عز ورخاء هذه الثروات، بينما يبقى أصحابها في فقر وضنك يعانون من الأوبئة، بينما يتداوى المستعمر بالعقاقير التي يستخلصها من نبت ارضهم، ويتخبطون في ظلمات الجهل، بينما شعوب المستعمرين تترقى بما طورته مما نقلوه من عندهم. وخلال كل هذه العصور الامبراطورية والاستعمارية المتعاقبة كان استعباد البشر هو المصدر الاساسي لليد العاملة والعمود الفقري للاقتصاد

وجب هنا أن نتوقف ونتأمل مكاننا كمصريين وتاريخنا وهويتنا المتفردة. فالازمة التي لمستها ويلمسها الكثيرون من ضعف انتماء وتشوش في الرؤية وفي تعريف الذات، هي أزمة هوية بالاساس. الهوية المصرية، رغم ثباتها ورسوخها على مر التاريخ، تتعرض لضربة قاسية تهدد وجودها وتسعى لطمسها وطيها تحت مفاهيم لم يعد لها وجود في عالمنا وفي زمننا الحالي. (ففي عالمنا اليوم هناك كيان سياسي وجغرافي يسمى "الدولة" وهذه الدولة لها حدودها المعترف بها دوليا، وكل دولة هي ذات استقلالية وسيادة ، وفي ظل ذلك يتم التعاون والتبادل التجاري في ظل آليات سوق عالمية لها ضوابط.)

الهوية المصرية هي سند المصريين وضمان ثباتهم ورسوخ جذورهم واستقرارهم على مر العصور. فأنا حين أتأمل نقوش المعابد وتماثيل اجدادي الفراعنة، لا اشعر بغربة، ولا أشعر بالفارق الزمني الهائل الذي يفصل بيني وبينهم. أرى وجوها مألوفة.. أرى وجهي.. واتعرف على وجه جدتي وأمي وأبي وأخي واقاربي واصدقائي. أنا حفيدتهم فعليا وليس كلاما. هم من عمروا نفس هذه الارض من آلاف السنين. ألمس جدران المعابد فاشعر بحرارة اياديهم وهي تنحت هذه الحضارة العظيمة. أتجول في حجرة المومياوات وأشعر أنني في حضرة اجدادي، فهنا يرقد من حافظوا على هذه الارض ليسلموها لي اليوم أمانة في عنقي وفي قلبي وروحي تماما كما كانت وقت حياتهم.

اشعر بالامتنان لأنني استطيع أن أمد يدي لأمسك جذوري بيدي، وأعرف من أكون وأين مكاني في هذا الكون الشاسع، وأين سيكون أولادي وأحفادي وأحفاد أحفادي. كم أنا محظوظة! كم هي عدد الشعوب التي تتمتع بهذه النعمة الغالية؟ وكيف يمكن لمن يستطيع أن يرى تاريخه وماضيه وجذوره وامتداده أن يبلغ به الجحود أن يتنصل من كل ذلك ويقرر أن يمحوه في لحظة غفلة أو ربما غيبوبة عميقة لكي يكون مجرد عابر سبيل، لا أصل له ولا فصل؟

اتفهم كمية الكراهية والحقد التي يحملها أولاد السفاح للابناء الشرعيين. وهو نوع من الحقد الذي من الصعب مداواته، مهما عاملتهم بالعطف والحب والود، ومهما بسطت لهم يدك واظهرت أنك لا تعير اهتماما لهذا العنصر على الاطلاق. فأنت متصالح مع نفسك ومع الآخرين لأنك نشأت تنشئة سليمة وتعرف أصلك وفصلك ولا تعاني من عقدة النقص التي يعاني منها الآخر الحاقد عليك، لذلك فأنت على استعداد لتقبله ومعاملته معاملة الانداد. لكنه بسبب نفسيته العليلة لن يستطيع تجاوز الفارق بينه وبينك، ودائما سيجد الاسباب لكي يكرهك ويجد في ذلك سببا كافيا لكي يحقد عليك ويسعى لتدميرك.

أتفهم مثل هذا الدافع ومثل هذا السخط ومثل هذا الهجوم من هؤلاء. ولكن الكارثة هي ان تجد ابناء بلدك انفسهم يتبعون كل حاقد وكل كاره، ويحطون من انفسهم ومن شأن وطنهم، ويصطنعون التبريرات لمثل هذا السلوك المخزي والشاذ.

لابد لنا من وقفة مع النفس وأن يعي كل منا جيدا أن من ليس له خير في وطنه لا خير له في أي مكان آخر. النبت الشيطاني يتمنى لو انبتت له جذور، فما بالك يا نخل ياعالي تبتر نفسك تاركا مكانك وظلك وشموخك لتضمر وتموت في دولاب بالي؟

وأخيرا، لا أجد خيرا من كلمات صوت مصر الأسمر الأصيل محمد منير لأنهي بها هذا المقال الأليم..
قلب الوطن مجروح لا يحتمل أكتر


النص الكامل للمقال